الفصل العاشر من نافذة قلبي
شعرت ميس بصدمة شديدة عندما علمت بأن سيف قد أرسل له نفس الصور التي أرسلت لها ، صدمة جعلتها لا تقوي علي الأحتمال اكثر من هذا ، فوجدت كل ما حولها يدور بسرعة شديدة ، والأرض تهتز من تحتها ، ثم سقطت مغشياً عليها .
شعر سيف بالذعر ، وقام بحملها ووضعها علي الأريكة الموجودة بالغرفة ، في نفس اللحظة كانت دينا وحازم قد دلفوا إلي الغرفة ، وعندما رأت دينا صديقتها هكذا صرخت بقوة وقالت : ميس .. ميس ... في ايه .. ايه اللي حصل .
وقف سيف بجوار ميس وقال : عرفت أن نفس الصور اللي عندها جاتلي أنا كمان .
دينا وهي تفتح حقيبتها لتخرج منها العطر الخاص بها وهي تبكى وتقول : حسبى الله ونعم الوكيل فيك يا صلاح ، ربنا ينتقم منك أشد أنتقام علي اللي بتعمله في البنت الغلبانة دي .
ثم قامت برش العطر علي يدها وبدأت تمرره تحت أنف ميس ، كررت المحاولة أكثر من مرة ، وسيف يقف ينظر اليها وهو يشعر بالعجز والحزن الشديد .
نظر حازم لصديقه وشعر بما يختلج في صدره ، فربت علي كتفه وقال : متقلقش حتبقى كويسة ، وحياتك ما حأسيبه ، انا وراه والزمن طويل ، انا حأنزل دلوقتى أسحب البواب علي القسم وأعلقه هناك ، وأنت طمنى لما تتحسن ، سلام .
قال كلماته وغادر تاركاً أياهم ، وبعد عدة محاولات ، بدأت ميس تستعيد وعيها تدريجياً ، فطلب سيف من دينا أن تحضر كوباً من العصير ، ثم جلس بجوارها وأمسك يدها وأنحني عليها ليقبلها وهو يقول : الف سلامة عليكي يا حبيبتى ، أرجوكي أجمدى شوية ، أنا مش مستحمل أشوفك كده .
رفعت ميس بصرها وواجهت عيناها عيناه وهي تشعر بالدهشة الشديدة من تصرفه ومن كلماته وخاصة كلمة حبيبتى ، سرت رعشة في جسدها من تأثير لمسة يديه وقبلته الحانية علي يدها وكلماته الرقيقة ، التي كأنثي كانت قد أوشكت علي نسيان كل هذه الأمور .
شعر سيف برجفتها وأندهاشها فأكمل قائلاً : مستغربة أني بقولك حبيبتى ، أيوه حبيبتى ، ومش حتكونى حاجة تانية غير كده ، حبيبتى وصاحبتى وبنتى وأختى ومراتى ، ومش حأقبل بأي حاجة تانية .
أخفضت ميس بصرها وحاولت أن تسحب يدها من يده ولكنه لم يدع لها المجال ، فأطلقت تنهيدة وقالت : أرجوك يا سيف ، مش حينفع ، أرجوك متضغطيش عليا .
فقال سيف : ميس ممكن تبصيلى .
رفعت ميس عيناها ونظرت له ، ولكنها شعرت بأرتباك شديد ، فقد كانت عيناه تتحدث بدون أي كلمات ، كانت تحمل بداخله حب كبير .
تابع سيف قائلا : عايزك تقوليلى وأنتي عينك في عينايا ، أن مفيش أي حاجة جواكى ليا ، وأنك بترفضينى عشان مش عايزاني ، ومش حتقدرى تحبينى ، ده السبب الوحيد اللي ممكن يخلينى أقتنع أني أبعد عنك ، انك مش شايفانى حبيبك ، أني مش قادر أحرك مشاعرك .
نظرت له ميس وهي تشعر أن الكلمات تنتحر علي شفتيها لا تريد الخروج ، فحاولت أن تعتدل وتجلس ، وساعدها سيف في ذلك .
جلست ميس علي الأريكة وأسندت رأسها للخلف وصمتت ، لم يعد لها أي رغبة في المقاومة ، لم تعد قادرة علي تحمل كل ما تمر به ، لم تعد تستطيع كبت مشاعرها وأحاسيسها التي قتلها صلاح معه ، انهمرت الدموع من عينيها وبدأت تتكلم كأنها تحدث نفسها : يعني أعمل ايه ، انا خلاص مبقتش قادرة ، عمالة أحاول أبقي قوية عشان أمي وبنتي ، الاتنين محتاجين ليا ، مش عايزة أضعف ولا أتكسر عشانهم ، بس مبقتش قادرة ، قدرتي علي الأحتمال خلاص خلصت ، مع كل مصيبة بيعملها البنادم الحقير ده ، حتة مني بتموت وبتضيع ، تعبت ونفسي ارتاح ، عايزة ابقي طبيعية زي بقية البشر ، ابقي صاحية من النوم بضحك وعارفة انه يوم عادي ، انا أقصي امنياتي أن يومي يبقي يوم عادي ، مفيش فيه مصيبة ، ولا أضطر أشوف فيه خلقته ، ولا يحاول يتهجم عليا ، انا مش بطلب طلب كبير ، انا عايزة أعيش مرتاحة انا وبنتي ، عايزة ابطل أخاف ، نفسي أحس بالأمان ، ايه الصعب في ده .
كان سيف يستمع إليها في صمت ، لا يريد مقاطعتها ، حتي دينا صديقتها عندما سمعتهم لم تريد أن تقاطع حديثهم وانتظرت بالخارج .
التفت ميس له وقالت : يا سيف أنا خايفة علي بنتي ، انا ببقي مرعوبة كل يوم لو عمل فيا حاجة ، ايه اللي ممكن يحصلها ، بقعد اتخيل مدي خوفها لما حتلاقيني مش معاها والا اللي ممكن يعمله فيها ، انا عارفة ان اللي بعمله ده غلط ، بس هو اللي خلاني كده ، مبقتش شايفة غير سواد قدامي ، مبقتش أميز أي حاجة حلوة ، تعبت .
سيف بأهتمام وحب شديد : أنا مقدر كل اللي بتقوليه ، وكل اللي بتحسيه ، ومقدر خوفك علي مريم ، بس أرجوكى يا ميس أدينى فرصة أثبتلك أني أقدر أحميكى أنتي ومريم ، ادينى فرصة أني أكون جنبكم ، مش لازم أنتى اللي تبقى شايلة كل حاجة لوحدك ، أرجوكى يا ميس ، جربى صدقينى المرة دي مش حتخسرى حاجة ، أوعدك أن حياتك معايا حتنسيكى كل اللي فات .
نظرت له ميس وقالت بحزن : وأنت ذنبك ايه ، وليه تربط نفسك بواحدة ظروفها ملخبطة زيى ، ليه ترتبط بواحدة عشان صعبانة عليك ، عشان حاسس أنها محتاجة ليك تسندها ، واحدة أتكسرت قبل كده .
ابتسم سيف وقال : أقولك علي سر .
فأجابت ميس بأيماءة من رأسها ، فتابع حديثه قائلاً : أنتي عارفة ، أنا بحبك من أمتي ، من أول مرة شفتك فيها ، من قبل ما أعرف أي حاجة عنك .
فابتسمت ميس وقالت بوجع : ازاي بس يا سيف ، اليوم اللي شفتني فيه مكانش ينفع تحبّني فيه ، مكانش ينفع تفكر فيا حتي ، أنت شفتني في يوم كنت ضعيفة فيه ، كان صلاح عمال يبهدل فيا .
فأجابها : تؤتؤ تؤتؤ ، مش ده اليوم اللي بتكلم عليه ، انا بتكلم علي اليوم اللي قبله ، اللي كنتي واقفة فيه بتحركي المراية مع ضوء الشمس.
شعرت ميس بالخجل ووضعت يدها علي وجهها لتداري خجلها وقالت : انا متوقعتش ان حد شافني ، انا كنت بألعب مع مريم .
فضحك سيف وقال : أهو اللعب ده عمي عيني ساعتها ، ومن بعدها عيني مبقتش تشوف غيرك ، ويوم ما صلاح كان هنا ، شفتك من عندي من الشركة ، ونزلت جري زي المجنون مش عارف أعمل ايه ، كل اللي كنت بفكر فيه ، هو أني كنت خايف عليكي ، ورغم أني ما أعرفش مين ده ، ولا أعرف اي حاجة عنك ، بس لقيت نفسي من غير تفكير جاي جري عشان ألحقك منه ، رغم أن كان ممكن يبقي جوزك وكان حيبقي شكلي وحش ، بس مفكرتش .
صمت سيف قليلاً ثم قال : أوعي تفتكرى يا ميس أن أختيارك للمكان ده بالذات عشان تفتحى فيه شركتك ، مجرد صدفة ، لا أنتي جيتى هنا مخصوص عشانى ، ربنا بعتك ليا ، عشان أنتى نصيبى وقسمتى ، عشان ربنا عارف أنى مستنيكي من زمان ، لدرجة أني كنت بدأت أفقد الأمل في أني الأقيكى ، حبي ليكي مش عشان أنتي صعبانة عليا ، ولا عشان محتاجاني ، حبي ليكي عشان أنتي الوحيدة في الدنيا اللي قلبي أتحرك عشانها ، حبي ليكي عشان من ساعة ما شفتك وانا بقيت بشوف كل الألوان بعد ما كانت حياتي كلها رمادية ، حبي ليكي عشان انا محتاج لوجودك في حياتي ، محتاج أنسانة تشاركني عمري اللي جاي ، أنا بحبك يا ميس ، ومش بحبك لوحدك ، انا بحبك أنتي ومريم وماما فاطمة كلكم علي بعض كده ، يعني ربنا بعت ليا مش بس حبيبة ، لا وبنت زي العسل وأم تانية ، عشان يبقي عندي أتنين ، انا لما جيت بيتكم كنت حاسس أني قاعد في وسط عيلتي ، في بيتي مش حاسس بغربة خالص ، أتمني يا ميس أنك تحسي كلامي وتصدقيه ، وتنسي خالص كل اللي فات ، ومتخافيش من اللي جاي ، حنعديه مع بعض واحنا أيدينا في أيد بعض بس انتي توافقي .
نظرت له ميس وأبتسامة تعلو وجهها وتزينه فقال لها سيف بفرحة شديدة : وانا كفاية عليا الأبتسامة دي .
وفِي نفس اللحظة وجدوا دينا تدخل الغرفة وهي تطلق زغاريد بشكل مضحك وتقول : ألف الف مبروك .
نظرت ميس لصديقتها وقالت : دينا بتعملي ايه .
فأجابت دينا : بفرح يا ستي بفرح ، الفرح كمان عيب ، معلش يا سيف سامحني ، انا والله مش من طبعي أقف وأسمع كلام حد ، بس انا كنت قلقانة علي ميس ، وكمان كنت عايزة اطمئن وبجد أنا أطمئنت اوي بعد ما سمعت كلامك ، ربنا يوفقكم يارب ويسعدكم ، ثم التفتت إلي صديقتها وقالت : مبروك يا عروسة ألف مبروك ، ربنا يسعد قلبك يارب .
نهض سيف من مكانه وقال بأبتسامة : مفيش مشكلة يا دينا ، أهو تبقي وفرتي علي ميس أنها تقعد تحكي كل اللي حصل من أول وجديد .
فضحكت دينا وقالت : أنا نيتي كانت كده بردوه .
ضحك سيف ثم نظر لميس وقال : أنتي أحسن دلوقتي يا ميس ، تحبي نروح للدكتور نطمئن .
ميس : لا انا بقيت كويسة ، مش محتاجة دكتور .
سيف وهو ينظر إليها بحب : طيب الحمد لله ، انا مضطر أسيبك دلوقتي ، وحأشوفك بالليل بعد الشغل ، خدي بالك علي نفسك .
ميس : حاضر ، وأنت كمان .
أنت تقرأ
من نافذة قلبي بقلمي مروة نصار
Romanceتتلاقى العيون فتتحدث بما لا تستطيع أن تتحدث به الشفاه ، وتصدر الأمر للقلب فيصبح هو الآمر الناهي ويسجن العقل في زنزانة حتي لا يعترض أو يحاول مخالفة ما تتمناه الروح ويعشقه القلب وتهواه العين ، فهل يستطيع العاشق الفرار بعد هذا ، أقوي الرجال ينهار أمام...