الفصل الخامس

5.4K 130 4
                                    

ادهش بيتر النسوة على المائدة وادخل السرور الى قلوب الرجال المسنين حين اكل سبع كعكات يقطر منها الزبدة والقطر وشرب كوبين من الحليب وذلك بالنظر الى خجله السابق ونقص شهيته الليلة الماضية كما انه كف عن طبيعته الطيبة فيما بعد عندما دعا القاضى والسيد ليو ليصعدا معه الى مخزن العتق
ذهبا معه مسرورين الى حيث يتفرجان على المخزن بينما انطلقت العمة لويزا والسيدة هنكز فى الفان الى حيث تتسوقان فى السوق القريب
هكذا بقى جيرالد ورونى وحدهما ينهيان قهوتهما
جلسا صامتين كل منهما يحدق فى كوبه كان عند كل منهما اشياء كثيرة يريد ان يقولها للاخر ولكن يبدو ان ايهما لم يجد طريقة مناسبة لفتح الموضوع
واخيرا قال جيرالد وهو ما زال يحدق فى كوبه " كان الكعك لذيذا "
فاشرق وجه رونى اكثر مما يستحق الاطراء وهى تقول " شكرا "
فقال وهو ينظر اليها بابتسامة مرتبكة " كل طعامك لذيذ اراهن على ان وزنى ازداد كيلو غراما او اكثر "
ودون وعى منها اخذت عيناها تتاملان جسمه كانت كل عضلة فى جسمه تبدو واضحة تحت قميصه القطنى الضيق ولم يبد لها اى وزن زائد فقالت له " اشك فى ذلك "
فعاد كل منهما يحول عينيه عن الاخر وعاد جيرالد يحدق فى كوبه كان قد وضع فى قهوته قشدة اكثر مما ينبغى وشعر بتوتر فى اعصابه فاخذ يتنحنح وهو يحاول جاهدا التغلب على ما يمنعه من الافصاح عما يعتمل فى داخله " انا .... اهه .... اهــ..."
تبا لى من ضفدع عبس وهو يرتشف قهوته البيضاء وكاد يشرق بها فاخذ يكح ثم تنفس عميقا
ثم عاد يقول متلعثما مرة اخرى " انا ... انا اريدك قط ان تعلمى اننى ..." ورفع عينيه اليها سهوا ما جعل رونى تلحظ نضاله النفسى
وتملكها شعور بالامومة ما جعلها ترغب فى ان تمر بيدها على شعره للتخيف عنه قائلة بان كل شئ على ما يرام وان لا يخاف من كشف ما فى نفسه ولم تكن ابتسامتها المشجعة ثابتة تماما
" تبا لهذا ..."
لقد كانت تنظر اليه ربما بالطريقة التى تنظر بها الى تلامذتها فى الصف ما جعله يشعر وكانه فى الثامنة من عمره كان لسانه معقودا بشكل غريب وشعر بالاشمئزاز من نفسه فهز راسه وهو يتنفس بخشونة " اظننى اريد ان اشكرك ولكننى لا ادرى كيف "
" حسنا هذا امر جيد " ونهضت واقفة وهى تحاول التظاهر بالمرح تغطى بذلك تاثرها لعدم استطاعته الافصاح عن مشاعره وتابعت تقول " لان لا شئ هناك يستوجب شكرك لى فانا احب الطهى " كانت تعلم جيدا ان طهيها لا يحتمل النقاش واردات ان توفر على جيرالد المزيد من الارتباك فاضافت تقول " كما انك تدفع مبلغا جيدا من المال ثمن طعامك "
ولكن جيرالد رفض قبول المخرج السهل الذى قدمته له فالصنيع الذى قامت به نحوه فى اليومين الماضيين هو اكثر بكثير مما يقوم به اى انسان فكان يريدها ان تعلم انه يقدر لها ذلك نهض من مكانه ووقف بجانبها عند الحوض فكانت تغسل الاوانى وتضعها فوق بعضها البعض بينما هو يضعها فى مكانها وكانت هى المرة الاولى التى يساعد فيها بهذا الشكل وقام بذلك دون وعى منه ويبدو ان هذا العمل الخفيف قد ساعد فى ازالة توتره
قال " اننى اعلم جيدا انك لم تكونى فى البداية تريديننى فى هذا المنزل " واذ راها تهم بالاحتجاج سارع يقول " لا باس ما الذى اريد قوله هو ان ذلك جعلنى اقدر كثير صنيعك تجاه المتاعب التى سبتتها لك هنا "
" جيرالد ..."
" كلا دعينى انهى كلامى اننى مجرم سابق يا فيرونيكا وقد حكم على بالاشغال الشاقة جزاء ما سموه جريمة عنف ان اكثر الناس ..."
فقاطعته تقول بهدوء " انك ستعلم اذا جد الجد اننى لست كاكثر الناس "
" لقد سبق وعلمت ذلك " واخذ ينظر اليها بثبات وقد فارقه عدم الثقة بمشاعره وكلامه وراى عينيها الخضراوين الرائعتين جادتين ووجنتيها حمراوتين لطول عملها منذ الصباح الباكر امام الموقد تقلى الكعك ولاحظ بشئ من الدهشة ان وجهها المورد وشعرها الاشعث جعلاها تبدو جميلة تقريبا
وادرك انه قد ابتدا حقا يعجب بصاحبة النزل هذه فابتسم لها قائلا " ولكن كما سبق وقلت لك اى شخص غيرك يعلم ان النزيل الذى لم يكونوا يريدونه معهم منذ البداية هذا النزيل هو مجرم سابق لاخرجوه من النزل باسرع وقت ولكنك لم تفعلى "
فشعرت رونى بالاضطراب لحدة نظراته اليها فقالت " لا تجعلنى عطوفة يا جيرالد فانا اتظاهر باننى كنت سعيدة لان عمتى اجرتك الغرفة هنا "
" ربما لانها استشارتك اولا "
" ربما "واحمر وجهها وتشتت ذهنها ازاء نظراته الدافئة ورقة صوته فحولت نظراتها عنه الى الاوانى التى كانت تغسلها فى الحوض وهى تتابع قائلة " ولكننى ايضا سبق واخبرتك السبب "
" وساطة الزواج "
" نعم " وازداد احمرار وجه رونى " اظن ما كان لى ان ادع هذا يكدرنى وهو لا يؤثر على عادة ولكن فى حالتك انت .."
وسكتت فجاة عندما ادركت ما كانت تهم بالاعتراف به ورمقته بنظرة جانبية
كان هو ينظر اليها هازلا وقد رفع حاجبيه " ماذا بالنسبة الى حالتى انا ؟"
وفكرت فجاة فى مبلغ وسامته فواجهته متحدية وهى تقول رافعة الراس " لكن فى حالتك انت فقد ساءنى ان اراك اجمل مظهرا بكثير من كل الذين كانوا يرشحونه للزواج بى حتى اننى كدت اكرههم "
سالها بعد سكوت طويل " ولكن لماذا ؟"
" لان " وهزت كتفيها باكتئاب " اعنى انظر الى ..."
فرقت نظراته وقال " ها اننى انظر ..."
كان هذا عندما عاد اليها عقلها واستطاعت رونى وهى تطلق ضحكة قصيرة مرتبكة ان تعيد نظراتها الى الاطباق وهى تقول بجفاء املة ان لا تكون دقات قلبها عالية بحيث يسمعها " نعم حسنا ان اكثر الرجال لا ينظرون الى "
وبسرعة وقبل ان يظن جيرالد انها تريده ان يحتج او يحاول تغيير رايها ضحكت مرة اخرى وهى تهتف " اة ما الذى جعلنا نصبح عاطفيين سريعى التاثر فجاة هل يمكنك ان تجد مكانا لهذا الاناء "
لو انه لم يدرك ان رونى ارادت تغيير الموضوع لكان دمية او دون احساس ولما كان جيرالد لا يعتبر نفسه ايا من هذين قد اتبع الاحتجاج المهذب الذى كان على وشك القيام به وامسك الاناء الذى كانت ناولته له وهو يقول " كنا نتحدث عن اولئك النزلاء "
" هذا صحيح " وجعلته نظرة الشكر التى رمقته بها يشعر بالسرور للباقته بينما تابعت تقول " ان بامكانهم ان يسببوا ازعاجا كبيرا الان وفى كل وقت "
" انا واثق من ذلك لكننى لا امانع فى القول اننى مسرور لان اكون واحدا منهم ليس فى هذه المدينة نزل كثيرة مثل هذا"
" ان النزل هى طراز قديم " وكانت رونى تنظف الحوض الان " وفى الواقع هى تنقرض بسرعة فليس ثمة طلب كثير لها من اناس فى عمرنا " القت عليه نظرة وهى تقول " اننى فى السادسة والعشرين "
" وانا فى الثلاثين "
لقد اعترفت رونى بذلك مع ايماءة من راسها بينما تساءل هو عما دعاه الى ان قول ذلك 
تابعت رونى وهى تشطف الحوض مرة اخرى شاعرة بالسرور اذ ترى نفسها قد عادت الى حديث امن وتابعت تقول " بعد منازل الاهل والمدارس الداخلية كل معارفى ممن فى مثل سنى يريدون الاستقلال بانفسهن فى غرف مشتركة او بيوت مشتركة مع زملاء يعبثون معهم .."
" ولماذا لم تريدى انت ذلك ؟"
جمدت يدا رونى ازاء رقة صوت جيرالد وهو يلقى هذا السؤال وبعد صمت طويل لم تنظر اثناءه اليه قالت بهدوء " ومن قال اننى لم اكن اريد ؟"
***************
فيما بعد وهى فى غرفتها تغير ملابسها الى تنورة وبلوزة قطنيتين استعدادا لرحلة التسوق مع بيت وجيرالد ,ما زالت رونى لا تستطيع ان تصدق انها قالت ذلك حقا ولم تدرك كنه الشعور الذى الجاها الى ذلك الا بعدان انطلقت تلك الكلمات من بين شفتيها ولكنها بعد ان قالتها ادركت انها الحقيقة
كل شئ اخر كل الاشياء العقلانية المنمقةالتى كانت يوما تتدفق بها بكل بلاغة بالنسبة لهذا الموضوع كان مجرد ... تنميق فى الكلام كلام جميل ارادت به ان تقنع العمة لويزا والنزلاء ونفسها وقد نجحت فى ذلك كلهم تقبلوه بينما الحقيقة كانت ان زرج عمتها جورج مات ولم يكن هناك نقود للذهاب الى الجامعة الى اى مكان اخر وهذه كل القصة
لقد حصلت على شهادتها فى التعليم بذهابها اولا الى الكلية المحلية لتكمل بعد ذلك سنتها الثالثة والرابعة فى جامعة ويلاميت بمساعدة منحة حصلت عليها اثناء سكنها فى بيتها وكان تحويل البيت الى نزل هى الطريق الوحيدة التى امكنهما فيها الاحتفاظ بالبيت ولكن لويزا وحدها ما كانت لتستطيع قط القيام بهذا العمل وهكذا بقيت رونى اولا للمساعدة وتدريجيا لكى تتسلم المسئولية وتدير الامور
الشئ المخيف كان حسب راى رونى وهى تمشط شعرها دون النظر الى صورتها فى المراة ذلك الشئ هو انها الى ما قبل ساعة كانت تعتقد بانها سعيدة راضية تماما وخفضت الفرشاة ببطء وهى ترغم نفسها على النظر الى عينيها الخضراوين الرزينتين فى المراة وهى تخاطب نفسها " وماذا كانت تخدعين نفسك به يا رونى سايكس "
***************
" هلا لك ان تنظر الى ذلك الان يا ولدى بيتر ؟ هنالك مدينة ملاهى صغيرة بجانب موقف سيارات مركز التسويق فيها زورق يسير فى الحوض وغير ذلك اراهن على انك اذا طلبت ذلك من بابا بلطف.."
كان القاضى يقول ذلك لبيتر من المقعد الخلفى لسيارة رونى حيث كانا يجلسان فى طريقهما الى السوق
فقاطعه بيتر " ليس لى بابا "
" بل لديك اب تاكيد يا بيتر وها هو ذا امامك " هتف القاضى بذلك وهو يشير له الى جيرالد ومهما كان رايه فى الموقف هو وليزا والاخرين فقد خططوا لما عليهم ان يفعلوه فى الليلة السابقة فقط وهكذا كان كل ما فعله ازاء عناد بيتر هو قوله له ضاحكا وهو يلمزه بمرفقه " هل انت بحاجة الى نظارات او ما اشبه هل انت اعمى يا ولد ؟ انك تبدو مثل ذلك الرجل تماما ..."
" كلا لا اشبهه "
" بل حتى ان لديك عضلات مثله صلبة كالصخر " واخذ الرجل المسن يجس عضلات بيتر ولكنه لم يستطع اضحاكه " وطبعا اذا كنت تخاف من ركوب الزورق فى الحوض ..."
" انا لا اخاف من شئ "
" انت لا تخاف ؟"
" كلا لقد قالت لى جدتى هذا "
والقى نظرة متوترة على جيرالد الذى ادار راسه اليهما ومضى يتفحص وجه الصبى مقطبا جبينه
ساله القاضى " وماذا قالت لك جدتك غير ذلك ؟"
" ان لا اتحدث مع الغرباء "
فاوما الرجل العجوز باستحسان " اه "
فساله بيتر " هل انت غريب ؟"
فانتفض القاضى وكانه جرح وقال " انا كلا بالطبع فانا صديقك الم اساعدك فى صنع حصن فى المخزن وغير ذلك"
فاوما بيتر ولكن بشئ من التردد " ثم الا اعيش فى نفس المنزل معك "
فاوما الصبى مرة اخرى وباقتناع اكثر قليلا
" حسنا اذن وهذا يجعلنى صديقك اليس كذلك ؟"
قالت رونى وهى تنظر فى عيتى الصبى من مراة السيارة امامها وتغمز بعينيها باسمة " اننا نحن صديقاك ايضا يا بيتر انا وجيرالد وهذا هو السبب فى ان جدتك حضرتك الينا اليس كذلك يا جيرالد ؟"
لم يجب جيرالد على الفور وقد بدت ملامحه تماثل ملامح الصبى كابة وتشككا وكان ما زال مصدوما من رفض بيتر السابق ان يكون ابا له وان كان لا يدرى لماذا اغضبه هذا الامر وبعد فهو لا يريد ان يكون والد الطفل اكثر مما يريده الطفل نفسه
هتفت رونى بصوت خافت محذرة " جيرالد ؟"
فرد بحدة " ماذا " وحملق فيها قبل ان يعود فينظر الى بيتر باستياء وهو يقول " نعم هذا صحيح "
نظرت اليه ساخطة وهى توقف السيارة فترجل من السيارة متصلب الجسم دون ان يقول شيئا فنظرت الى القاضى الذى ابتسم لها مشجعا وقال وهو يشير الى بيتر بان يخرج من السيارة " الوقت ... هذا ما هما بحاجة اليه "
تنهدت رونى وقالت وهى تحمل مفاتيحها وحقيبة يدها " اعلم ذلك "
خارج السيارة كان بيتر قد اصبح بجانبها على الفور وعندما مدت يدها تشب بها وكانها حبل النجاة
نظرت رونى حولها وهى تتنفس بعمق تستعيد بذلك حماستها ثم منحت الجميع ابتسامة مشرقة وهى تقول " والان ما الذى علينا ان نفعل اولا التسوق ام التفرج على مدينة الملاهى "
فقال القاضى " انا شخصيا اريد التسوق اولا فانا بحاجة الى جوارب "
قالت رونى " وبيتر بحاجة الى مشط وفرشاة اسنان واشياء مماثلة " 
فقال القاضى لجيرالد " والى ماذا تهدف انت يا جيرالد ؟"
ليس للابوة كما اخذ جيرالد يفكر وهو يغالب استياءه كان واثقا من هذا الامر ورمق بيتر بنظرة كئيبة وقد توترت شفتاه واذ لمح الصبى نظرته تلك حول عينيه عنه بسرعة فحول جيرالد عينيه هو ايضا واذا بهما تصطدمان بعينى رونى الخضراوين الملتهبتين غضبا
اه انها مجنونة 
واشتد شعوره بالضيق فالتفت الى القاضى بسرعة " انا ..." وتنحنح " اظننى اريد شراء بعض ..."
فى الواقع لم يكن يريد شراء اى شئ وتساءل عابسا عما جعله يلحق بهم وعادت نظراته المضطربة تصطدم مرة اخرى بنظرات الصبى المتوجسة وشعر بطعنة ندم مؤلمة وتنحنح مرة اخرى انما هذه المرة لم يحاول لا هو ولا الصبى نظره
"اظننى اريد ان اشترى شيئا لاجل لاجل صديقى الجديد يلعب به "
قال جيرالد ذلك بصوت اجش بسبب الغصة التى كانت فى حلقه ومد يده مترددا يداعب خصلات شعر الصبى "ما رايك فى ذلك يا بيتر ؟ هل تحب كرة القدم ؟"
لكن بيتر اخذ فقط يحدق صامتا بحذر ولكن عندما انحنى جيرالد عليه امسك بيده يقوده نحو المتجر بينما رونى تمسك بيده الاخرى لم يجذب الصبى يده منه 
****************
بعد ان انتهت رونى من شراء كل ما يحتاجونه سالتهم قائلة " حسنا الان ماذا بعد ؟ هل نركب فى الزورق ام ناكل الايس كريم ؟"
ابتسمت فى وجه بيتر المتالق " بيتر هل يمكنك ان تفترق مؤقتا عن الكرة لكى نركب الزورق "
فاوما الصبى براسه وهو يبتسم بخجل " اننى احب ركوب الزورق "
" احقا " واخذت تنظم مجموعة اكياس المشتريات المختلفة فى صندوق السيارة وهى تتابع قائلة باهتمام مناسب " هل سبق ان ركبت زورقا من قبل "
هز بيتر راسه نفيا وقال وهو يلقى نظرة على القاضى " كلا ولكننى لا اخاف من ركوبه "
فضحكت واخذت تعبث بشعره " الا تخاف ؟ اما انا فكنت دوما اخاف من ذلك "
فقال بيتر " يمكنك ان تاتى معى "
" احقا يمكننى ذلك " وصفقت باب صندوق السيارة " لا ادرى ربما اذا جاء القاضى كننغهام هو ايضا ..."
