" ذات يوم اعترفت الارض للشمس بحبها
ومن حينها لم تشرق الشمس ... "مقولة قديمة سمعناها كي لانثق بالحب وماذا فعلنا في المقابل ؟
وثقنا ... لايماننا بان الشمس تشرق في كل يوم،
كم كنا جاهلين لعدم فهمنا هذه المقولة فكانها تعني
نور الشمس اصبح عتمة بنظر الارض" لربما لاأزال احبك لكن لم اعد معجبة بك بعد الان "
صوفيا
في هذه اللحظة يمكنني الجزم ان نصف سكان العالم يراقبون عقارب الساعة منتظرين الاحتفال بالعام الجديد ، جميعهم يمسكون السعادة كقنبلة مؤقتة ستنفجر بهم في منتصف الليل لا اعلم ما المفرح في قدوم سنة جديدة !
سنمارس حياتنا في نفس الوتيرة لاتختلف حياتنا في هذه السنة عن السنة الماضية كل ما في الامر تغير في التاريخ اختلاف رقمي بسيط لا يضر ولا ينفع لكن في بعض الاحيان تكون مجبراً على مسايرة البشر وتقاليدهم الغريبة ستكون مجبراً على العيش والتأقلم معهم .
بعد ان دقت ساعة منتصف الليل ارتفعت الستارة الحمراء لينكشف لنا الكم الهائل من المشاهدين ، لم يسبق لي وان اعزف اوكسترا الغرفة في مناسبة كبيرة كهذه وامام حشود غفيرة لذلك ركزت نظري الى المايسترو وبدأت في العزف بهدف توديع السنة عكس الذين حظروا بهدف الاحتفال ؛ لست مثلهم اغفل عن التوديع ، للاسف على الرغم من انني كبرت الا انني لا ازال متمسكة بهذا المبدأ .
تبعنا ارشادات المايسترو ونفذنا ادوارنا فكان بلقرب من كل شخص مقرأ يحمل الدور المكتوب الذي سيعزفه لكن شخص ما بدأ بعزف دوره بشكل خاطئ ومن ثم اسقط الة الكمان من على يده مما افسد الاوكسترا ، الغريب في الامر إن ذلك الشخص كان قد تدرب جيداً حتى انه حفظ دوره عن ظهر قلب ، راقبته اثناء بدأ دوره لم تكن عينه مستقرة كانت تنظر في جميع انحاء المقرأ وكأنه يبحث عن اللحن !
ولم يلتقط الكمان من على الارض بل حتى لم يتحرك ، نظرت له بتمعن وبدأت بالعد فيبدو انه سيسقط بعد خمسة دقائق وبالفعل قبل ان انتهي من العد سقط على الارض ، وقف الجميع بقلق وتجمعوا حوله وهم يتحدثون بخوف ( ماذا حدث .. مابه .. يرتعش جسده يرتعش .. فيون هل انت بخير .. فيون ماذا حصل له ) حاولت الدخول من بين جميع اولئك المحتشدين لكن لم اتمكن لذلك قلت بصوت مرتفع ( انه يواجه صعوبة في التنفس ابتعدوا عنه )
ابتعدوا وهم يحدقون بتعجب كانوا يقفون كالجثة الهامدة لذلك قلت لهم بعد ان امسكت رأسه ورفعته عن الارض قليلاً ( اتصلوا بلطوارئ ) ارجعت نظري الى فيون وبدأت بالتحدث معه ( هل تسمعني أيمكنك التحدث ؟ ان كنت تسمعني اغلق عينيك حتى رقم ثلاثة سابدأ بالعد الان ، واحد .. إثنان .. ثلاثة افتحها الان ) بعد ان انهيت العد فتح عينيه لذلك قلت له ( ابقى صامداً... ستشفى ) كان جسده متشنج ويبدو ان يده اصيبت بالشلل لذلك سقط الكمان .
بعد ان وصلت سيارة الاسعاف ذهبت معهم الى المشفى بصحبة المايسترو وتم نقله الى قسم الطوارئ على الرغم من انني حدثتهم قائلة ان حالته حرجة لكن لم يصغي الي احد لذلك توجهت بسرعة نحو سريره وابعدت يد الطبيب الذي كان يجري بعض الفحوصات لفيون من خلال استخدام ذلك المصباح الصغير ليرى حجم بؤبؤة العين وليكتشف نوع المرض قال لي بعد ان ابعدت يده عن عين فيون :
_ انتِ لاتفهمين شيء عن الطب لذلك لاتثيري الازعاج وانتظري نتائج الفحوصات بهدوء
_ اين تقع غرفة العمليات ؟
_ الا تفهمين ! قلت لاتتدخلي
_ اضطرابات في الرؤية وفي النطق وشلل في الذراعين ونوبات تشنج (نوبات الصرع ) واصابة الساق اليمنى بالشلل مؤشر يدل على ان الورم في الجهة اليسرى من الدماغ
_ ( قال باندهاش ) ماذا !
_ هناك مخاطر من انتشار الورم في مواضع وظيفية هامة بالدماغ لذلك يجب ان يتم اجراء عملية جراحية لستئصال الورم وإلا سيصاب المريض بالشلل او اضطراب في النطق ويمكنك توقع الاسوء
_ من انتِ ؟
_ اسرع واخبرهم بتجهيز غرفة العمليات إن لم ترغب بتحمل عقوبة اهمال المرضى والتقصير في العمل وما الى ذلك
_ حقاً من انتِ
_ حياة المريض اهم مِن مَن اكون
_ اجل .. اجل بالتاكيد
قام بيقاف احدى الممرضات وقال لها
_ اخبريهم بتجهيز غرفة الجراحة لاحد مرضى قسم الطوارئ
_ نعم ايها الطبيب لكن من سيجري الجراحة ؟
_ ماذا تقصدين بمن ، بالتاكيد الطبيب توفيق
_ انه يجري عملية جراحية الان
_ اذاً الطبيب ليفان
_ غادر العمل مبكراً بعد ان اخذ اجازة للاحتفال مع زوجته بمناسبة راس السنة كما تعلم
_ الطبيب عادل ، الطبيب اريش ، الطبيب جونغ
_ حقاً ايها الطبيب جميعهم غير متوفرين
_ ( قال بتنهد ) الرحمة ( ومن ثم وجه نظره الي وقال ) اذاً حقاً من سيجري الجراحة !
_ ( اجبته بثقة ) انا
_ ( قال بتعجب ) مستحيل من انتِ لتجري عملية جراحية في غاية التعقيد
_ انا الطبيبة صوفيا متخصصة بجراحة المخ والاعصاب لاتعتقد انني تطوعت لفعل شيء كهذا دون ان ادرك مدى تعقيده
_ انتِ طبيبة ! في اي مشفى تعملين ؟
_ دع التعارف لاحقاً لننقل المريض الى غرفة الجراحة
_ ( احكم قبضته على سرير المريض وقال وهو ينظر الي بحدة ) من المستحيل ان اسلمك مريض دون التاكد من هويتك
_ لم احظر حقيبتي معي
_ اذن لايمكنني تسليمك المريض
_ ( اجبته بنفاذ صبر ) انه يتألم ، هل ترغب بقتله
_ لن اسلمه لكِ لانني لا ارغب بذلك
_ اعطيني هاتفك بسرعة
_ ماذا ؟
_ اولست تريد التاكد من هويتي
_ اجل .. تفضلي
_ ( بعد ان امسكت هاتفه قلت له بشيء من الغضب) رمز الامان ؟
_ اكتبي ... ٦،٧،٨،٩،٢،٣
فتحت الهاتف وذهبت لمتصفح الانترنت وبحثت عن مشفى جلين_اجيلز ( المشفى الرئيسي في عاصمة كوالالمبور ) وعن الكادر الطبي وعندما ظهرت قائمة الجراحين اعطيته الهاتف ومن ثم قلت له
_ لنسرع فالعد التنازلي لحياته قد بدأ .
تمكنت من انقاذه وانتهت الجراحة بشكل جيد فلم يتضرر كثيراً حيث انني استأصلت الورم قبل انتشاره ولم يبقى الان سوى انتظار استيقاظه لذلك بعد ان خرجت من غرفة الجراحة وبعد ان قمت بتعقيم يدي وخلع ما علي من ثياب الجراحين وارتداء ثيابي من جديد ذهبت الى المايسترو وطمأنته على حالة فيون الصحية وطلبت منه ان نعود الى الحفل ونطمئن الجميع ومن ثم اعود الى المشفى بعد ان احضر حقيبتي وساكون الوصية على فيون وكل شيء سيكون على مايرام ، خرجنا من المشفى دون سابق إنذار لاعتقادي بانني ساعود بسرعة ولن يلاحظ الاخرين اختفائي لكن واجهتنا بعض المشاكل في الطريق فالشوارع كانت مزدحمة وتعج بالسكان ولم نجد وسيلة اخرى سوى الترجل من سيارة الاجرة واكمال الطريق سيراً ، كان الامر شاقاً جداً ولكن مابليد حيلة تحتم علي فعل ذلك فهناك مريض تركته في المشفى وحيداً ويجب ان اعود باسرع وقت .
وصلنا الى الحفلة بعد سير طويل كنت متعبة جداً في حينها لذا التقطت انفاسي بعد ان اسندت ظهري على الحائط وقلت للمايسترو من بين انفاسي المتقطعة
_ اخبرهم ان فيون عمليته كانت ناجحة وهو لايزال في تأثير التخدير
_ شكراً لكِ عملتِ بجد
_ لا تشكرني هذا واجبي كطبيبة ... ساذهب لاخذ حقيبتي والعودة الى المشفى
_ اخبرينا ان استيقظ فيون
_ اجل .
دخلت الى غرفة تغيير الملابس واسرعت لاخذ حقيبتي من على الطاولة ومن ثم اخرجت هاتفي وفي اثناء خروجي من الغرفة ارسلت الى امي رسالة صوتية قائلة فيها ( امي حقاً اعتذر لم اتمكن من الاتصال بكِ بعد انتهاء الحفل لابد انكِ قلقة جداً الان ..؟ لاتوجد اي مشكلة لاتقلقي ، اضطررت لاجراء عملية جراحية طارئة لاحد المرضى في مشفى بينانق ويجب ان ابقى معه الى ان يستعيد وعيه ، تمني لي التوفيق ... احبك ) اختتمت المقطع الصوتي بقبلة ومن ثم ارجعت الهاتف الى حقيبتي وبدأت بالبحث عن دراجة نارية لتنقلني الى المشفى بعد ان استغرقت في البحث تمكنت من ايجاد دراجة كانت لشخص يعمل بتوصيل طلبات الطعام لذلك اسرعت نحوه وحاولت شرح الامر له بشكل وجيز لكنه رفظ في بادأ الامر بحجة انه لايمكنه التاخر عن ايصال الطلبات لكن بعد ان عرضت عليه اجر التوصيل الى المشفى وافق بلا تردد !
دخلت الى المشفى واستقبلني ذلك الطبيب بنظرات تعجب وقال بصوت مرتفع وهو يتجه نحوي
_ هل تمزحين ؟
_ ماذا !
_ لا اعلم ان كنتِ ذاتها الطبيبة صوفيا المسؤلة المهتمة بحياة الاخرين
_ ارجو منك الابتعاد اريد ان ارى مريضي
_ ( خاطبني بحدة قائلاً ) كيف تغادرين المشفى مباشرة بعد اجرائك عملية جراحية ، هل انتِ حقاً طبيبة ... الاتدركين حجم الفوضى الذي تسببتي به ؟
_ ساتعامل مع الامر بنفسي بعد ان ارى المريض
_ أانتِ جادة !
_ لاتطل الحديث فانا متعبة
_( تنهد وقال ) يا اللهي لما اعطيت النساء عقولاً كهذه !.
عند وصولي الى غرفة فيون وجدت الكثير من الاطباء يقفون بالقرب من سريره كانوا منغمسين في الحوار لم احبذ مقاطعتهم فقط اردت التأكد من صحة فيون لذلك وقفت لرؤية مخطط صدى القلب وبدأت بقراءة المعلومات المدونة على شاشة الجهاز انتابني الارتياح فنبضات قلبه طبيعية ، تدفق الاوكسجين طبيعي كل شيء على مايرام، في اثناء وقوفي صرخ احدى الاطباء الواقفين قائلاً " متى تأتي تلك الطبيبة " ومن ثم اجابه طبيب اخر قائلاً " نحن نبحث عنها ، ستأتي قريباً " رد عليه بصراخ "كيف تدعوها تتصرف كما يحلو لها وهل هذه المستشفى لعبة بيد الاطفال الايوجد نظام ... لم تركتوها تجري الجراحة " اجابه قائلاً " كنا نؤدي واجبنا ولم نعلم بما حدث الا في وقت متاخر " في هذه الاثناء لاحظوا وجودي لذا خاطبني ذلك الطبيب المتعصب قائلاً :
_ هل انتِ الوصية على المريض ؟
_ اجل
_ المريض كان يعاني من الورم الدماغي واجريت له جراحة لاستئصال الورم وكانت نتائجها جيدة لاتقلقي حيال صحته فكل شيء على مايرام وسيستعيد وعيه عما قريب بإذن الله
_ بالصدفة سمعتكم تتحدثون عن الجراحة ، هل عمليته الجراحية كانت سيئة جداً ؟
_ عذراً سيدتي فيبدو انكِ فهمتي بشكل خاطئ الجراحة كانت ممتازة واجريت بشكل متقن
_ كنت اعلم ذلك .
حدقوا الي بتعجب لذلك ابتسمت لهم وانا اقول :
_ عذراً لم اعرف عن نفسي بشكل لائق انا الطبيبة صوفيا متخصصة في جراحة المخ والاعصاب في مشفى جلين_اجيلز ( مشفى العاصمة ) وانا الوصية على هذا المريض ايضاً .
اشار الي ذلك الطبيب المتعصب بسبابة يده اليمنى وهو يقول بحدة ( انها انتِ ) اجبته قائلة ( اجل ) ضم سبابته الى باقي اصابعه ليشكل قبضة قوية حاول بها ان يقبض على اعصابه وبعد ان انزل يده فتح قبضته وكأن اعصابه تلاشت وقال ببرود ( لاتتاخرو عن الاجتماع ... وانتِ ايضاً ) ومن ثم غادر الغرفة ، كان الاطباء يحدقون الي بتعجب لكني تقدمت للوقوف بلقرب من سرير المريض وبدأت بفحصه من جديد وفي اثناء فحصي له قلت ( هل إنتها مفعول التخدير ) لم يجيبني احد لذلك رفعت نظري اليهم وكررت سؤالي بصوت اعلى نسبياً لذلك اجابني احد الاطباء قائلاً
_ اجل
_ متى بالتحديد
_ منذ ثلاث دقائق
_ جيداً إذاً ساتصل بعائلة المريض
غادرو الغرفة وهم يتهامسون فيما بينهم فيبدو إن هناك اراء مختلفة عني ، اخرجت الهاتف من حقيبتي واتصلت باللمايسترو وطلبت منه الاتصال بعائلة فيون وبعد ان انهيت المكالمة اسرعت لسماع رسالة امي ولكن قاطعني احدى الاطباء قائلاً ( لنذهب الى الاجتماع ) اومأت له بلموافقة وتبعته .
كنا جالسين في غرفة الاجتماعات ننتظر حظور الرئيس وفي تلك الاثناء كنت قد تعرفت على توفيق وعادل واريش وجونغ وليفان وهم اولئك الاطباء الذين التقيت بهم مسبقاً في غرفة المريض اضافة الى اطباء اخرين وبعد عدة دقائق دخل الرئيس الى الغرفة بصحبة الطبيب المتعصب وقد عرفت من خلال حديثي مع الاطباء ان عبد لله ( الطبيب المتعصب ) هو ابن رئيس المشفى ، وقفنا جميعاً عند دخول الرئيس ( كان عجوزاً قصيراً ذو جسد ممتلئ ومقدمة رأسه تفتقد للشعر ) رحبنا به وبادل ترحيبي بابتسامة وهذا مالم اتوقعه أبداً لانه بدا لي شخصاً صارماً !
