الفصل الاخير

6.4K 219 16
                                    


سريران ومنضدة وكرسيان وضعت جميعا على سجادة رثة كانت ذات يوم حمراء اللون . يظلل المصباح غطاء لم يعد يحجب الضوء , كانت هذه هي الغرفة رقم 313 من نزل شيدي غروف في بقعة لا اسم لها على الخريطة , وتقع بعد الطريق الرئيسي رقم 99 مباشرة في وسط كاليفورنيا . نظر جيرالد في أنحاء الغرفة قبل أن يعود إلى السيارة ليحضر بيتر .
في رغبته لكسب الوقت , وعدم تبذير نقوده بالبقاء في هذا النزل أكثر من ليلة واحدة وفي رغبته إنهاء هذه المهمة الكريهة في أسرع وقت ممكن , أمضي جيرالد ثماني عشرة ساعة في الطريق . كان يقود سيارة شيفروليه عتيقة كان اشتراها بسبع مئة دولار منذ أيام قليلة فقط . وحتي الآن يبدو أن الحق مع البائع حين قال إن السيارة صالحة رغم سوء مظهرها .
وقف جيرالد أمام هذا النزل وهو يحدق إلي بيتر الذى كان استسلم إلى النوم بعد عشاء سريع تناولاه منذ مئتي ميل تقريبا ثم تهالك أمام عجلة القيادة لحظة وهو يتنفس بضعف .
ولم تكن الأيام التي أوصلته إلى الوضع هذا , أفضل منها . فقد كانت تعاسة روني الصامتة وعتابها القاسي , حزن العمة لويزا وباقي النزلاء الذين كانت محاولاتهم التي تدعو إلى الرثاء في الظهور بمظهر التفاؤل والبشاشة غير المتحيزة كانت محاولاتهم تلك أكثر مما يستطيع تحمله وكذلك بيتر .
كان ارتباك الصبي المؤلم قد تمرد على محاولات جيرالد وروني معا في محاولاتهما أن يشرحا له الأمر . ذلك أن روني , والحق يقال , لم تدع آلامها وشعورها بالمرارة نحو جيرالد يثبطان همتها في محاولتها جعل بيتر يفهم ما لم تكن هي نفسها تفهمه .. وهو أن عودته إلى جدته هو أفضل ما يمكن أن يفعله جيرالد لأجله .
لكن بيتر لم يفهم , وما زال لا يفهم أكثر من أن بابا الذي كان أحبه لم يعد يريده , وإنه بيتر , لم يعد مسموحا له أن يبقى مع حبيبته روني وأولئك الناس المسنين الذين أصبحوا أسرته .كان مليئا بالبهجة والزهو ان أصبح لديه أخيرا غرفة خاصة به في مخزن الأشياء القديمة . وكذلك أم وأب كغيره من الاولاد مع مجموعة كبيرة من الاجداد أيضا .
كانت مراقبته للصبي وهو يفقد تألقه وصحته التي اكتسبها في الأشهر الأخيرة ليعود إلى ما كان عليه من شحوب وكآبة تجعله يشعر وكأنه اقترف جريمة وفوق هذا كله كان هدوء وبرودة روني نحوه , إلى مظاهر الآخرين الحزينة كل ذلك كان فوق احتماله .
ومع ذلك كان عليه أن يحتمل وقد فعل , وأى خيار كان لديه غير ذلك ؟ فإذا كان يريد أن يكون حرا في ذهابه إلى أي مكان لا تعيق مسؤولية نحو الآخرين وهو نوع الحياة الذي كان صمم عليه أثناء سنوات السجن إذا كان يريد هذا النوع من الحياة , فلن يتمكن من حمل مسؤولية زوجة وطفل .
لو أنه كان أقدم على هذا بإرادته الحرة لاختلف الأمر ولكان الذنب ذنبه لو أنه كان أخطأ مع روني فاضطر إلى الزواج منها ...
ولكن الامور لم تكن بهذا الشكل هنا . فهو ليس والد الطفل هذا . والسبب الوحيد الذي جعله يتزوج روني هو مارسي كمب والتي كانت من السذاجة بحيث ظنت أي أب لابنها خيرا من العدم .
حسنا , لقد كانت مارسي مخطئة عندما اختصته بهذا الشرف . وهو لم يوافق على ذلك .. ولن يمكنه احتماله .
بدا لجيرالد أن النساء على الأغلب هن اللاتي كن يقررن شؤون حياته . فقد جاء الآن دوره لكي يتسلم زمام حياته ولن يسمح لأحد , لا النزلاء ولا بيتر حتى لا روني , بأن يمنعه من ذلك , ومن العيش كما يريد .
حمل جيرالد بيتر من السيارة إلى الغرفة فأرقده في السرير وغطاه جيدا , ثم رقد هو في السرير كالأموات وقد أرهقه إجهاد نفسه , جثمانيا , بسبب قيادته السيارة ساعات طويلة , وشعوريا لهذا التصرف القاسي الذي ألزم نفسه به .

أب بالصدفة_آن بيتزر_ روايات عبير دار النحاس  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن