لم يبقى لي سواك

581 38 8
                                    

كان وليد شابًا يتيم الأب عاقاً بما تبقى له في الدنيا و هي أمّهُ ، فبعد وفاة والده تغيرت أحواله فترك صحبه القدماء و سلك طريقًا غير طريقه. ظل سنوات على هذا الحال.
ترك صلاته و هجر مصحفهٌ و أصبح الليلَ نهاره و النهار ليلهٌ. كانت أمه امرأة عجوز و كان هو الابن الوحيد الذي وهبها الله إياه في الكبر ، لم تكن تقوى على طيشه و عناده.
و بعد محاولات عدة منها أن تردعه عما يفعل لم يأتي كل ما قامت به بفائدة.
فيئست منهٌ و تركتهُ لهواهٌ حتى أنّهٌ بدأ يستغرب هدوءها ولا مبالاتها بما يفعلهُ فكانت كلما لا حظت عليه شيئا غريباً و ليس من عادتهِ تقول له " لابد لأصلك الطيب أن يغلب يوماً، و أنا بانتظار ذلك اليوم ".
وفي صباح إحدى الأيام تدهورت صحة الأم وهي طريحة الفراش، ولم يعلم ابنها بذلك فهو كعادته يصحو ليلاً و ينامٌ صباحاً.
وظلّت هي في فراشها حتى لاحظت إحدى الجارات غيابها،  فقررت أن تزورها لتطمئنّ عليها.
كان ذلك ليلاً و هو موعد خروج الابن كل يوم، التقت الجارة به و هو في طريقه إلى السيارة فسألتهٌ عن أمه فتسمّر  و كأنه في امتحان ما و أجابها " لا أدري قد تكون نائمة حتى الآن ".
فوبّخته الجارة قائلة : " و قد تكون ميتة ؟؟!!
كيف ستعرفٌ أنها على قيد الحياة ، تتنفس و بصحة جيدة و أنت لم تكلف نفسك لتلقي نظرة عليها و تقبّل جبينها قبل أن تخرج، كيف يهنأ بالك خبّرني !!
فوجئ وليد بما قالت و اتسعت عيناهٌ كأنّ أحداً ما أيقظهٌ من حلمٍ عميق .
استأنفت الجارة حديثها قائلة : " ماذا دهاك يا وليد ألن تعود لوعيك، أمك امرأة عجوز ولا أخفي عليك أن الجيران يساعدونها كل يوم وفي كل أمور المنزل، لم تعد تقوى حتى على طلباتك بعد وفاة والدك، وأنت بالمقابل تجازيها بعقوقك.
اترك رفاق السوء ممن زينوا لك المعاصي و عد لأمك فلم يتبقى في العمر إلاّ القليل ".
صعدت الجارة لتطمئنّ على أمّه و تركت كل هذه الأفكار تتخبط في دماغه. لم يذهب وليد في تلك الليلة لأي مكان بل ظلّ يحوم تحت بيته و هو يراقب الجيران و هم يتوافدون على البيت واحداً تلو الآخر.
كانت ليلة قاسية قضاها وليد في الدعاء لربّه أن يحمي والدتهٌ من كل سوءٍ. و بعد أن انقضت ليلة مليئة بالقلق و الدعاء صعد وليد للبيت و جلس بجانب أمه، أراد أن يطلب منها السماح و العفو عن كل ما بدر منهٌ فوضعت يدها على فمه ليسكت.
وقالت له " لا بد لأصلك الطيب أن يغلب، الحمدٌ لله أنّي عشتٌ لأرى هذا اليوم يا بٌنيّ ".

قصص وعبر للعقول الراقية🤩حيث تعيش القصص. اكتشف الآن