بعد جلوسنا بدأ الحديث بسؤاله إياي
_ منذ متى وانتِ طبيبة ؟
_ ( اجبته قائلة ) مايقارب ثلاث سنوات
_ ( قاطعنا عبد الله قائلاً ) اذاً لستِ ذي خبرة كافية لتخطي خطوة جريئة كهذه
_ ( أشار اليه الرئيس ليتوقف عن الحديث ومن ثم سألني مجدداً ) الا تعلمين إن مافعلتيه من الممكن ان يفقدك وضيفتك كطبيبة إن فشلت العملية ؟
_ نعم ادرك ذلك جيداً
_ لماذا أجريتيها رغم إدراكك للامر ؟
_ لأنني كنت مجبرة ... لم يتوفر طبيب اخر غيري
_ واجريتيها رغم خطورتها عليك !
_ خسارة وضيفتي اهون من ان يخسر شخصاً ما حياته
_ ( غير مجرى الحديث قائلاً ) تعملين في مشفى العاصمة ؟
_ اجل
_ هل علم رئيسكِ بأمر الجراحة ؟
_ لا اعتقد فلم يتصل بي حتى الان
_ ( قال الطبيب عادل ) عذراً على المقاطعة ولكن هل بإمكاني طرح بعض الاسئلة على صوفيا
_ ( اجاب الرئيس قائلاً ) تفضل
_ ( ادار الطبيب عادل كرسيه باتجاهي وقال ) كيف عرفتِ ان المريض مصاب بورم بالجانب الأيسر من الدماغ ، هل من المحتمل انكِ صديقته المقربة وكنتِ ذات دراية مسبقة بأمر الورم ام ذالك تخمين منك ؟
_ انا زميلته في العزف ولكن لست بمقربة التقيت به في دورات التدريب فقط لذلك لم أكن على دراية مسبقة بالأمر . لأحضت تصرفاته الغريبة في الحفلة واستنتجت منها انه مصاب بالورم
_ اي من خلال استنتاجات لمبتدئة اجريت العملية...
_ ( اجبته بثقة ) من خلال استنتاجاتي
_ وماهي ؟
_ فقدان البصر بشكل مفاجئ وعجزه عن النطق بلإضافة الى شلل اليد والساق اليمنى ونوبات الصرع جميعها تدل على وجود ورم في الدماغ
_ ( رفع حاجبيه بتعجب وهز رأسه قائلاً ) يبدو إنك مجتهدة
_ ( ابتسمت له قائلة ) لم أمضي الأربعة عشر عاماً عبثاً
_ ( قال الطبيب اريش ) لكونك اجريتي الجراحة فبالتاكيد تعلمين الاهداف الاولى لعملية الورم الدماغي ، اخبريني بها
_ إزالة ضغط الورم على الدماغ أو استئصال الكتلة الورمية بشكل كامل إذا كان ذلك ممكنا.
و بعد ان اجبت الطبيب اريش طرح علي الطبيب توفيق سؤالاً قال فيه
_ ما الدواعي لاجراء تلك العملية ؟
_ يصبح اجراء العملية ضرورة ملحة إذا كان نمو الورم الدماغي سريعاً وأصبح حجمه كبيراً جداً، وإذا كان المنفذ جيدا للوصول إلى الورم وإذا كانت الحالة الصحية العامة وعمر المريض يسمحان بإجراء تدخل جراحي على مستوى الدماغ و إلى جانب استئصال الورم هناك أهداف أخرى من العملية الجراحية منها على الخصوص تحسين جودة حياة المريض، إبطاء تدهور الحالة الصحية وخلق الظروف الملائمة للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي التالي للعملية.
_ هل سبق وان أجريتي عملية جراحية ؟
_ نعم لكن لم اجريها وحدي كنت تحت الإشراف
_ إذاً ... لم تكوني تحت الإشراف اليوم !
_ اجل والسبب الذي دفعني لاجرائها هو التأكد من عدم خطرها أو أضرارها على المريض أو تدميرها للأنسجة السليمة
_ ( قال الطبيب عادل ) خطر عملية ورم الدماغ يصبح ضئيلا جدا إذا كانت الأورام الدماغية لا تزال صغيرة الحجم وتوجد في موقع مناسب من الدماغ وخلافاً لذلك يرتفع الخطر بشكل ملحوظ في عملية الورم الدماغي إذا كان حجم الورم كبيراً
_ ( شدد اللفظ على كلمة الورم كبير وكانه يمسك علي ثغرة لذلك اجبته قائلة ) نعم يرتفع الخطر عندما يكون حجم الورم كبيراً غير أن الأساليب العصرية التي تطبق في جراحة أورام الدماغ مثل تقنيات الجراحة التنظيرية والمجهرية، الملاحة العصبية، التصوير الوظيفي والرصد العصبي قد قللت بشكل ملحوظ مخاطر عملية الورم الدماغي.
_ ( ومن ثم قال الرئيس ) في الغد باذن الله سأتحدث مع رئيس مشفى العاصمة وسأخبركم عن القرار النهائي لهذا الامر ، يمكنكم المغادرة.
استوقفني الرئيس عندما نهضت للمغادرة وقال لي :
"هل بإمكاننا التحدث" أجبته بالموافقة ورجعت للجلوس منتظرة انصراف الجميع و البدأ بالحديث معه...
_ ( في بادئ الامر حدثني قائلاً ) انا ادرك مافعلتيه شيء جيد ولكن يجب ان تفكري بالأمر من جوانب مختلفة كان من المحتمل ان تكوني السبب في موت المريض وتخسري وضيفتك التي بذلتِ عمراً كاملاً للوصول اليها ماذا لو لم يحالفك الحظ في ذلك الوقت ؟
_ عندما تمتلك إيمان بماتفعله لن تشك في قدراتك للحظة
_ ( ازاح النظر عني لوهلة ومن ثم قال ) لماذا اصبحتِ طبيبة ؟
_ عفواً..!
_ اعني لما اخترتِ مهنة الطب ؟
_ ليس كما تتوقع اي لن اجيب لإنقاذ الآخرين وجعل حياة الجميع صحية وجيدة فقط درسته لأتناسى
_ ( قطب حاجبيه قائلاً ) لتتناسين ! لم اسمع جواب كهذا في حياتي ( ومن ثم اردف قائلاً بتعجب ) وماهو ذلك الشيء العظيم الذي ترغبين بنسيانه لتلك الدرجة
_ ( اجبته بابتسامة ) ليس عظيم ، مجرد رماد لذكرى كانت على قيد الحياة في يومٍ ما
_ ( حاول مواساتي بطريقة غير مباشرة عندما نصحني قائلاً ) لايجب ان تعيشي مع الماضي فكل شيء يرتبط في الماضي يفقد اهميته
_ ( قلت بتنهد ) ادرك ذلك
_ ( بعد وهلة من الصمت اختتم كلامه قائلاً ) بإمكانك إعطائنا عنوان منزلك او رقم الهاتف كي نتمكن من اخبارك بموعد الاجتماع الاخر
_ في الحقيقة انا اعيش في العاصمة ( كوالالمبور) لذلك من المحتمل إنني سابقى في غرفة المريض فيون ريثما تصل عائلته في الصباح
_ جيد إذاً يمكنك الانصراف الان ... وايضاً أعطي رقم هاتفك للممرضة سوزان قد ناخذه منها ان ستوجب الامر .
_ اجل
بعد خروجي من غرفة الاجتماعات ذهبت الى قسم المعلومات وسألتهم عن الممرضة سوزان واخبروني انها ذهبت لتفقد المرضى وستعود بعد دقائق لذلك جلست على احد المقاعد وبدأت بالتصفح في هاتفي وبعثت رسالة الى امي اخبرها انني سابقى في بينانق الى ان نجد حل مناسب لتلك المشكلة وعند اغلاقي للهاتف نادتني احدى الممرضات لذلك ذهبت نحوها ، كانت بدينة جداً وترتدي ثياباً فضفاضة وتضع على رأسها حجاباً سماوي اللون تبرز منه وجنتيها الممتلئتان وكانهما قطعتا خبز محمص ( تشبيهاً ببشرتها السمراء )، بعد وصولي اليها حدثتني قائلة :
_ اخبروني انكِ في انتظاري
_ ( قلت بتسائل ) انتِ الممرضة سوزان ؟
_ ( اجابت قائلة ) نعم
_ انا صوفيا ارسلني الرئيس لكي اعطيك رقم هاتفي
_ صوفيا ! هل انتِ تلك الطبيبة التي اجرت الجراحة اليوم ؟
_ يبدو انني اصبحت مشهورة في هذا المشفى
_ ( قهقهت ضاحكة وهي تقول ) اصبحتِ حديث الموسم
_ ( اجبتها مبتسمة ) على مايبدو
_ ( اخرجت قلم حبر مع دفتر ملاحظات صغير من جيبها وفتحت لي ورقة بيضاء وقدمته نحوي وهي تقول ) هل لي بتوقيعك ( ثم اردفت قائلة وهي تضحك ) امزح ، دوني رقم هاتفك هنا
_ حسناً ( بدأت بتدوينه وبعد ان انتهيت اعطيتها الدفتر وسألتها قائلة ) كيف هم الاطباء في هذا المشفى ، هل هم جيدين ام متعصبين ؟
_ توجد جميع الانواع هنا ، لايقتصرون على صفة معينة
_ هذا مارأيته
_ ( قالت مبتسمة ) ايتها الطبيبة امتلك رغبة شديدة في التعرف عليك ولكن اعتقد انك متعبة الان
_ ( اجبتها وانا ابادلها الابتسامة ) نعم اليوم كان متعب جداً ... لنلتقي في الغد
_ نلتقي بإذن الله ، تصبحين على خير ايتها الطبيبة
_ وانتِ بخير .