فقال القاضى وهو يتراجع الى الخلف رافعا راحتيه "كلا يا سيدتى كلا اعتبرانى خارج هذا الامر "
ولم تكن رونى تتوقع اقل من هذا فنظرت الى هدفها الاساسى جيرالد تتحداه ان لا يخذلها وهى تقول " او ربما جيرالد "
رات ما ارتسم على وجهه الحكم عليها بالفشل فقالت له بنظرة ذات معنى " اننى ساستمتع بالركوب لو انك جئت معنا"
ابتسمت راضية وهى ترى ابتسامة اسف على شفتيه وقد بدا المكر فى نظراته وهو يقول " لا تكونى واثقة من ذلك " ولكن العبوس الذى ساد ملامحه معظم الرحلة تبدد الان نوعا ما " دوما كنت ماهرا فى التجديف "
وارتفع حينئذ صوت القاضى مخاطبا بيتر " هيا بنا يا بنى فلنذهب انا وانت لشراء التذاكر "
تابعت رونى عندما ابتعد بيتر الرجل العجوز عن مرمى السمع " كان ذلك فيما مضى فالوقت مختلف ولم يعد ما يهمك هو شخصك قط " 
وفى فترة الصمت التى تلت اخذا ينظران الى بعضهما البعض طويلا اراد هو ان يناقشها ان يقول لها انه غير مسئول عن احد سوى نفسه وانه لم يطلب الصاق صفة الابوة به خصوصا والطفل ليس ولده واخذه الى ركوب الزورق فى هذا الاحتفال الصغير ليس مما يسره
ولكن هاتين العينين الخضراوين الكبيرتين المتعلقتين بعينيه ما كانتا لتسمحا له بقول هذه الاشياء فالطيبة والاهتمام والصراحة التى تنطق بها نظرات رونى تتحداه بان يجرؤ على ان يكون هو اقل طيبة واهتماما مما هى عليه ومما تقولان له ان ها هنا صبيا صغيرا بريئا من كل تعقد ومرتبكا وخائفا وشاعرا بالضياع ذكرتاه بان عليه ان يتصرف سواء كان هو اباه ام لا 
تنهد باستسلام وفى الواقع لم يكن جرب قط افراح الطفولة والتوت شفتاه بابتسامة اسى وقال وهو ينظر الى القاضى وبيتر اللذين وقفا فى الصف امام شباك التذاكر وقد بدت البهجة البالغة على الصبى قال " نعم اظنك على حق فالان لم اعد وحدى فى الحياة "
دهش لشعوره بالسرور وهو يدرك ذلك ويعترف به
وبعد ذلك بدقائق نادى من مدينة الملاهى رجل يقول " اصطفوا الى اليمين ايها الناس " ودفع رونى وبيتر وجيرالد امامه الى حيث دفع رونى اولا الى قارب الغندول وبعدها بيتر والرجل يقول له " هيا تقدم الى الامام يا بنى لكى يتمكن بابا من الجلوس والاخر "
وجلسوا فى القارب الذى كان يهتز بهم برفق ومضوا ينتظرون امتلاء الغندول الاخر ومن ثم ينطلقون جميعا
اخذ بيتر يمد عنقه ينظر الى القاضى الذى وقف على الرصيف وهو يبتسم له ضاحكا رافعا ابهامه مشجعا بينما اراح جيرالد ذراعه على مسند رونى ما جعل الدهشة تتملكها
ومع ان ذلك كان بشكل اضطرارى لا خيار له فيه الا ان المشاعر المختلفة تملكته الى ان وقعت عيناه على يد الصبى الصغير متشبثة بيد رونى بشدة
وتمنى للحظة مجنونة لو كان هو الذى يتشبث بيتر بيده وان يده هى التى تحتوى على ما تحتويه يد رونى من ثقة وطمانينة
رفع راسه واذا به يرى رونى تراقبه فقالت برقة : امنح ذلك وقتا "

أب بالصدفة_آن بيتزر_ روايات عبير دار النحاس  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن