جمدت رونى مكانها وكانها استحالت الى حجر وهى تنظر الى جيرالد غير مصدقة كانت واثقة من انها لم تسمع جيدا
واخيرا استطاعت النطق " ما .... ماذا تقول ؟ انك .....انك كنت ....كنت"
" نعم سجين سابق يا انسة سايكس هذا ما قلته لك"
" ولكن لماذا " هزت رونى راسها بعجز
" تهمتى كانت سطو مسلحا وقد حكموا علي بعشر سنوات امضيت منها سبعا وقد اطلقوا سراحى بكلمة شرف بان لا احاول الهرب وذلك منذ حوالى شهرين "
سطو مسلح ؟ يا للهول؟
رغم انها لم تتحرك جسمانيا الا ان شيئا فى داخلها استعاد صورة ذهنية لكلمات جيرالد العنيفة ... صورة هذا الرجل الذى رحبت به عمتها والاخرون من كل قلوبهم واسكنوه معهم .. هذا الرجل يصوب بندقية الى راس صاحب متجر اعزل و.....
كلا واغمضت عينيها تطرد هذه الصورة المفزعة ابدا لا يمكن ان يكون هذا صحيحا لا يمكن ان يكونوا جميعا قد اخطاوا فى حكمهم على مزايا هذا الرجل
وعندما راى جيرالد ما اصاب رونى من ذهول قبل ان تغمض عينيها فلم تعد تنظر اليه مات شئ فى داخله بينما شئ اخر لم يكن يعلم بوجوده قد انتعش
فقال بهدوء " ها قد علمت الان يا انسة سايكس اليس كذلك ؟ لقد اصبحت تعلمين الان لماذا انا متاكد من ان بيتر ليس ابنى "
لم تجب وببرودة بالغة استدار جيرالد وعاد الى غرفة الجلوس حيث وقف لحظة طويلة يتامل الصبى الصغير الذى كان مستلقيا مكورا على نفسه كلفة الحبال وذلك فى زاوية الاريكة وما زال متشبثا بكعكته التى لم ياكلها
ثم اخذ يسال نفسه " ما العمل الان ؟"
لقد اصبح دون مسكن ياوى اليه ذلك ان جيرالد لم يكن لديه ادنى فكره ان رونى ما ان تشفى من الصدمة التى اصابتها وتتمالك نفسها حتى تاتى الى هنا لتريه طريق الباب ... فماذا يفعل بهذا الطفل الذى لا يعرفه ولا يريده؟
لقد كان مدانا سابقا وقبل ذلك كان طفلا وحيدا تحيط به المتاعب فما الذى يعرفه عن تربية الاولاد....؟ حتى ولو بلغت به الحماقة ان يحاول ذلك وهذا ما هو متاكد من عدم رغبته فيه
تملكه شعور بالحيرة والعجز بشكل لم يعرفه من قبل حتى ولا فى السجن ودس يديه فى جيبيه واطلق اهه عميقة
يا لها مشكلة عويصة
اخذ يحدق فى الصبى النائم بعينين ملتهبتين متاملا اهدابه المنسدلة على وجنتيه المنقطتين بالنمش والجسد الهزيل الصغير فى قميصه القطنى الواسع ويديه المتسختين وحذاءه الممزق
تملكه ياس بالغ انحنت كتفاه لثقله بعد ان ادرك فجاة ان ليس ثمة سوى طريقة واحدة وهى ان ياخذ الصبى ويسلمه للمسئولين ماذا امامه سوى ذلك ؟ ان يبحث عن الجدة؟ هذا مؤكد وشخر جيرالد ساخرا ما اسهل هذا .... اذ ليس عليه سوى ان يعرف فى اى مكان تقع بلدة بيستو ثم يقتفى اثر امراة عجوز تدعى جدتى والتى اخر اسم لها هو كمب هذا اذا لم تكن قد عادت فتزوجت شخصا يدعى جونز او اى شئ اخر
يا لها من ورطة
شاعرا بالانهاك متضايقا من العرق الجاف وغبار البناء رفع راسه واخذ يحدق فى السقف تبا لك يا مارسى ما الذى جعلك تفعلين هذا بى ؟
وفجاة اذا به يسمع صوتا اخر .... صوت مارسى وكانه جواب لمحاسبته الصامتة لها ...
كان صوتها يقول منبعثا من الماضى " انك الصديق الوحيد الذى لدى يا موس وانت تعلم ذلك "
كانت حينذاك تزوره فى السجن كما اعتادت بشكل منتظم وكانت هى الوحيدة من بين اصدقائه التى اهتمت بذلك ولا بد ان ذلك كان فى السنة الثانية تقريبا من سجنه
واخذ يتذكر ما كان اجابها به فى ذلك الحين " ما هذا يا مارسى ؟ ان لديك الكثير من الاصدقاء الشبان ... فلماذا تقولين مثل هذا الكلام "
فقاطعته دون لباقة " اولئك يريدون جسدى كلهم ما عداك "" حسنا نعم " واذ شعر بالارتباك لان ما تقوله كان صحيحا نقل نظره الى الحارس الواقف جانبا بجمود ثم الى مجموعة من الرجال كانوا مثله يتحدثون عبر الهاتف الى زائريهم الذين كانوا يجلسون امامهم يفصل بينهم زجاج ضد الرصاص
" اننى احبك يا جيرالد وما كنت لابخل عليك بشئ لو انك طلبت منى ذلك "
لقد جعلته الرقة البالغة وهى تتلفظ بتلك الكلمات جعلته ينظر اليها بحدة ما الذى كان بامكانه قوله ؟ انه لم ينظر اليها قط بتلك الطريقة؟ وانه كان يفضل اتباع الحشمة فى علاقاته بصرف النظر عن تيار الاباحية الذى كان يدور حوله
ومع ان هذه هى الحقيقة الا انها ما كانت لتفهم لو انه قال لها ذلك .... وكيف بامكانها ان تفهم ؟ وهكذا لم يقل لها شيئا كيلا يؤذى مشاعرها والمحافظة على مشاعر مارسى كانت مهمته منذ ذلك اليوم الذى دخلت فيه ذلك المبنى الذى كان جيرالد ومجموعته قد جعلوه بيتا لهم
كانت فى السادسة عشرة شقراء فضية الشعر بالغة الظرف قادمة من كالفورنيا كان يعتبرها وكانها اختا صغيرة له ورغم انه لم يكن يستطيع حمايتها من الشبان الاخرين الا انه كان يمنعهم من ان يعاملوها بخشونة وجزاء له على ذلك اصبحت مارسى بمثابة ظل له
كانت قالت له وهى تضع كفها على الزجاج الذى يفصل بينهما " كم اتمنى لو انك لم تصبح هنا " لم تعد فتاة فى السادسة عشرة وكانت الان بالغة النحافة وكان ظرفها ومرحها قد استحال منذ وقت طويل الى مظهر فتاة انهكها الارهاق والاسراف فى الطاقة وكانت تتابع قائلة " انك لم تفعل شيئا تستحق عليه السجن "
" لقد سلبت متجرا يا مارسى"
" ولكن ليس بقوة السلاح يا موس " اذ لم يكن لديك بندقية قط وفى الواقع كنت سمعتك مليون مرة وانت تقول " لا ينبغي علينا استعمال اسلحة ولا عنف وان هذا غباء "
فضحك جيرالد باسى وقال " نعم واظن ان سام وجوى لم يسمعانى "
" ولكن هل فقط لانهما ..."
واذ كان متعبا من مداومة تقليب الامر فى ذهنه مئات المرات من قبل فقد اسكتها عن هذا الاحتجاج عديم الجدوى "المسالة الاساسية هى ان ثمة رصاصة اطلقت على رجل ثم سلب وهذا حسب القانون يجعلنى مذنبا مثلهما وهذه هي القصة كلها فانسيها تماما فانا فى احسن حال "
" احقا فى احسن حال ؟"
" نعم انا بخير تماما " وسكت الاثنان فترة اخذ جيرالد اثناءها يتامل فى زيف ما قاله بينما بدا على مارسى وكانها تستجمع شجاعتها قبل ان تندفع قائلة " انا حامل يا موس "
" ماذا "
فاخذت تبكى " سيكون لدى طفل "
" يا للهول " ووضع سماعة الهاتف من يده وهو يشتم ثم هز راسه وهو يقول لها " انك لم تسمعى ما كنت انصحك به يا مارسى "
وازاء مظهرها المفجع عاد يشتم فترة ثم قال " انك اذن ستتخلصين من الجنين "
فقالت وهى تتراجع الى الخلف " كلا بل ربما ... ربما افكر فى العودة الى كاليفورنيا ولكننى ابدا لن ..."
" لا باس لاباس اهداى فقد كنت اسالك فقط " واذ شعر بالعجز عن القيام بشئ لاجلها ما زاد فى غيظه وغضبه منها لشذوذها عن الطريق المستقيم ومن نفسه لانه لم يرغمها على العودة الى بلدها فى كاليفورنيا منذ سنوات اخذ يحدق اليها وهو ينفخ فى قبضته " اين هو الاب الان على كل حال "
فهزت كتفيها متجنبة النظر فى عينيه
سكتا فترة طويلة قالت بعدها " يا ليتك كنت انت الاب "
فرد عليها ساخرا " نعم هذا صحيح"
" انا لا امزح يا موس فانت اعظم شاب"
انت اعظم شاب
نعم بكل تاكيد وشخر ازدراء لنفسه فما اعظمه الان وهو يقف بعد ست سنوات فى هذا النزل الذى يبعد الاف الاميال من ذلك المكان الذى دار فيه ذلك الحديث مواجها الطفل الذى كانت امه حريصة على ابقائه معها ولكن يبدو انها لم تستطع ذلك وكل ما يريده هو العثور على طريقة يتخلص فيها من طفلها هذا
انك اعظم شاب
واذ شعر بالهزيمة والقهر والارهاق الشديد تهالك على مقعد دافنا وجهه بين يديه
اعظم شاب
واطلق ضحكة قصيرة مرة أهو كذلك حقا ؟ ام انه اعظم فاشل اعظم غبى اعظم متورط فى المازق
********************
وفى الردهة استطاعت رونى اخيرا ان تحول عينيها عن باب غرفة الجلوس والذى انغلق خلف جيرالد منذ لحظات لم تكن تدرى ما عليها ان تفعل او كيف تتصرف او حتى ما ينبغى ان تكون عليه ردة فعلها نحو ما كاشفها به جيرالد ونظرت الى ساعتها
كانت السادسة والنصف ما زال باقيا على عودة الاخرين من الحفلة التى ذهبوا اليها نحو ساعتين من حسن الحظ
نظرت مرة اخرى الى باب غرفة الجلوس هل ينبغى عليها ان تدخل اليها ؟ ولكن ماذا يمكنها ان تصنع هناك او تقول لم تكن تستطيع فى هذه اللحظة التفكير
دخلت الى المطبخ وكان باردا معتما ورائحة عشاء الليلة الماضية والذى كان مؤلفا من ملفوف ولحم محفوظ كانت ما زالت عابقة فى الجو فقد كان هذا النهارحارا لا يحتمل ان يؤكل فيه طعام مطبوخ واذ لك يكن موجودا سواهما هى وجيرالد فقد صنعت بعض الخبز الكروى وسلطة تتناسب مع بقايا اللحم من الامس
كانت تتصاعد موسيقى ناعمة من الراديو الصغير الموضوع على منضدة ولكن ما كانت رونى تسمعه هو ما كان يجول فى ذهنها مما كاشفها جيرالد به من امور هائلة
( امى هجرتنى ... بعد ولادتى بساعات .... قصر الجزيرة هو سجن ... سطو مسلح ... حكم عليه بعشر سنوات ... كنت طفلا مهجورا ... مهجورا ...)
كانت حركتها بطيئة متوترة .... فجلست الى المنضدة واخذت تحدق الى صورة تمثل زهورا وفاكهة معلقة فوقها ولكن بدلا من الكمثرى المتالقة بوجناتها الحمراء والكرز الغض وبدلا من الاقحوان المتالق فى اشعة الشمس والازهار كانت ترى مشاهد لطفل تكتنفه الوحدة والضياع طفل يحبو ... وتمتلئ عيناها بالدموع
تصاعدت شهقة من بين شفتيها وانهمرت دموعها على المنضدة وهى تتصور ذلك الطفل وهو ينمو وما زال وحيدا غير مرغوب به ما زال محتاجا الى الاخرين بينما يحاول ان يقوم بتلك الحاجات بنفسه
كفى
وكان هذا الامر قد نطقت به صوت عال اجفلت ورفعت راسها
وعاد ذلك الصوت فى داخلخا يسالها ... ماذا ستفعلين ؟ ان مارسدن رجل ناضج ومجرم فكفى شعورا بالاسف لاجله ها قد سنحت فرصتك لكى تطرديه
نعم ولكن ... وبدا الاضطراب فى نظراتها واخذت تحدق فى الفراغ وهى تحدث نفسها بانه يحاول ان يبدا حياة جديدة وهى فرصتها للقيام بعمل خيرى ... وهو ان تمنح ذلك الرجل فرصة ثانية فى الحياة ... فهل بامكانها ان تفكر فى سبب افضل من ذلك ؟ وكذلك تحمى طفلا اخر هو بيتر من نفس المصير على الارجح ... الا يستحق هذا اى جهد تستطيع بذله؟
وفى الردهة دقت ساعة جدها الجدارية السابعة ما جعلها تنهض واقفة كانت حركاتها بطيئة تنم عن تعب فى الروح اكثر منه فى الجسم جهزت المائدة لثلاث اشخاص ثم فتحت الثلاجة واعدت طعام العشاء وبعد ان وقفت لحظة تعيد التفكير فى ما هى مقدمه عليه ثم تركت المطبخ
كانت قد حزمت امرها انها ستقدم ما امكنها من مساعدة وبعد كيف يمكنها ان تدير ظهرها لرجل وطفل محتاجين ؟ كلا لا يمكنها ذلك
دخلت غرفة الجلوس دون ان تطرق الباب ثم وقفت بجانب الباب وقد التاع قلبها لمنظر جيرالد جالسا على المقعد ووجهه بين يديه لقد رفع راسه بسرعة حالما سمعها تدخل ولكن رغم سرعته فى اخفاء نظرة الالم البالغ التى بدت في عينيه الا ان رونى راتها
واذ احست بانه لا يريدها ان ترى ضعفه وما يرتسم على وجهه من مشاعر تظاهرت بتركيز اهتمامها على الصبى فقالت بهدوء وهى تجثو على الارض بجانبه " مسكين هو يبدو انه بردان وجائع لقد وضعت العشاء على المائدة وهو بارد فلا حاجة اذن للاسراع ... ولكن اذا كنت جائعا "
ومدت يدها تزيح برفق خصلة من شعر الصبى عن جبينه تاركة الجملة معلقة وسمعت خلفها ركبتى جيرالد تقرقعان وهو ينهض واقفا من على المقعد المنخفض ثم وقع خطواته وهو يسير نحو النافذة فنهضت هى ايضا والتفتت تنظر الى ظهره والذى كان مستقيما مهيبا وطلبا ايضا
قالت وهى تقترب منه " انا اسفة " كان جيرالد يوليها جانبه ما جعل بامكانها رؤية جانب وجهه والذى كان الضوء المنساب من النافذة يحدد ملامحه بوضوح فبدت لها وكانها قدت من الحجر
" انا اعترف باننى صدمت لما حدثتنى به ولكننى اخذت بعد ذلك افكر فى الامر "
" احقا "
" نعم لقد قررت ان اجعلك تبقى عندنا على الاقل الى ان تتدبر امرك فى هذا المازق "
رات رونى فك جيرالد يتقلص ثم عاد فاسترخى ثم التفت اليها ببطء وقد ارتسمت المرارة على وجهه " حسنا هذه شهامة كبرى منك يا انسة سايكس "
فتنفست بعمق متجاهلة تهكمه " نعم حسنا فانا اريد تقديم المساعدة اذا سمحت لى بذلك "
حدق فيها وكانها فقدت عقلها " احقا تريدين ذلك الان ؟ اتظنين حقا اننى لم ار ما شعرت به نحوى هنالك فى الردهة ؟"
" لقد اخبرتك اننى صدمت ومن لا يصدمه خبر كهذا ؟"
" نعم من لا يصدمه ذلك ؟ كل شخص عرفته شعر بذلك "
وتوترت شفتيه
" ارجوك " ومنعها الشعور البالغ بالعطف الذى تملكها من ان تكمل كلامها ورفعت يدها وكانها تهم بلمس ذراعه ولكنه ابتعد عنها قبل ان تفعل ذلك فانزلت يدها وهى تقول " لا بد ان بامكانى القيام بشئ يسهل عليكما اموركما انتما الاثنين"
" انا واثق من ذلك يا انسة سايكس " ونقل نظراته الى الارض ثم عاد ينظر اليها ساخرا " السؤال هو لماذا تريدين ان تفعلى هذا ؟"
فنظرت رونى الى الصبى والذى بدا فى نومه غاية فى البراءة " لاجل بيتر " قالت ذلك ببساطة رغم انها لم تكن صادقة تماما فالحقيقة كانت انها شعرت برغبة كبرى فى ان تسعده هو ايضا
أنت تقرأ
أب بالصدفة_آن بيتزر_ روايات عبير دار النحاس
Romantizmانتظر جيرالد حريته طويلا ولهذا لن يقبل بالاستقرار ولو كان ذلك لاجل صبى صغير حزين ذكرته عيناه البنيتان الكبيرتان بطفولته الشقية ولكن اعادة الصبى الى جدته لم يكن بالامر السهل خصوصا وفيرونيكا سايكس صاحبة البيت الجذابة تتدخل فى الامر لم ترد منه فقط ان...