توجهت الى المصعد للذهاب الى غرفة المريض ( فيون ) والنوم هناك لان الوقت تاخر وستشرق الشمس بعد ساعة ونصف ومن المحتمل ان عائلته ستصل في اول الصباح لذلك رغبت في استغلال الوقت فيبدو ان غداً سيكون يوماً متعباً جداً..." عبدالله "
في اثناء خروجنا من غرفة الاجتماعات طلب والدي من الطبيبة ( صوفيا ) البقاء ، لا اعلم لما هو والدي رغم ان دمي ليس بارداً مثله بجدية إن اكثر ما كان يزعجني هو بروده تجاه تلك الطبيبة وحديثه معها برفق ولين متجاهلاً مدى جرأتها واسلوبها البغيض نافيك عن وقاحتها في اجراء عملية جراحية رغم انها ليست ذات خبرة كافية ...
وقفت بالقرب من الغرفة انتظر خروجها للتحدث مع والدي ، كنت استرق النظر الى ساعة يدي بين الحين والاخر، انتابني الفضول لمعرفة ما يدور من حديث بينهما ولِمَ يحتاج الى كل هذا الوقت ؟
خشيت من ان يتعاطف معها ويغفل عن العقوبة ( اسرعت لنفي تلك الافكار التي تكومت في رأسي وقلت محدثاً نفسي ) لأكن واثقاً قليلاً فمهما يحدث لن يتجاهل القانون .
بعد ان غَادَرَتْ هممتُ بالدخولِ الى الغرفةِ ، وجدت والدي لايزال جالساً لذلك خاطبته اثناء دخولي قائلاً :
_ ماذا جرى بينكم ؟
_ ( التفت الي وقال ) كنت انوي الذهاب اليك
_ ( سحبت الكرسي لاجلس قبالته ، تنفست الصعداء قُبَيْل ان اجيبه قائلاً ) انا من اتى اذاً .
_ ( اعطاني الملف الذي رأيته يتصفح به عند دخولي الى الغرفة ، قال ) هذا المريض يحتاج الى اجراء جراحة للحبل الشوكي ، خذ الموافقة من عائلته وحدد وقت للجراحة بلاضافة الى ذلك ...
_ ( قاطعته قائلاً ) سافعل ذلك ولكن اخبرني عن ماذا تحدثتم ؟
_ ( قال بتعجب ) ماذا !
_ ( قلت له موضحاً ) الطبيبة ... صوفيا
_ ( اتكأ اكثر على الكرسي حتى ان ظهره انخفظ قليلاً عن المستوى الطبيعي ، كان مسترخي جداً !، اجابني قائلاً ) لاتهتم بغير عملك
_ (قلت مؤكداً) هذا ايضاً عملي
_ (قال ببروده الذي كاد يقتلني) لكوني لا ازال على قيد الحياة فلايعتبر عملك .
إمتعضتُ بسبب كلامه لذلك غادرت الغرفة بسخط ...
أنت تقرأ
اوتار
Romanceطبيبة تقع حياتها المهنية على المحك بسبب مخالفتها لقواعد المشفى ، ماذا سيكون مصيرها ؟ وماذا ستواجه في ذلك المصير ؟