تنهدت مارنى وتركت رأسها يغرق فى الوسادة الناعمة على الصوفا واغمضت عينيها .
هكذا اذا ، وبعد مرور اربع سنوات من الراحة والامان ، عادت الى الرجل الذى بامكانه ان يجعل حياتها كالجحيم للمرة الثانية. الحياة مع غاى فى المرة الاولى كانت مليئة بالالم والحزن . انه يملك طبعا مرحا يجعل كل من يعرفه يحب صحبته ، وهى كانت حساسة جدا لتكون اكثر من شرارة صغيرة فى محيطه .
هل يعتقد ان اجبارها على العودة اليه سيشفى جراحها بطريقة اوتوماتيكية؟ ام انه لا يهتم لذلك طالما انها عادت الى ما يعتقد المكان الذى تنتمى اليه.. انه يملك كبرياء ، ولقد أساءت اليه كثيرا عندما غادرته وابتعدت عنه . وعودتها الان سيصلح تلك الاساءة ،وستظهره غاى فرابوزا الذى لا يقاوم كما يفكر به اى شخص يعرفه.
عاد الى الغرفة، وسيطرت مارنى على نفسها لتتمكن من الوقوف، قالت ببرودة:- احتاج الى الذهاب الى الحمام.
- بالطبع. بدت قساوة جديدة فى شخصيته بعد ان انتهت المعركة الاساسية . فتح باب غرفة الجلوس ثانية وانتظر كى تسير امامه ، واشار الى باب صغير فى القاعة الصغيرة، ورأت غرفة نوم ما ان دخلت اليها ، قال لها:- هناك غرفة حمام عبر الباب المقابل ، وبينما تغتسلين ، سأذهب لاطلب شيئا ما لنأكله . اومأ براسه ثانية وخرج ، مغلقا الباب وراءه بينما تنهدت مارنى بارتياح .
عندما عادت الى غرفة الجلوس كان غاى يتحدث على الهاتف ، كان صوته جارحا ، صلبا ومتكبرا هذه اللهجة التى يستعملها عندما يصدر اوامره الى موظفيه ، ابتسمت، متمنية انه يتكلم مع تلك السكرتيرة ذات الصوت المطاطى التى تكلمت معها عند الصباح . شعرت باحساس حقيقى من الرضى ان تعلم ان تلك اللهجة فى صوته لم تسمعها مطلقا لها، هذا من حسن حظها ، لان مجرد الاصغاء اليها جعلتها ترتجف من الخوف .
لم يلاحظ عودتها ، كان رأسه منحنيا على احدى اطراف المكتب الكبير الذى يطلبه بصورة خاصة فى اى فندق ينزل فيه . توقفت فى وسط الغرفة ، وكأن الاحساس الفنى فى داخلها جعلها تراقب عن كثب قامته الطويلة والمميزة .
لم يتغير كثيرا خلال الخمس سنوات الماضية . لقد رسمت غاى فى عدة ازياء ومظاهر .كبطل سباق السيارات فى بذلة فضية ، وعلى راسه خوذة لم يترك مجالا الا لعينيه للظهور ، تلمعان من تحت الاطار لحظة تسلقه المقود . لكن ، بينما هو ينتظر ، تلك العينان ستتقدان وتلمعان بفقدان صبر عما سيحدث لاحقا . كذلك هناك صورة ساخرة رسمتها له بينما كان مستلقيا مرتديا روبا طويلا، وشعره اشعث .وذقنه غير حليق، مركزا انتباهه على قراءة جريدة الصباح. وهى تفكر بالصورتين ، شعرت بالسخرية من التناقض بينهما لكن كليهما يحملان ميزة خاصة لجماله ووسامته المميزة ، هذا ما فكرت به وهى تنظر اليه ، لكن لن تسمح لقلبها ان يتأثر به ثانية .
تمتم بشئ ما ، ورفعت نظرها لتلتقى بعينيه ، احمر وجهها خجلا لانه رآها تحدق به بوضوح . شعرت وكأنها تتجمد مكانها ، رفعت ذقنها كدفاع عن التعبير الذى رآه على وجهها قبل ان تبعد نظرها عنه، لكن عينيه سخرتا منها وهو يضع ببطء سماعة الهاتف مكانها .
تبا له يسيطر عليها ، وتبا لها لانها تسمح له بذلك . قالت ، وهى تبعد نظرها عنه وتبحث بعينيها عبر المفروشات الجميلة :- لقد نسيت ان اخذ حقيبتى معى ، هل رأيت اين وضعتها عندما دخلت ؟ انى متأكدة اننى وضعتها هنا. تمتمت ، وهى تسير نحو الصوفا لتعود غاضبة عندما لم تجدها فى المكان الذى توقعته.
سألها :- ما الذى تريدينه منها؟
رفعت يدها بعصبية نحو شعرها، وهى تقول :- اريد مشطى . وقد حررته من ربطته القاسية وتركته يتدلى كالحرير على ظهرها ، لقد نزعت الرباط قبل ان ادرك اننى لم احضر مشطى .
- تفضلى . نظرت اليه ، متوقعة ان ترى حقيبتها متدلية من يده الممدودة، لكنها شعرت بغضب شديد عندما رأته يمسك مشطه الخاص ويقدمه لها .
رفضت بجدية :- لا، شكرا لك . واستدارت لتبحث عن حقيبتها، وهى تتابع :- لدى مشطى الخاص فى مكان ما اذا استطعت ان اجد ...
عندها فكرت بالامر ، لما يقف هكذا ينظر اليها ببساطة ، استدارت لتحدق به غاضبة ، وقالت تتهمه :- انت من اخذتها . ووضعت يديها على خاصرتيها بطريقة لا شعورية .
اخذ وقته وهو يتمتع بمنظرها المتوتر ، ابتسامة عدائية ظهرت على شفتيه وهو يراقب جمالها الواضح، قال مازحا :- هل لديك فكرة كيف تبدين وانت واقفة هكذا ؟
قالت :- مخيفة ، على ما اعتقد ، اعطنى حقيبتى ، غاى . انت من اخذها وانا اريدها . ومدت يدها مطالبة بها .
نظر غاى الى يدها ثم الى وجهها ، بعدها، هز رأسه وهو لا يزال يبتسم بكسل قائلا :- لا، اننى اسف مارنى، لكن حتى تصبحين مرتبطة بى قانونيا للمرة الثانية ، لن تحتاجى لاى شئ من تلك الحقيبة .
سألت باستغراب كبير :- وما الذى يعنيه ذلك؟
قال بصوت أجش :- تماما كما قلت لك ، ففى الايام القليلة القادمة لن تقومى بأية حركة بدون ان اكون بقربك . اى شئ تطلبينه سيتم تأمينه من قبلى ، بما فيه مشط لشعرك الجميل هذا.
قالت معترضة وهى لا تصدق ما سمعته :- لكن غاى ، هذا عمل ...
قاطع كلامها بسرعة :- غير قابل للبحث . نهض عن المكتب وبدأ بالسير نحوها ، وهو ممسكا بمشطه الصغير ، قال بوضوح :- انا لا اثق بك ، مارنى ، لتحافظى على عهدك فى اتفاقنا، وبما ان الجزء المطلوب منى قد تم عندما كنت خارج الغرفة، اشعر اننى بحاجة للتأكد انك لن تخدعينى، هيا ، خذى المشط. وقدمه اليها بقوة فلم تجد وسيلة ما الا اخذه لانه لم يترك لها اى خيار.
قالت مندهشة:- لكن هذا سخيف! غاى ، لا نية لدى فى خداعك ! توقف عن تصرفك الطفولى واعطنى حقيبتى ، هناك اشياء اخرى احتاج اليها غير ذلك المشط اللعين !
- احمر شفاه، مثلا؟ افضل ان ارى وجهك هكذا كما هو ناعم وبدون اى الوان اصطناعية . بكبرياء مد اصبعه ومرره على وجهها ، فشعرت بالغضب وابعدت يده بقوة ، بينما تابع :- او ربما تريدين دفتر حساباتك الذى بسهولة قد ينقلك من هنا.
صرخت بيأس :- لكن لا نية لى للذهاب الى اى مكان!
- وانا لا نية لدى فى اعطائك اية فرصة . وتابع بلهجة امرة باردة :- لذلك توقفى عن النقاش، لانك تعلمين جيدا اننى اتعلم من اخطائى. فالاختفاء امر تقومين به بطريقة جيدة لمضايقتى . لذلك اخذت كل الاحتياطات الضرورية للتأكد من منعك من ذلك.
انزوت جانبا لتحمى نفسها ، جلست على زاوية المقعد وتنهدت ، ملاحظته الاخيرة جعلت اعصابها تبرد اكثر من اى شئ اخر . منذ اربع سنوات وثق بها ان تبقى حيث اوصلها الى بركشاير وتركها هناك ، مقتنعا كالاحمق ان انتقالها من لندن الى منزله الريفى سيكون الطريقة الافضل لاعطائها الوقت كى تتغلب على تصرفه المشين نحوها . بقيت لكن للوقت الكافى كى تراقبه يغادر ، عندها ، وبينما والده مقتنع انها بأمان فى غرفتها، غادرت ، ولم تأخذ معها شيئا الا الثياب التى ترتديها وحقيبة يدها التى تحتوى ما يكفى من المال لتبتعد اكثر ما يمكنها عن اى تأثير لغاي.
وصلت الى قرية صغيرة فى فينس، حيث نجحت فى اخفاء نفسها لمدة ستة اشهر طويلة، اشهر صعبة جدا قبل ان تشعر انها تستطيع مواجهة العالم وغاى ثانية.
اعترفت بصعوبة، لا، غاى ليس الرجل الذى يقوم بذات الغلطة مرتين . لن يكون هناك طريقة ما لاعطائها الفرصة كى تعيد تلك الخدعة الهامة.
كسر طرق خفيف على الباب الخارجى للجناح الصمت الثقيل بينهما ، تردد غاى ، وظهر عليه وكأنه يريد قول شئ ما، لكنه تنهد واستدار. وسار بطريقته المعتادة والمميزة .
عاد يجر امامه طاولة العشاء ، اصبح نظره حاد عندما لمحها تجلس كما كانت وهى تحدق بالسجادة.
قال بخشونة :- تعالى لنأكل.
هزت مارنى رأسها بعناد وهى تبذل جهدا لتجمع افكارها ، بعدها نهضت وهى تقول :- اريد ان ارتب شعرى اولا . وغادرت الغرفة قبل ان يلمح الالم فى عينيها من خلال رحلتها القصيرة فى الماضى.
بعد مرور خمس دقائق ، كان شعرها ورباطة جأشها قد عادا الى عاداتهما القديمة ، ركزت انتباهها للمرة الاولى على الغرفة التى تقف فيها ، واجبرت نفسها على التركيز على اثاث الغرفة ، انها مفروشة على الطراز الكلاسيكى خشبها من اللون الازرق والبيج الفاتح ، والسرير الكبير يحتل معظم الغرفة.
اشارات كثيرة من عادات غاى موزعة فى الغرفة ، روبه الحريرى الاسود، مرمى على الكرسى، وقميص ابيض لابد انه خلعها لتغسل قبل ان يذهب لملاقاتها فى المطار مرمية على السرير. ومجموعة من النقود المعدنية ، موضوعة على الطاولة بجانب السرير وقد نسيها كما يفعل عادة . فهو ينزعج حقا من القطع الصغيرة التى تحدث صوتا فى جيبه ويعمد على التخلص منها فى اول فرصة تسنح له ، ولذلك كانت تجمعها فى وعاء كبير، وبعدها تعدها وترسلهاا الى مركز الاحسان، والتى تعطى للمال قدره . كان يسليه ، ان يراقبها تجمع الاموال التى يرميها جانبا ، وقالت له حينذاك موافقة:- يمكنك ان تقف هكذا وتضحك، لكن هل تدرك انك رميت جانبا مئة وخمسة وتسعين باوند كقطع نقدية صغيرة هذا الشهر؟ انه امر جيد ان مركز الاحسان ليسوا متمرنين مثلك، ولا يشعرون بالتفاخر والانزعاج من صوتها.
- اذا،لابد انهم ممتنون لانزعاجى هذا. هذا ما قاله الرجل الذى يرفض ان يكون اى شئ الا سعيدا بالهزء منها .
ابتسمت مارنى ، ومررت اصبعها خلال المال المتروك. خمس باوندات امر مؤسف انها ليست بقربه لتجمعها.
لكنها اصبحت الان بقربه ، هذا ما تذكرته وهى ترتجف . لقد عادت الى مداره وقدرها ان تبقى معه هذه المرو . شعرت بألم فى معدتها ، تنهدت بقوة وهى تدير نظرها فى الغرفة الانيقة.
ارتفع صدرها بقوة وهى تشهق. لاتستطيع ان تعود اليه وكأن شيئا لم يحدث منذ اربع سنوات .
نظرت حولها للمرة الاخيرة قبل ان تخرج من الغرفة وتقف حائرة فى القاعة الصغيرة ، تضغط بشدة على شفتها المرتجفة وهى تنظر الى الابواب الباقية فى الجناح .
شعرت بالامل فى قلبها ، المزيد من غرف النوم ؟ واقتربت لتفتح باب الغرفة المجاورة لغرفة غاى ، شعرت بالراحة على الفور . عندما رأت غرفة نوم اخرى .
ربما ، فكرت وهى تتأمل بينما كانت تغلق الباب بهدوء .اذا تمكنت من القيام بدورها بعناية ، ستنام فى هذه الغرفة الليلة وبمفردها.هى تعرف غاى جيدا ، تعلم نقاط قوته ونقاط ضعفه . بتصرف ذكى من قبلها ، ستتمكن من احراز ما تريده .
صوته جعلها تقفز وهو يقول :- ما الذى تفعلينه؟ استدارت لتراه يقف امام باب غرفة الجلوس .
قالت على الفور :- اتفحص سجنى ، لماذا ، هل لديك اى اعتراض على ذلك؟
كان صوتها متحديا كدفاع عن نفسها تجاهه.
قال مشجعا :- لا،لا اعتراض لدى. اتكأ بكتفه على الباب المفتوح ووضع يديه فى جيب بنطاله وهو ينظر اليها بتمعن ويقول :- اذا ، ما الذى اكتشفته، ما عدا انه لا يوجد معى امرأة اخرى تختبئ فى احدى هذه الغرف؟
لم تفكر بذلك مطلقا ، تذكرت مارنى فجأة ان لديه عادة انه لا يسافر مطلقا الى اى مكان بدون مرافقة امرأة.
قالت:- اذا ، اين هى؟ ربما تحتل الجناح المقابل؟
قال بصوت عادى :- اينما تكون ستمضى ليلتها بمفردها .
كتمت رغبة اخباره انه هو ايضا سيصاب بخيبة امل لكنها بقيت صامتة.لم يكن متأكدا ماذا هناك وراء نظرتها تلك لكن التجارب حذرته من شئ ما ، واستمر ينظر اليها للحظات قليلة قبل ان يتنهد ويبتعد عن الباب . تمتم قائلا :- سيبرد العشاء .
قالت :- حقا؟ اذا من الافضل ان نذهب ونـأكل، اليس كذلك؟
وبتغير كامل فى مزاجها ابتسمت له بفرح وهى تمر من امامه، سألت عندما وصلت قرب الطاولة واخذت ترفع اغطية الاطباق :- ماذا طلبت؟ مم! هل هذا سمك الابرميس الطازج ؟ اه ، كم انت غال، غاى ، لم اكل سنك الابرميس الطازج منذ سنوات ! امر مذهل انك تتذكر كم احبه ! وماذا عن المقبلات ؟ سألت بشوق وهى لا تزال تفتح الاغطية متجاهلة تماما الشك الغاضب فى وجهه، جلست قرب الطاولة وهى تقول :- بطيخ . لذيذ جدا! اذا كان هناك شئ وحيد لا استطيع ان ادينك به يا غاى ، هو قدرتك العجيبة على معرفة تماما ما تطلبه لى . حركت يدها بنعومة على شعرها المرتب، ثم ارسلت له ابتسامة كبيرة وحارة ، راغبة فى ان تضحك من تعابيره المندهشة . كان غاى يجد دائما صعوبة فى استيعاب تغير مزاجها .لم يكن ابدا متأكدا مما تفكر به او تشعر به فى وقت واحد . السنوات الخمسة عشر التى تفصل بين عمريهما امر يناسبهما معا ، لقد تساءلت دوما لماذا حول اهتمامه لها مع كل ما لديه من شهرة وجاذبية . وفى النهاية قررت ان الطبع الايطالى فيه / جعله يبحث عن فتاة بريئة لا تجارب لديها لتصبح زوجته، وهكذا عندما قررت ذلك ان برائتها هى الجاذب الوحيد اصبحت تخفى عواطفها عنه، وتعامله بطريقة عادية وبمديح ساخر جعله غير متأكد من احساسها له.
لم تعتبر مارنى نفسها ابدا غبية . لقد توفت امها وهى فى السادسة عشرة من عمرها ، تاركة اياها وجامى ليتدبرا أمرهما فى هذا العالم الكبير القاسى . لكن مع ان جامى يكبرها بعدة سنوات ، لم يكن يملك قوة تجعلها تعتمد عليه، وتعلمت بسرعة ان تعتمد على نفسها . شجاعة كبيرة وتصميم واضح ساعداها لتنهى دراستها الثانوية لتدخل جامعة الفنون. كانت تدفع اقساط الجامعة بنفسها بينما كانت تعمل فى مقهى طوال فترة بعد الظهر ، متعلمة كيف تدافع عن نفسها امام اى شخص يحاول التقرب منها . كان لديها القدرة ان ترسم اى شئ وكل شئ يجلب لها المال ، وما ان اصبحت فى السنة الثانية فى جامعتها حتى بنت لنفسها سمعه كفنانة ، ليست فائقة ولكن جيدة بما فيه الكفاية ليبقى لديها عمل وبصورة دائمة. عندما اصبحت فى العشرين من عمرها كانت تملك شقتها الصغيرة وتقود سيارتها الصغيرة ، مع القليل من الاهتمام من اخيها ، ولقد وجدت انه من الضرورى عليها ان تستقيل من الجامعة كى تتمكن من تلبية الطلبات المتزايدة عليها، كان عملها قد اصبح يؤمن لها حياة لائقة من لاشئ.
لا،لا احد جعلها تبدو غبية الا غاى ، هذا ما استنتجاته فالوقوع فى حبه جعلها ترتكب اكبر غلطة فى حياتها القصيرة والمليئة بالعمل ! مع انها لم تدعه ابدا يعلم كم هو مسيطر عليها . بكل الاحوال، كانت تحارب احساسها به! تحارب عاطفتها طوال الوقت خلال فترة تعارفهما القصيرة وكذلك خلال حياتهما الزوجية القصيرة والمليئة بالمشاكل والاضطرابات.
لقد عرفت انه يريد فتاة بريئة كزوجة له ، امرأة يدربها كما يريد وهذا ما حصل عليه بينما هى حصلت ، حسنا ، حصلت على ما تستحق . رجل اعطاها كل شئ من الثياب الجميلة والسيارات السريعة ، لكنها كانت تمتنع دائما عن اخباره كم تحبه.
لكن هذا حدث منذ زمن طويل، هذا ما استنتجته وهى تنظر اليه لتجد انه لايزال يراقبها فابتسمت له ابتسامة كبيرة كاذبة جعلت تعابير وجهه تتحول الى غضب صارخ الان ، ومع ان الحب قد مات ، فان كل ما تبقى بينهما مرارة وعداوة متبادلة ،ورفض من قبله ان يدع شيئا خارج سيطرته وهو يعتقد انها ملكه.
هزت كتفيها،وركزت اهتمامها على طاولة الطعام ، مقررة ان تبدأ بالبطيخ الذى طلبه غاى كمقبلات ، لكن يده شدت بقوة على رسغها الرفيع ، لتعيد انتباهها اليه ، كان ينظر اليها بغضب، وعيناه البنيتان حادتان وقويتان.
قال:- لا استطيع التظاهر اننى اعرف ما الذى يجرى وراء تلك الابتسامة المزيفة لك، مارنى لكننى احذرك ، وبقوة ان تتوخى الحذر.
شعرت بالاضطراب من تحذيره. قالت :- كل الذى اريد ان اقوم به هو ان اتناول عشائى ، لقد وعدتنى بتناول العشاء وبسرير للنوم، اليس كذلك؟ اذا دعنى اتناول طعامى بعدها اذهب الى السرير.
قال بثقة :- سريرى انا. ترك يدها وعاد ليجلس على كرسيه ، مرتاحا لانه اعتقد انها قد اقتنعت اخيرا وسارت بنفسها نحو الفخ الذى نصبه لها بينما كانت فى الحقيقة هى من تنصب له الفخ .
قالت مصححة له :- سريرى الخاص. ووضعت معلقتين كبيرتين من البطيخ اللذيذ فى صحنين قبل ان تمرر احدهما اليه ، قالت ببساطة تعلمه:- سأنام بمفردى الليلة وكل ليلة حتى نتزوج ثانية .
قال يرد عليها :- ستنامين حيث اسمح لك ، عندما اريد ذلك.
ركزت مارنى اهتمامها فى الطعام ، متناولة قطعة صغيرة لتتذوقها وتمتمت من طعمتها الشهية ، قالت :- انها شهية جدا، تذوقها ، لقد اضيف لها شئ ما جعلها ذات طعم مختلف.
تجاهل ما تقوله ، وقال مذكرا اياها :- لدينا اتفاق، مارنى ، انا اخلص اخيك من مشاكله وانت...
قاطعته على الفور :- وهذا يذكرنى، ان على الاتصال بجامى لاعلامه ان عليه ان لا يقلق . لقد نسيت امره كليا، شئ مؤسف.
قاطع غاى افكارها المضطربة :- ليس هناك من حاجة لك لتتكلمى مع جامى ، لاننى فعلت ذلك بنفسى.
نظرت اليه مرتابة :- آه ، اتمنى ان لا تكون قد اخفته ، انه خائف منك بما فيه الكفاية .
تمتم قائلا:- امر مؤسف ان شقيقته لاتملك تلك الحاسة المريحة .
قالت بسخرية :- لو كنت تريد امرأة متكلفة غبية كزوجة غاى، ما كان عليك النظر مرة ثانية الى .
ابتسم وقال:- حقا ما تقولين . شعر بالراحة اخيرا وبدأ يتناول الطعام وهو يتابع :- لقد كانت تلك غلطة كبرى من قبلى ، لاننى لم اخذ نصيحتى بجد فى ذلك اليوم الذى تقابلنا فيه، وان استدير وابتعد فى الاتجاه المعاكس قبل ان انظر النظرة الثالنية القاتلة .
نظر اليها باهتمام بينما ابعدت نظرها عنه، فهى تعلم تماما ماذا يقصد بكلامه. حتى ذلك اليوم الذى التقاها ، كان غاى معتادا على ملاحقة النساء له. كان معتادا على مغازلتهن وارسالهن له الوعود بكل وسيلة حتى يلفتن انتباهه. وكان يستطيع التعامل مع ذلك حسب مزاجه اما بارستجابة لهن او بصدهن . وعلى العكس ، مارنى ، لم تقم بأى شئ كى تلفت انتباهه، وان قامت بعمل ما فهو ابعاده عنها بأى طريقة غاى قام بكل الوسائل ليتقرب منها ، قام بملاحقتها ، ومع مرور الايام والاسابيع من الصبر لكن بدون اية نتيجة ما تحول الى رجل سريع الغضب ومحبط بينما مارنى ، مع انها كانت كالمجنونة بحبه ، استمرت بالتصرف معه بجدية ، متظاهرة بأنها تتسلى قليلا باهتمامه بها .
كان الطعام شهيا بالفعل ،ولقد تمكنا من انهاء تناوله وهما بلافقة جيدة متعمدان ان يبقى الحديث لطيفا بينهما . المزاج الطيب ناسبها . لقد زرعت بذور الشك فى نفسه، وكانت سعيدة ان يصبح لهذه البذور جذور قبل ان تتحدث بالموضوع ثانية . لم تكن قلقة ، كانت تعلم انها تستطيع الفوز هذه المرة . كان غاى رجلا شريفا على طريقته الخاصة ، وهى ستعتمد على ذلك.
لقد مر الوقت حتى تجاوزت الساعة العاشرة ليلا قبل ان يجلسا على مقاعدهما بعيدا عن فنجانى القهوة الفارغين ، تثاءبت مارنى بتعب وكأنها تعلن انها اكثر من جاهزة للنوم . سألت وهى تنهض :- هل استطيع ان استعير قميصا منك لارتديها للنوم ؟
نهض غاى ببطء ، وقد تخلى عن مزاجه الطيب على الفور وقال :- لن تحتاجى اليها.
توقفت مارنى عن الابتعاد عن طاولة الطعام واستدارت ببطء لتواجهه بنظرة حزينة وهى تقول بهدوء :- انت تعلم غاى ، بعد كل ما حدث بيننا . على الاعتراف ان جزء كبيرا منه لم يكن لطيفا . لم اشك مرة واحدة انك تحترمنى كثيرا كأنسانة.
سيطرت الملاحظة عليه تماما وكأنها نجحت فى اغناء كبرياءه قال بسرعة :- هذا صحيح تماما، لكن ما تعنين بكلامك.
قالت وهى تحاول ضبط نفسها:- اعنى ، اننى اتوقع منك ان تعاملنى بهذا الاحترام الذى اعترفت به للتو بأن ابقى فقط لزوجى .
بصمت ، حدق بها ببطء متفهما وجهة نظرها مدركا كيف كانت تسيطر عليه طوال المساء بذكاء حاد ، قال :- انت حقا اكثر النساء مكرا من جميع اللواتى اعرفهن .
رفعت ذقنها بكبرياء محاولة الدفاع عن نفسها جعلت وجهها يخفى الحزن الذى تعانيه فى داخلها ، قالت ببساطة :- لايمكننى ابدا ان اسامحك ، غاى ، مع اننى لا انكر اننى ارغب بالزواج بك ثانية ، لكن لن اسمح لك ابدا ان تؤثر فى قلبى ثانية.
قال بصوت اجش ، مبتعدا عنها ، كى لا ترى المرارة فى عينيه:- ومتى توقفت عن ذلك ، اذهبى ، مارنى ، خذى معك مبادئك القاسية وقلبك الذى لا يعرف الرحمة ، لانهما افضل رفيقين لك . لكن تذكرى ذلك ، لقد قمنا باتفاق هذه الليلة . واتمنى ان تحافظى عليه تماما مثلى. وفى اليوم الذى سنعود فيه كزوج وزوجة ، مارنى ، سيكون ذلك اليوم الذى تقبليننى فيه، وانا اتوقع ان تكون تلك المبادئ وذلك القلب القاسى يقفان معا بجانبى .
قالت وهى تجبر نفسها للوصول الى باب غرفة الجلوس :- اذا انت تتوقع الكثير .
قال بصوت ناعم كالحرير :- ولما على ذلك ؟ انا دائما اثق يا مارنى ، ان على الانسان ان يهتم كثيرا ليصاب بكل هذا الالم الذى تعترفين انك تعانين منه .
قالت ، وهى تنظر اليه :- بالطبع اهتم ، والا لما تزوجت منك؟
كانت ابتسامته ساخرة وهو يقول :- اعتقدت ان كلانا يعرف الجواب على ذلك ، عزيزتى لاننى لم اترك لك اى خيار اخر .نهاية الفصل الرابع
أنت تقرأ
" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"
Romanceعندما قبلت مارنى عرض الزواج من غاي فرابوزا ، لم يتبادلا ايه كلمة عن الحب . والغريب ، مع ان زواجهما فشل ، رفض غاى ان تبتعد مارنى تماما. والان ، بعد مرور اربع سنوات ، علمت لماذا . عندما فجأة وبحالة يائسة طلبت مساعدة غاى ، حدد ما يريده بالمقابل ، تجديد...