نظرت الفتاة من النافذة المجاورة لمكتبها متنهدة وحينها بدأت تتذكر ما كان عليها فعله هذا اليوم.
اليوم هو اليوم الفاصل في حياتها وحياة ابنتها الصغيرة.
فاليوم هو اليوم الذي انتظرته من سنوات طويلة وكانت تفكر مراراً و تكراراً في كيفية قول ما تريده لوالد صغيرتها.
نعم، ستخبر عمر بأن إيليف ابنته وستتحمل كل النتائج الإيجابية والسلبية التي ستنتج من هذا الحديث . قررت أن تتحمل غضبه إذا غضب وأن تتحمل حزنه إذا حزن.
ستتحمل كل شيء لكي تتخلص ذلك الحمل الثقيل التي حملته لسنوات عدة دون ملل أو كلل.
ستفعل ذلك من أجل ابنتها ومن أجل الرجل الذي أحبته يوماً وستتجاهل مشاعرها وكبريائها من أجل معرفته بالحقيقة.
تحملت وستتحمل المزيد من أجلهما!
تنهدت للمرة الثانية وهي تحرك الكرسي عائدة إلى مكتبها لتنظر إلى أوراقها وأشغالها التي تحتاج إنجازها قبل الذهاب إليه وحين بدأت بذلك داهمت سيدا الغرفة صارخةً باسمها فذعرت الفتاة وعادت بكرسيها للخلف حتى صدمت الجدار من رعبتها.
- ماذا هناك سيدا؟ ارعبتني!
- في الأساس هذا السؤال لك أنت!! ماذا هناك دفنة؟ ماذا تفعلين حقاً؟!
لم تفهم دفنة شيئاً فعقدت حاجبيها استغراباً لما تسمعه منها لا تستطيع تخمين ما قد حدث وما قد أغضب المرأة مجدداً ليجعلها بهذا الثوران فهي لا تتذكر أنها قد قامت بما يغضبها مجدداً.
- أنا حقاً لا أفهم... ماذا تقصدين؟
- لا تفهمين؟ حقاً لا تفهمين؟!
اقتربت سيدا من دفنة وهي تمسك الجهاز اللوحي بكل قوتها كادت أن تكسر شاشته بأصابعها من شدة غضبها ولكن لم تهتم لذلك بل اهتمت بتعنيف وتوبيخ شريكتها.
- كيف تفعلين هذا بنا؟ كيف تفرطين بشركتنا بهذا الشكل؟
لم تتضح الصورة لدفنة أبداً فماذا قد تكون قد فعلت لكي تودي بحياة شركتها كما فهمت من كلام سيدا فحاولت أن تفهم أي شيء من تعابير وجه سيدا ولكن فشلت فتنهدت بملل من محاولة التخمين ونظرت إلى سيدا بنظرات باردة.
- سيدا... أنا حقاً لا أفهم، أخبريني ما حدث وحينها سأقرر هل يلزم كل ذاك الصراخ أم لا.
عضت المرأة شفتها السفلية تكظم غيظها حين رأت برود شريكتها ولكنها قررت أن تفعل كما قالت فاقترب من كرسيها ثم حركت يدها التي تمسك بالحاسوب اللوحي إلى وجه دفنة حتى ترى ما كان يغيظها.
- خذي، خذي وانظري ما فعلتيه بنا!
وبكل هدوء أمسكت دفنة الجهاز من يد سيدا وراحت تنظر على الشاشة.
- لم يكفِ رسمك لأحذيتهم بل رسمت أحذية أفضل من أحذيتنا!
تابعت سيدا تعنيف دفنة بينما كانت دفنة تنظر بهدوء دون إبداء أي رد فعل مسبق على وجهها.
- وأيضاً إنه مجرد حذاء واحد، كيف ستكون بقية المجموعة؟!
مازال الصمت سيد الموقف عند دفنة تسمع صرخات واعتراضات سيدا على ما رأته ولكنها لا تستوعب من من كلامها أية كلمة لتركيزها الشديد في المصيبة التي بين يديها.
- ستفلس شركتنا بسبب ما فعلتيه دفنة!!
- هذا ليس رسمي...
وبينما كانت الفتاة على وشك أن تجن وأدمعت عينيها بالفعل من صدمتها، صدمتها دفنة بما قالته فتوقفت للحظة تنظر لها حيث فتح ثغرها في صدمة عدم التصديق لتمر بضع ثواني وهي على هذا الحال لا تصدق أبداً ما سمعته يخرج من فم دفنة تحاول بشدة أن تستدرك الأمر وتستوعبه ولكن دون فائدة.
- كـ-كيف ذلك؟
-... لست أنا من رسمت الحذاء.
حملقت دفنة بالجهاز اللوحي دون إبداء أي رد فعل أما بداخلها كانت تحاول جاهدة الثبات وعدم الاختلال والسقوط.
- إن لم تكوني أنت، من رسم ذلك إذاً؟
مازالت سيدا لا تستوعب ما حدث وكيف حدث فلم تأخذ من دفنة سوى رد فعل الصامت فابتلعت لعابها وهي تعقد حاجبيها وتنظر لصديقتها تحاول أن ترتب أفكارها الواحدة تلو الأخرى لتحصل على نتيجة إيجابية ولكن بدون فائدة.
- أنت جادة دفنة، أليس كذلك؟ يعني أنت لا تكذبين كي تنفذي حياتك مني، أليس كذلك؟
أغلقت دفنة عينيها وأخذت شهيقاً عميقاً كي تتحكم في نفسها وفي غضبها الذي كان يتفاقم مع كل كلمة تخرج من ثغر سيدا وفي النهاية استطاعت أن تسيطر على نفسها تكلمت بهدوء.
- جادة سيدا، ليس رسمي حقاً...
نظرت سيدا إلى الفراغ تفكر أكثر وأكثر عن ما حدث حيث تركت التفكير في المصيبة التي حلت بالشركة وراحت تفكر في أسلوب وتصرف باسيونيس.
- ولكنك... لم تعرفي أليس كذلك؟
نظرت دفنة بشرود لما سقطت عليها عينيها وبدأت تستوعب عدة أشياء كانت قد لم تدخل إلى عقلها يوماً وهي أنها اجتهدت من أجل باسيونيس كثيراً وارادت دائماً ألا تقلل من شأنها حتى أنها كانت دائماً ترسم لها بنفس مستوى رسم ستيل كي لا تشعر بتأنيب الضمير ولكن في النهاية لم يتم تقدير عملها أبداً وفي لحظة واحدة تم تجاهل رسمها وأخذوا ما هو أفضل بدون حتى إخبارها بذلك.
-...لا.
جاوبتها بهدوء بسبب صدمتها التي تلقتها فتفاقم الغضب عند سيدا وعضت شفتها السفلية مجدداً وانفجرت مرة أخرى ولكن هذه المرة على شخصٍ مختلف.
- ذاك الحقير مدير باسيونيس، كيف يفعل ذلك؟!!
كانت سيدا غاضبة للغاية بسبب ما حدث فهي لم تحب سنان يوماً لأن دفنة كانت تتواصل معه من أجل الأحذية رغم أنها غير مجبورة على فعل ذلك، ليست مجبورة على الرسم من أجل شركة قد تفلس في أي وقت ودفنة هي الوحيدة التي كانت تنقذها من الإفلاس.
ولكن في هذه اللحظة لم تهتم سيدا لأي من النجاحات واهتمت بصديقتها فغضبت على سنان وكرهته أكثر بسبب ما قام به من حقارة.
لقد رمى بكل مجهودات دفنة في القمامة.
كانت صاحبة ضمير وفعلت المستحيل من أجلهم ولكن حين وجد البديل لم يهتم لها وفضل نفسه وشركته.
- أنت أفضل من يرسم في تركيا، من غيرك قد يرسم بهذا الإبداع؟!
هذا السؤال الوحيد الذي استطاع أن يدخل إلى داخل عقل برتقاليتنا الجميلة وبالطبع أول من جاء إلى عقلها كان... السينيور.
هي تعرفه، تعرف أسلوبه في الرسم وحتى لو كان ذلك الأسلوب قد اختلف عن السابق كثيراً.
ولكنها... تعرفه.
- هل اشترى تصاميم من خارج البلاد يا ترى؟
أخذت سيدا تفكر فيما قد يكون قد حدث ولكن نظرت لدفنة فحزنت على حالها. هي لا تظهر الحزن على ملامحها ولكنها تعرف مدى حزنها وانكسارها حتى أنها تعرف أنها قد شعرت بانجراح كبريائها.
