الصفحة الثانية

597 22 0
                                    

فُتِح الباب، و ظهر خلفه صاحب الهيئة الفاتنة، و كزهرة مسمومة، ما ان وقعت عينا يونغي عليه حتى شعر برغبة بتقبيله لكنه أبعد تلك الفكرة من رأسه و قال بعدما ابتلع ماء ريقه بصعوبة:"بيتزا كيم، مين يونغي هنا لخدمتك، تفضل طلبك سيدي."

مدّ يونغي علبة البيتزا للواقف أمامه يرمقه بنظرات مريبة، ابتسامة يونغي اختفت تدريجيّا و رجفة أطرافه باتت واضحة ما ان ابتسم له ذاك الفتى تلك الإبتسامة الملتوية.

"اهلا بك مين يونغي! اظنّك ستخدمني كثيرا، إذا يجب أن تعرف من أكون... اسمي جيمين، بارك جيمين، احفظ هذا الاسم جيّدا. خذ هذه أموالك، احتفظ بالباقي، أنت تحتاجه أكثر منّي." قال المدعو جيمين راميًا المال على يونغي، ناثرها في الهواء و الى الارض بعد أخذه العلبة منه، ثمّ دخل المنزل مقفلًا الباب في وجهه بعد أن رمى له ابتسامة قذرة مع تلك النظرة السّوداويّة. أما يونغي، فقد ظلّ مكانه، بلا روح، يقف أمام ذاك الباب، يرمقه بنظرات غريبة مجهولة المعنى. طأطأ رأسه بخفّة ناظرا إلى تلك العملات الورقيّة المنتشرة أمام قدميه. انحنى و لملمها ثم عاد إلى المطعم حيث ما ان وصل حتى استقبله المالك بصراخ ملئ المكان، "أين كنت جناب يونغي؟ لما تأخرت هكذا؟ اسمع، أنا لا أريد أن اخسر زبائني بسببك و بسبب اهمالك..." كان المالك يصرخ باريحيّة عليه فمطعمه لا يستقبل الزّبائن انّما هو لإيصال الطّلبات إلى البيوت فقط. و بينما كان المالك يوبّخ يونغي، دخل فتى مفتول العضلات رغم صغر سنّه، فتوقّف المالك عن الصّراخ مكتّف الأيدي و أنفاس ثقيلة بينما ينظر بعبوس نحو يونغي الذي لا يبدو انّه يسمعه أصلا.

"جين حبيبي! توقّف عن الصّراخ. ستؤدي نفسك هكذا. الأفضل أن تعود إلى المطبخ أظن أن هوسيوك هيونغ يحتاج مساعدة هناك..." قال الفتى و هو يربّت على كتف المدعو جين، و بعد أن رحل التفت ناحية يونغي و قال:"يونغي هيونغ، أعلم أنك متعب، و أن هذا العمل ليس ما تطمح له، لكنه العمل الوحيد الذي لديك الآن. لذا أرجوك كن مسؤولا قليلا و قم به بشكل جيد و لا تهمله... يونغي هيونغ، يونغي... يونغي... يونغي!" كان الفتى يتكلّم، لكن يونغي لم يكن يبدو أنه يستمع، بل كان شارد الذّهن يفكّر بما حصل معه إلى أن أخرجه الفتى من دوامة أفكاره بمناداته باسمه بينما يهزّه ليحصل على انتباهه، و نجح...

"اوه! آسف جونغكوك، كنت شاردا قليلا. اعذرني عليّ الذهاب لأكمل. عملي. عن إذنك."

انقضى ذلك اليوم بعد إيصال عدّة طلبات أخرى، فهمّ راحلًا إلى الشّقة الصّغيرة، أو للدّقّة الغرفة الصّغيرة التي يعيش فيها، و التي تتألف من سرير واحد و أريكة مهترئة تبرّع له جاره بها قبل انتقاله، و طاولة صغيرة مستديرة تبدو في السّن أكبر من جارته العجوز التي تسكن تحته، و الغريب وجود تلفاز قديم في الغرفة متموضع فوق خزانة صغيرة قديمة مهترئة، أحد بابيها الصّغيرين ثابت بمفصل واحد، امّا الباب الآخر فمفقود كلّيّا، و موقد صغير تموضع فوقه اناء طبخ واحد فقط. أما الحمام، فهو الوحيد المنفصل عن الغرفة بباب مهترً كذلك.

حين وصل الغرفة، دخل مقفلا الباب خلفه، ثمّ رمى نفسه على السّرير المبعثر المغطى بالملابس بينما تنهيدة طويلة متعبة خرجت منه منفّسةً عن ما بين دواخله، فعادت به الأفكار لعيني ذاك الزّبون الغريب يغرق بها إلى أن أخرجه منها صوت بطنه الجائع، فاستقام من مضجعه متّجها إلى الثّلاجة لربما يجد ما يسدّ به رمقه، و ما ان فتح الثّلاجة حتى وقعت ملابسه منها، فشخر بسخرية على حاله، فما فائدة امتلاك ثلاجة أن كان لا يملك مالا لشراء طعام أو حتى كهرباء لتشغيلها؟! عاد بعد شربه لكوبي ماء لإسكات جوعه قليلا و استلقى على السرير محاولا النّوم هذه المرّة، فامامه يوم طويل في العمل غدا، لكن انتهى به الأمر مستيقظا حتى الصّباح يفكر بما عليه، فنصف راتبه يذهب لمالك الغرفة، رغم عدم استحقاقها لكل هذا المبلغ، فهي غرفة مهترئة بالية على سطح المبنى لا يمكنها صدّ ماء و برد الشّتاء و لا حرّ الصّيف، ثم يبق النّصف الآخر الذي يذهب على الطّعام و الشّراب و الخدمات الصّحيّة التي لا تعمل أصلا، فينتهي راتبه في منتصف الشّهر. فكّر كثيرا بترك تلك الغرفة المهترئة، لكنها حرفيّا المكان الوحيد الذي يمكنه البقاء فيه رغم سوء حاله.

و مرّت الأيام، و كل يوم يوصل الطّلبات لمنزل المدعوّ جيمين، كل يوم بنفس التّوقيت، و طبعا لم يخلو الأمر من إهانة جيمين ليونغي بكلماته و رميه المال في وجهه، و طبعا صراخ جين عليه بسبب تأخره... إلى أن جاء اليوم الذي كان القشّة التي قسمت ظهره...
    ◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶◀▶

هذه الصفحة الثّانية...
أتمنى أن تنال هذه الرّواية اعجابكم...

😊😊😊😊😊😊

😊😊😊😊😊😊

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.


الجوهرة المميتةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن