كان يوم خريفي جميل ...نسمات هواء خفيفة تداعب شعرها المجعد الجميل ...كانت مشغولة بالنظر إلى ورقة صغيرة كانت بيدها...نظرت امامها إلى المبنى الضخم ..إنه يبدو مخيفا من الخارج ...اقترب منها احد الحراس...) بماذا أخدمك آنستي
_لقد كنت... أنا أبحث عن السيد عمر دالاتي
_تقضلي آنستي مكتبه في الطابق العاشر
(نظرت للحارس كالبلهاء..الطابق العاشر هي بحياتها لم تصل إلى ذلك المستوى العالي عن الأرض ..تدخل وهي تكاد تقع أثناء سيرها لم ترى بحياتها أرضية بهذه النعومة والنظافة كانت تمشي بقلق خوفا من أن تكسرها وقع نظرها على جزمتها القديمة ..وهي تنظر إلى تلك الأحذية اللماعة التي تمر من قربها إذا كانت الأحذية بهذا الجمال رفعت رأسها لتنظر إلى تلك الوجوه المطلية بكل الألوان و إلى الثياب الغالية ...إنها تبدو كالمتسولين ركبت المصعد وهي تتفقد نفسها وتسوي شعرها كان هناك شاب بقربها يراقبها لكنها لم تعره اي اهتمام ظنا منها أنه سيحاول التحرش بها)
يا آنسة هل ستتفضلين أنت بالضغط على رقم الطابق او تسمحين لي ...
(يقولها باستهزاء و هو ينظر إليها بسخرية لتبتعد له ووجهها محمر كالفراولة ...كم تبدو غبية يسألها )الى اي طابق
_العاشر
_مكتب الإدارة(تهز برأسها خجلة)
(مر الوقت بالمصعد وكأنه ساعة كان يتفحصها بعينيه كل الوقت حتى فتح الباب وانطلقت دون أن تنظر خلفها..وصلت إلى المكتب المطلوب كانت سكرتيرة المدير تتفحص شكلها حين اتصلت على الهاتف الداخلي لتخبره بقدومها...بعد قليل تطلب منها الدخول تفتح باب المكتب بعد ان تطرقه وتدخل ...كان رجل ضخم يجلس خلف المكتب ...كان كل شيء ضخم في تلك الغرفة ...تنظر حولها وكأنها طفل تائه وسط مدينة كبيرة..تعود عيناها إلى ذلك الرجل الذي ينظر إليها خلف نظاراته الطبية ...يخلع النظارات ويضعها امامه...كانت نظراته متفحصة لتلك الفتاة أمامه وهي تفرك بيديها وتنظر ارضا...)
_أنت بيان
_نعم انا هي
_اقتربي واجلسي
(تقترب لتجلس بتوتر )
_سيد عمر انا باسمي واسم الميتم نتشكركم على لطفكم انت والسيد طارق ...
(يبتسم ابتسامة جانبية وهو ينظر إلى تلك الطفلة امامه ...كان شعرها المجعد الجميل يغطي ظهرها وبعض الخصلات المجنونة منه تنزل على وجنتيها وهي حتى الآن لم تنظر لعينيه ...ثيابها الخاصة بالميتم تبدو قديمة وحذائها الكبير الذي لا بد انه يخفي بداخله قدما صغيرة..يبتسم لهيئتها البريئة
مر زمن لرؤيته لمثل تلك البراءة التي تمتلكها هذه الصغيرة)
_ماذا تريدين يا بيان
(تنظر إليه بعينيها الواسعتين الزمرديتين يا إلهي إن براءة الكون كلها اجتمعت في تلك العينين ...نفض تلك الأفكار من رأسه ...ليحاول أن يتماسك)
_إننا نتبرع بالكثير من الثياب للميتم ألم تجدي افضل من ثيابك إنها مهترئة ..(.تنظر إلى نفسها بحزن لتعاود النظر في عينيه ولكن هذه المرة اجتمعت الدموع في عيونها ...منظرها كان لا يحتمل لا يعلم لما قسى عليها بهذا الكلام)
_سيدي ...أنا أكملت عامي الثامن عشر منذ شهرين وكما تعلم لم يعد الميتم ملتزم بنا ونصحتني السيدة (مروة)مديرة الميتم ان الجأ إليك علك تجد لي عملا يناسبني لأتكفل بمصاريف جامعتي ...
(كان ينظر إلى فمها للكرزي وهو يتحرك ببطئ حين تتكلم لتظهر حبات اللؤلؤ من بين هاتين الكرزتين للحظة واحدة كاد أن يلتهم تلك الشفتين ....ماذا يحصل له عليه أن يتماسك هو لم يكن هكذا يوما...لم يكن بهذا الضعف امام إمرأة هاقد وصل لعمر الثلاثين ولم يفكر حتى الآن بالزواج فالنساء كلها تحت قدميه إنه( الحوت) حوت سوق المقاولات)
نهض من مكانه ليتجه إليها ويجلس قبالتها ويضع رجلا فوق أخرى)
وكيف سأجد لك عملا بهيئتك هذه (إنها الإهانة الثانية التي يلقيها في وجهها ..تبا له لن تسمح له بإهانتها اكثر ستمكث في الشارع افضل من اللجوء لمثل هذه البشر تنهض بغضب لتسير نحو الباب يوقفها صوته الجهوري...)
_بيان
(تنظر إليه وقد تحولت عينيها لكتلتين من النار)
_ألم يعلموكي الأدب في الميتم(تقول وهي تحاول كبح غضبها)
_لم يعلموني احترام من ليس محترما(لم تنتبه إلى ما نطقت إلا متأخرة ...لكن صفعته لها قد أصمت أذناها...كلاهما وقف مصدوما من فعلته...بدأت دموعها تنزل على خديها لتروبهما علها تبرد النار التي اشتعلت مكان صفعته ...تخرج مسرعة من المكتب بل من الشركة بأكملها ...عادت الى الميتم حزينة وقد كسر أملها تبعتها السيدة مروة ((وهي امرأة في الخمسين من العمر تمتلك عاطفة تفيض بها على كل بنات الميتم ..لم يرزقها الله بالأولاد لكنها عوضت حاجتها بالاهتمام ببنات الميتم جلست على طرف السرير قرب بيان الباكية داعبت شعرها بلطف)
لما انت حزينة
_لقد أهانني يظن أنه يملكنا
_إن قلبه طيب لا بد ان الوقت لم يكن مناسبا (تنظر إليها من بين دموعها)
_لماذا كتب لنا الشقاء هكذا
(تلمس مروة وجنة بيان بلطف ثم تجذبها نحوها لتبكي في أحضانها)
لو كان الأمر بيدي لما خرجتي من هنا أبدا...ولو كان زوجي جيدا لكنت اخذتك إلى بيتي ...أنا حقا آسفة يا ابنتي أني لا أستطيع فعل شيء لك ...لكن أعدك اني سأتدبر لك سكنا مع بنات الجامعة وأتكفل بك حتى تستطيعين تدبر أمورك...
_شكرا لك أمي (تبتسم مروة بلطف لتقبلها على شعرها....
في المساء كانت بيان تساعد السيدة علياء بالطهو ...السيدة علياء امرأة كبيرة في السن)
_حقا لا أعلم أين سأذهب لا أريد أن احرج السيدة مرام أكثر
_صغيرتي تعالي وابقي عندي لا يوجد غيري انا وابني
(تبتسم لها بيان ...يقاطعهما دخول أحد بنات الميتم)
بيان بيان
_نعم حبيبتي
_السيدة مرام بحاجتك في مكتبها ولديها السيد طارق(تبتسم السيدة علياء) _اذهبي يا فتاة فورا يبدو أن الدنيا ستضحك بوجهك
(تسرع بيان نحو المكتب تطرقه وتدخل ...السيد طارق عجوز كبير السن لكنه يمتلك قوة وسلطة وهيبة وفوق كل هذا قلب طيب يبتسم حين يرى بيان ...تقترب بيان منه لتقبل يده باحترام وتبتعد)
كيف حالك يا صغيرة
_بيان من أكثر فتيات الميتم اجتهادا ومثابرة
حتى أنها حصلت على معدل عالي أهلها لدخول كلية الطب وكما تعلم طارق بيك أن هذه الكلية مكلفةوتحتاج لمصاريف كبيرة...
_أنا فخور بك يا ابنتي... لا تقلقي بشأن دراستك ءنا سأتكفل بكل شيء (يقولها وهو ينهض على عكازه)
(تترقرق عيناها بالدموع لتحتضنه بقوة من شدة فرحها)...انا ممتنة جدا سيدي وسأكون عند حسن ظنك إن شاء الله
_بيان(تنظر الى السيدة مروة التي تشر لها أن تبتعد عن السيد طارق ...الذي يبتسم سعيدا لسعادتها...لتبتعد عنه خجلة)
اعذرها سيد طارق بالغت بردت فعلها من شدة سعادتها (يبتسم السيد طارق) _لقد ذكرتيني بنفسي يا ابنتي ...اسمعي الآن وجودك في هذا الميتم هو خرق للقوانين ...وضبي حقائبك لتأتي معي
(تنظر الى السيدة مروة متسائلة)
بنيتي لدي قصر كبير و ستسكنين معنا فيه
(ترتبك بيان) ولكن بأي صفة سأجلس
_اسمعي يا صغيرة سأعلمك درسا صغيرا في الحياة فأنت الآن ستدخلين عالم الكبار لن تحصلي على شيء دون مقابل
_عفوا
_لكن انا لا اريد استغلالك سأجد لك عملا يناسبك في شركتنا وهكذا ستعملين مقابل مصاريف جامعتك هل انت موافقة
(تشجعها السيدة مروة بنظراتها لتقول )
نعم أنا موافقة (يبتسم لشجاعتها)
_سأرسل لك السائق مساءا كي يأخذك ومن الغد ستبدأين العمل
((((في مكتب عمر كان يراجع بعض الملفات حين يدخل شاب في عمره مبتسما)))
أوف يا عمر الا تنتهي من العمل هيا لنعيش حياتنا سأذهب إلى أحد البارات تعال معي(ينزع عمر نظاراته ويفرك بين عينيه ثم يعيد رأسه إلى الخلف)
اتركني يا أحمد لقد تعبت اليوم
_لم تخبرني ماذا فعلت تلك الفتاة عندك ...لم ار يوما متسولة بهذا الجمال ....شعرها وعيناها ووجها ...بشرتها كبشرة الأطفال
_إصمت أحمد .. لا تتكلم بهذه الطريقة ...
(يضحك أحمد بقوة) _بما أنها تخصك لن أقترب منها ....كيف كانت بالسرير
(يضرب بيده سطح المكتب بعنف ويصرخ بقوة)
أحمد
(ينهض أحمد ضاحكا )
_سأنتظرك آن كنت تريد الذهاب...إن لم تكن تخصك أخبرني فحسب سأعطيها الكثير مقابل ليلة واحدة
(يقولها وهو يغلق الباب فلا يصيبه الكأس الذي رماه عمر نحوه)..