( صغيرتي)
الحلقة _6_
_حلوى الحياة _
-------------------------------مازالت الدهشة تُسيطر على قسمات وجهه التي وهجت بالغيرة القاتلة، أما عنها فقد ارتبكت وتوترت بشدة وهي ترى تعبيراتهُ غير المُبشرة..
لكنها رأتهُ يطوي الورقة ويضعها في جيب بنطاله ثم يبتسم لها بهدوء وكأن شيئا لم يحدث، مما أثار دهشة أمه ونهال، اللتين لم تتوقعا ردة فعله هذه..
أين نخوتهُ وهو يرى مباركة من شخصٍ غريب؟ ..
اعتدلت مريم في جلستها وهي تهمس بجوار أذنه محاولة انقاذ موقفها:
_ يوسف...
لكنه أسكتها وهو يسحبها من يدها خارجًا بها إلى الحديقة، سار بها عدة خطوات حتى وقف أمام شجرة ما، راح ينظر إلى عمق عينيها متسائلًا بلهجة صارمة:
_ مين دا؟..
صمتت مريم حينها وأطرقت برأسها في خوف، فركت كفيها معا في توتر بالغ ولم تجد إجابة مناسبة.. تعلم أنه سيغضب ومن الممكن أن يعاقبها..
تابع مرة أخرى في هدوء حازم:
_ كنت هقول إن دا ملعوب من اللي في بالي، لكن لما شفت تعبيرات وشك يا مريم قلت لا، أنا عارفك كويس، قوليلي مين دا يا مريم!!!؟
رفعت رأسها إليه مجددًا، وراحت تقول بنبرة خافتة:
_ دا واحد معايا في الجامعة، من أول يوم وهو بيضايقني، وامبارح لما رحت وعرفت صحباتي إن كتب كتابي بكرا وهو سمع وباركلي و......
_ باااركلك!!!!!
هتف بها بصوت أرعبها وجعلها تنكمش على نفسها بوجل، بينما يستطرد بغضب عارم:
_ بيضايقك من أول يوم وساكتة؟؟! ليه مقولتليش؟؟
حركت كتفيها بعفوية مع قولها المتلعثم:
_ ماحبتش أضايقك يا يوسف والله، أنا أسفة..
فاجئها بقوله القاسِ حين هتف:
_أسفك مش مقبول يا مريم، أنتِ إزاي تخبي عليا حاجة أنتِ عارفة كويس إنها هتضايقني جدا، وأديني عرفت!! وقوليلي بقى الزفت دا يعرف عنوانك منين؟؟!
حركت رأسها سلبا وقالت بصدق:
_ مش عارفة..
التفت مولّيها ظهره بعصبية تامة وهو يزفر أنفاسه بغضب جلي، بينما دمعت عيناها حزنا على ليلتها التي تعكرت في غمضة عين، والأصعب غضبه هو منها ونظراته المعاتبة التي أوجعتها..
راحت تواجهه، التفتت إليه وعانقته بدون مقدمات وقد تعالت شهقاتها معتذرة:
_ أنا أسفة إني خبيت عليك، بس أنا معرفش إنه هيعمل كدا، حقك عليا يا يوسف..
ويبدو أن قلبه لم يرق كعادتهُ معها، يبدو أن الغيرة قضت على رفقه بها الآن والغضب حل مكانه..
لذا أبعدها عنها بحزم وهو يخبرها:
_ لازم تعرفي يا مريم إن مش كل حاجة هسامحك فيها، أنا قلت لك قبل كدا اللي يغلط لازم يتعاقب، مش معنى إني بدلعك دا يديكِ الحق تخبي عني، ومعنى إنك خبيتي مرة يبقى هتخبي كل مرة...
بينما كانت نبرتها منكسرة وهي تسأله ببراءة:
_ يعني هتخاصمني؟
هز رأسه مؤكدا ذلك وهو يُخبرها بقسوة:
_ أيوة، وخصام طويل، ودلوقتي مش عاوز عياط ولا عاوز حد يلاحظ حاجة مفهوم ولا لا؟
لم ترد عليه بل كانت غارقة في بكائها، فكرر بصرامة أشد:
بقول بطلي عياط!
أخذت تمحي عبراتها سريعًا عن وجنتيها، بينما أخرج منديل من جيبه وراح يمسح دموعها بملامح جامدة وما إن انتهى قال بصيغة آمرة:
_ يلا إدخلي..
دخلت أمامه مطأطأة الرأس عائدة إلى حفلها البسيط بغير نفس، وكذلك هو، كان حازما معها ورُبما بالغ في ذلك، لكنه حقا تمزق قلبه من شدة غيرتهُ، صغيرته ومن غيرها يسكن قلبه!!
ليس من حق أحد أن يحادثها أو يدللها غيره.. هو فقط، يعلم أنها نقية كنقاء المياه العذبة تماما.. كما يعلم أيضًا براءتها التي من الممكن أن تودي بها إلى مئازق كثيرة ليس لها نهاية...
لم تسلم مريم من همزات نهال وخالتها وضحكاتهما الساخرة الواضحة، ضحكاتهما المغتاظة التي أشعلت فتيل غضبها وجعلت النيران تتأجج في صدرها، اليوم أصبح تعيس للغاية، ليس كما توقعت، ألم يكفي غضب يوسف منها!!!
كيف ستتحمل سخافة نهال تلك أيضًا؟
بالطبع لن تتحمل كثيرًا إن لم تكُف هذه عن سخافتها، ويبدو أنها لن تتوقف نهال وتزال تصرُ على مضايقتها، حيث مضت نحوها وتعثرت عن قصد، لينزلق كأس العصير من يدها على فستانها الأنيق...
كز يوسف على أسنانه وهو يشاهد الموقف ودماؤه تغلي من شدة غضبه، ولم يكد يتحدث حتى وجد صغيرتهُ تقوم باللازم، حيث جذبت الكعكة المُزينة ودفعتها بوجهها، لتصرخ نهال شاتمة بغل سافر، وتتعالى ضحكات البعض على الموقف..
بينما احتقن وجه "تهاني" بالدماء وكادت تهجم عليها بشراسة، إلا أن يوسف بلحظة واحدة كان يحميها خلف ظهره واقفًا أمام والدته كجبلا شامخًا، صاحت تهاني باهتياج وهي تريد الامساك بها قائلة:
_أوعى كدا، البت دي لازم تتربى، دي وقحة..
هدر يوسف في المقابل:
_ هي برضوه اللي وقحة؟.. لكل فعل رد فعل يا ماما، الوقحة هي اللي وقعت عليها العصير وهي خدت حقها كدا يبقوا خالصين..
تدخل والده بقوله:
_ روحي يابنتي إغسلي وشك الاول، روحي معاها يا تهاني بدل ما تعمى بعنيها ولا حاجة!
ركضت تهاني بإبنة شقيقتها إلى الحمام في خوف، بينما قام همام بتعنيف إبنه وهو يقول:
_ يوسف، متسوقش فيها، مريم زودتها ازاي تلطخ وش البنت كدا؟
أجاب بثبات:
_والتانية إزاي توقع عليها العصير كدا؟
والده بنفاد صبر :
_ العصير مش زي التورتة يابني، كانت جات اشتكتلي وانا كنت بهدلها..
استطرد يوسف بحزم:
_ مريم مبتشتكيش لحد غيري يا بابا، أنا راضي عن تصرفها، ما هو دا اللي ينفع مع الأشكال دي..
والده وقد ارتفع أحد حاجبيه:
_ ليه يا أخويا مش بتشتكي لحد غيرك، ولاااااا اتعدل بدل ما أعدلك..
يوسف بجدية:
_ لا تعدلني ولا اعدلك أنا طالع أنام أحسن وياريت تمشي الناس دي من هنااا عملولي صداع..
لم يعطيه الفرصة للتحدث ثانية، جذب مريم معه وصعد بها الدرج، ليقف والده مذهولا وهو يقول بتوعد:
_ يا إبن الذين، أخدت غرضك وخلاص مش همك، طيييب يا يوسف يا جزمة إن ما وريتك!!
............ ...............