الفصل السابع

3K 67 0
                                    

لم يتغير الجو المشحون المتوتر بينهما طوال اليومين المرهقين، وبدا ان غاى قد ضجر من كل ذلك وهو يقود السيارة من المطار الى لندن . 
قال :- اسمعى، لست مستعدا بعد للنقاش فى ذلك الموضوع! سنذهب مباشرة الى شقتى وهناك ستنامين الليلة!
كان وجه مارنى متوتر والضيق باد عليه بوضوح ، كما ان غاى لم يكن بحالة افضل ... النقاش عن المكان الذى ستنام فيه قد أثير عندما صعدا الى طائرته الخاصة فى ادنبرغ .
كانت متعبة، متوترة وتشعر بالاحباط ... واسوء ما فى كل ذلك التعب والارهاق ، طالما انها لم تنم للحظة خلال الليلتين الماضيتين اللتين امضتهما فى ادنبرغ .. فأن لم تكن هناك تتقلب فى سريرها متصارعة مع افكارها وذكرياتها الصعبة ، كانت تستلقى وهى تفكر بغاى .
تنهدت بتعب وهو يقول :- انا لا ارغب فى الهروب .
-لا؟ حسنا ، لست مستعدا لان اثق بكلمتك هذه . لذلك توقفى عن الشجار!
قالت متذمرة :- اريد فقط ان احصل على ليلة نوم هانئة فى سريرى قبل ان اواجه والدك غدا ! كانت تبدو حزينة وغير مرتبة تابعت :- لابد اننى ابدو مخيفة ! كل الذى اريده هو ان استحم ، ابدل ملابسى وانام فى سريرى لليلة اخيرة! لا اهتم مطلقا فى الهرب ، غاى ، لا اعتقد اننى املك قدرة كافية لاحاول حتى !
منتدى ليلاس
قال :- كان لديك الفرصة لتشترى ثيابا جديدة فى ادنبرغ .وان عنادك المخيف هو سبب مظهرك هذا والباقى يمكنك الحصول عليه فى الشقة .
حاولت قليلا ان تثنيه عن قراره :- لكن يمكننى ان احزم أمتعتى الليلة وهذا افضل من ان اترك الامر للغد .
- لا.
نظرت اليه غاضبة وقالت :- هل كنت تأمر وتضايق الفتيات عندما كنت صبيا ، ايضا ؟
اجاب وابتسامة طفيفة ظهرت على شفتيه لاول مرة منذ ايام :- كنت معروفا بلطفى وسحرى كولد ، فى الواقع ، انت الوحيدة التى اجبرتنى على هذا التصرف .
- لاننى لن اسمح لك بالسيطرة على.
قال بسرعة :- لانك لا تعلمين متى تتوقفين وتتخلين عن عنادك !
نظر اليها وتنهد قائلا بحزن :- اسمعى ، انت متعبة ،وانا ايضا ... تبا لذلك ، مارنى . لكننى مازلت اتذكر المرة الاخيرة التى وثقت بك انك ستبقين حيث تركتك لاجد انك اختفيت فى خلال ساعة واحدة ! ولانية لدى فى معاناة ستة اشهر اخرى مثل تلك مرة ثانية.
اذا، لقد تعذب :امر جيد . وهى كذلك . انه يستحق عذابه ، اما هى فلا ، لم تشعر بأى احساس بالشفقة عليه ، او اى شعور بالندم لانها اقلقته هكذا . احزانها الخاصة كانت اكبر من ان تمحى . وغاى لم يكن يملك خيبة املها.
عند عودتها الى لندن كان هناك العديد من الناس الذين اعلموها كم عانى من غيابها ، وكيف وجد روبرتو نفسه مرغما للعودة الى استلام زمام الامور فى العمل بينما كان ابنه مصمما على ايجادها . وكيف سلم حياته الى الضياع رافضا ان يصغى الى المنطق.
اخيرا عندما شعرت انها قادرة على مواجهة العالم ثانية خرجت من مخبئها . ولقد جعلت غاى يدرك بعودتها على الفور بأفضل طريقة ممكنة ، بدعوى للطلاق.
غضب وتبجح ثم قامبتهديدها ، وفى اخر الامر ، عندما عرف انه لن يستطيع القيام بشئ ليغير رأيها، تركها بمفردها. لكنه استمر برفض الطلاق .
قال لها بحزن :- سأرضى بأى عقاب تفرضينه ، مارنى ، بكل احترام وقناعة ، لكن لن ارضى باعادة القسم الذى اقسمته لك. هذا سيبقى .ولا يهم ما الذى ستقولينه.
قالت له بوضوح :- اقول لك اننى لن اعود زوجتك ابدا ، وهذا سيدعنا نعيش فى حالة من الهجران اذا استمريت بعنادك هكذا .
قال موافقا :- اذا ليكون الهجران مصيرنا ، لكن ليس الطلاق . انه موضوع غير قابل للنقاش ان الوقت سيشفى كل الجراح . ستسامحينى فى احد الايام ، مارنى وستبقى على حالة من الهجران حتى يأتى ذلك اليوم .
وهذا ما كانا سيفعلانه ، لو لم تلعب مارنى ورقتها الاخيرة الرابحة .
قالت له :- وقع على الاوراق، غاى، والا سأقيم عليك دعوى للطلاق بسبب الخيانة الزوجية ، وساحضر انيتا كشاهدة فى المحاكم مع اكثر وسائل اعلام استطيع تدبيرها.
عندها وقع امضاءه . لانهما يعلمان معا نتيجة هذا التهديد على والده ان قامت به، ولم يكن غاى قادرا على المخاطرة ان كانت تستطيع القيام بذلك ...
وصلت السيارة الى مكان اقامته ، وشعرت مارنى برجفة ، مجبرو نفسها على التوقف عن استعادة ذكرياتها ، واجدة نفسها فى موقف السيارة للبناية الخاصة التى يملكها غاى حيث شقته الفخمة .
قال :- تفضلى . ونزع حزام الامان عنه وخرج من السيارة ، فعلت مثله ، وتحركت محاولة ان تزيل التوتر عن جسدها المرهق ، بينما سار نحو مؤخرة السيارة ليلتقط حقيبته .
استقلا المصعد الى شقتهما الخاصة بصمت ، وكان من الواضح انهما كانا يتجنبان النظر الى بعضهما ، لانه كما يبدو يكفى ان ينظرا الى بعض كى يبدآ بالشجار .
فكرت مارنى بحزن وهى تتبعه داخل الشقة . لم يتغير شئ ، كل شئ يبدو على حاله منذ آخر مرة كانت هنا .اه ، مما لاشك فيه ان الجدران قد طليت من جديد ، لكن غير ذلك شعرت وكأنها تسير فى رحلة بالزمن لتعيدها الى هنا ، فارتجفت بضعف .
قال غاى :- انت تعرفين المكان ، اختارى اى غرفة من غرف الضيوف. وانا سأتخلص من حقيبتى... كان يسير عبر القاعة الواسعة ذات اللونين الكريم والبنى الخفيف نحو غرفة النوم الرئيسية وهو يتابع :- كونى رحومة، مارنى ، وانظرى ماذا تركت سيدة دوكيز فى البراد للعشاء ، هل تفعلين ؟
سألت متفاجئة :- مازالت تعمل لديك السيدة دوكيز هنا؟ كانت مدبرة المنزل تعمل لدى غاى منذ سنوات عديدة قبل ان تدخل مارنى حياته .
توقف، واستدر ليسخر منها بنظراته وهو يقول :- ليس كل شخص يرانى بغيض كما تفعلين .وتابع سيره ، تاركا اياها تشعر بالخيبة اكثر من ذى قبل .
وجدت دجاجة مطبوخة فى البراد مع ورقة صغيرة عليها تعليمات محددة كيف يتم تحضيره.
ابتسمت مارنى ، على الرغم من مزاجها الكئيب. لم تكن لاهى ولا غاى خبيران بالطبخ او يحبان العمل فى المطبخ ، وكان لدى السيدة دوكيز عادة ان تترك تعليمات دقيقة كى لايفسد طعامها المعد بعناية .
تبعت مارنى التعليمات المكتوبة على الورقة ، وهى تشعر بسخرية من الفرح الطفولى وتتأكد من كل طلب فى القائمة .
كانت السيدة دوكيز هادئة جدية طيبة ، لكن لم تشعر مارنى يوما انها تستطيع التقرب منها . كانت مدبرة المنزل تعتبر المطبخ ملكها الخاص. وهى تعرف اذا ما كانت هى او غاى دخلا الى المطبخ فى الليل وكأنهما ولدان مزعجان .كانوا يدعونه مطبخ السيدة دوكيز ، براد السيدة دوكيز،طبخ السيدة دوكيز.
احساس بألم عميق انتابها فأسرعت بالخروج من المطبخ ، متجهة نحو جناح غرف النوم الاضافية للبحث عن غرفة ستستعملها الليلة لكن قدميها قادتاها الى باب اخر , باب غرفة الاستديو الخاص بها . الغرفة التى لم تدخلها منذ تلك الليلة من اربع سنوات مضت عندما تشاجرت مع غاى .
اذا كان المطبخ نطاق السيدة دوكيز، اذا هذا المكان ملكها هى . غرفة مواجهة لجهة الشمال، نوافذها عريضة واسعة ومفروشة تماما بما تحتاجه . امن غاى لها كل ما تطلبه لتحقق فيها اعمالها.
ببطء وهى لاتشعر بأنها متأكدة بالرغبة فى ذلك ، ادارت مسكة الباب ودخلت بهدوء.
كانت الغرفة فارغة ، فشعرت بأن قلبها بغوص فى اعماقها . كانت الغرفة فارغة تماما من كل شء يذكرها بها . دموع ضعيفة تجمعت فى عينيها ، سارت ببطء نحو وسط الغرفة .
كل شئ انتهى ، وغاب . قاعدتها الخشبية التى اعتادت ان تضعها بقرب النافذة ، لوح التصاميم الذى كانت تمضى الساعات تعمل على الاوراق قبل ان تعيد اهتمامها بوضعه على القماش. الرسومات نفسها ، صفوف منها وقد اعتادت على ترتيبها مواجهة للجدران ، كلها رحلت . اشياء احبتها كثيرا ورغبت فى بيعها لكن لم يتسن لها الوقت لعرضها لقد رسمت غاى فى هذه الغرفة ، لقد وقف هناك ، نظرت بعينيها الدامعتين الى المكان الذى وقف فيه بطريقته المغرورة وقال حينذاك مازحا :- مثل هذا؟ وهو يغير شكل وقوفه الى طريقة تظهر جسمه الرياضى اكثر (او ربما هكذا؟) بينما حاولت ان تبقى مهتمة لعملها طالبة منه ان يقف بوضع محترم اكثر . قال عندما عنفته :- كيف لى ان اقف هكذا هادئا ؟
الان لم يعد يوجد شئ فى هذه الغرفة الا الذكريات والصدى، الصدى العميق من عند الباب :- لقد اخليت كل ما فى الغرفة عندما اصبح ... واضحا ان لا رغبة لديك مطلقا فى العودة الى .
استدارت بسرعة لتجده واقفا يحدق بها بعينيه الغامضتين ، تابع بهدوء :- فكرت لفترة انك على الاقل تريدين لوحاتك، لكن ... هز كتفيه وكأنه يكمل ما يقوله تاركا صمتا ثقيلا بينهما .
ابعدت مارنى الدموع عن عينيها وقالت :- ما الذى فعلته بهم؟
هز كتفيه وقال :- وضعتهم فى مخزن ، فى اوكلاند كلهم ، كل شئ.
لم تكن تملك القدرة لتتحمل فكرة عودتها الى هنا ثانية للحصول على اى شئ . حتى ولا ادوات عملها او لوحاتها الثمينة .
تابع غاى بخفة اكثر :- مع ذلك ، يمكنك اقامة متجر لعرض لوحاتك ثانية فى اوكلاند عندما نستقر هناك ... طالما لا تأخذين اى عمل فى الخارج، هذا كل شئ ، هل وجدت ما تأكله فى المطبخ؟
هذا كل شئ . موضوع متابعتها لعملها ، فتح واقفل بهذه الكلمات ، ضاق فمها من الغضب، واى احساس لتغيير مزاجها السئ قد تبخر.
اجابت ببرودة :- دجاج على الطريقة الايطالية ، سيكون جاهزا خلال خمسة عشر دقيقة .
هز رأسه وقال:- امر جيد ، هذا سيعطينا الوقت لنستحم قبل ان نأكل . ابتعد عن حاجب الباب وتابع :- هل قررت اية غرفة تريدين استعمالها.
اجابت بمرارة :- الكل سيان عندى ، طالما لا يوجد شئ هنا مرتبط بى . وبعدها ولانها شعرت ان ليس لها القدرة على استمرار العداوة بينهما اضافت ببساطة :- سأستعمل الغرفة القريبة من غرفتك ، اذا كان هذا يناسبك .
قال:- لكن هذا لايناسبنى ابدا ، وانت تعرفين ذلك . نظرت اليه غاضبة فتنهد وتابع :- حسنا ، مارنى ، استعملى اية غرفة تشائين ، انت تعرفين السيدةة دوكيز، انها تحافظ على نظافة كل الشقة وتبقيها جاهزة لاى ضيوف غير متوقعين .
قالت تذكره عندما استدار ليغادر :- احتاج لاغير ثيابى ، اعتقد لامجال لاجد اى من ثيابى القديمة معلق فى مكان ما ؟
قال :- لا ، اذا كنت تريدين ان تعرفى، ارسلتهم الى جمعيتك المفضلة... على الاقل هذا سيسعدك ، طالما لايبدو ان شيئا هنا يرضيك!
قالت غير مصدقة :- اعطيت كل ثيابى الجميلة الى الجمعية؟
وماذا كنت تتوقعين ان افعل بهم... ان احتفظ بهم بكل عناية وراء الزجاج فى حال انك قررت القدوم على عجلة واخذهم ؟
اجابت بقسوة :- لا، بالطبع لا! لقد اعتقدت فقط... واختفى صوتها. لم تكن تعلم بما فكرت ... اوحتى ان تساءلت مرة عن ثيابها قبل هذه اللحظة ، بسرعة انهت الموضوع وهى تقول :- لايهم الامر .
بدا غاى سعيدا ان يفعل ذلك ايضا ، لانه أومأ بحزن وقال :- سأحضر لك بيجاما وروبا للحمام ، وغدا ، اول ما سنفعله سنذهب الى شقتك لاحضار كل ما تريدينه ، اذا كان هذا يجعلك تشعرين بأنك افضل.
واختفى فى القاعة الرئيسية. تبعته ، ومرت امام باب غرفته لتفتح الباب المجاور ، وهى تشعر وكأنها قد جرت عبر زوبعة من العواطف الجياشة ، من خلال مناقشاتهما الدائمة وشجارهما المتواصل .
اه ، جلست بتعب وقلق على السرير. ما الذى تفعله ، تاركه نفسها تنخدع به ثانية ؟ وهى تعلم ان ذلك سيقودها الى مزيد من التعب والالم فى قلبها . انها تشعر بذلك منذ الان ...
ذلك الالم الدائم من الذكريات المتدافعة . البقاء معه بصورة دائمة جعلتها تواجه كل تلك الاشياء التى ابعدتها الى اعماق ذاكرتها. الامور الجيدة والسيئة ايضا. ولم تكن متأكدة ابدا اى منهما اثقل . هذا ما اخافها ، اخافها لان ذلك يعنى ان حزنها تجاه غاى بدأ يخف تدجريجيا ... تماما كما كان يقول ان ذلك سيحدث .
- تفضلى لقد احضرت لك ...دخل غاى الى الغرفة ، وتوقفت الكلمات على لسانه ما ان نظر الى وجهها الشاحب ونظراتها الحزينة .
تنهد قائلا:- آه، مارنى. بدا الحزن على وجهه وهو يقترب منها ، رمى البيجاما والروب من يده قبل ان يجلس القرفصاء امامها. امسك بيديها ، اصابع طويلة وعظامها رقيقة ويكفى ان تنظر اليها لتعلم انها تعود لشخص يتمتع بموهبة فنية . كانت يداها باردتين وترتجفان.
تنهد غاى قبل ان ترفعهما الى شفتيه ويقبلهما بحنان ولطف . كان قد خلع جاكتته فى مكان ما ، كذلك ربطة عنقه، وهذا أظهر جلده الاسمر من تحت قميصه يلمع تحت اشعة الشمس الخفيفة .
تمتم فجأة :- الا يمكنك ان تسامحى ببساطة ؟ لنضع انفسنا خارج هذا الجو المتوتر والمقلق. وبذلك على الاقل نحاول ان نتحرك الى الامام فى تفاهم افضل من كل هذه المرارة التى لاتزال بيننا.
نظرت الى وجهه ... كم هو جميل ، عيناه غامضتان وعميقتان ، تفتقدان لاى اثر من السخرية او الانتقاد او حتى فقدان الصبر الذى كان يظهره معها طوال النهار . وفمه ، حزين لكن ناعم وليس قاسيا ، تعيسا مثلها، قلقا مثلها تماما .
همست بعمق :- سأحاول . وتنهدت لتدع الهواء يدخل الى رئتيها بقوة الدموع التى كانت تحاول ان تبعدها منذ ان دخلت الى الاستديو فجأة انهمرت من عينيها.
تحرك غاى وكأنه يتفهمها ، ورفع يده ليبعد خصلة من شعرها عن وجهها من درب الدمعة الوحيدة التى كانت تنزل على خدها . لم يمسحها بأصبعه بل اقترب اكثر وقبلها.
تمتم بجدية :- انا لاأسألك عن اى شئ اكثر .
بذلت مارنى مجهودا لتحافظ على رباطة جأشها، سحبت يديها وجلست بهدوء على السرير، محاولة ان تحتفظ بمسافة ما بينهما.
قالت وهى تحاول جاهدة ان تبتسم ولو بحزن :- سيحترق الطعام.
قال :- ليس ان اسرعنا. ونهض ليقف بشكل مستقيم امامها . تابع:-سأستحم بسرعة ، وسنتقابل فى المطبخ بعد خمس دقائق .
استدار ليسير نحو الباب...بعدها توقف ، لينظر اليها ثانية .
سأل بلطف:- هل هذا يناسبك؟
وقفت مارنى ، وقالت بهدوء :- نعم، لابأس.
رفع يده ومررها عبر شعره قبل ان يقول :- هل ... هل تفضلين استعمال غرفتنا القديمة بينما استعمل انا هذه؟
تصرفه واهتمامه جعلاها تغضب، لذا قالت رافضة:- لا، تلك هى غرفتك . ستنام بطريقة افضل فى سريرك. بالطبع لا اريد ان آخذه منك.
تمتم بقسوة :- انام؟ ما هذا الكلام؟ ووضع يده على مؤخرة رقبته، وقال بجدية :- لم احظ بأية لحظة من النوم منذ ان دخلت حياتى ثانية منذ ليلتين. كنت استلقى فقط، مصغيا الى كل حركة تقومين بها. وتابع بنعومة :- ما الذى يبقيك مستيقظة هكذا، يا مارنى؟.
ارادت ان تقول ، انت... الذكريات ، شوقى اليك، لكنها عوضا عن ذلك قالت :- لقد اعطيتك قسما غاى ، وسأحافظ عليه، ان كان هذا يخفف عنك.ابتسم وقال :- لا، لكن اعتقد ان على ذلك . اراك بعد خمس دقائق. عندها غادر ، تاركا اياها تشعر بحيرة كبيرة.
تناولا الطعام وهما صامتين، كانت مارنى ترتدى بيجامته وقد رفعت اكمامها الطويلة بعدة ثنيات لتظهر يديها. ضحك من مظهرها عندما رأها تدخل الى المطبخ لكنه لم يقل شيئا ، لم يكن الطعام قد احترق، فأكلا مرتاحين بعد ان خف التوتر بينهما.
لم يمر وقت طويل حتى انتهيا ، تثأبت مارنى ونهضت وهى اكثر من مستعدة لتنام.
كل الذى تمنته ان تتمكن من النوم ولو قليلا هذه الليلة. بالطبع كانت متعبة كثيرا.
وبكل فرح هذا ما حصل لها ، استسلمت للنوم ماان وضعت رأسها على الوسادة ، وضمت نفسها وهى تشعر بالراحة وكأنها تحلم ان غاى لم يعد عدوها وهى تضمه اليها وكأنهما لم يفترقا ابدا .
تنهدت بفرح :- ممم.تمتم غاى قائلا:- عودى الى النوم.
فتحت عينيها وهى تقول :- اعود الى النوم ...؟ وشعرت بقلبها تتسارع دقاته عندما وجدت نفسها قربه .
قالت محاولة ان تبتعد عنه :- ما الذى تفعله هنا؟ 
لم يسمح لها بالابتعاد وقال:- لاتبدأى ، مارنى .لم اتى الى هنا من اجل ما تفكرين به.
قالت ببرودة :- اذا لما انت هنا؟ حاول ان يفتح عينيه بالرغم عنه وهو يقول :- لم استطع ان انام .لذلك قررت ان الخيار الثانى الافضل هو ان انضم اليك . كعلاج نفسى ، ويبدو ان الامر ناجح.
اغمض عينيه وهو يقول :- اشعر وكأننى سأموت من النعاس.
صرخت :- لكن... غاى ! وحاولت ان تحرر ذراعها ، امسكت بكتفه وهزته :- غاى !
لكنه كان قد نام بالفعل! لم تستطع ان تصدق ذلك ! تنهدت بغضب ،واخذت تضرب كتفه ثم تنهدت ثانية ، تاركة رأسها يسقط ثانية على الوسادة . لانه لم يترك لها مجالا للهرب.
قالت :- اذا كنت تمزح معى بهذه اللعبة السخيفة ، سأقتلك يا غاى فرابوزا! واخذت تراقب وجهه المرتاح السعيد فى نومه.
كان تنفسه خفيفا ومنتظما ، فمه مرتاحا ، وتعابير وجهه هادئة .
نظرت اليه بحدة ، لدقائق عدة ، منتظرة منه ان يتحرك لتعلم انه لايزال مستيقظا وينتظر كى ترتاح قبل ان ينظر اليها . لكنه لم يتحرك ، بل بقى هادئا تحت الغطاء الدافئ. انه الرجل الوحيد الذى تضمه اليها، هذا ما فكرت به بحزن . غاى الرجل الذى تحبه حتى الكره وتكرهه حتى الحب.
همست الى وجهه النائم:- لما مازلت تفعل ذلك بى ؟ ولما اشعر هكذا ؟.
تنهدت بنعومة ، وعيناها مليئتان بنوع من العاطفة ارتاحت على وسادتها ،وهى تنظر اليه براحة تراقب نومه حتى بدأت عيناها تغمضان ببطء. عندها نامت هى ايضا.
لم يكن من السهل عليها عند الصباح ان تستيقظ لتجد انه مازال مستلقيا الى جانبها. فتحت عينيها لتجد عينيه البنيتين تراقبانها بكسل.
قال غاى :- هذا رائع، لقد فكرت حقا بأيقاظ الجميلة النائمة بقبلة ، لكننى خفت ان تستردى مخاوفك.
ابعدت نظرها عنه، بعدها تمنت لو لم تفعل عندما نظرت الى يدها، التى كانت لاتزال على كتفه . بسرعة ، نزعتها عنه، لكنها لم تدرى اين تضعها ، طالما هو بقربها.
مد يده وقال:- هنا . وامسك بيدها ليرفعها الى شفتيه لقبلها بنعومة وتابع :- هل تعلمين كم تنامين بسلام؟ بالكاد تتحركين، او تتنفسين... لقد اعتدت ان اراقبك لساعات وانت نائمة ، وانا اشعر بالحسد من سلامك.
قالت له وهى تبتسم :- ان لديك مخيلة واسعة تشغلك دائما.
قال :- حقا ما تقولين.
اسرعت مارنى بتغيير الموضوع، قالت وهى تبعد يدها عن يده لتتمكن من وضع اصبعها خلال الشعر الفضى على جانب وجهه:- لديك المزيد من الشعر الفضى.
اجاب وكأنه يدافع عن نفسه فجأة:- اصبح ابى ابيض الشعر كليا عندما اصبح فى الخمسين من عمره.
نظرت مارنى الى عينيه الحذرتين وقالت بهدوء:- لم يكن هذا انتقادا، احب هذه الشعيرات البيضاء .دائما كنت احبها ، فهى تجعلك مميزا جدا. كما احب شعر روبرتو ايضا. اضافت بسرعة لتبعد عنه اية ملاحظة انتقاد قد شعر بها:- انها تظهره مميزا ايضا. 
ابتسم غاى ، ونظر الى شعرها، المتدلى كشلال من الذهب على الوسادة خلفها . امسك بخصلة حريرية منه وقربه من وجهه، اخفض عينيه وهو يتنشق رائحة الورد منه. رفع عينيه ثانية ، فقالت :- انا... ولم تعد تدرى ما الذى ستقوله.
نظر اليها بعينين عميقتين قبل ان يضمها اليه.

نهاية الفصل السابع

" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن