خريطة العالم لم تكن معلقة على جدار غرفة المعيشة في بيتنا لغرض الزينة. كانت جزء منا داخلها, في مكان ما من الخريطة لا نعرف أين . كنا دائما نسأل عن سبب وجودها بهذا الحجم في منزلنا , لم يكن أحد غيرنا يعرف أنها مصدر راحة و أمان . المكان الوحيد الذي تحرص أمي على تنظيفه بنفسها بعد حادثة خطف ابنها الصغير الذي لم تتسنى لها رؤيته بعد الولادة , اللحظة الفريدة التي تنتظرها كل أم .
في أي بلد فقدنا أخي الصغير, كيف يبدوا الآن, كيف خطف ولماذا, لا صور له معنا, كانت الصورة الوحيدة المكتملة له بالنسبة لنا و لأمي هي الخريطة, حيث يوجد في مكان ما, فكانت كلما نظرت إليها شعرت أنها تنظر في وجه أخي بل و تراه مباشرة, يعيش حياة أخرى, لم يكن احتمال أن يقول أمي لغيرها بعيدا بل حتميا. فهي تجهل كيف كانت طفولته, ومع من__من هي عائلته الجديدة و كيف يبدوا شبابه و أي لغة يتحدث فقد تكون غير لغتنا, قد تكون ديانته غير الإسلام, أو بالأحرى انتزعت منه نعمة الإسلام عنوة بالقوة دون أن يعي و يفهم, الله وحده يعلم لو كان الأمر بيده و بيد عائلته لما سمحوا بهذا.
من يشبه يا ترى ؟!! سؤال غريب لطالما راودنا, أي الأسماء اختيرت له ؟
من المؤكد أنهم غيروا اسمه و كنيته , لقد خطف "عمر" وانتزعت منه هويته , انتشل و نزع من بلاده كما تقلع الشجرة بجذورها الضخمة لتزرع في بيئة غير بيئتها . فإما أن تموت أو تعيش مع شعور داخلي بعدم الانتماء للمكان و الزمان .