الجزء السابع عشر

18.3K 272 4
                                    

اقتربت هزان من النافذة و هي تنظر إلى الأفق:  انا كنت محتاجة إليك...و انت تخليت عني في أصعب فترة من حياتي...كنت انت عائلتي الوحيدة...ملجئي الوحيد...
اتجه نحوها ياز و ضمها إليه ظهرها على صدره..ذراعيه تحاوطنها من كل جهة..ثم و ضع رأسه على كتفها و هو يبكي..بحرقة...كان قلب هزان يتقطع..محصور بين جراحها و عشقها...حاولت الابتعاد لكنه شدها اليه بقوة أكبر
ياز: لن اتركك تبتعدين عني...يكفي انه ضاعت منا ثلاث سنين  ..تعدبنا...تالمنا..و لمنا بعضنا بسب عنادنا و غبائنا...ارجوك
هزان و هي تستدير لتقابله: انا متعبة...ياز...متعبة من تحمل عبئ الحياة وحدي...اتفهم..تعبت...
اخذ وجهها بين يديه: انت لست وحدك..انا كنت دائمآ معك...لم يمر عليا نهار لم أفكر فيه بك...كنت احارب نفسي كل يوم اكثر كي لا اذهب إليك.... أعود أتذكر الرسالة و اقنع نفسي أنك مع الشخص الذي اخترته..مع والد...ثم سكت
هزان: انت كنت اول وآخر رجل امتلك قلبي و جسدي...لم يلمسني رجل غيرك...
ياز: اوووووششش..ارجوك..كم كنت احمقا..الغيرة سيطرت عليا ولم أكن أرى غيرها...وضع جبينه على جبينها...و اغمض عينيه..انا احبك..احبك بجنون من اول لحظة اخذتك فيها بين ذراعيا..و سيبقى هكذا إلى آخر لحضة اتنفس فيها...وقبل أن يأخذ شفاهها في قبلة دافئة...همس لها: سامحيني....
لأول مرة منذ ثلاث سنوات احست هزان نفسها حرة..لقد تحررت من ألمها..و عتابها عليه.. قلبها و قلبه كانا يتعذبان معا..لن تسمح ان تخسرة حبهما مرة أخرى...  فلما قبلها بادلته قبلته بكل جوارحها..قبلة وضعت فيها كل الحب الذي بقلبها معلنة انها ملكه و هو ملكها.....
بقيت في احضانه...مطولا لم تشعر بمرور الوقت...ثم تذكرت طفلها...ابتعدت قليلا: ياز ..يجب أن أعود الى غرفتي...اخاف ان يفيق ديمتري ولا يجدني..جنبه
ياز: سنعود معا إلى غرفتنا...و عندما يستيقض طفلنا سيجدنا معا إلى جانبه...وسيكون دائما هكذا...لن ابتعد عنكها أبدا...
ابتسمت هزان: هيا بنا اذا
تغيرت حياة هزان و ياز كليا بعد تلك الليلة التي عرفا فيها الحقيقة..اصبحا الآن أكثر عشقا لبعضهما...حبهما يثير إعجاب كل من يقابلهما...اما ديمتري..فقد أصبح قطعة من روح ياز...يقضي كل أوقات فارغه بالعب معه في الحديقة ....اصبح الصبي يتعقبه في كل مكان...و لما يخبره احدهم ان ابنه صورة عنه...فكان يشعر بفخر كبير....
بعد أسبوعان حضر المحامي السيد خلدون إلى القصر..حاملا معه محفضته.....كان ياز ينتظره في الصالون الصغير قرب البهو في المدخل...
ياز: أهلا بك حضرة المحامي
خلدون: صباح الخير دكتور...كل شيء جاهز...و أخرج وثائق من محفظته...ثم سلمها إلى ياز..في نفس الوقت و صلت هازان ..وطرقت الباب برفق
هزان: اخبرتني السيدة كريمة أنك تبحث عني؟
ياز و هو يقدم لها الوثائق: تفضلي حبيبتي..
هزان: ماهذا؟
ياز: اقرئيها ...هيا..
هزان و قد تغرغرت عيناها بالدموع:انها شهادة ميلاد ديمتري...لقد وضعته على نفوسك...
ياز: ديمتري هو ابني و يجب ان يحمل كنيتي..انه حفيد الاستاذ  الدكتور حازم ايقيمان...اشهر أطباء البلد....و سيأتي يوم سيرث فيه كل ثروة العائلة.....فجاة صوت ضجيج آت من البهو ...توقف الجميع عن الحديث..خرجت هزان لتتغقد لا أحد..لكن إحدى اللوحات كانت مرمية على الأرض....حملتها هزان  و رجعت إلى القاعة الصغيرة..
هزان: لا يوجد احد..لكني وجدت اللوحة و هي تريها لياز ..على الأرض...
 أمسك ياز اللوحة التي كانت تمثل حديقة مليئة بالورود: انها لوحة والدتي...انظري انها حديقة القصر..كان مكانها المغضل قبل مرضها..
هزان: انها جميلة جدا..كانت ترسم باحترافية كبيرة...
ياز: أجل معضم اللوحات الموجودة في القصر كانت لها..والدي كان يجب رسوماتها كثيرا...قال جملته الأخيرة بنبرة حزن احس بها جميع من في الغرفة..
خلدون: دكتور كنت اود ان اتحدث معك بأمر مهم...
هزان: ساترككما تتحدثان
ياز: يمكنك البقاء...انت زوجتي و والد طفلي أريدك أن تكوني بعلم بكل شيء..حتى أمور الأعمال المملة..ثم سحبها من يدها لتبقى إلى جانبه...كلنا أذان صاغية حضرة المحامي
خلدون: في الحقيقة الأمر لا يخص الاعمال..بل له علاقة  لوالدك المرحوم....لما وكلتني من أجل نفوس ابنك..اضطررت للبحث عن بعض الوثائق الرسمية التي تحيط و تخص والدك..ثم أخرج ورقة من محفضته...و جدت هذه..
اخذها ياز وقرأتها بسرعة: انها وثيقة زواج والد بزوجته الثانية...السيدة نورهان؟ ماهو الغريب ؟
خلدون: الغريب انه لم اجد وثيقة طلاق....و تأكدت  حين تحريت عن الأمر أن عند وفاة والدك السيدة نورهان كانا لاتزال زوجته أمام القانون...
ياز: غير معقول...اخبرني ابي انه طلقها..لم يدوم زواجهما طويلا ...ستة او سبعة أشهر على الأقل..كنت صغيرا حينها لا أتذكر الكثير من تلك الفترة..و كنت أساسا أدرس خارج البلاد....
خلدون: لقد بحتث عن اسم السيدة في كل السجلات..لم ألقى لها أثرا...و كأن الأرض انشقت وابتلعتها؟
بعد العشاء..صعدت هزان إلى غرفتها التي اصبحت تشاركها مع زوجها منذ أيام الآن......حتى وان كان سعيدا بنوم ديمتري بينهما كل ليلة..فإنه يبقى رجلا...و يريد حتما أن يختلي بزوجته قليلا...فقررت ان تفاجأه...بليلة لن ينساها..ابتسمت مع نفسها و هي تنظر إلى المرأة الكبيرة في الرواق قرب غرفتهما....فرأت السيدة شكرية تخرج من الغرفة المجاورة
شكرية: لقد انتهيت من ترتيب الغرفة..ساحضر الصغير..حان وقت نومه
هزان: شكرا لك..انها اول مرة سينام فيها من دوني..انا متوثرة بعض الشيء...لكنه يحبك كثيرا...
شكرية: لا تقلقي سيدة هزان ساهتم به جيدا..و سينام نومة هنيئة..طابت ليلتك
هزان: وليلتك....شكرا...
كان الوقت متأخرا عندما عاد ياز إلى القصر..فكره كان مشغولا بما اخبره به المحامي خلدون....لكن لما دخل غرفته..اندهش من المنظر...شموع تفرز نورا طفيفا في كل المكان...ابتسم: هزان؟...لا تجيب.. سمع صوت الماء في الحمام...تقدم بخطوات حذرة و بقي واقفا يتأمل المشهد المثير...
ياز: احم..احم..حبي؟ كانت مستلقية داخل حوض الحمام...رافعة شعرها الأسود الطويل .... قطرات الرطوبة تتزحلق على عنقها الرقيق...و تسقط ببطئ بين نهديها..الطافيان على سطح الماء...واضعة  احد سيقانها على حافة الحوض...تلعب برجاها الصغيرة بالماء المتدفق من الحنفية....
هزان  و هي تعض على شفتها السفلى: لقد تأخرت....

رماد في مهب الريححيث تعيش القصص. اكتشف الآن