الفصل الثاني
في صباح يوم جديد وبالتحديد عند ميس التي كانت تضع اللمسات الأخيرة لمكتبها قبل الأفتتاح غدا ، كانت جميع النوافذ مفتوحة ، مما جعل سيف يستطيع رؤيتها من مكتبه وهي تتحرك في أرجاء المكان ، كان يقف أمام النافذة يرتشف قهوته ويختلس بعض النظرات إليها ، وفي خلال لحظات وجد رجلاً يدخل المكان ، ومن موقعه يستطيع أن يتبين أن هناك شئ غير طبيعي ، إلي أن شاهد هذا الرجل يجذبها بقوة من ذراعها وهي تحاول الخلاص منه .
لم يشعر سيف بنفسه الا وقد اندفع وهو يقطع درجات السلم كالبرق ، لم يحاول حتي أنتظار المصعد ، ثم وصل للبناية الأخري ولحسن حظه وجد بعض الأشخاص تخرج من المصعد ، فتوجه إليه مسرعاً وسجل رقم الطابق ، بعد أن توقعه لأنها تقريباً في نفس الطابق مثله ، وصل معتز إلي الطابق الخامس ، ولَم يحتاج إلي تخمين إي باب يطرق ، فقد كان صوت الصراخ صادراً من هذا الباب المفتوح أمامه .
دخل سيف سريعاً ، ووجد الرجل يجذبها من ذراعها بشدة ، وهي تهتز بين يده كأنها ورقة شجر صغيرة تهتز بقوة من فعل الرياح .
ثم لمح طفلة صغيرة تقف منزوية في أحد الأركان وهي تخبئ وجهها بيديها الصغيرتين وتبكي بشدة .
لم ينتظر طويلاً ، فلقد قطع المكان في خطوات واسعة سريعة ، وأستطاع أن يسحب هذا الرجل من رقبته بعد أن لف ذراعه حولها وسحبه بعيداً عنها .
تفأجا الرجل بتلك الحركة ، وأرتبك قليلاً ، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وحاول أن يتخلص من قبضته ولكن سيف لم يسمح له بل أقترب من أذنه وقال بصوت لا يسمعه سواهم: متحاولش ، أنا معايا الحزام الأسود في الجودو ، يعني بحركة واحدة أخليك دلوقتي متمدد علي الأرض ، وصدقني شكلك حيبقي وحش أوي بعد ما كنت عامل فيها دلوقتي شجيع السيما ، ها ، تحب تجرب ، والا تأخذ نفسك حالاً وتمشي من هنا ، ومتخلنيش أشوف وشك معدي حتي من الشارع ده ، مش بس العمارة .
نظر له الرجل وقيم الوضع ، ووجد أنه الخاسر ، من الواضح علي سيف أنه رياضي فهو يمتلك عضلات قوية وذو قامة طويلة ، أما هذا الرجل فجسده نحيل لا يستطيع أن يكسب في أي نزال بينهم ، فأجابه الرجل وقال : حاضر .
فأزاح سيف يده من حول رقبته وأشار له في أتجاه باب الخروج ، نظر الرجل لميس بغضب شديد ثم أنصرف .
وقف سيف وهو يشعر بالأحراج ونظراته موجهة للأرض وقال بصوت مهذب : أنا أسف علي دخولي البيت بدون أستئذان ، أنا كنت مضطر ، بعد أُذنك .
والتفت ليغادر ، ولكن أستوقفه صوتها العذب الرقيق ومن الواضح أنها مازالت تحت تأثير الصدمة فصوتها كان مرتعش وهي تقول : ممكن ثانية واحدة .
تسمر سيف في مكانه دون أن يستدير واردف قائلا بهدوء : تحت أمرك .
خطت ميس خطوات قليلة نحوه ثم وقفت أمامه وتحد ثت اليه بعد أن تمالكت نفسها : أنا مش عارفة أشكر حضرتك أزاي ، ربنا بعتك لينا من السما ، شكرا ليك ، حد غيرك ممكن مكانش يهتم ، بجد أشكرك أنك أتدخلت .
رفع سيف بصره إليها ونظراته واجهت نظراتها ، وكانت المرة الأولي التي يري ملامحها عن قرب هكذا ، كان بها شئ غريب لم يستطيع تفسيره ، ليس جمالها الرقيق الأخاذ ، ولا عيونها الآسرة ، بل أحساس مريح كأنه يعرفها من قبل ، كأنه التقاها قبل هذا الوقت ، كأنها ليست بغريبة عنه ، كان بذهنه ألف سؤال وسؤال أولها من هذا الرجل ، ولكنه لم يجرؤ علي البوح بما في ذهنه ، فقط أبتسم لها وقال وهو يمد يده ليصافحها : لا شكر علي واجب ، وأتمني أنك تكوني بأمان ، أسف نسيت أعرفك بنفسي أنا سيف الحديدي مدير في شركة الأستثمار اللي في العمارة اللي قدامك .
أبتسمت له ميس وصافحته وهي تقول : أهلا بيك ، أنا ميس العزيزي مهندسة ديكور وده المكتب بتاعي وأن شاء الله بكره الأفتتاح ، وحأكون سعيدة أوي لو حضرتك شرفتني بحضورك ، علي الساعة سابعة بأذن الله .
أجابها سيف بلطف : حأحاول أن شاء الله ، بعد أُذنك .
ثم غادر عائداً إلي مقر عمله ، تاركاً أياها وهي في حالة من الدهشة بسبب تصرفه الشهم الغير متوقع من رجل غريب لم تراه من قبل ، التفتت ميس لتجد أبنتها مازالت منزوية في أحد الأركان ، ترتعد من الخوف ، هرعت سريعاً لها وأحتضنتها وهي تحاول أن تهدئ من روعها قائلة : مريومة حبيبتي ، خلاص مفيش حاجة ، أهدئ محصلش حاجة يا حبيبتي .
ظلت مريم متشبثة في حضن والدتها وهي تبكي وتقول : أنا خايفة يا مامي ، بابي كان عايز يضربك ، أنا خايفة أوي .
حملت ميس أبنتها وأجلستها علي ساقيها وقالت : لا يا حبيبتي ، بابي مكانش حيضربني ، هو بس كان ماسك أيدي وبيكلمني ، أنتي عارفة بابي صوته عالي ، متخافيش يا مريوم يا حبيبتي ، مامي معاكي ، وبعدين فين مريم الشجاعة القوية ، أحنا أتفقنا علي أيه .
مسحت مريم دموعها بيدها الصغيرة وقالت : أني أكون قوية وشجاعة ، ومش أخاف خالث ، عشان ربنا بيحميني .
ضحكت ميس وقالت : شاطرة يا حبيبه مامي .
أنت تقرأ
من نافذة قلبي بقلمي مروة نصار
Roman d'amourتتلاقى العيون فتتحدث بما لا تستطيع أن تتحدث به الشفاه ، وتصدر الأمر للقلب فيصبح هو الآمر الناهي ويسجن العقل في زنزانة حتي لا يعترض أو يحاول مخالفة ما تتمناه الروح ويعشقه القلب وتهواه العين ، فهل يستطيع العاشق الفرار بعد هذا ، أقوي الرجال ينهار أمام...