١٦. هذا ما أتيتُ لأجله

418 53 19
                                    

بدايةُ الفصلِ السادِس عشر.

الحِكمة في مُقارنة الخسائِر. يُمكن الاستغناء عن لذَّة مؤقَّتة طالما مُقابلها عذابٌ دائِم!

***

ظَلام.
فقَط ظلامٌ دامِس يُحاوِطني من كُل جِهة حتى أننِي لا أكادُ أرى جسدِي. أصوات البوم كانَت تجعل جسدي يجفلُ و ينكمِش لا إراديًا، و لكِن كونِي غير مرئية جعلني أهدأ كثيرًا.
ثوانٍ ثُم بدأ نورُ القمر الخافِت يسري في المَكان كاشِفًا ماهِية المُحيط حولي.. قليلًا.
أشجارٌ شاهِقة و مُتباينة الطُّول تكشفُ أنَّ ما حولي ليسَ سِوى غابة!
أيمازِحُني نايل أم ماذا؟! غابة، نايل؟!

لم أحاوِل التحرُّك من مكانِي، فقط انتظرتُ و انتظرتُ أيَّ إشارةٍ أو علامَة.. و لكِن بِلا فائِدة.
عِندما مللتُ هذا الوَضع المُمل.. زممتُ شفتي و تحاملتُ على رُكبتيَّ لأنهَض، و عليَّ أن أقول أن فكرة النُهوض كانت من أغبى الأفكار في حياتِي، أينَ أذهبُ يا ربي في هذا الظَلام الدامِس!

ثوانٍ مِن وقوفِي الأبله المُتحيِّر و رأيتُ خُيوط النور تتسلل لتُنير المُحيط حولِي. مصدر النُور كان خلفِي تمامًا. شعرتُ بالهلعِ لثوانٍ فالتفتُّ بحركةٍ لا إراديَّة سريعة لأتفقَّد مصدر النور. كادَت شهقة تُغادر فمي عندما رأيتُ كيانًا مُلثمًا يُغطي جسدهُ بعباءةٍ طويلة و قلنسوة، و لكِنني وضعتُ يدي على فمِي أكتمُ شهقتِي، و بدلًا من ذلِك تراجعتُ خُطوات للخلف.

راقبتُ هذا الشخص المُلثم يتقدَّم بالمِصباح في يده ينظرُ حوله مع كُل خُطوة ليتأكَّد من خُلو المكان. تبعتُه حيثُ يذهب، و دقيقتانِ تقريبًا و رأيتُ بيتًا على مرمَى البصر، من الواضِح أنَّ هذا الشخص يتَّجه إليه. و لكِنه بيتٌ غريب.. إنه.. فقط شكلهُ و تصميمهُ غريب. سقفهُ مُعوجٌّ قليلًا و تحيطهُ هالةٌ من الغُموض.

اقتربَ الشخصُ حتى باتَ أمامَ الباب تمامًا، ثُم طرق ثلاث طرقات بالعَدد، ثُم انتظر.. و كذلكَ فعلتُ أنا.
لم تمُر دقيقة حتى سمعتُ صوت الباب يُفتح ليصدُر عنهُ صريرٌ مُزعج.

"أفصِح عن هويَّتك." سمعتُ صوتًا أنثويًا يقول ذلِك من فَرجة الباب، لينطِق هذا المُلثم بالجُملةِ التي جعلتني أقطِّبُ حاجباي.

"أفعَى القَصر.. حفيدُ سولومون الأكبر."

و لكِن صوتُه الرجولي.. بدا مألوفًا!

انفتحَ البابُ كامِلًا بعدما سمِعت الأنثى هذه الإجابة، و ظهرت على أعتابِ الباب لينعكسَ نور المِصباح على وجهِها.. و يسقُط فكِّي أنا أرضًا.
لو لم أكُن مُتأكِّدة أنَّ الملائكة غير مرئية للبَشر أمثالي.. لكُنت أجزمتُ بكُل جوارِحي أنها ملكٌ كريم، أو حوريةٌ من الجنَّة. كُنتُ أظُن أنَّ شعر "رابنزل" هو مَحض أسطورة.. إلى أن رأيتُ شعرها الحالِك السواد اللامع الخُصلات يتدلى بحُرية مُطلقة على كتفيها وصولًا إلى كعبيها، و يفترشُ الأرضَ بجوارِها لمساحةٍ لا بأسَ بها.
الكلماتُ تهربُ خوفًا من ارتكاب الإثم الفاحِش في وصف ما لا يوصَف. الكلماتُ تعلمُ قدرَ نفسَها.. و تعلمُ أنها عاجِزةٌ عن إتمام تلكَ المُهمة الصعبة بالدِّقة المطلوبة!

لعنةُ العرشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن