( صغيرتي)
الحلقة _ 8_
_ سفر _------------
كانت بقمة غضبها منه وهي تجلس ثانيةً بجواره في السيارة، بعد أن تصاعد الحوار بينهُ وبين ذاك الشاب ووصلت إلى مُشاجرة عنيفة شاهدها جميع الطلاب، بينما تنتهي المُشاجرة على جرح أعلى رأس الفتى ونقله إلى المستشفى مما أدى إلى احراجها وسط زميلاتها وطلبة الجامعة..
_ مش عارف أنا إنتِ إيه اللي مزعلك أصلااا؟
زفرت أنفاسها والتزمت الصمت وهي تتطلع إلى النافذة بحِنق، فعَلا صوتهُ مزمجرًا:
_ لما أكلمك تردي عليا!
زمجرت في المقابل قائلة:
_ أنت عاوز إيه دلوقتي مني؟ سبني في حالي..
كز على أسنانه بشدة وراح يقف بالسيارة وقد التفت لها قائلًا بحزم:
_ أنتِ زعلانة إني ضربت الواد الملزق دا؟ أوعي تكوني خايفة عليه!
رمقته بنظرة ثاقبة ذات معنى مع قولها:
_ أنا مسمحلكش يا يوسف! هخاف عليه ليه هو أنا أعرفه أصلا، بس كل الحكاية إن منظري بقى وحش أوي وسط صحباتي بعد اللي عملته، أوريهم وشي إزاي بعد كدا لأ وكمان تجرني من إيدي كدا وتقولي مافيش جامعة دلوقتي إزاي تعمل كدا؟
أمسك يدها بين راحة يده وراح يضغط عليها برفق، بينما يخبرها بلهجة صارمة:
_ أنا أعمل اللي أنا عاوزه يا مريم، ووطي صوتك وأنتِ بتكلميني، فاهمة!؟؟
نزعت يدها عنه بقوة، وراحت تعقد ساعديها أمام صدرها وصمتت مرة أخرى، ليقترب منها قائلًا بتوعد:
_ ماشي يا مريم، أنا الغلطان صدقيني أنا الغلطان عشان دلعتك زيادة عن اللزوم!..
صمت قليلًا ليُكمل:
_ وماله منظرك قدام الناس إن شاء الله؟.. ولا كنتِ عاوزاني أسيبه يضايقك وكمان يتطاول عليا!؟؟.. وفعلا مافيش جامعة لحد ما أرجع من السفر، هتقعدي في البيت أنتِ فاهمة ولا لا؟
رمقته بنظرات معتاظة حانقة وهي تهتف بضيق عارم:
_ أقعد في البيت مع مين بالظبط؟.. مع مامتك ولا نهال؟
تنهد بنفاد صبر قبل يضرب محرك السيارة بيده هاتفًا بصرامة:
_ بطلي بقى دلع يا مريم، قلت لك هتقعدي مع بابا ويُسر! .. في إيه؟ كلمة كمان يا مريم وهزعلك بجد..
ورغم أنها تعلم أن تهديده هو بذات نفسهُ سيضرب به عرض الحائط، وسيتبخر بعد دقائق، إلا أنها بكت بشدة وهي تدفن وجهها بين راحتي يديها.. تماما كالطفلة.. في براءتها وعفويتها، تركها قليلًا ريثما يهدأ ويحاول ضبط أعصابه، ثم راح يقول بحزم رفيق:
_ مريم، مش عارف أعمل معاكِ إيه بجد، إعقلي شوية وخليني أسافر وأنا مش زعلان منك ممكن يا روما؟
راح يمسح دموعها بأنامله مع استطراده:
_ بقى أنا خليت شكلك وحش قدام زمايلك يا مريم؟.. أناا؟
رفعت رأسها مجددًا، وقابلت نظراتهُ المعاتبة قائلة من بين شهقاتها:
_ أنت بتعاملني كأني طفلة مش عارفة مصلحتي!!
ضحك مرددًا من بين ضحكاتـه:
_ أومال أنتِ إيه؟ طبعا بعاملك كدا ومأعرفش أعاملك غير كدا أصلا!.. بخاف عليكِ وبغير عليكِ دا يزعلك في إيه مش فاهم أنا؟
ردت وقد هدأت قليلًا:
_ مش زعلانة، قلتلك أحرجتني وإتكسفت بس
هو بنفاد صبر:
_ خلاص طالما اتكسفتي بلاها جامعة، ذاكري في البيت وروحي على الامتحانات..
رفعت حاجبيها مندهشة وقالت:
_ عندك حل لكل حاجة!!
أومأ برأسه قائلًا بجدية:
_ بالظبط، إفردي وشك بقى مش عاوز نكد وإلا.........
قاطعته بغضب طفولي:
_ وإلا إيه؟!
ابتسم وهو يناظرها بغيظ:
_ وإلا بحبك طبعا يا تاعبة قلبي!!
واختتم جملته بقبلة على وجنتها المتوردة، ليهمس بالقرب من أذنها:
_ هزعل منك إمتى؟.. قوليلي إمتى هاخد منك موقف؟!
بدا الإرتباك واضحًا على ملامح وجهها وزادت سرعة تنفسها كما ارتعشت شفتيها الناعمتين، وكل هذا لفت انتباهُه بالطبع، لينظر إلى عينيها متسائلًا بجدية نوعا ما :
_ مخبية عني حاجة؟
حركت رأسها نافية مع قولها المُتلعثم:
_ لا م ما أنت عارف إني مش بعرف أخبي عليك حاجة..
أومأ برأسه بعدم اقتناع وهو يعاود قيادة سيارتهُ مع قوله الذي لا يحمل رفق الآن:
_ عارف يا مريم، يارب تكوني مش مخبية حاجة..
التزمت الصمت وراحت تنظر من نافدة السيارة بقلب خافق، ماذا تفعل في مُصيبتها تلك؟
لم يكن لها ذنب في تلك المصيبة، فجأة وجدت نفسها مُتورطة، ثم خشت تتكلم فيحدث ما لا يحمد عقباه..!
على كُل هي ستحاول جاهدة التخلص من هذا الوحل الذي غرقت به على غفلةٍ..
---------------_ الليلة هنخلص منها..
أردفت " تهاني" بنظرة شيطانية كابتسامتها أيضًا، لتستطرد بصوت مُصر على فعل ذلك:
_ وهتروح بلا راجعة..
فتسألها نِهال وقد لمعت عيناها بأمل:
_ إزاي؟
فأجابتها:
_ هطردها من بيتي
امتعض وجهها وهي تعود تسأل:
_ إزاي، ويوسف؟ .. هو هيسمح بده؟
قالت ببساطة:
_ يوسف هيسافر..
فردت عليها:
_ هيسافر وسايبها في أمانة أنكل همام، وأنكل هيبقى عينه عليها وكمان يوسف لما يرجع هيحصل إيه؟
تهاني بنفاد صبر:
_ اسكتي بس أنتِ وأنا هتصرف!
-------------------------بعد مدة من الزمن قد وصل يوسف بصحبة مريم وصعد إلى غرفته بعد أن تناول وجبة الغداء معها وقام بتدليلها كعادتهُ يوميًا، وقف أمام خزانة ملابسه ينتقي ملابسه بصحبتها، بينما يهتف بمشاكسة:
_ روما، إختاري لي أنتِ هدومي وكل حاجة وجهزيلي الشنطة، ممكن؟
أومأت برأسها بابتسامة ودودة قائلة:
_ ممكن جدا يا حبيبي..
احتنضنها.. ورفعها بين ذراعيه قائلًا بمزاح:
_ قلبك حبيبك، بعشق أمك..
كركرت ضاحكة وهي تتطوق عنقه بذراعيها وتطبع قبلة على وجنته الخشنة، بينما يستطرد غامزًا بمرح:
_ هو فيها حاحة لو طنشت لهمام وقعدت معاك يا جميل؟ أنا مجنون وأعملها..
ختم جملته بقبلة مبادلة على وجنتها، بينما قالت مريم:
_ ياريت تعمل كدا
ضحك وأنزلها على الأرض قائلًا بايجاز:
_ كلها يومين وهاجي أزهقك تاني، والوقت بيعدي هوى يا روما، المهم تخلي بالك على نفسك كويس..
أومأت في طاعة قائلة بهدوء:
_ حاضر
راح يُقبل جبينها قبلة أخرى قبل أن يتجه صوب الحمام ويدخل ثم يغلق الباب، وتُجهز مريم ملابسه وكل متعلقاته بمحبة، بينما الابتسامة تغزو شفتيها إلى أن خرج وارتدى ملابسه وأصبح مستعدًا للرحيل.
حينها بكت.. بكاءً حقيقيًا كما لو أنه والدها وهي طفلتهُ المدللة، وهو يتفهم ذلك جدًا لأنه دومًا كان يشعرها بأنها ابنته.. صغيرته.. مدللته ؛ اقترب منها ومنحها عناقًا دافئًا بعث لقلبها الأمان، وأخبرها بهمس حنون:
_ أنا معاكِ حتى وأنا بعيد، مش عاوزك تخافي من أي حاجة طول ما يوسف موجود على وش الدنيا..
ثم أبعدها قليلًا عنه ليمسح دموعها بإبهاميه ويقول بحزم رفيق:
_ مفهوم يا روما؟
أومأت برأسها وهي تقول بنبرة حزينة :
_ إرجعلي بسرعة
ضحك فقال:
_ هوا والله..
ابتسمت أخيرًا من بين عبراتها الساخنة، لتخبره بنبرة عاشقة مُحملة بالصِدق:
_ بحبك..
افتر ثغره بابتسامة ودودة وهو يخبرها كذلك:
_ أنا أكتر على فكرة، أخر مرة بقولك خلي بالك من نفسك، ومافيش جامعة لحد ما أرجع تمام؟
هزت رأسها موافقة، لتقول:
_ تمام..
-----------------ودعته وانصرف، فتوجهت إلى غرفة يُسر، حيث أنها الوحيدة التي تحمل من روح يوسف وتتشابه مع في الشكل، لذا هي تحبها ووجودها معها سيهون عليها بُعده، ولجت إلى غرفتها بعد أن طرقت الباب وفتحت لها قائلة بترحيب:
_ يُسر حبيبتي، تعالي..
جلست معها على الفراش، لتبتسم يُسر وهي تقول:
_ كلها يومين يا مريم مش مستاهلة الحزن دا..
ظلت مريم صامتة وعيناها شاردتان كأنها تفكر في شيء ما، فتابعت يُسر بهدوء:
_ مالك يا مريم في إيه؟ شكلك عاوزة تقولي حاجة صح،؟
تحررت مريم من صمتها وقد هتفت بخوف شديد:
_ يُسر أنا في مصيبة ومش عارفة أعمل إيه، ممكن تساعديني؟يتبع
#صغيرتي