- لا تحزني نفسك دفنة، ترسمين أفضل منهم في الموسم الجديد، أنا واثقة من هذا.
أومأت دفنة برأسها ولم تحرك جسدها أية حركة أخرى فوضعت الحاسوب اللوحي على المكتب ثم أمسكت القلم للكتابة وتابعت عملها في هدوء.
فتنهدت سيدا حين أخذت رسالة الطرد خاصتها فأخذت الجهاز اللوحي وخرجت من الغرفة تترك شريكتها البرتقالية وهي تعاني تشويش الأفكار والانكسار!
....................................................
نظر السينيور إلى الحذاء الذي أمامه بهدوء وراح يتصفحه من كل جهة ليتأكد أن ذلك الحذاء هو الذي رسمه في مخيلته فور مجيئه إلى تركيا و كانت النتيجة إيجابية فقد أصبح جيداً للغاية وهذا جعله سعيد.
طرق سنان الباب ودخل لينظر لعمر وهو قابع خلف مكتبه ابتسامة خفيفة قد اعتلت شفتيه ولكن اختفت فور مجيئه فلم يتضايق سنان من ذلك أبداً وابتسم عنه ثم دخل إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه.
- كيف الحال؟ هل كل شيء جيد؟
أومأ السينيور برأسه ليترك فرد الحذاء على المكتب فتناوله سنان وراح ينظر عليه بعيونٍ لامعة وقلبٍ يرفرف فرحاً لأنه وبعد سنوات من الغياب استطاع أن يمسك بتصميم من تصاميم صديقه الداهية والذي اشتاق لصحبته كثيراً.
ولكنه لم يكن سعيداً بما فيه الكفاية.
جانب منه مازال تعيساً.
كان يسأل نفسه لماذا مازال يشعر بذلك الشعور؟
عمر هنا وأمامه وهو يرسم الأحذية ويجلس خلف مكتبه كالسابق!
لماذا إذاً يشعر بأن سعادته غير مكتملة؟!
هل بسبب ما فعله مع دفنة؟ هل يشعر بالذنب ناحيتها ويشعر بأنه قد اقترف خطأً في حقها؟
شعور الذنب قد اجتاح قلبه وسيطر على سعادته وقلصها فانعكس هذا على ملامح وجهه ليلاحظ عمر ذاك الوجه التعيس الذي يصاحبه وتساءل عن سببه بكل هدوء.
- ألست سعيداً؟
صدمه عمر بسؤاله فلم يتخيل أن ملامحه قد تكون بهذا السوء ليشعر بها عمر فابتسم ابتسامة بسيطة وتجاهل شعور الذنب للحظة.
- أنا؟ لما لا أكون سعيداً؟ أنت هنا أخيراً...
نظر عمر له مطولاً. كان يعرف أن سنان يتعذب كثيراً بسبب علاقتهما المتباعدة وهذا كان يؤثر فيه لأنه اعتبر سنان أخوه فكيف يحتمل أن يرى أخيه في هذا الحال المزري وهو سبب ذلك ولكن في نفس الوقت جانب منه تمسك بكبريائه وغروره ولم يتنازل عنه يوماً منذ معرفته بالحقيقة التي غيرت حياته.
نظر ببرود إلى سنان فأخذ سنان الرسالة وقرر أن ينسحب ولا يضغط على الرجل فما عاشه لم يكن هيناً أبداً فقرر تغيير الموضوع فوراً.
- على أي حال، كنت سأقول شيئاً... هناك حفلة بدخول الموسم الخريفي.
- ليس علينا أن نذهب أليس كذلك؟
- من الأفضل لنا أن نذهب، أنت تعرف أن علينا الظهور أكثر.
تنهد عمر واستسلم للأمر الواقع حيث قرر أن يفعل ما لا يطيق أن يفعله كي يستطيع النهوض بالشركة مجدداً كي تعود باسيونيس إلى سابق عهدها.
- حسناً، سنذهب...
أنت تقرأ
Aşk acısı
Fanficكانت تحبه كثيراً و كانت مستعدة أن تفعل أي شيء في سبيل ذلك الحب و لكن حبها لم يكفي كما ظنت و تخلى عنها و رحل لتعاني هي من آلامها وحيدة... تغيير أحداث قصة عمر و دفنة في مسلسل حب للإيجار و تغيير طريقة معرفة عمر بالحقيقة التي أخفتها عنه دفنة