الفصل الثامن

7.2K 175 3
                                    


بدأ المطر ينهمر في جنوبي بريغو . فيما هي تراقبه يضرب بعنف على الحاجب الزجاجي ، فكرت فيليبا أنه يطابق مزاجها تمامآ .
اختلست نظرة جانبية إلى رفيقها .ولاحظت انفعاله ، ينظر من خلال المرآة إلى الخلف بخوف شديد . ربما بدأ يدرك بأن الهرب مع زوجة آلان دي كورسي لم يكن العمل الأكثر صوابآ في حياته ، فكرت مستاءة . إذا كانت محقة في تفكيرها ، عندئذٍ لن ينزعج عندما تخبره أن لا مكان له في حياتها حتى ولو مؤقتآ .
حاولت جاهدةً أن تبرر موقفها من فابريس ، على أساس انها ستقع يومآ ما ، ربما في المستقبل البعيد في حبه . لكنها عرفت أن هذا لن يحصل أبدآ . كان قلبها ملك آلان وحده ، وسيظل دائمآ حتى لو يرفضها .
يا لها من مشكلة ! فكرت ، وهي تراقب المطر بنفور .
منتديات ليلاس
لكن عليها أن تعترف بنجاح هروبها والذي لم تعترضه أي عقبات . استمدت قوتها من فابريس الذي اتصل بدوره بمدام بيتون في مونتاسكو بالنيابة عنها وتأكد من امكانية استئجار البيت القديم ، بينما كانت هي تبتاع أدوات الرسم .
تذكرت مدام بيتون الآنسة روسكو مرحبة ، وأخبرته بأن البيت سيكون تحت تصرفهما لمدة شهرين على الأقل .
لم يتبق لديها سوى توضيب حقيبتها الصغيرة ، بعد أن اطمأنت إلى أن أدوات رسمها أصبحت في سيارة فابريس .
وضعت فيها بنطالها الجينز وبعض القمصان والكنزات الدافئة وحذاءها الرياضي وكل مستحضرات التجميل وتأكدت من عدم لمس جهاز عرسها . تركت عقدها اللؤلؤي وخاتم زواجها وكل المجوهرات التي أهداها إياها آلان مع مذكرة قالت فيها إنها هربت مع رجل آخر ... حسنآ، برغم أنها تكاد تكون نصف الحقيقة ، فكرت على نحو دفاعي ... وطلبت منه ألا يبحث عنها .
سحبت فيليبا بعض المال من حسابها الخاص أيضآ ، ومبلغآ صغيرآ من مصروفها يكفيها لمدة شهرين .
منتديات ليلاس
فيما بعد ، يجب أن تعتمد على دخلها الخاص . هناك دائمآ سياح في جنوبي – غربي فرنسا يتمنون الحصول على لوحات تمثل طبيعة هذه المنطقة . ستحاول أن تستغل الوضع ، قالت لنفسها بتفاؤل .
كان هروبها من الشقة بعد فجر ذلك الصباح بوقت قصير سهلآ ، وساعدها على ذلك غياب آلان عن البيت .
حاولت أن تخفف من آلامها بقولها إن عليها أن تكون شاكرة لأنها عالجت الاقفال وجهاز الانذار من دون أن تحدث أي صوت وأسرعت إلى حيث كان ينتظرها فابريس في السيارة من دون أن يراها أحد .
تساءلت ماذا ستكون ردة فعلها ، لو حاول فابريس التودد إليها في طريق الرحلة ؛ لكنها لم تكن بحاجة إلى أن تقلق . لقد بدا مغلوبآ على أمره . وشارد الذهن على نحو مفاجىء وكان من الواضح أنه يخشى أن يتبعه أحد ، أكثر من اهتمامه يلعب دور العاشق . وهي تشعر بالامتنان لذلك . تمنت لو كان تصرفه أقل توترآ.

"إهدأ ." قالت بانزعاج ، عندما نظر مرة مرة ثانية إلى الوراء :" لا أحد يلاحقنا . باعتقادي ، أنه ان أزعج آلان نفسه بملاحقتي ، فهو سيعتقد أنني في طريق العودة إلى انكلترا ، وسيبحث عني في المرافىء ، فقط ."
"لا نستطيع التكهن بما سيفعله ؟" تمتم فابريس . بدا عابسآ وخائفآ قليلآ ، بخلاف شخصيته الساحرة التي عرفتها في باريس . هل سيُوقف فابريس دي تييري سيارته ويعود أدراجه ، فكرت بأسف .
أرادت أن تأكل شيئآ ، لكنه أصر على متابعة الطريق ، ووعدها بأن يشتري بعض الخبز و الجبن من أحد المتاجر ، ويقوما بنزهة في الهواء الطلق .
لكنها لا تستطيع أن تتذمر من قيادته . ربما كان يسرع من شدة الخوف ، لكنهما اكتسبا بعض الوقت حتى يصلا إلى مونتاسكو قبل المساء . لقد وعدتها مدام بيتون بترك بعض المؤن الغذائية في البيت . وإذا استطاع فابريس أن يخفف من توتره ، ففي إمكانه أن يبرهن لها عن قدرته في الطهي .
منتديات ليلاس
كانت معتادة على شمس مونتاسكو الساطعة كما رسمها والدها بالضبط . من الغريب أن تجد شوارعها المألوفة لها ، مهجورة تقريبآ تحت السماء الملبدة بالغيوم ، والمطر الذي ينهمر بغزارة أكثر من أي وقت مضى .
عبرا الجسر ثم انحرفا عن الطريق الضيقة مرورآ بمنحدر ثم بمنعطف قادهما إلى البيت .
وثب قلب فيليبا من الفرح وهي تميل برأسها إلى الأمام حتى ترى شكل البيت . إنها تشعر وكأنها عائدة إلى وطنها . 
كان بيتآ بسيطآ ، سقفه مزين بالقرميد ، وعلى السطح ، غرفة صغيرة كان كيفين يستعملها كمحترف ، وستفعل هي الشيء نفسه .
"إبقي هنا ." أمرها فابريس بتهذيب عندما أوقف السيارة أمام البيت :"سأحضر الحقائب ."
شعرت بالذنب وهي تراقبه يجاهد ، لإحضارها تحت المطر الغزير دفعة واحدة . لكنه عندما عاد ثانية ، أحضر معه مظلة .
ناولها المظلة و قال :" استعملي هذه . سوف أوقف السيارة في الكاراج في الخلف ."
سمعت صوت محرك السيارة وهي تسرع إلى البيت . دفعت الباب بقوة وتوجهت إلى غرفة الجلوس مباشرة . كانت الأنوار مضاءة كلها ، جعلت المكان يبدو أكثر إبهاجآ .
اشتمت أيضآ رائحة شهية تصدر من المطبخ .
منتديات ليلاس
تنهدت فيليبا بارتياح وهي تنظر حولها وتغلق مظلتها المبللة . لم يتغير أي شيء ، فكرت فيليبا وهي تنظر إلى الخزانة القديمة بأطباقها الزرقاء و البيضاء ، و الطاولة الكبيرة التي تتوسط الغرفة و المغطاة بقماش زيتي .
وضعت المظلة في المغسلة ورمت محفظتها الصغيرة على الطاولة ثم صعدت السلالم مع حقيبتها . لم يكن البيت كبيرآ ، ولكن كانت هناك غرفتان للنوم وحمام صغير . فتحت باب الغرفة ودخلت . يبدو أن مدام بيتون رتبت كل شيء ، حتى السرير الكبير بغطائه المخملي .

- خطوات متهورة - سارة كريفن - دار النحاس ( كاملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن