الفصل الأول

14K 226 10
                                    


هل سمعتم يوما بالحزن الراقي .....؟
تساءلت جوري بصمت وهي تنظر إلى مطر  الشاردة أمامها........
مطر ....من تكون مطر بالنسبة لها ...أهي منقذتها ....أم إبنة خالها  المنبوذة........ أم هي شخص وضعته الأقدار في طريقها.....

تنهدت بخفوة وهي تفكر أن من يرى مطر وهي متكئة على الشجرة شاردة في السماء سيبدر لذهنه أول وهلة أنها فتاة حالمة غارقة في أحلام اليقظة.....لكن من يحدق في عينيها الزرقاء الشفافة  الواسعةيرى فيهما جمودا  وبرودا بعيدان عن الأحلام ....
تأملت شعرها الأسود الأسود المنسدل  الذي يصل إلى فخذيها  بإعجاب....

لقد إندهشت أول مرة عندما رأت طوله .....كان سواد شعرها مناقضا لبياض وجهها و عينيها الزرقاء الشفافة كانت مطر فاتنة ومغرية..... كانت تعلم بأن عينيها الزرقاء  وشعرها البني  القصير يجعل منها فتاة جميلة  ولكنها تدرك أيضا بأن مطر أجمل منها بكثير.....وأقوى وأكثر حزنا ......

لقد أنقذتها مطر وأنقذت والدتها من الموت قبل ست سنوات وطوال هذه السنوات أمنت لهما حياة كريمة والآن أرجعتهما أيضا للوطن لنكون وسط العائلة عائلة المأمون ......
أقسمت بداخلها بأنها سترد دين مطر يوما ما ......
ولكنها لاتفهم..... لا تفهم ما تريده مطر .....

أهي تريد الإنتقام من عائلة المأمون التي نبذتها في صغرها وبالتحديد  من والدها .....أم هي تريد  أمرا آخر لا يعلم به أحد......وهي متأكدة أن مطر  قادرة على الإنتقام من أي أحد فهي رأتها بعينيها كيف أن يديها الجراحة قادرة على القتل......
إلتقت عينيها بعيني مطر فإرتبكت وهي تشعر أن مطر أدركت فيما تفكر......

إرتسمت إبتسامة سخرية على شفتي مطر وهي تلاحظ تلك النظرة المرسومة في عيني جوري ....إنها نفس النظرة التي ألقتها عليها في تلك الليلة المشؤومة ....نظرة  حملت الرعب والتسائل ...الحيرة والخوف......قرأت جميع هذه الإنفعالات في عينيها  ولكنها تجاهلت ذلك ......
وقفت على قدميها وهي تمسد على أطرافها المتجمدة ....منذ الثالثة صباحا وهي جالسة في حديقة القصر ولقد لاحظت قدوم  جوري في الساعة السابعة صباحا ...لاحظت أنها تتأملها ولكنها تجاهلت ذلك أيضا ......
سارت  بخطوات هادئة وهي تتطلع إلى قامة جوري ....كانت جوري أطول منها رغم أنهما في نفس السن فكلتاهما في السادسة والعشرين من العمر ....

وضعت يدها داخل جيب سروالها الأسود وهي تتطلع بسخرية إلى جوري ....."أذهبي إلى والدتك ياجوري لقد رأيتها منذ قليل تتطلع من شرفة القصر لابد أنها تبحث عنك....."
نظرت جوري إليها بتوتر تحاول البحث عن كلمات مناسبة ولكن ......
بعثرت شعرها بصمت وهي تتوجه نحو مدخل القصر وداخلها تتساءل إن كانت ستفهم يوما مطر.......

عضت مطر على شفتيها بقسوة وعينيهاتعلوهما نظرة باردة  ....ستة وعشرون سنة منذ ولادتها ولكنها لا تتذكر غير الشقاء في حياتها.....الكذب والنفاق ....وجروح ملأت جسدها وغزت روحها......روحها التي ضاعت منها وتاهت في متاهات الحياة ....
لم تنل من هذه الحياة سوى الألم ....الألم فقط ...والد تخلى عنها وهي في بطن أمها...وأم عذبتهاوومارست عنفها  وجنونها عليها.....عائلة المأمون عائلة والدها رفضتها ونبذتها....وألقت بها في الشارع .....
شردت بذاكرتها عندما كانت في الثالثة عشرة ....لقد ألقى بها والدها خارج قصر المأمون حافية القدمين بملابس رثة ممزقة ....كانت خائفة مرعوبة من العودة لوالدتها وعشيقها ومواجهة عذابهما ....سارت بخطوات تائهة حتى قررت الذهاب لشقيقها زياد شقيقها من والدتها لم تلتقي به من قبل ....تركته أن ياويها ويحويها ولكن جوابه صفعة جعلتها تتذوق الدماء رأت كرهه في عينيه .....
عادت يومها إلى والدتها وفقدت في نفس ذلك اليوم روحها ......
أقسمت داخلها أن تعود لقصر المأمون وتدخله شامخة برأس مرفوع.....
وقد حققت قسمها لن تنسى وجوههم قبل ثلاث سنوات وهم يدركون أن مطر المأمون ليست سوى مطر المأمون التي ألقوها للشارع....

ربيع قلب مطر/الكاتبة غسق السوسنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن