نظرت كارمن إلى محيطها بتوتر غمرها وملك عليها جوارحها..هى تعلم أنها ليست المرة الأولى لها والتى تعمل بها كمربية خاصة للأطفال ولكنها لا تدرى لماذا تشعر بالتوتر وكأنها المرة الأولى تماما..رجعت بأفكارها قليلا الى الوراء..تتذكر تصميمها على العمل مع الأطفال اليتامى فقط ..رغم حالتها المادية الصعبة ..فهم يذكرونها بنفسها..فقد توفى والديها سويا بحادث وأصبحة بليلة واحدة يتيمة الابوين ولم يكن لديها عائلة سوى خالتها التى لم تستطع ان تأخذها الى بيتها..فعائلة خالتها كبيرة تحتوى على سبعة أطفال والذى أوضح زوج خالتها ان شقتهم الصغيرة لن تحتمل أكثر منهم..لذا اضطرت خالتها أن تودعها فى ملجأ..تكتفى بزيارتها الأسبوعية لها لتصبح زيارة شهرية ..ثم فى النهاية سنوية..تدرك كارمن أنها فى قرارة نفسها لا تلومها على ذلك ولكن هذا لا يمنع من وجود غصة فى قلبها لشعورها بالوحدة وأن لا أحد يهتم بها سوى منال مديرة الملجأ الذى احتوتها منذ صغرها ومنحتها اهتماما ملحوظا لتتوفى هى الأخرى منذ عامين تاركة اياها للوحدة مجددا لتقرر كارمن ان تعمل كمربية للأطفال اليتامى لتحقق نجاحا ملحوظا مع أول أطفال عملت معهم حتى قررت الجدة عايدة السفر لبلدها وعائلتها لتأخذهم معها ..لتصبح كارمن بلا عمل مجددا..لولا ذلك الهاتف من الجدة عايدة تخبرها عن حاجة عائلة الفيومى لمربية أطفال ترعى طفلين توأمين لابنهم الأكبر ..وأنها رشحتها لهم قبل أن تسافر..وافقت كارمن بعد تردد ولكن لابد وان توافق فهى بحاجة ماسة للعمل فليس لديها الكثير من المال..تذكرت توترها الشديد وهى تدلف الى المزرعة اليوم وترى مدى روعتها..وها هى الآن تنتظر مقابلة والد الطفلين بعد ان أخبرت الخادمة برغبتها فى مقابلته..توقفت بنظرها عند لوحة تتوسط الردهة..اقتربت منها تتأملها بإعجاب أفاقت منه على صوت نحنحة رجولية فالتفتت بسرعة الى مصدر الصوت لتقابلها عينان بنيتان لرجل يبدو فى اواخر العشرينات من عمره..يرمقها بنظرة متسائلة ..عاقدا حاجبيه وهو يتأمل ملامحها المصدومة قائلا:
حضرتك كنتى عايزة تقابلينى؟
نظرت إليه قائلة بدهشة:
انت أدهم الفيومى؟
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يجيبها قائلا بهدوء:
أيوة أنا..ممكن أعرف ليه حضرتك مستغربة؟
قالت بسرعة ودون تفكير:
أصلك صغير أوى عشان يبقى عندك توأم عنده 6 سنين
وما ان قالت عبارتها حتى وضعت يدها على فمها بصدمة من تفوهها لتلك العبارة الحمقاء والتى حطمت قناع أدهم البارد لتظهر ملامح الدهشة على وجهه..قالت بسرعة وارتباك:
أنا آسفة والله..انا..أنا عادة مش متهورة كدة بس يمكن المفاجأة كانت كبيرة شوية علية
نفض أدهم دهشته جانبا وهو يعقد حاجبيه قائلا:
حضرتك مين؟وسبب زيارتك إيه؟
تنحنحت لتزيل ارتباكها وهى تبتسم وتتقدم منه مادة يدها إليه وهى تقول:
كارمن عزيز..مدام عايدة قالتلى انها كلمتك عنى
تاه أدهم فى تلك الابتسامة والتى أظهرت غمازتيها الرائعتين وزادتا من جمالها..لينفض أفكاره وهو يمد يده ليصافحها فى شرود مرددا اسمها :
كارمن عزيز
ما ان تلامست الأيدى فى تلك المصافحة حتى ارتعشت الكفوف وتلاقت العيون بنظرة طويلة سارعت من دقات قلبيهما لتنتقل عبر كفيهما ويشعر بها كلا منهما لتبعد كارمن يدها بسرعة شاعرة بالحيرة..بينما شعر هو بالفقد..ربما هو دفئ يديها الناعمتين..لا يدرى..تنحنح ليزيل ذلك الشعور الذى سيطر عليه قائلا فى حيرة:
احمم..مدام عايدة كلمتنى فعلا عن مربية احفادها
ثم صمت للحظة يستوعب الحقيقة ليقول بدهشة :
انتى تبقى المربية الجديدة؟
أومأت برأسها فى صمت تتعجب من دهشته..ليستطرد هو بحدة قائلا:
بس ازاى مدام عايدة ترشحك ؟انتى صغيرة اوى على انك تراعى طفلين فى السن ده..انتى عندك كام سنة؟١٨؟
قالت فى استنكار:
انا مش صغيرة على فكرة ..أنا عندى ٢٢ سنة ..يعنى اللى أدى المفروض تبقى متجوزة ومخلفة وبتربى أطفالها كمان
قال بفضول لم يستطع اخفاؤه:
طب ليه؟
نظرت اليه بحيرة قائلة:
ليه إيه؟
قال فى هدوء:
ليه ما اتجوزتيش لغاية دلوقتى؟
ظهرت لمحة من الألم بعينيها..أخفتها بسرعة ولكن ليس قبل ان يراها أدهم لتحيره أكثر بينما كانت كارمن لاتدرى ماذا تقول له..أتخبره أن من عاش وتربى فى ملجأ من الصعب أن يجد من يرضى به وبخلفيته الضعيفة.. أم تخبره أنها أحبت بالفعل زميلا لها بالجامعة وعندما عرف أنها تربت فى ملجأ وتعيش به..ابتعد عنها على الفور وخطب فتاة أخرى..اكتفت بأن هزت كتفيها قائلة بلا مبالاة مصطنعة:
النصيب
أومأ برأسه قائلا:
الصراحة صغر سنك وجما...
قطع عبارته وقد كاد ان يخبرها عن جمالها الآسر ليستطرد قائلا:
احم..يعنى مش عارف هينفع تكملى معانا ولا لأ..احنا كنا مفكرينك أكبر من كدة..فى الأربعينات مثلا
قالت فى كبرياء:
لو حضراتكم شايفين ان سنى هيبقى عائق أدام تأديتى لمهمتى فيبقى وجودى ملوش لزوم فعلا..عن اذنك
كادت ان تتخطاه عندما أمسك بذراعها قائلا:
استنى بس
عاد التيار الكهربى يضربهم بشدة لدى ملامسته اياها ليبعد يده بتوتر قائلا:
أنا آسف لو جرحتك من غير قصد..بس انا فعلا مقصدش اللى فهمتيه
نظرت اليه فى حيرة من مشاعرها التى تتولد داخلها كلما لامست يده يدها قائلة:
امال حضرتك تقصد ايه؟
لم يدرى بما يخبرها..أيقول لها أنهم فى بلد ريفية وهو يخشى عدم قبول الناس لوجود شابة فى سنها وجمالها فى بيته أم يخبرها أنه يخشاها هى..يخشى تلك الذبذبات التى تتطاير من حولهما كلما اقتربا من بعضهما..وهو الذى لم يخشى أى شئ بحياته قط..تساءل فى حيرة..لماذا هى..هل بعده عن النساء طوال تلك السنوات الست هو ما يجعله سريع التأثر بها هكذا؟نفى هذا الاحتمال وهو يدرك استحالته فحوله فى عمله العديد من النساء الذين يتهافتن عليه وهو لا يعيرهم أدنى اهتمام..اذا لماذا هى بالذات..لماذا؟
ابتلع ريقه..وهو يحسم رأيه قائلا:
بصى احنا هنجرب..يمكن كل اللى فى دماغى مخاوف ملهاش لازمة..وبصراحة الاولاد محتاجين مربية فى أسرع وقت..ومفيش حد أدامى غيرك حاليا..ايه رأيك ..نجرب؟
رغم احساسها بالاهانة لقبوله بها لأنه ليس لديه حلا اخر..الا انها أومأت برأسها بهدوء فهى أيضا بحاجة الى ذلك العمل وليس أمامها حلا آخر سوى أن تجرب العمل لديه..افاقت على صوته يقول بهدوء:
تمام..تعالى ورايا عشان أعرفك على الاولاد
تبعته وهى متوترة ولكنه ما لبث أن توقف فجأة سائلا اياها وهو يقول بفضول:
عجبتك اللوحة؟
كادت أن تصطدم به ولكنها تمالكت نفسها قبل أن تفعل قائلة بحيرة:
لوحة ايه؟
قال يتأمل ملامحها البريئة:
اللى انتى كنتى واقفة تتفرجى عليها من شوية
ابتسمت وعيناها تلتمعان لتأسره بتلك النظرة وهى تقول بحماس أعجبه:
أكيد دى لوحة (عند النافذة)..لسلفادور دالى اللى كان راسم فيها أخته آنا ماريا ..واللى عجبت الفنان الكبير بيكاسو أول ما شافها فى العرض ..الحقيقة أعصابى بترتاح أوى لما بأشوفها
صمتت وهى ترى نظرة غامضة داخل عينى أدهم لتقول بخجل:
بتكلم كتير ..صح؟
ابتسم لأول مرة منذ أن رأته لتتوه فى تلك الابتسامة التى أبرزت وسامته وجعلته أكثر جاذبية ليقاطع شرودها قائلا:
بالعكس انا مبسوط جدا انى أشوف حد فى سنك عنده الاهتمام ده بالفن..ده أكيد حاجة كويسة وفى صالحك
ابتسمت بخجل قائلة:
الحقيقة أنا بحب الرسم جدا ..وساعات برسم كدة على أدى..بس اللى رسم اللوحة دى فنان ..تحسها نسخة طبق الاصل من اللوحة الأصلية
هز رأسه قائلا بابتسامة:
شكرا
نظرت اليه بصدمة قائلة:
انت اللى رسمتها؟
ابتسم وهو يومئ براسه قائلا:
ساعات برسم كدة على أدى
أدركت انه يردد جملتها ليتورد خدها خجلا مما زاد من جمالها..ليتأملها فى صمت..قطعته هى قائلة بارتباك:
احم..احنا مش هنشوف الاولاد؟
قال ادهم وهو يفيق من شروده قائلا:
الاولاد..آااه ..صح ...اتفضلى معايا
تقدمها لتتبعه هى شاعرة بالتوتر..فذلك الأدهم يجذبها اليه وبقوة
***************
قالت ديالا بدلال:
عشان خاطرى يامهيب ..لازم نروح حفلة انهاردة
نظر إليها من خلال المرآه التى يقف أمامها..يحاول أن يعقد ربطة عنقه دون جدوى..فزفر تاركا اياها وهو يقول:
مش هينفع ياديالا..قلتلك ميت مرة مش هينفع..أنا عندى شغل كتير متأخر ومش هينفع أسيبه وآجى بدرى عشان حضرتك عايزة تحضرى حفلة
ثم التفت اليها قائلا:
وبعدين احنا مش كنا انبارح فى حفلة فيها تقريبا نفس الناس..ايه اللى يخلينا نروح انهاردة كمان؟
قالت ديالا بملل:
أووف عليك ياموهى بقى.. انت بجد فصيل أوى
اقترب منها قائلا بحدة وهو يشير اليها باصبعه محذرا:
قلتلك مليون مرة مبحبش الاسم ده ..فياريت متناديليش بيه..وبعدين أنا ممنعتكيش تروحى الحفلة..اتفضلى روحى ياستى وانبسطى..بس أنا مش هروح ..فاهمة ولا لأ؟
حاولت ان تمتص غضبه فاقتربت منه قائلة بدلال:
خلاص ياحبيبى فاهمة..اهدى بس شوية..ولا يهمك ياسيدى ..هروح لوحدى
ثم ملست على وجنته قائلة :
بس انا محتاجة الجرين كارد بتاعك ياحبيبى
عقد حاجبيه قائلا:
اشمعنى؟؟
ابتسمت وهى تقبله على شفتيه قبلة خفيفة لتبتعد عنه قائلة:
عايزة اشترى فستان لحفلة انهاردة يابيبى
أغمض مهيب عينيه بيأس ثم فتحهما ليقول بهدوء يخالف ثورته الداخلية:
هو انتى مش لسة جايبة فستان جديد الأسبوع اللى فات ياديالا؟
مطت شفتيها قائلة:
لبسته انبارح يامهيب..ولا عايزنى ألبسه انهاردة كمان..لأ طبعا..مستحيل
قال مهيب بملل وهو يخرج بطاقته من محفظته ويمنحها اياها قائلا:
خلاص ياديالا اتفضلى البطاقة أهى بس اعملى حسابك دى آخر مرة هتشترى فساتين السنة دى..انتى دولابك مليان فساتين ابقى اختارى منهم اللى يناسب حفلاتك اللى مبتخلصش
أومأت براسها وهى تأخذ البطاقة من يده و تقبله فى وجنته بسرعة لتدخل الى الحمام وتستعد للخروج فهز رأسه يأسا وهو يخرج من الحجرة متجها الى عمله
*************
تنهد مهيب قائلا:
بس ياستى ..هو ده كل اللى حصل
عدلت مايا من وضع نظارتها قائلة بهدوء:
يعنى هو ده بس اللى معصبك ومخليك مش طايق نفسك بالشكل ده؟
قال مهيب بحدة:
يعنى انتى مش شايفة انها حاجة تعصب؟
ابتسمت قائلة:
لأ مش شايفاها حاجة تعصب..ايه يعنى مراتك وعايزة تحضر حفلة معاك؟؟عادى جدا وحقها...نفسها تتباهى بيك ياسيدى قصاد صاحباتها..وايه يعنى عايزة تشترى فستان جديد؟؟تعيش ياابن خالى وتجيبلها اللى نفسها فيه
ابتسم قائلا:
أنا بالشكل ده هيتخرب بيتى سيادتك
أخذت مايا نفسا عميقا تحاول أن تمحى به أثر ابتسامته على قلبها وكادت ان تتحدث لولا سماعهم لطرقات على الباب ليأمر مهيب الطارق بالدخول..ليدخل الساعى بصينية وضعها على مكتب مهيب وخرج بهدوء..نظر مهيب الى الصينية لتتسع ابتسامته قائلا:
انتى اللى طلبتى الفطار ده ..صح؟
ابتسمت قائلة:
أكيد زى عوايدك نزلت من غير فطار..فطلبتلك ساندوتشات البيض بالبسطرمة اللى انت بتحبهم والكابتشينو كمان
وقف ليدور حول المكتب ويجلس أمامها قائلا:
شفتى انتى عارفة عنى كل حاجة ازاى..تيجى ديالا بقى وتتعلم منك
أحست مايا بوجع فى قلبها ولكنها تمالكت نفسها وهى تنهض قائلة:
أنا..انا همشى بقى
امسكها مهيب من يدها قائلا بابتسامة:
مش عارف من غيرك كنت هعمل ايه يامايا؟
ابتسمت بمرارة لم يلحظها قائلة :
كنت هتعيش ياابن خالى..عن اذنك
تمسك بيدها وهو لايدرى كم النيران التى تسرى بجسدها من لمسته ليقول برجاء:
استنى افطرى معايا
ابتعدت خطوة ليترك يدها قائلة بتوتر:
سبقتك يامهيب
مط شفتيه بطفولة محببة اليها قائلا:
مبحبش آكل لوحدى وانتى عارفة..عشان خاطرى افطرى معايا
ابتسمت وقد رق قلبها له لتتنهد وهى تجلس قائلة:
حاضر ياسيدى..أوامرك..أفطر مرة تانية علشان خاطرك
ابتسم مهيب قائلا:
ربنا يخليكى للغلابة يابنت عمتى
ابتسمت دون أن تنطق بلسانها ولكن قلبها قال فى عشق:
ويخليك لية ياابن خالى
أنت تقرأ
لعنة العشق
Romanceمقدمة *هى.. أصابتها لعنة العشق فواجهت آلامها وحدها فقد تزوج حبيبها بغيرها ولكنها ظلت على عشقها .. فهل يكون مصيرها العذاب ام يتغير قدرها ويشعر بها من تحب *هو ..توفيت زوجته وتركت له طفلين توأمين ..كان زواجه الأول دون حب لأنه يخشى لعنة العشق..جاءت هى ف...