الفصل الثاني

129 0 0
                                    



" صوفيا "

ايقظتني فوضى كبيرة وصخب اقترب من الغرفة - يبدو ان عائلة فيون اتت - هذا ماظننته وسرعان ما ادركت ان ظني كان في محله عندما دخلت امرأة مع شخصان طاعنان في السن - كانا والداه على مااعتقد - اقبلا نحوه وهما ينحبان ، ذهبت لاهدئهم قليلاً واخبرهم انني اجريت له جراحة ناجحة وانه في حالٍ افضل ولكن صعقت من تصرف الاب ، حالما سمع كلامي دفعني على الارض وصرخ بي قائلاً
_ اذاً انتِ تلك الطبيبة التي كادت تقتله
_ ( نظرت له بتعجب ولم اجبه لانه كان غاضباً جداً ، نهضت ونفضت ثيابي ومن ثم قلت لهم) ارجوكم اهدءوا قليلاً ستيقظوه ان استمريتم على هذه الحالة
_ ( قالت الام بدهشة ) أهو نائم ؟
_ ( اردف الاب قائلاً بدهشة تكاد تفوق دهشة الام ) ألم يدخل بغيبوبة !
_ ( ابتسمت لهم في اثناء الاجابة ) انه في حال جيدة ، سيفيق عما قريب لذا لاتقلقوا فقط دعوه يحضى بنوم هنيء .
بعد ان هدءوا ناداني الاب، ظننت انني ساسمع "ايتها الطبيبة اعتذر عما بدر مني في اثناء غضبي او انا اسف لانني عاملتك بتلك الطريقة " للاسف سمعت كلمات اخرى حيث سألني عن العلاج وتكلفته وغفل عما بدر منه من تصرف لذلك انا ايضاً بادلته التظاهر وادعينا ان اي شيء لم يحدث  فلا ارغب بسماع كلمة اسف من شخص لايشعر بالاسف...
بعد ان استيقظ تركتهم معه وخرجت ؛ شعرت بعدم وجود حاجة لبقائي معهم، ذهبت للقاء الممرضة سوزان كي اسألها عن امر ما ولكن بعد وصولي للاستعلامات اخبروني انها مشغولة وان استراحتها ستكون في الساعة التاسعة والنصف اي  بعد مرور ساعة تقريباً لذا توجهت الى خارج المشفى ، صادفت عند خروجي ذلك الطبيب الذي التقيته في غرفة الطوارئ توجه نحوي وقال :
_  ايتها الطبيبة كيف انتهى الامر معك ؟
_ لم ينتهي حتى الان 
_ كيف ألم يقرروا في اجتماع الامس
_ لا
_ اخبريني كيف هو حال المريض 
_ استيقظ منذ دقائق
_ حقاً
_ اجل
_ هذا جيد ، لن تعاقبي اذاً
_ لا اعتقد ذلك ، لربما سيخففون العقوبة ولكن لا يتجاهلوها .
اقترب من الطبيب شخص ما  - كان صديقه على مااعتقد - قال للطبيب بعد ان وضع يده على كتفه
_ يا اخي الشارع مزدحم ، ماذا افعل ؟
_ ( اجاب الطبيب بعد ان نظر الى ساعة يده ) لا اليوم لم تتاخر ( ومن ثم اردف قائلاً وهو يبتسم ) لاعرفك انها الطبيبة صوفيا ( اشار على صديقه وقال ) احمد مذيع في احدى برامج الراديو وانا كمال طبيب الطوارئ الذي تشاجرتِ معه
_ ( اجبتهم قائلة ) سررت بمعرفتكم ( وبعد وهلة من الصمت قلت لهم متسائلة ) اين يقع اقرب مطعم من المشفى ؟
_ ( قال كمال ) مطعم العجوز في الشارع المقابل
_ ( قلت بعد ان رجعت خطوة الى الخلف ) اذاً لاودعكم
_ ( قال احمد معارضاً ) لم نتعرف جيداً حتى
_ ( اما كمال فقال باستغراب ) أانتِ جادة ، ( اردف مؤكداً ) ستاتين معنا
_ ( لم يكن بمقدوري الرفظ لذلك اجبتهم قائلة ) ماباليد حيلة .
وصلنا الى المطعم ، كان يبدو عليه القدم  - اعتقد انه منزل تم تحويله الى مطعم - نوافذه مؤطرة بخشب مطلي باللون الزهري واوراق الجدران نقشت عليها زهور الفلامنجو الزهرية بالاضافة الى ان جميع الطاولات والمقاعد بيضاء اللون ، رغم قدم هيكله الا ان مظهره منعش يبدو ان العجوز صاحبة المطعم تحمل روح طفلة .
عندما احظرت العجوز الطعام ورتبته على المائدة سألتها قائلة :
_ لم اخترتِ زهور الفلامنجو ؟
_ ( اجابت مبتسمة ) لانها تشير الى حسن الضيافة  
_ ( قال كمال متسائلاً ) اي زهور تقصدين
_ ( قلت ) تلك التي على اوراق الجدران
_ ( نظر الى الجدران ومن ثم قال بتعجب ) لم انتبه لوجود الزهور مطلقاً
_ ( اردف احمد ضاحكاً وهو يقول ) لسنتين نأتي  ولم تنتبه ؟
_ ( اجابه كمال ) الم اخبرك إنني افقد التركيز عند تناول الطعام ( ومن ثم وجه نظره الي وسألني ) ماذا كان اسم الزهور ؟
_ ( اجبته قائلة ) زهور الفلامنجو
_ ( انعقدت ملامح وجهه وقال باستغراب ) الفلامنجو أليس طائراً ، أهو زهرة ايضاً ؟
_ ( قلت له موضحة ) سميت بأسمه لانها مشابهة له
_ ( نظر الي احمد وقال ببشاشة ) تبدين مهتمة في الزهور ؟
_( اعاد سؤاله الى عقلي ذكريات جميلة ، رسمت الابتسامة على وجهي اثر تلك الذكريات التي احياها ، اجبته ) امي كانت تمتلك متجراً صغيراً لبيع الزهور وكانت تصطحبني معها كثيراً في صغري
_ ( قال احمد ) انه لشيء جميل ان تمتلك متجراً للزهور ، يبدو انني ساترك الاعلام  فقد اصبح متعباً
_ ( عارضه كمال وهو يقول ) ما المتعب في قراءة النصوص 
_ ( اجابه احمد بتذمر) ليت الامر مقتصر على نصوص فقط ، بالامس حدثونا عن فقرة جديدة ستضاف قريباً
_ ( قطب كمال حاجبيه وهو يقول ) ماهي ؟
_ حلاً لمشاكل الانتحار سيتم انشاء برنامج خاص لسماع كل معاناة الشعب الماليزي ويشترط عليك ان تصغي ، تواسي ان تتحدث بتفهم ومراعات وبشكل ايجابي ...
_ (اسند كمال ظهره على المقعد وقال براحة ) اعمل في غير شركة
_ ( واصل احمد تذمره وهو يقول ) انه امر فرض على الاعلام وسيطبق في اي شركة حتى انهم سينشؤن له برنامجاً خاصاً في الهواتف ...
( صمت لوهلة ومن ثم قال ) المضحك اكثرإن الموظفين الذين يعملون لايجب ان يفصحوا عن اي شيء حتى عن اسمائهم ، يعملون باسماء مستعارة كي يشعر الناس بثقة كما قالوا
_ ( قال كمال بانفعال ) ماهذا الهراء حتى في الافلام لم يفعلوا ذلك
_ ( اجابه احمد قائلاً ) لو اعلم من اعطاهم هذه الفكرة لخنقته في اسلاك السماعات التي ساضعها على أُذني لساعات وانا اسمع شكواهم...
_ ( قاطعته قائلة ببرود ) لم انت غاضب !
_ ( قال بتعجب ) أتمزحين !
_ اجدهم قد اختاروا الطريقة المثلى
_ ( قال احمد بانزعاج ) بالنسبة للمقابل اما الموظفين فما ذنبهم ان يختنقوا بهموم الاخرين
_ ( قلت ) انقاذ الاخرين لا يخنق بل يمنحك انفاساً إضافية
_ ( قال احمد باستياء) بالله عليك
_ ( لم يزعجني تذمره المستمر لذلك اجبته قائلة ) ستكونون أطباء أطباءاً معنويين ، لا تدرك ما مدى جمال ان تكون طبيب ، ان تملك فرصة لمنح الاخرين الحياة ، عندما تنقذهم ستشعر وكانك حزت على نقطة وكان رصيد حياتك ارتفع سيتغير بك شيء وتتحسن بك امور عدة ، ستحظى بتوفيق الرب
_ ( تلقى كمال كلماتي بوجه بشوش ، قال ) على الرغم من انني طبيب لكن لم يسبق وان ينتابني هذا الاحساس الذي شعرت به الان
_ ( تنهداحمد وهو يقول ) حقاً لا اعلم...
رجعت الى المشفى مع كمال بعد ان وردني اتصال من الرئيس ، كان قد اخبرني بانه سيعقد اجتماع بعد نصف ساعة لذلك طلب مني ان اكون مستعدة ، قال لي كمال في اثناء دخولنا الى المشفى :
_ لا تقلقي رئيسنا ليس ظالم
_ لست قلقة
_ حقاً !
_ اشعر انني فخورة بنفسي ، ساتقبل العقوبة مهما كانت
_ حقاً انتِ قوية
_ لانني على صواب...
بعد ان انتهينا من الكلام ذهب كل منا لوجهته هو ذهب لعمله وانا ذهبت للقاء فيون...
دخلت الى الغرفة ولحسن الحظ لم اجد عائلته معه لذلك توجهت نحوه لتفحص حالته وعندما شعر بان هناك شخص ما يعبث بالاجهزة التي تحيط به فتح عينيه ونظر الي بتعجب ، ازلت تعجبه عندما قلت له مبتسمة :
_ كيف هو حال مريضي ؟
_ ( قال بإستغراب ) ألستِ تلك الفتاة العازفة ؟
_ العزف هواية اما عملي فهو الطب
_ حقاً !
_ اخبرني كيف تشعر
_ هناك صداع  وغير ذلك انني بخير ... أانتِ الطبيبة التي تحدثوا عنها الممرضات
_ ماذا ؟
_ قالوا ان هناك طبيبة خاطرت بمستقبلها لاجراء الجراحة وان المشفى سيعاقبها ؟
_ ( قلت مازحة ) من المحتمل ان خبر الجراحة سيصل الى المريخ
_ ( قال بتسائل اكبر ) أهي انتِ ؟
_ ( اومأت له ، اردف قائلاً بصوته المتعب ) شكراً لانقاذكِ حياتي ، لا تدركين كم انا ممتن
_ الشكر لله هو من اعطاني القوة لانقاذك
_ نعم ، اشكر الله اولاً ومن ثم اشكركِ ؛ منحتيني فرصة للعيش والوقوف مع زوجتي اثناء الولادة ورؤية طفلي وهو يكبر يوماً بعد يوم
_( اسعدتني كلماته لذلك اجبته قائلة) اتمنى ان تحضوا بحياة هنيئة وان تعيشوا بسلام
_( قلص عيناه محاولاً التذكر وعندما لم يجدي الامر نفعاً قال ) ما هو اسمكِ ؟ (اردف ضاحكاً وهو يقول) لم يتسنى لي التعرف على جميع العازفين.
_ ( اجبته مبتسمة ) لا تنحرج انا ايضاً لم اجد فرصة للتعرف . اسمي صوفيا
_ سررت جداً بالقائك وسيكون اسم ولدي باذن الله صافيو ( إسم مشتق من إسم صوفيا الذي يعني الحكمة )
_ ( قلت مازحة ) سيكون حكيماً مثلي
_ ( قال بعفوية ) اتمنى ذلك ...
لم اشعر بمرور الوقت كنت مستمتعة جداً في حديثي معه، عند توجهي لفتح النافذة تذكرت امر الاجتماع لذلك غادرت الغرفة على عجلٍ من امري بعد ان ودعته وفي اثناء سيري اتصلت بي امي، كعادتها ابتدأت الكلام بسؤالها اياي بصوتها الدافئ
_ كيف حالك ؟
_ ( اجبتها بابتهاج ) افضل حال ، اتذكرين عندما اخبرتك بالامس انني اجريت جراحة طارئة لشخص ما؟ 
_  اجل ، اذكر
_ كنت اتحدث معه قبل ان تتصلي
_ حقاً ؟
_ (اكملت حديثي بحماس شديد ) قال سيسمي ابنه صافيو، كان ممتن للغاية
_ ( التقطت انفاسها ومن ثم قالت ) الحمد لله لنجاح الجراحة كنت قلقة لانك لم تكوني تحت الاشراف ( اردفت متسائلة ) أتم تكريمكِ فهي جراحتكِ الاولى ؟
_ ( قلت ضاحكة ) اجل سيعاقبوني 
_ لمَ !
_ ( قلت باستهزاء ) لانني نقذت حياته كان يجدر بي ان ادعه يموت وهو ينتظر تفرغ احد الاطباء 
_ ( قالت بدهشة ) ماذا ! 
_( وجدت نفسي قد وصلت الى المصعد لذلك قلت لها) امي لنكمل حديثنا لاحقاً تاخرت على الاجتماع
_ (تمنت لي الحظ ومن ثم اردفت قائلة) اتصلي بي عندما ينتهي الاجتماع
_ بالتاكيد ، وداعاً .
رأيت الطبيب عبد الله في داخل المصعد ، حييته وبادل تحيتي ببرود كان مشابه لبرود والده لربما تعلق به حتى بات يشبهه ، انتشر الصمت في انحاء المصعد بل ورافقنا حتى وصولنا الى الغرفة حيث وجدنا الجميع في انتظارنا حتى الرئيس كان جالساً ، بعد ان توجهنا الى مقاعدنا نادى الرئيس احد الاطباء واعطاه بعض الملفات وامره ان يوزعها على الحضور ، وعندما اصبح امام كل شخص ملف حدثنا قائلاً :
_ المريض صاحب الغرفة رقم ٢١٦ المصاب بورم في الجانب الايسر من الدماغ ، امامكم الان نتائج جراحته لذلك اطلعوا عليها قبل ان اخبركم بالقرار النهائي...
حملوا الملف وبدؤا في تصفحه، انتشر الصمت في انحاء الغرفة وبدا لي وكانهم سيسمعون ضربات قلبي الصاخبة !
استمريت في مراقبة تعابير وجوههم لعلها تبشر بخير فالخوف الذي اجتاحني جعلني لا اقوى على فتح الملف ، خشيت في ذلك الحين من ان تكون توقعاتي غير صائبة وضربة الحظ تلك ماهي الا وهم.
بعد ان انتهوا وجهوا نظرهم صوب الرئيس ليكمل حديثه ، تحدث قائلاً :
_ من يرى النتائج لاول مرة سيفكر ان الجراحة اجريت على ايدي خبيرة والا ايعقل ان مبتدئاً يجري جراحة وتنجح بمحظ صدفة ! جميعكم اجريتم العديد من العمليات الجراحية وتدركون ما مدى تعقيدها وان لم تكن طبيباً ذو خبرة كافية فمن المحال ان تنجح ، مااريد قوله هو اننا تساهلنا في اختيار العقوبة لان الطبيبة صوفيا علمت انها قادرة ومتمكنة في ان تكون جراحة فهي لم تكن كأي مبتدئة كما ذكر رئيسها وعلى الرغم من انها اضهرت ذلك بشكل غير قانوني الا انها اثبتته بجدارة... 
واصل الرئيس كلامه رغم اعتراض الجميع لكن عندما اشتدت الفوضى ضرب الطاولة بقوة ضربتان متتاليتان وقال بصرامة : الطبيبة صوفيا هي الجراحة المساعدة التي ارسلت من مشفى العاصمة لتخضع للتدريب على ايدي جراحينا لمدة لاتستغرق اكثر من شهر هكذا سينتهي الامر، يمكنكم المغادرة الان .
_(نهض الطبيب عادل وقال بحنقة) اقانون المشفى متداعي لتلك الدرجة ام ان الامر استثناء لايدنو من القانون؟
لم يجيبه الرئيس بل حتى لم يعيره اي اهتمام ، سحب الطبيب ليفان يد الطبيب عادل وتوجه به نحو الخارج كان يخاطبه ويحاول تهدئته لكنه استمر في الحديث ولم يتوقف لذا لحقه بقية الاطباء وهم يتهامسون ، لم يختفي صوتهم الا بعد انغلاق المصعد ، لمحت نظرات الطبيب عبدالله الحادة في ذلك اللحين وسرعان ما ادركت ان الفوضى انستني ان اغادر لذا نهضت وتركت الغرفة بسرعة...





اوتار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن