لم يكن هناك .
تمتمت مارنى وهى تعيد سماعة الهاتف الى مكانها:- هذا ما ينقصنى، تبا هذا تماما ما ينقصنى ! وهى تشعر ان كل ذلك الاجهاد لتحضير نفسها لم يكن الا مضيعة للوقت .
قد يعيش غاى فى لندن ، لان شركته الاساسية هناك، لكن نوع عمله يجعله فى تنقل دائم ليتمكن من ادارة العمل والاهتمام بكل الشركات التى ورثها عن والده والتى تنازل عنها لقاء استقالة غاى عن المشاركة فى سباق السيارات ، لقد جربت العديد من الارقام المختلفة والتى اقترحت انها قد تجده هناك، لتجده اخيرا فى ادنبرغ من بين كل الاماكن .
سمعت صوت امرأة بارد وكأنها تعيش فى القطب الشمالى اذ قالت :- السيد فرابوزا فى اجتماع . وعندما طلبت منها التكلم معه اجابت :- انه لا يرغب فى ان يزعجه احد .
تسألت مارنى ، هكذا اذا ؟ صوت المرأة البارد جعلها تتقد من الغضب .
لقد مر عليها ساعة وهى تنتقل من مركز الى اخر محاولة الاتصال به وفى نهاية المطاف حصلت على معلومات من ادنبرغ انه غير ممكن الاتصال به حاليا ، لم تعتاد مارنى على استعمال اسمها كزوجة له، لكنها لم تشعر بأى وخز ضمير عندما تفعل لانها ترى انها بحاجة لذلك . وهى عادة ما تنجح ، بعد كل شئ .
ويبدو انها بحاجة لذات التكتيك ثانية! قالت ببرودة :- فقط قولى له ان السيدة فرابوزا تتمنى ان تتحدث معه ، ايمكنك ذلك؟
وحصلت بسرعة على النتيجة المطلوبة فلقد تلعثمت المرأة واعتذرت بقلق وذهبت عبى الفور لابلاغ غاى عن المكالمة .
مرت خمس دقائق وهى تمسك بسماعة الهاتف تستمع الى موسيقى تتقطع بين الحين والاخر لتعلمها انها لاتزال تتصل بشركة فرابوزا بينما كانت تنتظر غاى ليرد على اتصالها . لكنه لم يفعل .عوضا عن ذلك سمعت ذلك الصوت مجددا ، ولكن بارتباك يقول :- يعتذر السيد فرابوزا عن التحدث معك ، سيدة فرابوزا ، لكنه يسأل ان كان يستطيع التحدث معك ما ان يعود الى لندن ؟
شدت مارنى على شفتيها بقوة وسألت :- متى سيعود بالتحديد ؟
- نهار بعد غد ، سيدة فرابوزا .
نهار بعد غد، توقفت مارنى عن الحديث والتفكير للحظة ما الذى ستفعله الان . الحقيقة الواضحة انها تتصل به وهذا يعنى بحد ذاته انها بحاجة للتحدث اليه بصورة عاجلة ، طالما ان نادرا ما تطلبه. انه عمل نموذجى من قبله ، هذا ما افترضته، ان يجعلها تنتظره . كان دائما يحب ان يثير قلقها وازعاجها ويجعل صبرها ينفد دائما .
حسنا ، بامكانهما ان يلعبا ذات اللعبة. هذا ما قررته ، عندما حسبت تماما ما الذى يفكر به قالت :- اذا قولى له لا داع لذلك واشكريه عنى . وبهدوء اعادت سماعة الهاتف الى مكانها .
لم يمر اكثر من ثلاث دقائق حتى عاود الاتصال بها ، وفقط ، كى تزعجه، انتظرت حتى رن جرس الهاتف ست مرات قبل ان ترفع السماعة وتعلن اسمها بصوتها الناعم .
- احيانا ، تمتحنين صبرى بأكثر من قدرتك .
جعلتها النبرة العميقة فى صوته تشعر بحنان كبير لتغمض عينيها وتشد على اسنانها بقوة لتمنع نفسها من الاحساس بالفرح ان كانت تحب او تكره هذا الرجل ، لكنها لا تستطيع الانكار كم تتأثر به .
- مرحبا ، غاى . كيف حالك؟ كثير من الناس الذين يعرفونه فى انكلترا - البلد الذى حصل على هويتها منذ ان هاجر والده اليها منذ سنين طويلة ـ معظمهم يلفظون غاى وكأن اسمه كاى . على عكس ، مارنى ، كانت تفضل دائما اللهجة الاوروبية وطريقة لفظها لاسمه بنعومة جعلته دائما بشوق لكى تناديه. كان يقول لها مجرد ما ان يسمع ااسمه على لسانها حتى يشعر بوعود كثيرة ستحققها له. اما الان فانها تلفظ اسمه لازعاجه لانه يعلم تماما ان ليس هناك اى وعد سيتحقق بالنسبة اليه .
اجاب بتهذيب :- اننى بخير ، مارنى . لكنه تابع بسخرية :- كنت بخير حتى سمعت انك ترغبين بالحديث معى، هذه هى الحقيقة .
قالت بحزن مصطنع :- عزيزى المسكين ، اى زوجة سابقة مزعجة لك.
سأل :- هل هذا ما تريدين ان تكونيه؟ مسببة للازعاج؟
اعترفت ، محتفظة بصوتها هادئا :- ربما . كان عليها دائما ان تبقى مسيطرة على نفسها بالقرب من غاى ، كان دائما يستطيع ابدال اية اشارة صغيرة سيكون حليفه بالتاكيد فى القريب العاجل تابعت :- اعتقد انه من المهم ان اراك اليوم .
قال بوضوح :- ليس الا اذا أمكنك القدوم الى ادنبرغ لاننى سأبقى هنا ليومين اضافيين .
ضغطت مارنى على نفسها كى لا تتنهد بضيق. هل بامكان مشكلة جامى انتظار كل ذلك الوقت ؟ ومع احساس بالحالة الطارئة التى حملها لها اخيها هذا الصباح فالجواب هو لا، لا تستطيع الانتظار .
عضت مارنى على شفتها وهى تفكر لو انها تستطيع التخلص منه وتنهى المحادثة بلطف قائلة :- يا للاسف ، لكن لا يهم ، انسى اننى اتصلت بك .
يا له من جواب. لقد نجحت فى ذلك عدة مرات فى السابق . لقد تطلقا، لكن ليس برضى ومباركة غاى ، لقد حاربها بذلك طوال الوقت ، حتى اصيبت باليأس الكامل واجبرت على استعمال الورقة الرابحة الاخيرة لديها . لكنه لم يترك الامر سرا ، انه مستعد للقيام بكل شئ من اجلها حتى الموت تحت قدميها ، وعادة عندما تشير له باصابعها ، يسرع لملاقاتها .
بعدها تذكرت كلارا ، واى فكرة للعبة الفأرة والهر مع غاى هذه المرة تبخرت بسرعة .
قالت :- اعتقد انك تملك طائرتك هناك ؟
قال بفرح :- صحيح تماما ، يا حبى . كان يحب دائما ان يعارضها عندما يستطيع وكانت تسمح له بذلك لمرات قليلة جدا، تابع بصوته العميق الساخر :- بالطبع ، اذا كانت فكرة الطيران الى هنا تزعجك ، عندها اعتقد انه يمكننى الغاء اى ارتباط لفترة بعد ظهر نهار الاحد من اجلك ...
وماذا عن نهار السبت؟ هذا ما تساءلته وهى تشعر بالانزعاج ينهكها من الشك الذى يغلى فى عروقها . اليوم هو الاربعاء . ولقد قال ان عليه البقاء هناك لمدة يومين وهذا يعنى نهار الجمعة . وكل هذا له تفسير واحد فى قاموس غاى ، لان لديه القاعدة التى لا يتخلى عنها مطلقا، عدم امضاء نهار السبت بمفرده ! من المحتمل ان لديه صديقة وهى معه الان ! تفكيرها المشكك جعلها تخطو خطوة ثانية . قالت :- واعتقد ان لديك احدى الصديقات معك هناك ؟
تمتم بطريقة لا تظهر شيئا :- هل انا كذلك ؟
قالت بسرعة :- اذا تكلفت بالذهاب الى ادنبرغ، يا غاى ، فليس للقيام بدور الحمقاء امام صديقتك الاخيرة !
قال مازحا ، وكانه يرفض تصديق عداوتها الصريحة :- عزيزتى ، اذا كنت ستتكبدين كل هذه المشقة لتكونى برفقتى ، عندها سأكون بدون شك حرا لملاقاتك .
هذا التصريح لم يفدها بشئ :- وتلك الحمقاء المسكينة التى تعيش على وهم انها ستحظى بكل اهتمامك ـ ما الذى سيحدث لها ؟
قال :- لماذا؟ هل تتوقعين امضاء الليل معى ؟ وتابع بسخرية اكبر :- ان كان هذا سيحدث ، يا عزيزتى ، سأعمل جاهدا لاكون حرا .
ضاقت شفتا . مارنى من الغضب ، وقالت بلهجة مدمرة :- اذا كنت لاتزال تعلق على ذلك ، غاى ، اذا اعلم اننى اشعر بالاسف تجاهك. فانت تعلم ان هذا لن يحدث مطلقا .
قال:- ماكرة ، انتبهى يا مارنى من ذلك اليوم الذى سأثبت لك كم انت ضعيفة تجاهى ، لانك لن تسامحى نفسك عندها . والان ما كان سبب اتصالك بى ؟ عاد ليتكلم معها بذلك الصوت الهادئ الساحر الذى يقضى على كل هدؤها ورباطة جاشها ، وتابع :- وضع أخوك نفسه فى مأزق جديد ؟ امر غريب ، غريب تماما .
شعرت مارنى بانها ترتجف من الذكريات الصعبة لهذه الكلمات القاسية لقد قالت له مثل هذا الكلام منذ اربع سنوات . كلمات لا تنسى، لكنها تشعر بالالم كثيرا منها ، بعدما راته هادئا ، محاولا بكل قوته ان يكون لطيفا معها بينما كانت تنهال عليه بالشتائم والضرب .
لكنها لم تنجح .كل الذى حصلت عليه انه سار مبتعدا عنها . لقد كان عليه اما ان يفعل ذلك او ان يضربها ، لقد علمت بذلك الان . لكن ابتعاده عنها منذ اربع سنوات فى تلك اللحظة سبب لها الما اكثر من اى شئ آخر فى حياتها .
قالت بصوت هادئ لتخفى انزعاجها :- لست انا المخطئة اذا كنت تبحث دائما عن الامور الخفية .
- وهل هذه الامور الخفية كانت سبب زواجنا فى المرة الماضية .
عضت على شفتها لتسيطر على غضبها :- وانا كنت ساذجة جدا ، اليس كذلك ؟ فتاة عاطفية ساذجة ، وليس لها القدرة لمنعك من السيطرة عليها .
فجأة فقد صبره وقال :- اسمعى ، انا لا املك الوقت الكافى لهذا النوع من الحديث اليوم . اذا اتصلت بى محاولة ان تزعجينى ،اعتقد ان على اخبارك انك نجحت بذلك ، والان ، هل تأتين الى ادنبرغ او علينا تأجيل هذه المحادثة لانها ستجرنا الى معركة حامية ؟
قالت بهدوء وهى تتراجع عن مزاجها الغاضب :- سأتحقق من مواعيد اقلاع الطائرات واتصل بسكرتيرتك . لن يفيدها بشئ ان تضعه فى مزاج سئ قبل ان تراه . فالامور ستكون صعبة جدا كما هى عليه الان .
قال محذرا :- اعتقد على تحذيرك منذ الان اذا كانت هذه الرحلة من اجل مصلحة اخيك فانك ستضيعين وقتك للقدوم بالطائرة الى هنا .
قالت:- سأراك لاحقا . وسمعت تنهيدته وكأنه فقد صبره بينما وضعت سماعة الهاتف بسرعة .
****
لابد ان جامى كان يقف بالقرب من الهاتف منتظرا اتصالها لانه اجاب ما ان رن جرس الهاتف الرنة الاولى . قال لها :- ترتاح كلارا فى الطابق العلوى، ولم ارد ان يزعجها رنين الهاتف . هل تكلمت مع غاى ؟
قالت له:- انه فى ادنبرغ ، وانا فى طريقى لاراه اليوم .
تمتم بخشونة :- شكرا لقيامك بهذا من اجلى ، مارنى ، اعلم كم تكرهين الذهاب اليه من اجل اى شئ وصدقينى ، لم اكن لاسالك القيام بهذا هذه المرة الا لاجل كلارا ...
سألت مارنى باهتمام :-كيف حالها ؟
قال :- متوترة ، وسعيدة . تتظاهر انها قلقة على لاشئ بينما هى فى الحقيقة خائفة من القيام بأى حركة الا بعد التفكير جيدا بكل خطوة .
تمتمت مارنى :- نعم . فهى تدرك تماما الام قلب كلارا ، بعد فقدانها لطفلها الاول . هى تعلم كيف تضع المرأة اللوم على نفسها . المنطق وكل أطباء العالم قد يقولون لها ان ما حدث امر طبيعى يحدث دائما فى الحياة، ولكن مهما حاولت لا تستطيع اقناع نفسها بذلك الاحساس بالذنب يحاصرها ليلا ونهارا .
- اذا استطعنا ان نساعدها لتنتهى بسلام من هذا الشهر الصعب ، ربما ستقتنع انها ستكون بخير هذه المرة ...
قالت مارنى :- حسنا ، بلغها سلامى وحبى ، وتاكد من ان لا تبلغها شئ آخر يسبب لها القلق .
قال اخوها بضيق :- انا لست مغفلا بالمطلق ، مارنى واعلم حقا متى أقف عند حدودى .
حسنا ، فكرت مارنى ، ارتاحت من حديثها هذا من تفكيرها المشوش ومن قلقها على اخيها ، قالت :- سأتصل بك هاتفيا ما ان يقرر غاى ما الذى سيفعله بشأنك ، ما عليك سوى الاعتناء جيدا بكلارا .
قال بحزم :- هذا ما انوى فعله ، وشكرا لك ... ثانية على قيامك بهذا لاجلى .
تنهدت مارنى بقلق وقالت :- لا تشكرنى ، جامى :اشكر غاى ـ اذا وافق على مساعدتك لتتخلص من هذا المأزق .
****
لا احد يعرف مارنى وسترن فرابوزا الجميلة والفنانة التى ترتدى دائما تى شيرت ذات الوان زاهية مع بنطالا من الجينز الباهت اللون ، الذى يميزها بشكلها الانيق والتى تسير مختالة عبر الباب الكبير لمطار ادنبرغ فى ساعة متأخرة من بعد ظهر ذلك اليوم.
بالنسبة الى الرجل الذى يلاحقها بنظرته الكسولة هى تمثل كل ما تريده ويتمناه الرجل فى امرأة احلامه. فى المرة الاولى التى وقع نظره عليها كانت كافيه ليدرك انه بحاجة لتكون رفيقة دربه وعمره كله . لقد مرت خمس سنوات طوال مليئة بأحداث مؤلمة، وما زال لا يستطيع التخلص من هذا الاحساس بها .
كانت بشرتها ذات اللون الزهرى، رائعة جدا ، وشعرها طويلة ، ولقد عقصته عاليا على رأسها اليوم ، لكن هذا التصفيف العادى لم يستطع ان يخفى الاف الظلال من اللون الذهبى والاحمر فيه . انه يلمع فوق رأسها كالتاج ويعكس جمالا اخاذا على وجهها المستدير ، كانت عيناها زرقاوين ـ تتحولان الى لون الزمرد عندما تظهر عاطفة ما او تصبحان رماديتين عندما تغضب . اما انفها فصغير ـ وذات شكل يظهرها متكبرة عندما ترفع ذقنها بطريقة ما. وفمها ... نظر الى فمها . وكيف تضغط على شفتيها وكأنها تفكر بأمر خطير .
رأت مارنى لمعان عينيه عندما اقتربت منه قليلا . رأته وسيما غامضا ومحيطا بهالة خطرة من الجمال والثقة بالنفس هذا هو غاى فرابوزا .
ولد من اب ايطالى وأم فرنسية وعاش منذ ان اصبح فى العاشرة من عمره فى انجلترا، ولقد امضى معظم حياته بعد ان اصبح شابا متنقلا فى معظم بلدان العالم ، لكنه يعتبر نفسه ايطالى حتى اخر نقطة تجرى فى عروقه .
وربما هو على حق فى ذلك من كثرة اعجاب النساء فيه بسبب وسامته المميزة .
بالنسبة اليه ، بالطبع كان يعتمد على ذلك يستعمل لهجته الايطالية، كاحدى اهم وسائله المؤثرة ، رافضا بعناد ان يستسلم لمعرفته الكاملة باللغة الانكليزية ، لذلك كان لفظه للاحرف تجعل ايه امرأة تستدير لتنظر اليه .
كان طويلا، قوى الجسم ، يناسب تماما عرض الازياء ، ثياب مميزة صنعت خصيصا له لتلائم شهرته ووسامته .شعره الاسود قد زين بقليل من الشعيرات الفضية عند الصدغين لكن كل ذلك ليزيد من جاذبيته لا ان ينقصها وبالنسبة الى رجل فى التاسعة والثلاثين من عمره والذى عاش كل لحظة من هذه السنوات حتى الثمالة، ما زال غاى يحتفظ بجاذبية مميزة ، مثل الاشياء النادرة ، فهو يزداد نضجا ووسامة بدلا من ان يصبح عجوزا . عيناه غامضتان ، لونهما بنى غامق ، لكنه ان اراد تحولتا الى عينين باردتين تستطيعان تدجميد اى شخص عنيد . كان انفه طويلا ، او يشبه القسوة الواضحة فى ذقنه ، كان بمثابة تحذير مباشر عن شخصيته القوية . اما فمه فهو نقيض مباشر لشخصيته فهو جذاب مرح لحظة وقاس لحظة اخرى . كان يرمقها وهى تقترب منه عبر الحشد الكبير من الناس
كان نصف ناعم ، نصف مبتسم ، نصف متقلب وكأنه حقا لا يعلم كيف يشعر تجاهها ، ولن يعرف .
هذا ما فكرت به مارنى وهى تبعد نظرها عنه بعد ان لمحته للنظرة الاولى ـ احساسها الكبير به وعدم اعترافها بذلك هو السلاح القوى الذى تستعمله ضد غاى ، عدم قدرته الحقيقية ليقرر ما هو دورها فى حياته. لقد اعتقد مرة انه تمكن من معرفة ذلك ووضعها تحت خانة معينة واسمها (زوجته) من اجل ان تتجمل له وتعامله بكل لطف واحترام . اعتقد ذلك بجد وقد حاك شبكة حولها ـ ليجد بعد فترة ، عندما حاول ان يتأكد من قيود القفص الذى صنعه انه ارتكب اكبر غلطة فى حياته .
وصلت اليه ، وانتظرت بهدوء لينظر بعينيه الغامضتين من حذائها الناعم القرمزى الى اعلى ياقة ثوبها البسيط ليرفع نظره الى ذقنه ، الى فمها ،كشكل القلب والى انفها الصغير حتى فى النهاية ليتصادم بعينيها الزرقاوين .
شعرت بالاضطراب من الوقوف بقربه هكذا ، فمن الصعب عليها ان لا تتجاوب الى كل هذا الجمال الواضح فى وجه غاى .
تمتم قائلا :- مارنى .
اجابت بهدوء :- مرحبا ، غاى . وابتسمت قليلا ، مع انها تكرهه فهى تحبه ، وفكرت ، هل من الممكن ان تشعر بالعاطفتين معا فى ذات الوقت ؟
هو يعلم ايضا. وهو يضع تلك النظرة الساخرة فى عينيه وهو يقترب اكثر ليبعد المسافة الصغيرة بينهما . كان غاى ايطالى كفاية ليعبر عن تحيته بقبلة على خديها ، لقد تخلت مارنى من وقت طويل عن معارضتها لذلك .
وهكذا وقفت هادئة منتظرة ان يضمها من دون ان تفكر بالتراجع.
وضع يديه برفق على كتفيها وانحنى نحوها ليطبع قبلة ناعمة على كل خد من خديها ، وبعدها ، وفى اللحظة التى كانت ستبتعد عنه وتبتسم له بعدم اى احساس به ،شد على الحشد او كيف بخفة قد تخطى الحد الذى وضعته بينهما منذ اربع سنوات مضت .
تمتم بثقة وهو يبتعد عنها :- لم يكن لديك فكرة كم كانت اريد ذلك .
ابتعدت عنه بغضب، متفاجئة من احساسها القوى به، اخذت تفكر بنفسها وهى تستجمع قوتها . اذا المرارة التى كانت تشعر بها نحوه قد ذابت . نظرت اليه بغضب وقالت :- غاى ، احيانا تتصرف وكأنك ...
قاطعها بكسل :- اتمنى مارنى ان لا تنكرى احساسك بى .ورفع حاجبيه وكأنه يسألها .
قالت :- كم اكرهك .
اجاب بدون اسف :- اعلم ذلك .
- هل احراجى بهذه الطريقة يعطيك احساس بالرضى ؟
- آه ، انه يعطينى كل انواع الرضى ان اراك قد فقدت اتزانك الان ودائما .
بهذه الملاحظة الحادة ابتعد عنها ، تاركا اياها تقف بمفردها ، محاولة جاهدة ان تهدئ من فورة غضبها . الغضب الصارخ على وجهها أعلمه ان بسهولة ربح هذه الجولة . قال فجأة ببرودة وجدية :- تعالى ، لدينا عمل لنناقشه . وهناك سيارة بانتظارنا .
بعد ذلك ، امسك بذراعها بطريقة خاصة ، ليبقيها بجانبه ، وسار معها عبر باب الخروج .
قال بعد ان ساا عدة خطوات :- الا تحملين امتعة معك ؟
هزت رأسها نافية وقالت :- امل ان اتمكن من المغادرة بالطائرة الاخيرة التى تعود الى لندن .
قال لها بسخرية جافة :- والتى تغادر بعد حوالى ساعة تقريبا ، كم انت متفائلة ، لتصدقى اننا سنتمكن من الكلام والاتفاق والعودة الى هنا فى الوقت المحدد ، الا تعتقدين ذلك ؟
توقفت لتحدق به برعب :- ساعة واحدة ؟ لم تفكر بالامر مطلقا لتتأكد من مواعيد عودة الطائرات ! لقد افترضت بصورة اتوماتيكية انها تعمل ليلا نهارا ـ تماما مثل القطارات .
تمتم غاى كى يستفزها :- وما الذى ستفعلينه الان؟ ستبقين هنا فى مدينة غريبة مع رجل تقولين انك تكرهينه !
قالت بسرعة وبحدة :- أعتقد اننى سأتمكن من البقاء حية ، طالما ان الرجل الذى نتكلم عنه لا يمكنه ان يسبب لى الاذى اكثر مما فعل !
ضاق فمه ، لكنه لم يقل شيئا ، شدها اليه وهو يخرج من الباب الكبير . كانت السيارة بانتظارهما كبيرة فخمة ويقودها سائق . بتهذيب نظر اليها وهى تجلس قبل ان يصعد ويجلس بقربها ، ما ان اغلق الباب حتى سارت السيارة بنعومة مبتعدة عن الحاجز الحجرى .
.
.نهاية الفصل الثانى
أنت تقرأ
" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"
Romanceعندما قبلت مارنى عرض الزواج من غاي فرابوزا ، لم يتبادلا ايه كلمة عن الحب . والغريب ، مع ان زواجهما فشل ، رفض غاى ان تبتعد مارنى تماما. والان ، بعد مرور اربع سنوات ، علمت لماذا . عندما فجأة وبحالة يائسة طلبت مساعدة غاى ، حدد ما يريده بالمقابل ، تجديد...