الحرب...هذه الكلمة الصغيرة..ذات تأثير عضيم على الأشخاص..ببشاعتها...بعنفها...برائحة أمواتها...وكل ضحية تخلفها على طريقها...كيف يكمن ان يكون البشر بهذه القسوة..هل خلت روحهم من كل ذرة إنسانية...؟
كان الملازم..ياز ايقيمان ينظر إلى زرقة المياه من النافذة الصغيرة جنب سريره...اصوات أمواج البحر و هي ترتطم بالباخرة..اخرجته من تفكيره...لم يتبقى الكثير...ستصل الباخرة إلى ميناء ازمير بعد قليل...سيمكنه اخذ قسط من الراحة قبل استلام مهامه الجديدة في المستشفى المركزي للمدينة.. غدا صباحا..ماذا ينتظره هناك؟ بدون شك دماء.. جرحى ..قتلى ..مصائب عائلات... و جرائم حرب...حرب تدوم منذ بضع سنوات الآن.....حرب لمست أطرافها كل بقاع العالم.. وخلفت ورأها مأسات شعوب بأكملها...وطنه هو الآخر يعيش هذا الواقع المرير..فبعد سقوط الدولة العثمانية..و وضع تركيا تحت الانتداب البريطاني و تقسيم أراضيها على الدول المجاورة...اصبحت هي الاخرى طرفا في الحرب العالمية ضد ألمانيا و حلفائها...حرب دامت قرابة ستة سنوات...غيرت وجه العالم..لحسن الحظ..ان وطنه يحضى بقائد ذو كاريزما مثل مصطفى كمال اتترك.. فور اعلان سقوط المانيا... استعاد سلطة البلاد و هو الآن في صدد توحيد تراب الوطن و استرجاع الاراضي التي اختلست ضمن الانتداب ..منها مدينة ازمير الساحلية..تعتبر من أهم المدن استراتجيا..والكل يريد السيطرة عليها فتدور حرب محلية بين الجيش اليوناني و الجيش التركي...اليونان التي استولت على المدينة منذ عدة اعوام تحضى بجالية كبيرة في ازمير و الوضع بين سكان المدينة من أصل تركي و من أصل يوناني اصبح لا يطاق الكل يساند جيشه و يريده ان يفوز في المعركة
وصلت الباخرة منذ قرابة ساعة الآن...بدأ الركاب بالنزول ساحبين امتعتهم وراءهم ...نزل ياز هو الآخر..واتجه إلى أحد المطاعم قرب الميناء لانتضار السيارة العسكرية التي ستقله إلى مسكنه ..طلب وجبة غذاء خفيفة ..و هو يشرع في الأكل..سمع صوت شجار..اربعة أشخاص...اقترب منهم ليلاحظ انهم اربع فتيان في العشرينيات..ثلاثة يتمتعون بقوة بدن ظاهرة..و الرابع يبدو ضعيفا البنية قصير القامة..و المشكلة انه كان يتصارع وحده ضد الاخرين ..رافعا سكينا صغيرا في وجههم و هو يقول: هيا! اقتربوا...ماذا..اصبحتم خائفين الآن...ساقتل اي شخص يضع يده على ما هو لي اهذا مفهوم!
يرد عليه احد الفتيان: أنظر إلى نفسك يا هذا..انت لن تستطيع التمكن منا..حتى و ان طعنت احدنا بسكينك هذا..ثم إلى أحد رفاقه..انه سكين لتقشير الخضر...ضحك الآخر و رد : اجل سيطعن واحدا منا و البقية ستنقض عليه و تنتفه...ثم اخد يقترب بحدر..متبعا برفيقيه ...لشن الهجوم...
أما خصمهم فقد شحب وجهه و صار يرجع إلى الوراء...حتى اصطدم بالحائط...فهم أن لا مفر له.. و سيدافع عن نفسه يا قاتل يا مقتول...
فجأة سمع صوت يصرخ: هوب..هوب..مالذي يحصل هنا!
تسمر الكل في مكانه انه عسكري.. من الجيش التركي
احد الفتيان و هو يبلغ ريقه: آسف يا حضرة...!! قاطعه ياز: حضرة الملازم..الملازم ياز ايقيمان..لماذا تتشاجرون..
جاوبه: هذا الفتى الاحمق ضرب رفيقي بالعصى...
نطق الفتى و هو يلوح بسكينه: ساضرب كل واحد يتجرأ على خداعي..
ياز: فهمت...هلى انزلت السكين اولا...
الفتى: ابدا...
ياز: انا عسكري و آمرك بهذا...ستعطين اياه في الحين
الفتى: ستأخذه ولكن على جتثي...انا لا اتق بالعساكر...
ياز و هو رافع حاجبيه: انك شجاع...ولكن غبي..انظر أنهم ثلاتة و انت وحدك .. علاوة على هذا بنيتك ضعيفة..كانك فتاة و ليس صبيا...سيحطمون وجهك الرقيق
بدأ الجميع بالضحك...ولكن الفتى اصبح يثور غضبا..و أراد أن يثبت نفسه فرمى بسكينه ليمر على وجه ياز بفارق بضع سنتيمترات...ثم قال: لو اردت لرميت به في وسط جبهتك...
كانت هذه آخر نقطة صبر عند ياز...هجم عليه و امسكه من ياقته..هذا يكفي ستأتي معي إلى كتيبة الجيش..لتتلق درسا في الآداب...ثم نظر الى الاخرين و قال: انتم ايها الحمقى...ان وجدتكم تتشاجرون مرة اخرى مع طفل صغير مثل هذا فستلقون مصيرا أسوء..من مصيره..اغربوا عن وجهي الان..
جر ياز الفتى المتمرد معه...ولكنه ابى ان يلحقه...
ياز: إنك عنيد جدا..سترافقني بالحسنى لأني لا اريد تعنيف طفل صغير..
الفتى:.. اجل..صدقتك عسكري لا يحب العنف..لا يضرب ولا يقتل..
ياز: اجل انا يمكن أن اضرب للدفاع فقط ..اما القتل..فهذا سيكون غير مطابق لمبادئ مهنتي...
الفتى: ؟؟
ياز بابتسامة: انا طبيب جراح في الجيش.. و مهنتي هي انقاض حياة البشر
عاد ياز الى طاولة المطعم و هو ينظر الى الفتى الذي كان يجر صندوقا صغيرا معه...ثم وقف بجانب الطاولة و هو ينظر إلى صحن الغذاء بشهية..
ياز: اجلس ايها المتمرد ساطلب لك وجبة في انتظار السيارة العسكرية و لكن عليك ان تسرع...
الفتى: لا أريد..لست جائعا..وحتى إن كنت لن آكل شيء من عسكري..تركي..
ياز: لماذا تكره جيش وطنك..فانت تتحدث اللغة التركية..لا اضن انك يوناني..و حتى لو كنت لا اضنك سترمي بنفسك في النار بالمجيئ إلى هذا الطرف من المدينة؟
الفتى: لست يوناني..ولكني اكره ما يفعله العساكر الأتراك في المدينة...انهم بلا رحمة ينهبون..يحرقون..و يستولون على ما يريدونه بالقوة...
ياز: نحن في حرب ايها المتمرد..و نحن هنا لاسترجاع ما هو ملك لنا..ولن نترك شبرا من ترابنا لليونان او اي دولة تحاول اختلاس نفرة منه
الفتى: انا اتكلم عن الوحشية التي يتعامل بها الجيش التركي...حتى و ان كانت هذه الارض لكم...عفوا لنا فهذا لا يسمح في قتل المدنيين من اصل يوناني....
ياز: هذا اتهام خطير..لا انصحك ان تيعده أمام عسكري آخر ..فربما لا يكون متسامح مثلى..ثم نظر الى الصندوق..ما هو الشيء الثمين الموجود داخل الصندوق كي يجعلك تخاطر بحياتك من أجله
الفتى: عدتي..توجد فيه عدتي كي امارس عملي
ياز: وما هو عملك؟
الفتى: انا امسح أحذية المارين..
ياز: ولم تجد غير الميناء لكي تعمل فيه..انه ليس بمكان آمن لطفل مثلك
الفتى: أولا الميناء حافل بالمسافرين ..الذين يعدون من احسن الزبائن..ثانيا..انا لست طفلا و اعرف الدفاع عن نفسي جيدا...هولائك الحمقى ارادو تجريدي من عدتي و لكني كنت لهم بالمرصاد.. ثم بدأ يتباهى و ينفخ صدره
ياز و هو يضحك بشهقة: بالله عليك..عندما تنفخ صدرك هكذا...و تبرز خاصرتك..تبدو حقا كفتاة...لا تفعل أرجوك......
لم يكمل ياز كلامه..فقد وصلت السيارة ..نزل العسكري و هو يلقي التحية : احترامي سيدي. .. المعذرة لقد تأخرت قليلا بسب غلق بعض الطرق
ياز: لا مشكلة..امتعتي هنا يمكنك تحميلها في السيارة..ثم أشار إلى الفتى..سنضطر لأخذ هذا المتمرد معنا..
شحب و جه الفتى فجأة و احس بضيق في صدره..اراد الهروب..ما العمل؟
ياز: لا تقلق يا بطل فقط سوف نوصلك إلى منزلك في طريقنا
اقلت السيارة ياز الى شقته الواقعة وسط المساكن العسكرية بالقرب من المستشفى المركزي..وهو نازل..امر العسكري كي يقل الفتى إلى منزله لكن الاخير تحجج ان منزله بعيد و هو يفضل أن يتابع طريقه لوحده..
ياز: حسنا..لا تريد أن اعرف اين تسكن! على الأقل اخبريني ما هو إسمك؟
الفتى بنبرة متوثرة: أ متاكد انك طبيب جراح؟..لانه يبدو لي انك مسؤول الاستخبارات الجديد في الجيش!..ما ذخلك ما هو اسمي..هل انا موضع تحقيق؟
ياز: انت حقا تحب الثرثرة مثل معشر النساء .أطلب هذا لانني اريد مساعدتك..ساحاول ايجاد عمل لك بالمستشفى..سيكون احسن من تنظيف الاحدية في الميناء..
الفتى: ومن طلب منك مساعدة..لا اريد شيء منك!
ياز: انا انسان ذو وجدان..و ضميري لا يسمح لي أن اتركك تعمل في الميناء ..فالمكان يعج بالمجرمين..و الخطر يحدق في كل مكان...على اي حال..ان غيرت رأيك..ستجدني بالمستشفى ..اطلب الطبيب الملازم..ياز ايقيمان...
عندما و صلت هزان إلى منزل خالها كان الظلام يعم الفضاء...ما إن دخلت حتى وجدت السيدة نزان تنتظرها جالسة على ادراج السلم..
نزان: لقد مت قلقا عليك يابنتي..الساعة متأخرة......ياالاهي انظري إلى حالك هذا..كيف تستطعين البقاء بملابس الفتيان هذه طول النهار..
هزان و هي تقبلها على خدها بحنان: لقد اعتدت ..لا تنسي انني مضطرة طالما المعركة قائمة بين الجيشين..و طالما يضهر اسمي في قائمة الفارين من العدالة فهذه الثياب و هي تشير اليها..الامان الوحيد بالنسبة لي ..لن يستطيع الجيش التركي ان يلقي القبض عليا ابدا..
نزان و قد اخذت نفسا عميقا: تعالي معي إلى المطبخ فقد خبأت لك صحنا من الطعام...قبل أن تراه ابنة خالك تركان..تعرفين انانيتها..هي لا تكترث للآخرين..هل تعلمين انها اشترت فستانا جديدا اليوم..لكن هذه المرة جن جنون خالك ..وهو محق بعد ان خسر كل ثورته لم يتبقى له سوى المنزل و في ضل الأزمة التي نعيشها بالكاد نستطيع شراء ما يلزمنا للبقاء على قيد الحياة. لكن ابنته لا تأبه..حتى انها لم تود أن تساعدني في كي ملابس العسكر...على الأقل نجني بعض المال منها...كم هي انانية تبقى في غرفتها طول النهار..تتجهز وتتزين...ولا تخرج إلا لما تأتي سيارة الجيش لتأخذ بذلات الضباط...فتسرع إلى الحديقة لعلها تتعرف على ضابط وسيم..يتزوجها و يخرجها من معيشتها هذه...هيا يا يابنتي لتاكل قليلا و ترتاحي بعدها في غرغتك
أنت تقرأ
رماد في مهب الريح
Romanceالقصة تحتوي على مشاهد🔞 تدور أحداث القصة في ضل نهاية الحرب العالمية الثانية...و المعارك التي شهدتها مدينة ازمير... الكره و العداوة بين البطلين ياز ز هزان ستتحول إلى عشق كبير ... تحدى الزمن و الموت..... مشهد........كان الوقت متأخرا عندما عاد ياز إلى...