(اي يروحون يقتلون بعضهم بعض، ويخلونه بحالْنَه. إحْنَه مُعلينه؟)
(مو قصّة علينه لو مو علينه، بس دولة ماكو والأقليات ماد يحميها غير الدولة القوية. إحنه لا عِلْينه حِزب ولا ميليشيا ولابطيخ)
لكن مها لم تكن مقتنعة برأيي أو مستعدّة لترك الجدال ينتهي كما أريده أنا. فقالت ليش بس هنا؟
حتينه بمصر. وبمصر أكو دولة قوية. وأشو
مَنْ يذبحون المسيحيين ويحرقون كنايسهم. راح يظلون ورانه ورانه يريدون يطلعونا مثل ما طلعو اليهود. منو طلّعِهم؟ ليش راحو؟
«بابا موضوع اليهود غير شكل. موضوع معقد. دخلت بين إسرائيل عالخط وحكومة العهد البائد كانت متآمرة وصار إسقاط جنسيّة وقصة طويلة عريضة»
خرج زوجها عن صمته، الذي لم يكن حياديّاً البتّة، قائلاً: بس مو بس إحنا عمّو. الصبه هَـمْ خطَيّة واليزيديين بالشمال. شوف
شصار بيهم. الأسلام ما يخلّون أحدا
أضافت مها .
هو دين انتشر بالسيف. شتوقع يعني؟
فقلت لها: ليش الدين المسيحي شلون انتشر؟ بالحكي
وبالعيني وأغاني؟ لو مو هذا الامبراطور الروماني الي نسيت إسمه، اللي صار مسيحي، ما كان انتشر بسرعة. وبعدين لمن كانوا يدخلون مدينة، اللي ميصير مسيحي ينقص راسه ، لا جزية ولا هم يحزنون.
والحروب الصليبية وفتح أميركا الشمالية والجنوبية انذبحو بيها عشرين مليون بمباركة الكنيسة .
«أنا ما أعرف هاي التفاصيل عمّو. هذا كلّه بالماضي. إحنه مشكلتنا هسه ، بالوقت الحاضر. الأسلام ميريدونا، بكل بساطة،
علمود يظل البلد بس إليهم.
شنو إلهم؟ البلد بلد الكل، وبلدنا وبلد أجدادنا، إحنا قبل
غيرنا. التاريخ يثبت... من زمن الدقناووس. من الكلدانيين
للعباسيين للعثمانيين وتأسيس الدولة العراقية ، المتاحف تشهد. إحنا موجودين قبل غيرنا. إذا مو بلدنا لعد بلد منو؟ ما تكليلي؟» قالت مها بالم وبعد آهة : لهو آخرتنا راح نصير بالمتاحف إحنا
همّينا... يمكن كان بلدنا قَبِل، عمو. أيام زمان. كان.
بالماضي. هسّة خلص . همّة صرنا كلنا كُفّار.
«لا كفّار ولا بطيخ. هسة بس تستقر الأمور، الخير يرجع. شويه شوية
وهسه الوضع كثير احسن من قبل تلك اربع سنين
اشلون يرجع عمّو؟ ما تكلّي شلون؟ بعد كل هذا القتل , والذبح والدم والتهجير .)
عيني أكو بلدان وشعوب مرّت بأوضاع أسوأ وبعدين هم استقرت الأمور. هاي حركة التاريخ.
عمو الله يخلّيك هذا شلون حجي؟ إطلع وشوف شلون
يعاملون الناس بالشارع وبالشغل وبعدين قول ترجع الأمور. مستحيل ترجع طبيعية .
كان غضبها يحتدم ويدها اليمنى مبسوطة تلوّح بالهواء لتدعم ما تقوله حتى أن زوجها وضع يده اليسرى على ذراعها لينبّهها إلى ضرورة تخفيف نبرتها، لكنها استمرّت:
«ليش هو شوكت جان وضعنا مستقر ميّة بالميّة وماكو عنصريّة وتفرقة؟
عيني، مع احترامي، إنتي بعدج صغيرة. هذا اللي يصير
طارئ . أيام زمان .. .
فقاطعتنى:
ما أعرف أيام زمان عمّو. وماريد أعرف.. أريد أعيش بكرامةمثل الأوادم
وطبعاً.. من حقج، بس التاريخ.
