كل ما حدث على تلك الصخرة بجانب النهر حين عرض جيرالد الزواج على رونى حدث بسرعة فيلم سينمائى
وتملك السرور العمة لويزا والنزلاء لنجاح مسعاهم فى التوسط بهذا الزواج الذى انتهى بسرعة وبقوا اياما يتناقشون فى من هو الذى كانت مساعيه فى الوصول الى هذه النتيجة اكثر من مساعى غيره واذ احتسبت العمة لويزا لنفسها الفضل الاول فى ذلك اصبح ادعاؤها هذا الموضوع نقاش بين النزلاء فى غيابها
لم يقل بيتر شيئا كثيرا فى البداية فقد استغرق هذا منحاه يومين لكى يستوعب الوضع الراهن الذى ابتدا يشعر بالارتياح اليه وقد منحه جيرالد ورونى وقتا يفكر فيه فى هذه الامور قبل ان ياخذاه الى النزهة حيث اوضحا له ان لا شئ قد تغير لانه سيتابع العيش فى النزل فهو لن يترك النزلاء الذين اصبحوا جدودا له شغوفين به
كما ان رونى وجيرالد اجريا بعض الحديث هما ايضا تناول جعل موعد الزفاف الاول من شهر اغسطس والذى كان بعد عدة اسابيع فقط .... وكذلك موافقة جيرالد على العيش فى النزل ما راوه جميعا غاية فى التعقل كما ان رونى قررت ان النزلاء عموما والعمة لويزا خصوصا لهم كل الحق فى ان يعرفوا ماضيه باجمعه وقد ذعر جيرالد فى البداية ولكنه وافق اخيرا
وكما كانت رونى تنبات فقد استمع النزلاء والذين كانوا قد اصبحوا يحبون جيرالد ويحترمونه استمعوا برزانة بالغة الى ذلك فيما بعد على انفراد عبروا عن موافقتهم ومساندتهم له
اما القاضى كنيغهام والذى كان دوما المتكلم غير الرسمى باسم الاخرين ومع ذلك كان محترما منهم تماما فقد اوجز وصف مشاعرهم بهذا الشكل " لقد كنت اعلم منذ البداية انك كنت رجلا قلقا ذا ماضى مضطرب يا ولدى جيرالد ولكننى ادركت ايضا كما رايت فيما بعد انك من اولئك الاشخاص ذوى الاصالة والطيبة "
وكانت كلماته هذه افضل هدية زفاف ممكن ان يمنحها لجيرالد رونى
اما بالنسبة الى حفلة الزفاف نفسها فقد قرروا ان تكون بسيطة لا تكلف فيها وقد سبب هذا الاستياء للعمة لويزا التى كانت تحلم دوما برونى عروسا متالقة فى الثوب الابيض وبنفسها فى ثوب ام العروس الازرق وقد فسرت رونى رغبتها فى جعل حفلة الزفاف بالغة البساطة . فسرت ذلك بالرغبة في الاقتصاد وليس في نقص العواطف , وحيث أن العمة لويزا كانت امرأة واقعية , فقد اقتنعت بأن هذا هو الأفضل .
ولكنها لم تشأ أن تستمع إلى ما أخذ يبحثه الخطيبان بالنسبة إلى ترتيبات النوم . لقد ذعرت , في الواقع ولم تضيع الوقت فأخذت تطلب من روني موافاتها إلى إحدي اجتماعاتها الليلية في غرفتها لبحث هذه المسألة .
كانت روني تجلس كعادتها في نهاية سرير لويزا , وكان باقيا على حفلة الزفاف أسبوعان فقط , وكانت هذه أول فرصة تسنح للمرأتين للاجتماع للتشاور . وذلك منذ إعلان الخطبة , أو هذا ما قالته روني , أما الحقيقة فهي انها كانت تتعمد تجنب دعوة عمتها لها للاجتماع حتى الآن .
أخذت تعبث بطرف اللحاف كعادتها كلما أخذت تفكر , وهي تتساءل عن أفضل جواب تقابل به عرض لويزا , لغرفتها الخاصة , وهي اكبر غرفة في النزل , علي العروسين , بما في ذلك السرير المزدوج الذي كانت تستعمله مع زوجها العزيز الراحل والذي جددت فراشه السنة الماضية فقط .
لم يكن أمام روني من خيار سوى القول ان جيرالد لم يتزوجها إلا لأجل الاحتفاظ ببيتر اما النوم في الغرفة ذاتها فلم يدخل هذه الإتفاقية ..
وبهذا يتحطم قلب عمتها , فقد كانت العمة لويزا تعتبر نفسها وسيطة الزواج هنا وبالتالي فهي تتوقع أن ترى الزوجين , اللذين جمعتهما معا , يعيشان بأتم سعادة .
ثمة طبعا , خيار آخر وهو أن تشكر عمتها وتستلم منها الغرفة , ثم تدع الطبيعة تأخذ مجراها .
كان هذا الخيار الأخير مغريا , حيث أن روني لم تكن تجد من جيرالد أي نفور من هذه الناحية بعد ذلك الاجتماع بينهما على الصخرة عند النهر قبيل إعلان الخطبة والذي لمست أثناءه مشاعر جياشة نحوها ما زال قلبها يخفق لذكراها .
لو انها فقط واثقة من أن قلب جيرالد يخفق هو أيضا لنفس الذكرى .
ولكنها لم تكن واثقة , بل العكس تماما , فقد كانت رأت نظرة ندم في عيني جيرالد بعد أن طلب منها الزواج , كانت تلك النظرة تعبر عن ندم واضح وكأنه قال ذلك بلسانه , ومنذ ذلك الحين لم تجد منه أي تقرب نحوها , كما أنها هي لم تحاول أن تفاتحه في الأمر , ويبدو ان أيا منهما لم يكن واثقا مما يريده الآخر منه , وحيث ان الظروف كانت بهذا الشكل , فان تبادل الحديث بينهما بشكل عاطفى لم يكن واردا .
ولكنهما كانا يتظاهران أمام بقية النزلاء وخصوصا العمة لويزا , بملاطفة كل منهما للاخر وتبادل الابتسامات المشرقة .
كذلك كانا يشتركان في أخذ بيتر إلى النزهات والتفرج على الألعاب والفرق الرياضية وأماكن التسلية , أو أخذه إلى أماكن السباحة في البحيرات حيث كان ينتهى الأمر بجيرالد إلى لفت نظر كل فتاة فوق الثانية عشرة من عمرها .
أما بيتر فلم يعد ذلك الصبي الخجول الذي كان جاء اليهم منذ حوالي الستة أسابيع , فقد اصبح يتصرف كأي طفل طبيعي ذي والدين محبين , عدا ولع النزلاء الآخرين به .
في حوض السباحة مع جيرالد وبيتر , لم تكن روني تعلم أنها الأنثى الوحيدة التي كانت تثير مشاعر جيرالد , وكانت هي في الواقع تشعر بجاذبية بالغة نحوه , وكانت ترى أن أحسن مزاياه هي قدرته على التظاهر بأنه لا يهتم بأية امرأة ما عداها هي .
كان رجلا غاية في الرقة , حقا كما أخذت تفكر حالمة , وكانت فكرة مشاركته غرفة واحدة تزداد جاذبية كل يوم , ولكن لسوء الحظ , الرغبة من طرف واحد لا تكفي لانشاء علاقة عاطفية أو زواج حقيقي .
وهذا ما جعل روني امام خيار ثالث , وهي مواجهة عمتها الآن , وهذا الخيار هو المراوغة .
وهكذا رفعت عينيها فتقابلتا مع عيني عمتها , وإذا بها تذهل , بدا وكأن لويزا قد كبرت في السن مؤخرا , ما بدت معه أعوامها السبعون واضحة جلية , وبدون النظارات بدت عيناها باهتتين قصيرتي النظر , كما بدا وجهها مليئا بالتجاعيد .
فقالت تسألها وقد بدت الحدة في نظراتها : " هل أنت بخير يا عمتي ؟ "
فأجابت العمة باستياء : " لا تغيري الموضوع , فقد كنا نتحدث عن غرفة النوم هنا , ولا أدري ما الذي يشغل تفكيرك من هذه الناحية "
" حسنا , سأخبرك , ولكن حالما تردين على سؤالي أولا "
" أنا بخير "
" ولكنك تبدين مرهقة "
أجابت العمة بحدة : " طبعا أبدو مرهقة , فالوقت يقترب من منتصف الليل , والآن ماذا بالنسبة إلى غرفة النوم ؟ "
" حسنا .." وتلعثمت روني متمنية لو أنها تحسن الكذب أكثر من ذلك . " في الواقع , فكرنا أنا وجيرالد .. في ان نترك ترتيبات النوم كما هي الآن حاليا و .. "
استقامت العمة لويزا جالسة وقد اسود وجهها غضبا . " ماذا ؟ وفكرة أي معتوه هي هذه ؟ اتظنينني لا أعرف ؟ "
وانحنت إلي الأمام تهز اصبعها في وجه ابنة أخيها . " والآن اسمعي ما أقول , الخجل مع الرجل هو شيء ..."
" أنا لا اخجل من الرجال , يا عمتي "
فقالت عمتها بحدة وازدراء : " من المؤكد انك لا تخجلين , وهذا هو السبب في أن حشودهم لا تنفك تطرق بابنا طوال هذه السنوات "
" أنا أكره تهكمك , يا عمتي لويزا "
" وأنا أكره عنادك , فنحن متساويتان " ورق صوت العمة فجأة ." اسمعيني يا حبيبتي , ان رجلا مثل جيرالد مارسدن لا يأتيك كل يوم ."
فكرت روني في أن هذا صحيح , بينما تابعت العمة تقول : " كما انهم لا يطوفون يطلبون من امرأة مثلك أن تتزوجهم , مهما كان السبب "
واضافت الجملة الأخيرة عندما رأت روني تهم بمقاطعتها بحدة بقولها , ماذا تعنين بقولك امرأة مثلي ؟
لقد اسكتها تعديل عمتها لكلماتها النارية تلك , على كل حال . مضت لحظات من الصمت أخذت المرأتان أثناءه تحدقان في بعضهما البعض بكآبة .
وقطعت روني الصمت أخيرا بسؤالها : " ما الذي تريدين قوله , يا عمتي ؟ "
بدا وكأن الإرهاق قد ازداد في ملامح العمة وعينيها فأغمضتهما لحظة , ثم تنفست بعمق : " أريد ان أقول إنني اعلم جيدا أن ثمة شيئا بينك وبين جيرالد لا تريديننا , أنا والنزلاء , ان نعلم به , وهذا لا غبار عليه , فكل انسان له أسراره الخاصة , كما أقول على الدوام , وأنا لست من نوع الأشخاص الذين يدسون أنوفهم في شؤون الآخرين , إلا اذا كان لذلك علاقة بي أو من لي , ومن لي غيرك ؟ "
وحملقت في روني التي همت بالكلام , ولكن عمتها اسكتتها بقولها : " هنالك المزيد أريد قوله , وأريدك أن تنتبهي جيدا لذلك لأنه مهم جدا , ان الأمور بينك وبين جيرالد ليست كما ينبغي وأنا واثقة من أن هناك سببا جيدا لذلك , قد اكون عجوزا ولكنني لست غبية , وأتصور أنكما انتما الاثنين لديكما اسبابكما الخاصة للقيام بهذا العمل , وأتصور أن السبب هو بيتر , وليس لي اعتراض على هذا , أما ما اعترض عليه فهو كيف أنك يا فتاتي تريدين أن تلقى بعيدا بهذه الفرصة التي تجلب لك السعادة مع هذا الرجل "
" عمتي "
" سبق وطلبت منك عدم مقاطعتي يا روني "
" ولكنك لا تفهمين "
فقالت العمة بحدة : " ألم أقل هذا بالضبط منذ دقيقة ؟ ان ما لا تفهمينه يا فيرونيكا سايكس , هو أنه مهما كان السبب الذي بينك وبين جيرالد معقدا , فإن لديك فرصة لجعله ينجح , فكري يا فتاتي ... وكوني انانية ولو مرة واحدة في حياتك "
أنانية ؟
وتابعت العمة تقول : " لابد انه كان لديك شعور ما نحو الرجل لكي يجعلك تتزوجينه يا روني "
تململت روني بضيق دون أن تقول نعم أو كلا , حتى دون أن تقول ذلك لنفسها , ولكن لويزا لم تكن بحاجة إلي الكلمات , فقد شردت نظراتها ومدت يدها تربت على يد ابنة اخيها وهى تقول : " أريد أن أقول , إذهبي وافعلي كل شيء طالما الفرصة سانحة لذلك " واتكأت إلى الوسائد خلفها وتئاءبت , ثم تمتمت تقول : " وإياك أن تجرؤي على القول ( كل ماذا ) "
كانت روني متعبة , وفوق كل التمزق النفسي الذي تملكها أثناء الأيام القليلة الماضية , لم تكن بحاجة إلى المزيد من عمتها .. فقالت لها " اليد الواحدة لا تصفق يا عمتي "
فتثاءبت العمة مرة أخرى وقالت : " هذا صحيح تمام , ولكن إذا كان المكان مناسبا وكذلك التصرف من ناحيتك , فكل شيء سيتم على خير ما يرام "
ضحكت روني بالرغم مما تشعر به من انهاك وهي تقول : " صدقيني , يا عمتي "
وأخذت العمة تضحك بهدوء , هي أيضا , ولكنها سرعان ما عادت تقول جادة : " كل ما أقوله هو أن ليس هناك من يستطيع الحصول على سمكة دون أن يضع طعما في الصنارة ثم ينزلها في النهر , انك فتاة رائعة محبوبة , يا روني , وإذا لم يكن جيرالد يلاحظ هذا فهو أحمق , وكل ما عليك القيام به هو أن تمنحيه وقتا للإعتراف بذلك لنفسه ولك , هذا إذا كنت تريدينه حقا "
وهل هي تريده حقا ؟ ياليت الأمور بهذا الوضوح , قالت : " هنالك أمور كثيرة تتعلق بهذا عدا عن مجرد كوني أريد الرجل , ياعمتي , ان لدي جيرالد مشكلات كثيرة عليه أن يحلها "
"وهل هناك من يساعده على حلها أحسن منك ؟ "
" ما زال ثمة الكثير مما يتعلق به , لا تعرفينه أنت يا عمتي "
" هذا ما فهمته , ولكن ما دمت تعلمين ذلك ما هو الأمر ؟ "
" لقد عاني في حياته كثير "
فقالت العمة بحزن : " أعلم ذلك " اضافت وهي ترى نظرة الاستفهام السريعة في عيني روني : " انك لست الوحيدة في هذه الأسرة التي تعطف على ضحايا الظلم , يا عزيزتي , فقد أدركت منذ اللحظة التي وقعت فيها عيناي على ذلك الرجل , انه نال قسطه من الألم في هذه الحياة , وسرعان ما هفا قلبي إليه , حينذاك , فقبلته في النزل "
ابتسمت المرأتان الواحدة للأخري بتأثر صادق , لتقول روني بعد لحظة : " انك عميقة المشاعر , يا عمتي لويزا , وماكرة أيضا "
" إذن ستأخذين غرفة النوم ؟ "
فهزت روني رأسها وهي تضحك بهدوء وعجز .. ان هذه المرأة لا تحيد كما تريد . نزلت من السرير , وهي تقول : " تصبحين على خير يا عمتي "
************************
في هذه الأثناء , كان جيرالد مستلقيا على سريره في غرفته وقد جافاه النوم , كانت ذراعاه متشابكتين تحت رأسه وهو يحدق في الظلام , مستمعا إلي أنفاس بيتر العميقة وهو يسائل نفسه كيف وصل إلى هذه المرحلة .
هاهو ذا الآن , بعد ان كان رجلا كل احلامه هو أن يخرج من السجن بكلمة شرف ليعيش حرا طليقا , يرى نفسه الآن مرتبطا بزوجة وأسرة ... كيف حدث هذا ؟
ألم يكن وحيدا طوال حياته ؟ ألم يقسم على ان يبقى كذلك ؟ وأن لا يحمل سوى مسؤولية نفسه فقط ؟ وهو لديه فكرة عما وضع نفسه فيه , حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت ؟
نعم , انه يعرف نتيجة كل هذا , وهو ما يبعث الذعر في نفسه , ولا شك أنه فقد عقله , ما جعله يضع نفسه في مثل هذا الموقف .
أخذ يتململ في فراشه بضيق , لقد أقنعته تلك المرأة بالقيام بهذا الدور بما في ذلك الاحتفاظ بالصبى إلى أن يعثر على الجدة , انه ما كان ليبقى الصبي معه لولا نظراتها إليه بتلك العينين المتألقتين , ونواحها على بيتر الصغير المسكين ذاك .
ثم ذهابها من وراء ظهره إلي السيد تيلمان , لتخبره بأكاذيب كان عليه ان يمضي وقتا شاقا في محاولة التنصل منها , ما جعله يشعر بالذنب .. ما هى الحاجة إلى كل ذلك ؟
وما كانت حاجته إلى طفل يتعلق بركبته ضاحكا له , لقد كانت تمثل مكر النساء بأجلى مظهر , تلك الفتاة المشاغبة .
أليست النساء جميعا كذلك ؟ أليست العمة لويزا والسيدة هنكز كذلك وهما تضغطان عليه , بطريقتهما الحلوة , بخططهما لحفلة الزفاف وحديثهما عن الحب وغير ذلك ؟
وفي النهاية , كان دوما هناك سبب هذا البلاء .. أمه ..
اما كان بإمكانك ان تمنحيني والدا من زواجك من رجل ثاني , يا أماه ؟ إذن لكانت حياتي غير ما اصبحت عليه , بعد ذلك , وما كان حدث لي كل هذا .
وما كان بيتر وفيرونيكا سايكس يعنيان شيئا بالنسبة إليه , ولكن .. ما الذي يعنيايه بالنسبة إليك الآن يا جيرالد ؟
وإذ لم يعد يستطيع البقاء مستلقيا بهذا الشكل , أو حتى البقاء في الغرفة , نزل من سريره , وهبط إلى الطابق الأسفل على أطراف أصابعه متجها نحو الباب الأمامي ففتحه ثم خرج إلى الشرفة .
أنعشه هواء الليل البارد , فأخذ يعبء منه بعمق , ما جعله يشعر بشيء من الإرتياح , ووقف بجانب حاجز الشرفة وأخذ يحدق في البيت المقابل الأرجواني اللون , والذي محا الليل لونه الآن , لحسن الحظ .
تذكر عندما سبق ووقف بهذا الشكل في تلك الليلة التي اعترفت له روني فيها بزيارتها للضابط تيلمان , كانت تجلس على الارجوحة تلك .
وأراح جبينه إلى أحد أعمدة الشرفة وقد غلبه التعب وتشوش الذهن , بعد اسبوعين سيصبح رجلا متزوجا .. فماذا بعد ذلك .
" جيرالد ؟ "
سمعها تنطق باسمه في نفس الوقت الذي سمع فيه صرير الأرجوحة .. لقد كانت هنا , وشعر بيدها على كتفه , فاستدار إليها .
تراجعت خطوة , فرأى عينيها في عتمة الشرفة , واسعتين مضيئتين غامضتين .
سألها وقد تملكه سخط بالغ إذ تراه في مثل هذا الضعف و .. الألم .
" ما الذي تفعلينه هنا ؟ "
أجابت بحدة مشبكة ذراعيها فوق صدرها وقد رفعت رأسها : " تبا لذلك .. انها شرفتي وبإمكاني أن أجلس فيها متى شئت "
ولأنه لم يسبق لها السباب , فقد رفع جيرالد حاجبيه بعنف ودهشة , وبان الهزل في جانبي فمه : " انك وقحة هذه الليلة , أليس كذلك ؟ "
" نعم , حسنا " ووجدت روني نفسها تقول ضاحكة : " لقد تعلمت طريقة الكلام هذه من الرجال الذين حولي "
" من الرجال الذين حولك هه ؟ "
مال جيرالد على الحاجز ومضى ينظر إليها . انها خطيبته , وحامت نظراته حولها , وفجأة أرخى ذراعيه ووقف مستقيما , كل ما كانت ترتديه هو قميص متوسط الطول .
فقال وهو يحول نظراته إلى السقف , قال شاتما : " يا للهول , ألا ترتدين روبا ؟ "
ظنت روني انها لم تسمع جيدا , فقالت له : " أرجو المعذرة ؟ " ما هذا الكلام الذي يقوله رجل لصاحبة النزل الذي يقيم فيه ؟ حسنا لخطيبته ؟
سألها هامسا بغضب بالغ : " كيف تخرجين ليلا هكذا ؟ ألا تعلمين أن هناك منحرفين يدورون في الأنحاء ينتظرون من هو مثلك لكي .."
فقاطعته قائلة : " آه , ان من يسمعك يظنني اقوم باستعراض في برودواي , نيويورك , بدلا من الوقوف في شرفتي الخاصة في مدينة أوريغون الصغيرة "
" نعم " استدار ينظر إلى الشارع , وتراجعت هى خطوة " اظننى سأذهب إلى النوم الآن "
" حسنا , تصبحين على خير "
" جيرالد ؟ "
" نعم ؟ "
" عمتي لويزا تريدنا أن نأخذ غرفتها بعد الزواج "
وقبل ان تنهى جملتها . كان قد أخذ يستدير محدقا فيها مرة أخرى , لم يعرف ماذا يقول .. فقد كان يريد هذا الأمر أكثر من أى شيء آخر . وأخذ يتفحص وجه روني لكي يعرف ما تشعر به , ولكن كل ما استنتجه من ملامح روني الهادئة , على كل حال , هو عدم اكتراث مبطن باللهفة .
وكذلك اشتداد قبضتها على أعلى ذراعها , تدل على انها متوترة , ونظرة في عينيها الواسعتين المتألقتين أقنعته بشكل ما , بأنها تترقب منه شيئا .
اقترب منها هامسا : " روني ... ما الذي تريدينه .. يا حبيبتي ؟ "
ما الذي تريده ؟
ياله من سؤال .
انها تريده هو .
وفاضت نفسها بالرقة والمشاعر .
عاد وهو يهمس : " انك لن تندمي أبدا , فنحن سننسجم تماما وذلك طالما دام هذا الأمر بيننا "
طالما دام هذا الأمر بيننا ...
جمدت روني وسرت الرعشة في جسمها وتوقف قلبها لحظة عن الخفقان .
انهما طبعا سينسجمان طالما دام هذا الأمر بينهما .. كما أخذت تحدث نفسها , فما الذي كانت تتوقعه من رغبة صرفة دون حب ؟
وإذ أحس بالتغير فيها .. إذ بدا وكأنها جمدت فجأة , أخذ ينظر إلى وجهها .
" روني حبييتي , ماذا حدث ؟ هل جرحتك بكلمة , هل قلت شيئا ساءك ؟ "
فتراجعت روني عدة خطوات إلى الخلف : " كلا " وبذلك جهدا لكي تبتسم , ولكنها لم تشأ أن يعرف جيرالد بما كانت تشعر به حينذاك , فهو لم يخرج عن انه كان صادقا معها , على كل حال , بقوله الحقيقة , وليس ما كانت تتمناه , فهو لم يحدثها عن عالم خيالي جميل حافل بالحب والعواطف .
ولماذا عليه ان يقول ذلك ؟ فليس هو الذي سعي وراء هذا الزواج , بل هي .
ولم يكن هو الذي وقع في الغرام , بل هي .
أنت تقرأ
أب بالصدفة_آن بيتزر_ روايات عبير دار النحاس
Romanceانتظر جيرالد حريته طويلا ولهذا لن يقبل بالاستقرار ولو كان ذلك لاجل صبى صغير حزين ذكرته عيناه البنيتان الكبيرتان بطفولته الشقية ولكن اعادة الصبى الى جدته لم يكن بالامر السهل خصوصا وفيرونيكا سايكس صاحبة البيت الجذابة تتدخل فى الامر لم ترد منه فقط ان...