سمعت صوته هادئا وهو يسألها :- الا تستطيعين النوم؟ . حدقت مارنى به بقوة ، مبعدة عينيها بسرعة لتخفى الالم التى حملته ذكرياتها وظهر بوضوح على وجهها. رأى غاى ذلك ، وعلم مصدره ، وظهر عليه ذات التعابير الاليمة.
منتدى ليلاس
كان يتكئ على الباب المفتوح ، شعره الاسود قد تبعثر وكأنه هو ايضا لم يتمكن من النوم . ولأول مرة بدا فى عمره الحقيقى. خطوط قوية تظهر على زوايا انفه وفمه .
اصبح اكبر ، لكنه لايزال يمتاز بذات الوسامة التى تجعل النساء تحيطه من كل جانب . شعرت بالتوتر لرؤيته قربها. فلا يزال يؤثر بها لمجرد وجودهما معا . وهى تكره نفسها من اجل ذلك - تكره نفسها.
تمتم بصوت عميق :- تبدو قميصى عليك افضل مما هى على ، لكن ، هذا ما كانت عليه دائما.
قالت بقسوة :- ما الذى تريده ، غاى ؟ وهى تضم يديها الى صدرها .
قال بدون تردد :- انت، لكن ليس هذا جديد علينا ،وبما اننا لا نستطيع النوم كلانا ، اتساءل ان كنت ترغبين بمشاركتى فى شرب الشاى؟
- الشاى ؟ مفاجأة سعيدة ابعدتها عن تحفظها السابق نحوه ، تابعت :- منذ متى وانت تشرب الشاى ؟
كان غاى يهزء دائما من حب الشعب الانكليزى للشاى . انه يحب القهوة ،قوية سوداء وبدون سكر.
ابتسامة غريبة ظهرت على شفتيه وهو يقول :- فى الواقع كنت أرغب بشراب آخر .لكن اقتراح شراب الشاى - عرض كى تشاركينى به، هل تفعلين ؟
ببطء، وبحذر، مد يده الى الامام . حدقت مارنى فيها للحظة . يد قوية طويلة ، يد تعلموكأنها امتداد ليدها هى، يد تبدو وكأنها تقدم اكثر من دعوة للانضمام اليه .
نظرت لقلق الى وجهه ، لكنها لم تجد شيئا كى لاتثق به ، فقط ابتسامة قلقة وكأنه جاهز لسماع رفضها.
تمتم بنعومة:- ماذا ...؟
سمعت نفسها تقول :- نعم، نعم ، ارغب فى ذلك .
لماذا وافقت؟ لم تكن لديها اية فكرة ، ماعدا انها وجدت نفسها فجأة لاترغب بالوحدة ، وحتى رفقة غاى افضل من الرفقة الباردة لافكارها وذكرياتها الحزينة.
ابعد نفسه عن الباب عندما اقتربت منه ليدعها تمر من امامه .
كان باب غرفة نومه مفتوحا ، والضوء الصغير بجانب سريره مضاء ليعكس النور على مجموعة من الاوراق الموجودة على سريره الذى مازال مرتبا.
تمتم :- انت تعرفين ، مارنى ، أحتاج لوقت قليل من النوم .
نعم ، اربع ساعات من النوم تكفيه ، ت ذكرت ذلك، وهى تجلس على زاوية الصوفا بينما كان يحضر الشاى . لم يكن ينزعج بشكل انه لايقوم بمثل هذا العمل المتواضع.
فى الواقع ، تستطيع مارنى ان تتذكر عدة مرات تجوله داخل الاستديو الخاص بها فى شقتهما فى لندن وهو يحمل صينية الشاى .
كان قد مر على زواجهما عدة اشهر قبل ان تكتشف انه يستعمل الشاى كعذر ليدخل مملكتها الخاصة . اذا استدارت وابتسمت له كان يبتسم لها بفرح ويضمها بين ذراعيه ليقبلها ويخرج ثانية . واذا تجاهلته ، كان يقول (اشربى هذا) ويطبع قبلة على عنقها قبل ان يغادر ،وهو يصفر . لكنه لم يحاول مرة ان يبعدها عن تركيزها .
سألته مرة :- لماذا ؟
قال:- لديك شغف كبير باثنين فقط فى حياتك ، يا مارنى ، احدهما عملك والاخر انا . وعندما تكونين منهمكة بعملك ، يأخذ فنك الاولوية. واننى رجل بما فيه الكفاية لاتقبل ان احتل المركز الثانى فى تلك الاوقات ، حتى تنتهين من عملك ، بعدها اعود لاملئ حياتك .
انه لامر مؤسف ان لا يطبق هذه الفلسفة على نفسه.
قال :- تفضلى . وهو يقدم لها الفنجان وصحن .
- شكرا لك . اخذته منه، وراقبته وهو يحمل فنجانه ويجلس على الكرسى قبالتها ، ظهر قلقه بالتنهيدة الطويلة التى اطلقها وهو يجلس براحة .
حاولت مارنى نظرها عنه ، لتنظر الى فنجانها . فالنظر اليه يسبب لها الالم . دائما كانت تشعر بذلك، حتى عندما يكون من المفترض ان يكونا سعيدين ، كان من صنف الرجال الذى يحطم القلوب من جماله.
سألت :- كيف حال والدك؟ كتحويل مباشر للحديث عنه.
قال غاى :- يتكيف باستعمال عصاه كى تساعده على المسير ، اخيرا . روبرتو ، مثل ابنه ، لديه كمية كافية من الكبرياء . وعندما تعرض الى اصابة بمرض تركه يعانى النشاف بأطراف جسمه، لم يستسغ فكرة استعمال عصا ليتمكن من السير ثانية . اضاف قائلا :- لديه عصا مختلفة لكل مناسبة الان . والامر يعود اليك ، كما اظن .كان هناك نوع من السؤال من نظرته الساخرة .
ابتسمت مارنى وقالت :- لقد حدث ان ذكرت ذلك له، انت تعلم ، كيف يشعر الرجل الذى يهتم كثيرا بمظهره وهو يحمل عصا بيده .
- انت تعنين انك اعتمدت بذلك على غروره .
منتدى ليلاس
صححت له :- ركزت على الاحساس الايطالى فيه. امر جيد، لكن انتم الشعب الايطالى تركزون كثيرا على المظاهر الخارجية ، لا اعتقد ان هناك شعب عدائى ، متكبر ومتفاخر ....
تابع عنها غاى :- ان كل هذه الاشياء هى التى جذبتك الى من قبل .
تجاهلت ملاحظته وتابعت بعد تفكير :- اعتقدت ، بما اننى سأذهب الى بركشاير الاسبوع القادم فقد اتصل به واذهب لرؤيته بطريقى . وربما قد اطلب منه تناول العشاء وامضاء الليل برفقته ، عندما امضى كل المساء برفقته ، استطيع ان اتحدث معه لفترة طويله قبل ان اضطر للرحيل ثانية .
تمتم غاى ببطء ، مراقبا اياها بعينين حادتين :- من المؤكد اننا سنذهب الى اوكلاند ، لكن بالنسبة الى مخططك للذهاب الى بركشاير ، اخشى ان اقول لك ان عليك الغاءه.
بدلت مارنى طريقة جلوسها ، وهى تشعر بالانذار فى كل عصب من جسمها ، قالت بحدة :- ما الذى تقصده؟
تثاءب غاى بكسل ثم قال وهو ينهض ليسكب لنفسه فنجانا اخر :- تماما ما اعتقدت اننى قلته ، من هذه الليلة ، لقد اصبحت من ممتلكاتى الخاصة - وهذا يعنى انك لن تأخذى اى عمل يبقيك بعيدة عن المنزل .
قالت بحدة :- لن اتخلى عن عملى من اجلك ، غاى !
قال لها بصوت هادئ ، وكأن الموضوع ليس بحاجة ليرفع صوته:- ستفعلين تماما كما اقول لك ، عليك ان تقبلى ، مارنى تماما كما يتقبل والدى عصاه لتساعده على المسير - انك عدت لى ثانية وان ارتباطك بى ومسؤولياتك تجاهى ستكون أهم من اى شئ قد قمت به .
هزت رأسها بقوة :- ليس عملى، لن اتخلى عن عملى- تبا لك غاى ، لكن لا يمكنك ان تجبرنى .
اكد لها قائلا :- بل استطيع ، وسأفعل ذلك .
رفع حاجبيه بسخرية مما جعلها تقفز على قدميها من الغضب وتقول :-لكنك تركتنى اتابع عملى فى المرة الماضية عندما كنا معا ! انا ........
قال معلنا :- انها احد الاخطاء التى قمت بها فى زواجنا ، وهذه ستصحح فى زواجنا الحالى .
حاولت مارنى ان تكون منطقية. بكل صدق ، لم تتوقع هذا. مع كل المخاوف التى اجبرت نفسها على التفكير بوضعها ، هذا الامر لم يخطر مطلقا على بالها .
صرخت قائلة:- لكن ... عملى هو حياتى ! انت تعلم انه كذلك ! لايمكنك فقط ...
قاطعها بهدوء مؤثر :- استطيع ان افعل ما يحلو لى. احد اهم الاخطاء الاساسية بالتعامل معك ، يا مارنى ، كان...
قالت بسرعة وبمرارة :- انه كان لك علاقات كثيرة!
هز رأسه وكأنه يعلم انها اصابته فى الصميم ، لكن لم يتأثر كثيرا وهو يتابع بدون اهتمام بغضبها الصارخ :- هو السماح لك بالعيش على طريقتك الخاصة . لقد تركتك تتجولين فى البلاد كالطير بدون اى تذمر. لقد تركتك تختارين اى من اصدقائى استطيع البقاء على صداقته واى منهم اتخلى عنه. كنت ...
- لم تتخل عن انيتا . لقد طلبت منك ذلك بقوة وشراسة !
تابع بحزن :- لقد تركتك ، مارنى ، تديرين حياتى لدرجة اننى بدأت افقد شخصيتى!
قالت بغضب وسخرية :- انت فقدت شخصيتك؟ وماذا تعتقد ان زواجنا فعل بى ؟ لقد اصبحت امرأة غاى فرابوزا العروس الطفلة السخيفة والتى كانت ساذجة تماما كما كانت عمياء !
قال غاى بصوت ناعم كالحرير:- لكن هذا ما نتكلم عنه. لم تعودى بعد طفله ، مارنى ، تذكرت ذلك ، لاننى لا ارغب فى معاملتك كطفلة بعد الان . هذه المرة ستكونين الزوجة المناسبة لى ! الزوجة الذى يريدها اى رجل صادق مع نفسه، والتى من النوع المحافظ ، محبة للحياة البيتية ، ولانجاب الاطفال وتربيتهم!
فقد وجهها لونه، فكلماته القاسية المتها بطريقة لن يعرفها مطلقا . همست وهى تشد على اسنانها:- كم اكرهك!
قال مازحا :- وكم انت عاطفية فى هذا الكره، لاننى ان نظرت اليك شعرت بعاطفتك نحوى . وهذا هو سبب محاربتك لى ، مارنى ،لانك تريديننى . تريديننى بقوة اذ انك شعرت بالراحة عندما اعطاك اخاك الفرصة لتعودى الى !
قالت :- هذه كذبة ، احتقر مجرد التفكير بالعودة اليك!
تمتم بصوت ناعم :- هل حقا كذلك ؟
قالت له بغضب :- ما من امرأة عاقلة ترغب فيك ، غاى ، ولا واحدة رأت بعينيها كيف تتصرف!
منتدى ليلاس
قال بسرعة:- لقد رأيت فقط ما اعتقدت انك رأيته.
شعر بالغضب لان النقاش وصل بهما الى حيث لا يريد ، تابع :- لكن تلك الفترة من حياتنا لم تعد بحاجة للنقاش ، لقد حاولت مرات عديدة ان ادعك تسمعين بينما اشرح لك الامر.
والان اجد اننى لا اريد ذلك . ما مر معنا من قبل،مارنى ، اصبح من الماضى ، ويجب ان ننساه الان ، لان ما سيأتى سيكون على قوانين جديدة لن يترك اى مجال للخلاف ، من قبل كلينا .
الموت ، الماضى ، النسيان ، رنت هذه الكلمات الثلاث فى رأسها ، حاملة اياها من الغضب الى القلق الهادئ بسرعة اكثر بكثير من اى محاولة لغاى لتهدئتها .
قالت :- دعنى اتابع عملى .... اذا كان يوافق على هذه النقطة، عندها ربما، تستطيع ان تضع كل الامور الباقية جانبا كما يريدها ان تفعل ، تابعت :- انه الشئ الوحيد الذى سأطلبه منك ، غاى . كل ما تبقى ... اعدك ان اتحمله ، طالما اننى اعمل !
قال بخشونة وحزم :- لا مجال للتفاوض هذه المرة ، انا اسف ، لان عملك كان يقف حائلا امام اية فرصة ونجاح زواجنا فى المرة السابقة . هذه المرة يجب ان تكون الامور مختلفة .
سألت بغضب :- وصديقاتك الاخريات ، هل ستوقف علاقاتك بهن؟
سأل بنعومة :- هل تريدين ذلك؟
اغمضت عينيها وهى تشعر بالمرارة فى فمها وحلقها، تنهدت وسارت نحو الباب وهى تقول :- افعل ما تشاء ، اجد نفسى لا اهتم مطلقا!
قال :- اذا لما كل هذا الصراخ ؟ لشخص يعترف انه لا يهتم على الاطلاق ، مارنى ، تبدين اهتماما واضحا وربما اكثر بكثير ؟
كان هناك الكثير من الحقيقة فى كلامه مما جعلها تستدير لتواجهه وهى تقول :- سأحتقرك دوما لانك اجبرتنى على القبول للعودة اليك !هل هذا ما تريده ؟ زوجه تكره كل دقيقة تمضيها معك؟ هل الثمن الذى ستدفعه لاعادتى الى حياتك يستحق الرضى الذى تعتقده فى تدبير ذلك ؟
قال وهو يقترب منها:- اعلم انه يستحق ذلك.
قالت:- دعنى اذهب .
قال بصوت ناعم :- لماذا ، انت تريديننى ! لايمكنك التظاهر بالعكس!
اعترفت بقلق وعيناها مليئتان بالالم والدموع :- ولاجل هذا اكره نفسى . هل يمكن ان تدرك ما هو شعورك وانت تعلم ان الانسان الذى تحب كان مع غيرك ؟
قال غاى بحزن :- لا، مارنى ، ليس ...
لكنها ابتعدت عنه، وهى تضم ذراعيها على صدرها لتحمى نفسها ، قاطعته قائلة :- لاشئ .... لاشئ يمكن ان يمحى ذلك المنظر من ذاكرتى ، غاى ، لاشئ ، هل تفهم ؟
استدارت وهى تنتحب وخرجت من الغرفة ، وهى تشعر بمرارة قاتلة .
لاتزال تستطيع اعادة افكارها ، وبسرعة غريبة ، الى احداث تلك الليلة التى وجدته فيها مع انيتا.
وعادت اليها الذكريات ، لم يمر وقت طويلف حتى تبعها الى شقتهما ، لكنه وجدها قد اقفلت على نفسها باب الاستديو الخاص بها رافضة ان تجيب على صراخه وان تفتح الباب وهذا ما دعاه الى كسره.
قال وهو يسير كالمترنح :- هل تدعينى اشرح لك؟ لم يكن الامر كما اعتقدت!
لقد كانت المرة الاولى التى تراه فيها هكذا، ثيابة غير مرتبة ، وبدون جاكيت ، وجهه شاحب وحزين وعيناه غريبتان وشعره اشعث ...
مازال ذكرى كل ذلك له القدرة على احساسها بالالم هكذا ، لقد عاشت ذلك الكابوس لمدة اربع سنوات.
رفضت ان تنظر اليه ، او ان تسمع كلامه ، مما جعله يشدها اليه وهو يصرخ بقوة :- مارنى ، عليك ان تصغى الى !
شعرت وكأنها سيغمى عليها من شدة انفعاله فابعدت نفسها عنه بقوة واسرعت الى غرفة الحمام ، حيث كانت تشعر بالمرض بينما وقف غاى عند الباب ، يراقبها وينظر اليها بغضب كبير.
قال :- كنت تائها ، وكنت مرهقا طوال النهار. وصلت الى الحفلة وانا متعب جدا . نظر الى ديريك نظرة واحدة ودفعنى امامه على الدرج الى تلك الغرفة حيث ساعدنى على الاستلقاء فى السرير. لم اعرف شيئا حتى انيتا ....
عندها استدارت نحوه ، وقد ظهر فى عينيها شئ من الجنون. كان المرض قد تركها ضعيفة ومرتجفة لكن المرارة والالم جعلاها تشعر بقوة غريبة وهى ترمى بنفسها عليه، لتمزق بأظافرها وجهه.
لم يتحرك حتى . وقت هناك يحدق بها ، حزينا ، شاحب الوجه وعينيه متألمتين .
تذكرت كيف كانت تقف هناك للحظة غريبة تاقب الدم ينزف من خديه ، غير مدركه انها هى سببت ذلك .
همست عندها ، بصوت خال من اية عاطفة جعلته يرتجف:- اكرهك،انت لاتعلم ما الذى فعلته بى، وانا لن اسامحك مطلقا ... مطلقا .
استدارت ، راغبة فى المغادرة وعندها . قام غاى بعمل خاطئ ولمسها ، طالبا منها ان تستمع اليه. فاستدارت نحوه ثانية ، تضربه بقبضتها بقوة بينما وقف ثانية جامدا كالصخر تاركا اياها تفعل ما تشاء ضعفت من الارهاق وارتمت على صدره تبكى.
وبدون اية كلمة رفعها بين ذراعيه وحملها الى غرفة نومهما . حيث وضعها هناك ووضع الغطاء عليها قبل ان يستدير ويغادر الغرفة . تاركا اياها بمفردها تنتحب .
ولقد عاشت الوحدة منذ ذلك الوقت .نهاية الفصل السادس
أنت تقرأ
" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"
Romanceعندما قبلت مارنى عرض الزواج من غاي فرابوزا ، لم يتبادلا ايه كلمة عن الحب . والغريب ، مع ان زواجهما فشل ، رفض غاى ان تبتعد مارنى تماما. والان ، بعد مرور اربع سنوات ، علمت لماذا . عندما فجأة وبحالة يائسة طلبت مساعدة غاى ، حدد ما يريده بالمقابل ، تجديد...