قاطعتني ثانية: «يا تاريخ، الله يخليك، تره إنت عايّش بالماضي
.
لا تزال في سريرها الآن ولم تستيقظ بعد للذهاب إلى الجامعة.
تذكرت كيف أن التي منها أول مرة عام 1991
الحرب هي قربتني
وكيف أن حربا أخرى، أو بالأحرى ما تلاها من مصائب وكوارث، هي التي حوّلت مجرى حياتها لتعيش معي تحت سقف واحد هي وزوجهاما لم أكن أتصوره أبداً. لكن هل كان أحد يتصور أي. شيء مما حدث في العقود الأخيرة؟
كنت أفضل البقاء في البيت، لكن حنّة أصرت على أن تلتحق بالأقرباء، خصوصاً أن صوت القصف أرعبها. فمقر قيادة القوة الجوية كان قريباً من البيت وكان القصف عبالك فوق راسنا» كما ظلت تردد للآخرين لاحقاً. وعندما تجادلنا حول قرار الذهاب إلى
الملجأ، قلت لها: «إذا الله يريدنا نموت، نموت وين ما نكون،
فقالت: لانروح نموت ويّ قرايبنا أحسن. ليش نموت لوحدنه؟»
فقلت لها: « خوما هي حفلة؟ أنا أريد أموت ببيتي!لم يكن الملجأ ملجأ حقيقياً، بل سرداب تحت أسواق الأميرة
التي يمتلكها أحد أقربائنا في منطقة الكرادة خارج. لكنه كان كبيراً
يتسع لبعض أقرباء صاحب المحل، بالإضافة إلى بعض العوائل التي
كانت تسكن في الشارع الفرعي الذي يقع المحل في رأسه، من
الذين لم يتركوا
بغداد. حيث كان الكثير من الناس , قد تركوا العاصمة
إلى المحافظات قبل يوم أو يومين من بداية القصف للابتعاد عنه . أول مرة رأيت مها فيها كانت طفلة تبكي، مثلما بكت أمس.
وتلمت وأنا أرى دموعها تنهمر. كنت قد رأيتها من قبل بالطبع في المناسبات العائلية ولكن تلك هي المرة التي أذكرها بوضوح. كنت الوحيد الذي عرف كيف يساعد أمها، نوال، في تهدئة روعها في الملجأ في تلك الليلة المظلمة عام 1991. كانت الطائرات الأمريكيّة
تدك بغداد ليلتها في قصف شديد يهز الأرض. ومها في أحضان أمها تبكي. فقامت تمشي وحوّلت ذراعيها إلى مهد تهزّه وتهدئها. وصلت إلى الباب الذي يؤدي إلى الدرج حيث كنت أقف وبيدي
المذياع الصغير الذي كان دائماً معي لأتابع الأخبار، مع أنها لم تكن قد تغيرت في اليومين الأخيرين غارات جوية لقوات التحالف على أهداف في العراق والكويت، لكن المذياع لم يكن يلتقط شيئاً في
السرداب وكان علي ، أن أصعد لكي ألتقط الموجة وكنت أضطر إلى النزول عند اشتداد القصف
عندما رأيت مها تدفن وجهها في صدر أمها، قالت لي أمها : الميتة من الخوف خطيّة!) ثم قالت لمها: شوفي هذا عمّو يوسف، هياته هنا. يالله كوليله هلو عمو!»، نظرتُ إليّ مها بعينيها الزيتونيتين المبللتين بالدموع دون أن تسمع كلام أمها.
فقلت لها: هاي شبيكي؟ ليش تبكين؟، فأشارت بيدهما الصغيرة
أنت تقرأ
يا مريم
General Fictionرؤيتان متناقضتان لشخصيتين من عائلة عراقية مسيحية٬ تجمعهما ظروف البلد تحت سقف واحد في بغداد. يوسف٬ رجل وحيد في خريف العمر٬ يرفض أن يترك البيت الذي بناه٬ وعاش فيه نصف قرن٬ ليهاجر. يظل متشبثا بخيوط الأمل وبذكريات ماض سعيد حيّ في ذاكرته. مها٬ شابة عصف ا...