الفصل التاسع

62 0 0
                                    

عبد الله

توجهت لغرفة الجراحة لاجراء العملية الثالثة وعند دخولي رحبت بالاطباء وكانت الطبيبة صوفيا معهم، بعد وقوفي بجوارها قلت " الان كوني طبيبة وحسب " نظرت الي وقالت " نعم ايها الطبيب "
بدأنا باجراء الجراحة ولساعتان كاملتان كنا منهمكين فيها ولكن حدث نزيف مفاجئ ولم نتمكن من تدارك الامر ففي محاولتنا لايقافه خسرنا المريض . كان الامر محبط ، لكن ماذا عسانا ان نفعل لم يكن مقدر لنا انقاذه ، ابتعدت عن سرير المريض واعلنت عن تاريخ ووقت الوفاة وبعد ذلك خرجت لمقابلة عائلته ، فور خروجي من غرفة الجراحة تجمعوا حولي يسألوني عن صحته والقلق والخوف يملء وجوههم اجبتهم قائلاً باننا فعلنا مابوسعنا ثم غادرت.
كانت الطبيبة صوفيا منكسرة وحزينة وتواسي عائلة المريض ، رقبتها على بعد مسافة وحالما لاحظتني اشرت لها للقدوم واكملت سيري باتجاه النافذة المطلة على حديقة المشفى .
قالت الطبيبة عند وصولها :
_ نعم ايها الطبيب
_( مددت لها منديلاً وقلت ) امسحي عينيكِ ( اخذت المنديل من على يدي فاردفت قائلاً ) أستبكين على كل مريضٍ لم تنقذي حياته ؟
_بالطبع فقد خسرت روحاً
_ اذاً اعملي مضيفة بالعزاء لم تعملين هنا ؟
_ اعتذر ولكن أستدعيتني لهذا السبب ايها الطبيب ؟
_ اجل
_ابامكاني السؤال ، مالذي تريده مني ؟
_ اريد الا يمتلك الطبيب الذي يعمل لدي اخطاءاً ، اني اقدم النصح فقط
_ شكراً على النصيحة ولكن اعتذر ايها الطبيب لانني ساكون وقحة وأقول ان نصائحك باتت تزعجني
_ من الجيد سماع ذلك اي انك تفكرين بيها لدرجة الازعاج
_ ساغادر لاكمل عملي اهناك شيء اخر ايها الطبيب
_نعم بقى شيء
_ ما هو ؟
_تركتهم ليستوعبوا ماحدث ولينهضوا بأنفسهم بعد هذه الفاجعة فاذا واسيتهم سيعتادو على المواساة ويعيشون حياتهم كالمساكين يترقبون انكسار قلوب الاخرين عليهم ولايحسنو صنعاً في اي شيء
_ هذا غير صحيح
_ لماذا !!
_ان كلمة واحدة تغير هيكل الحياة ، بامكانك جعلهم ناجحين ان رغبت وبامكانك جعلهم مساكين فالانسان هزيل في مثل هذه المواقف واضعف كلمة تؤثربه
( لم يبدي رداً لذلك اكملت قائلة ) اتمنى ان تتقبل اراء الاخرين قبل ان تبدي لهم بالنصائح ، فليس كل الاطباء الذين يعملون مع الطبيب عبدالله هم الطبيب عبدالله نفسه ، نحن مختلفون ، ارجو منك مراعات هذا الشيء
_حسناً من الواضح بانه دوركِ في اعطاء النصائح
_ انا اتفهم مجهودك فبالطبع نحتاج لسماع ارشادات ونصائح اشخاصاً متمرسين بالعمل ولكن سماعها بشكل متكرر يزعج بعض الشيء
_ اعتذر لانني سببت لكِ كل هذا الإزعاج
_ اعتذارك مقبول ايها الطبيب.

صوفيا

انتهت مناوبتي لليوم لذلك ذهبت للراحة ...
في صباح اليوم التالي وصلتني رسالة من ناديا كتبت بها عن قرار المحكمة والتعويضات التي سانالها ، اغلقت الهاتف ووضعته جانباً بعد ان انهيت قراءة الرسالة وبدأت بالنظر الى السقف ، حدقت به مطولاً ثم قلت " أأذهب اليوم " واصلت التحديق بتمعن ثم نهضت بعد وهلة من الزمن ، كنت متكاسلة جداً للذهاب ، اطلت في التمدد وبطأت خطواتي واخرجت لنفسي الف امر لانفذه قبل الذهاب وبالتالي لم ينقص من الوقت شيء وتحتم علي لقائه.
راقبت غرفته من بعيد كنت ارغب بالذهاب الى غرفته لكنني ارجعت خطواتي للوراء وكان جسدي يرفظ الذهاب اليه فكلما اقترب اكثر كلما اشعر بتدهورٍ عجيب لحالتي ، نبضات قلبي المتسارعة كانت توخزني ، انفاسي اصبحت ساخنة وصدري كان يحترق ، جسدي ازداد ثقله وقدماي كانت ترتجف ، كل شيء كان مخيف ، كما لو انني ساشاهد قبري !!
تمكنت من اجتياز كل هذه الامور والدخول الى غرفته دون ان انهار .
كانت ناديا تحدث إبراهيم وأدهم يراقبهم ويبتسم بالطبع زالت ابتسامته عند دخولي ولم تكمل ناديا حديثها وبدأوا يرمقوني بنظرات وكانهم يقولون
" ماذا تريدين الان ؟ لماذا اتيتِ ؟ " اجبت على نظراتهم قائلة " اتيت للحديث مع أدهم ، ارغب ببعض الخصوصية " قالت ناديا بتعجب " لاتوجد خصوصية بيننا يمكنكِ الحديث " اجبتها بحدة " لكن توجد خصوصية بيني وبينه  " أومأ اليها ادهم لذلك خرجت ، قلت له بعد ان اقتربت من سريره خطوتين حاولت الا اريه ضعفي في ذلك الوقت وكنت بعيدة عنه بالمستوى الذي لايلاحظ فيه ارتجاف شفتاي ، كنت ارغب بالا اكون ضعيفة .
ابتدأ الحديث قائلاً :
_انا أسف
_ تاسف لنفسك على خسارتي ؟ فلايعنيني اسفك بشيء
_ ادرك بانني مذنب ولكن ارجوكِ لاتقسي معي بهذه الطريقة ، تحدثي معي كالسابق
_ اولا تزال انت كالسابق لاتحدث معك بنفس الطريقة ! الامور مختلفة باختلاف ذلك الزمن
_ لم يتغير شيء لازلنا نحب بعضنا
_ ومن قال بانني كذلك !
_ عيونكِ
_ وان كان حبي لن يتلاشى بسرعة فما الفائدة منه ان كان حباً بلا اعجاب ! فان ذلك الشعور بالرغبة في الهتمام بك والقلق عليك ومساعدتك ان كان يلازمني حتى الان فانا اشعر به بدافع العادة وليس بدافع الحب فالان انا حقاً اكرهك و بشكل لن يمكنك تخيله اكرهك بقدر حبي لك بل اضعافه
_ سامحيني لمرة واحدة ، امنحيني مسامحتكِ ساعوضكِ عن كل شيء فانا بلكاد استطيع تصديق لقائنا فلامر بدا كالمعجزة ، فقد استجابت دعواتي لمقابلتك ، انا حقاً متيم بكِ، ارجوكِ امنحيني فرصة واحدة لاصحح بها خطأي
_ الا نلتقي ابداً، الم تكن هذه امنيتك ؟ لم تتراجع عنها ! يبدو انك لم تتغير حتى بعد ان اصبحت اب ، فلاتزال تعد وتكسر وعودك وتتمنى وتتخلى عن امانيك لست رجلاً ذا كلمة
_ انا تغيرت بسببكِ ، انا تغيرت كثيراً من اجلكِ وصححت نفسي لاواجهك بصورة حسنة لكن بقى هذا الشيء الوحيد الذي لم اصححه لذلك اسمحي لي بتصحيحه ، انا مستعد للتخلي عن حياتي باكملها من اجلكِ ، ارغب بتعويضكِ ، اتمنحيني هذه الفرصة ؟
_اتحب ان تدمر حياة الاخرين ! لم لاتستقر بعائلة واحدة ؟ تترك الوسط في فوضى وتهرب فقط بنفسك ولنفسك ، كم انت جبان ،اهكذا تحل الامور ؟
_ ماذا افعل اذا ً اخبريني
_ (ابتسمت بسخرية وقلت ) اتطلب مني أنا أن اخبرك ؟
_ اجل، اخبريني بحلٍ يجمعني بكِ فقد انفطر قلبي بما فيه الكفاية
_ انفطر قلبك ! انا تهشمت اضلاعي وتحطم قلبي بلكامل وانت كل مااصاب قلبك هو فطر ؟!
اتدرك بان طوال تلك السنوات تناولتُ كل ما تكره ؛ سائمت من كوني متعلقة بشخص لاوجود له ، التفاح الذي لديك حساسية منه السم الذي يقتلك تناولته كل يوم اكثر من مرة اردت ان اقتل ذاتك التي تعيش بي باي وسيلة وعندما ادركت انها متجذرة بداخلي حد النخاع اقدمت على الانتحار، أتعلم ان امي عالجتني لدى طبيب نفسي بسببك ، اتعلم بانك سلبت حياتي مني ؟
_ لم اكن اعلم ، لابد بانكِ عانيتي كثيراً ، انا اسف...
_ اخبرتك مسبقاً تاسف لنفسك
_ اهذا بسببي ؟
_ ماذا !
_ تغيرت طريقة حديثك ونظراتكِ ونبرة صوتكِ ، تغير كل شيء بكِ اهو بسببي ايضاً ؟
_ تسألني وكانك بقيت على مثل حالكِ ؟
_ اتكرهيني لتلك الدرجة ؟
_ بل اكثر مما تتخيل
_ لابد بانكِ ستفضلين نسياني ؟
_لا لن انساك او اطويك من حياتي ساترك صفحتك كالذنب كلما قرأتها اتعظ
_ حقاً!
_ نعم لست انانية مثلكم لأنسى
_ لم ننساكِ...
_قبل ان اغادر اتمنى ان تعيشو حياةً سعيدة وتبتعدون عن طبائعكم السيئة بقدر المستطاع فما ذنب ابراهيم لامتلاكه هكذا والدين ؟ وايضاً كما اخبرتني اتمنى الا نلتقي ابداً ولو حتى بالصدفة.
غادرت الغرفة ورأيت ناديا تنتظرني بالقرب من الباب ، حدقت بي بتعجب حتى انني شعرت بعينيها تتبعني الى داخل المصعد ، لا اعلم منذ متى وهي وقحة لتلك الدرجة !.
اغلقت ابواب المصعد لذلك بدأت بالتنفس باريحية طُرح ذلك الثقل واخيراً ، ابتسمت لنفسي رغم تجمع الدموع في عيني فكانت مشاعري في ذلك الحين كالانتصار والهزيمة !

اوتار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن