الفصل العاشر

3K 82 0
                                    

استدارت مارنى بسرعة لتجد غاى يقف عند وسط الباب المفتوح ، وقوة غضبه تملأ المكان بأسره.
تمتم روبرتو بشئ ما ، بعد ذلك ساد صمت ثقيل . التوتر القوى واضح وكأنه يستطيع المرء ان يلمسه حين كان غاى ينقل نظره الحاد والغاضب بين وجهيهما لعدة مرات قبل ان يستقر نظره على وجه مارنى الشاحب.
قال :- ارجوك دعنا بمفردنا ، ابى . وابتعد عن الباب بطريقة جعلت روبرتو يحاول جاهدا الوقوف ليتمكن من الخروج.
لكنه توقف عندما اصبح بالقرب من ابنه . وقال باصرار:- لديها الحق بأن تعلم الحقيقة ! وانتما تقومان بعمل خاطئ! فالحقيقة يجب ان تعلن !
قال غاى بحدة :- لقد طلبت منك ان لاتتدخل فى هذا الموضوع ، وقد اعتقدت ان لديك ثقة بى !
تنهد روبرتو بقلق وقال:- لدى ثقة بك ، بنى ، ثقة كبيرة ، ولكن الذى اجده محزنا، هو انك انت من لايثق بى .
رق غاى قليلا بسبب تعابير وجه والده المنهارة ، مد يده وشد قليلا على كتفه وقال بهدوء :-دعنا ، ارجوك .
اصر روبرتو بحزن :- الحقيقة ، غاى، الطريقة الوحيدة لكما لينجح زواجكما هى من خلال الحقيقة .
أومأ غاى برأسه ، وخرج روبرتو من الغرفة ، تاركا اياهما بمفردهما يواجهان بعضهما عبر الغرفة المليئة بنور الشمس.
ادارت مارنى ظهرها لغاى ، غير قادرة على الاستمرار فى النظر اليه بينما افكارها تتضارب بسرعة قصوى بعد كل ما قاله روبرتو. لاتريد ان تصدق ما سمعته فى الحقيقة ، هى ترى كم هو ذكى فى اخراج هذه القصة للوضع الذى كان فيه غاى . لكن غاى نفسه لم يحاول ان يجد اعذارا لتصرفه بأن يؤلف لها مثل هذه القصة . ام انه فعل ذلك؟
فكرت فجأة ، عادت بذاكرتها الى تلك الليلة التى رأته فيها مع انيتا.
كانت منهارة من الالم والمرارة مما رأته من زوجها. وعندما اخذت تضربه وتمزق وجهه بأظافرها ، بينما كان غاى شاحبا ويحاول ان يهدأ من غضبها ، فقد تمتم بكلمات غير مفهومة ، كما تتذكر وعندما عاد الى الشقة كان بالكاد يستطيع ان يتماسك.
سمعت اغلاق الباب من ورائها، ثم خطوات غاى وهو يسير عبر الغرفة . بدأت اعصابها تتوتر ، غير متأكدة مما سيحدث لاحقا .رأته من خلال زاوية عينيها ، يسير نحو المغسلة فى احدى الزوايا ويدير الحنفية . عندها ادركت انه لابد اتى مباشرة من الورشة ، لانه ، وان كان لايزال يرتدى الثياب التى سافر فيها الى هنا ، لكنه خلع جاكتته الغامقة اللون ورفع كميه الى جانب كوعيه.
كان يدير ظهره لها ، فاستدارت قليلا لتراقبه وهو يمسك بوعاء التنظيف السائل الذى تستعمله عندما تنظف اصابعها من الدهان ، ويعصر قليلا منه فى راحة يديه المليئتين بالشحم.
قال بعد لحظة ، من غير ان يستدير ، مركزا اهتمامه على تنظيف يديه :- حسنا، ما هو رأيك فى هذا المكان ؟
سألت :- لماذا ؟ لماذا بنيته؟
هز كتفيه ، وقال:- اعتقدت ، انه المكان المناسب لتكونى فيه سعيدة .
سار ، نحو اللفافة الورقية واخذ منها عدة ورقات ، وهو يتابع :- فكرت ان بنيت لك مكانا جميلا مناسبا لك ... هنا فى اوكلاند حيث بامكانك ان تمارسى هوايتك ، بعيدا عن كل ما يجرى هنا ، مكان هو ملكك الخاص حيث تشعرين وكأنك بعيدة قدر الامكان اذا اردت ان تشعرى بالعزلة ... عند ذلك قد تتخلين عن ذلك الاحساس الذى يدعوك للذهاب والعيش فى مكان بمفردك .
قالت توضح له:- حياة الفنان بالضرورة هى حياة متنقلة، يا غاى ، نحتاج للوقت وللمكان من اجل العمل على تنمية مواهبنا.
تمتم ببساطة :- حسنا ، هنا اقدم لك الاثنين معا.
هزت مارنى رأسها قائلة :- لا، ستعطينى الوقت والمكان لاعمل . كنت دائما تعطينى هذين الامرين من قبل ، لكن هذه المرة تريد ان تأخذ منى الحق بأن اجد الالهام حيث اريده. انت تريد ان تسجننى هنا!رمى بعيدا الاوراق من يده وابتسم وهو يسير ليقف الى جانبها ، وقال :- اه، ارتباطاتك الغالية ، لكن الم تقولى لى مرة ، مارنى ، انه يمكنك ان ترسمى هذا الوادى لعدد من السنين ولن تفقدى شيئا من احساسك بالالهام ؟ حسنا ، الان اعطيك هذه الفرصة . حرك يده معبرا وهو يتابع :- ارسمى ، ارسمى من اجل ارضاء نفسك . فجمال الوادى يوقظ موهبتك بالفن .
قالت بسرعة :- وماذا ستفعل انت بالتحديد ؟ تعود الى لندن؟ وترجع الى هنا لزيارة زوجتك الصالحة عندما ترغب بذلك؟
قال متحديا :- اتريدين ان اكون هنا لفترة اطول من نهايات الاسبوع؟
لم تجب ... فهى لاتجد جوابا لسؤاله ، ليس الجواب الذى ستعترف به، بكل الاحوال ، تمتمت بعد فترة صمت قصيرة :- روبرتو على حق ، لابد ان كلينا مجنون لنفكر بالعودة لبعضنا للعيش فى ذلك النوع من الرياء ثانية .
انكر قائلا :- لم يكن هناك رياءفقط شخصان متزوجان فقدا طريقهما بطريقة ما. لكننا سنعمل على انجاح زواجنا فى المرة الثانية وهذا يعتمد على ما نقوم به .
- والعمل على انجاحه فى مفهومك ، يعنى ان ابقى بعيدة فى اوكلاند بينما تعيش على هواك فى لندن .
- لدى اعمال على الاهتمام بها .
اجابت بسرعة :- وانا كذلك . مع انها لم تكن تفكر بعملها بل بانيتا كما كان من قبل .
صحح لها قائلا :- كان لديك عمل ، مارنى ، كان ، الان ليس لديك سواى لتهتمى به، لست بحاجة للرسم لتؤمنى معيشتك ، لكن فقط لترسمى ما ترغبين به.
- كل ذلك بشرط واحد ، ان لا اتخطى حدود مقاطعة اوكلاند ، بالطبع .
قال متحديا :- هل تفوهت مرة بذلك الشرط؟ لقد قلت فقط انك لن تذهبى لايام وتتركينى كما كنت تفعلين بالسابق.
سألت بضيق:- وكم عدد الايام والاسابيع التى ستمضيها فى لندن ؟
اجاب:- ولا ساعة ، ان لم تكونى معى. سخر من النظرة المفاجئة التى ظهرت على وجهها وهو يتابع :- من الان وصاعدا ، مارنى سنقوم بكل شئ معا . نعيش معا ، نضحك نبكى وحتى نتشاجر معا ، طالما يبدو اننا نحب التجادل كثيرا .
افترضت ، انه يهزء من طريقة جدالهما الان ، تنهدت بعمق وقررت ان تغير الموضوع ، قالت:- اخبرنى روبرتو انك ارسلت جامى وكلارا فى عطلة .
تمتم غاى بجفاف:- لقد كان مشغولا كثيرا فى الفترة الاخيرة اليس كذلك؟ مفاجأة صغيرة اخرى منى سرقها والدى منى ؟.
تجهم وجهها ثانية . عادت افكارها تدور حول كلمات روبرتو المقلقة . هل يمكن ان يكون هناك شئ من الحقيقة فيها؟ هل يعقل ان يكون غاى ضحية بريئة بسبب مزحة سمجة قام بها اصدقاؤه؟
تنهدت ثانية ، وقالت بصوت منخفض :- كم سمعت من الكلام الذى قاله لى والدك؟ 
- معظمه.
- هل كان يخبرنى بالحقيقة ؟
لم يجب على الفور ، كان يبدو انه يركز اهتمامه على المنظر خلف النافذة ، بعدها قال بهدوء :- انت تعرفين الحقيقة ، انا لم اكن مخلصا لك ولقد رأيت ذلك بعينيك.
- اذا ، كان يكذب على ؟
اجاب غاى ببطء:- لا، ليس من المستحسن ان تقولى انه يكذب بالتحديد... فقط لنقل انه يفضل ان يعتقد ذلك.
قالت :- تعتقد انه تم رسم خطة علينا ، وانك ضحية بريئة من مزحة ماكرة واننى مجرد عمياء ومغفلة لاصدق ما راته عيناى.
سأل :- لماكل هذا الفضول المفاجئ للمعرفة ، بينما امضيت سنوات الاربع الماضية وانت ترفضين بالتمام مجرد التفكير بتلك الليلة ؟
- لاننى ... لاننى...اه، رفعت يدها لتغطى عينيها ، عينيها اللتان تريان اشياء رفضت ان تبدى اى اهتمام بها من قبل .
اشياء مثل النظرة الحادة التى رماهاديريك فولر من فوق كتفها ، والابتسامة الماكرة على وجهه عندما اعاد النظر اليها . وكيف ابتسمت انيتا بمكر مماثل عندما رفعت رأسها عن كتف غاى ، وكيف نظر اليها غاى باستغراب وهو يحاول ان يفتح عينيه ، ثم تحولت نظرته الى ارتباك ، ثم الى الخوف، وبعدها لفظ كلاما غير مفهوم قبل ان يتمتم باسمها.
ببطء ، سيطر التوتر عليها ، نظرت اليه وقالت :- واذا سألتك الان ، ان تشرح لى ما حدث ، ها تفعل ؟
- وهل انت تسألين ؟
هل افعل ؟ احساس بالرعب والشك سيطر عليها .
همست :- نعم ، انى اسأل . وابعدت نظرها عنه .
ساد الصمت للحظة ، بينما وقف غاى بقربها ويديه فى جيبى بنطاله . احست بعدم رغبته باخبارها ، فشعرت بالحزن يغمرها حين تأمل فى تعابير وجهها تنهد، واتكأ على حافة النافذة لكى ينظر مباشرة فى وجهها.
قال بهدوء :- اذا قلت لك ما حدث بالتحديد فى تلك الليلة ، هل تخبرينى ما الذى جعلك تهرعين الى لندن للبحث عنى بسرعة هكذا؟
اخفضت مارنى عينيها ، رافضة ان تجيب على سؤاله ، لكنها قالت عوضا عن ذلك :- قال والدك انه تم رسم خطة علينا ، اصر على القول انها كانت بقربك من دون علمك وانك كنت مريضا ، هل كنت حقا كذلك؟
ابتسامة غريبة ظهرت على شفتيه ، ثم قال معترفا :- لقد كنت كذلك ، افكر بك ، وافكر بزواجنا الى اين سيوصلنا ...
نظر اليها بحزن قبل ان يتابع :- مارنى ... كان زواجنا ينهار قبل تلك الليلة بكثير ... لايمكننا ... لاانا ولا انت ... ان نضع اللوم على ذلك الحادث الوحيد لانهيار زواجنا.قالت بصوت عميق :- اعلم ذلك، لكن تلك الحادثة كانت القشة الاخيرة . غاى . غلطة كان بالامكان تجنبها لو ...
سألها :- لو ماذا؟ لو لم اذهب الى منزل ديريك ؟ لو لم تسرعى الى لندن لايجادى؟ لو لم يقترح جامى منزل ديريك كالمكان المناسب لايجادى؟ لو لم تكن آنيتا ماكرة وخبيثة وحاضرة لتنتقم منا لاننى تزوجتك مكانها؟
- اذا لقد تم رسم خطة لنا ؟
تنهد بصعوبة :- نعم ، وصلت الى هناك وانا لا اعى شيئا ...
اغمضت مارنى عينيها وهى تتذكر كلام ديريك حين قال لها :- لقد وضعته فى السرير ذلك الشاب المغرور...
ارتجفت وهى تعيد كلمات ديريك فولر فى فكرها ، والصورة التى تخيلتها حين نظر الى شئ ما او احد ما على الدرج واعاد اليها النظر وهو يحدق بها بمكر واضح ...
كان غاى يتابع :- لم اعرف اى شئ حتى سمعت صوتك ينادنى ، فتحت عينى لاراك تقفين شاحبة وكأنك ميتة ، بدأت افكر ، ما الذى حدث لتبدين هكذا؟ ضحك بخشونة وهو يهز رأسه قبل ان يتابع :- عندها تحركت تلك الماكرة وادركت انها هناك ... وحسنا ... انت تعرفين البقية .
رفعت يدها لتغطى فمها المرتجف ، ذاك المنظر مهما كان مزيفا ، لايزال يشعرها بالغثيان .همست :- اه، يا غاى . ولم تفكر ان تسأله عن صدق كلامه . لسبب ما عرفت ان هذه هى الحقيقة .
لقد مرت اربع سنوات واصبح الوقت متأخرا ... اربع سنوات ، وهى تعلم الان ان هذه الحقيقة مدمرة ، قالت :- اننى اسفة حقا...
- لانك صدقت ما هو المطلوب منك ان تصدقى ؟منتدى ليلاس
قالت وهى تشعر بالذنب :- لكن كان يجب ان استمع اليك غاى ! كنت على الاقل اعطيتك الفرصة لتشرح لى !
سألها :- اشرح ماذا؟ ان مارأيته بأم عينيك هو وهم؟ هز رأسه نافيا قبل ان يتابع :- سأقول لك، مارنى ، لو ان الادوار تبدلت بيننا انا واياك ، ما كنت لاستمع لما ستقولينه. ولما كنت صدقت اى شئ .
قالت وهى ترتجف :- هل من المفروض ان يجعلنى هذا اشعر بالراحة ، ان اعلم اننى كنت اعاقبك لمدة اربع سنوات على شئ لم تفعله !
قال ساخرا:- لم اكن اعتقد اننا نتحدث بهذا الموضوع لتشعرين انك افضل . اعتقدت اننا بكل بساطة نتحدث عن الحقيقة !
صرخت قائلة :- حقيقة كان عليك ان تسمعنى اياها منذ زمن طويل ! كان عليك اجبارى على سماعها اذا كان يهمك ان اعرفها!
قال غير مصدق :- تحاولين ان تقولى اننى لم اكن مهتما؟ بعد ان تركتك تمسحين عواطفى بقدميك لمدة اربع سنوات طويلة ، هل حقا تجرؤين على ...؟
تنهدت قائلة :- لا . وتقبلت غضبه الصارخ . ها قد عادت ثانية ... ما ان صدقت انه بريئا من تلك التهمة التى حطمت حياتها ها هى الان تتهمه بخطيئة اخرى .
ادركت فى الحقيقة ، ان على غاى ان يتهمها ، وهى من عليها ان تطلب السماح . السماح لامور كثيرة . بعض منها ... لحسن حظها ... انه لايعرف شيئا عنها ! ولن يعرف مطلقا ، اقسمت على ذلك بسرها ، مطلقا.
هكذا؟ تساءلت بحزن ، بعد ان رأت ان لافائدة من ان يتزوجا ثانية الان ، الا اذا كان غاى يريد الانتقام منها على فعلتها طوال تلك الفترة . نظرت اليه جالسا بعيدا عنها ، غارقا فى افكاره الخاصة .
منتدى ليلاس
كان دائما يستغرق فى تفكيره بطريقة رائعة ، هذا مالاحظته عندما بدأ قلبها يخفق بقوة وهى تنظر اليه. لكن عندها ، قلقت من تفكيرها ، وهو يقوم بكل شئ بشكل رائع ، يضحك ، يركض ، يرقص ، يغنى ، يغضب، يقود سيارته السريعة ... يحبها.
كان اشعة الشمس تسطع على قمة رأسه ، لتزيد من لمعان شعره، وعلى بشرته السمراء التى تعشق الشمس .
كان رجلا مليئا بالتناقضات . بعيد جدا عن عالمها لتتمكن من التعامل معه. هل لديها امل فى التعامل معه بطريقة افضل من الماضى ؟ لاتعتقد ذلك. فغاى هو من الاشخاص النادرين الذين ينتمون فقط لانفسهم . واى شئ يعطيه من نفسه ربما كاف لامرأة اخرى ، لكن ليس لها . اليس هذا هو السبب الرئيسى الذى كانت تحاربه لاجله من اول مرة التقيا ... لانها تريد منه الكثير وهى تعلم انه لايفعل ذلك مطلقا؟
سألت بتهور:- لماذا تزوجت منى ، غاى؟ اقصد ، انه من الواضح لاى كان ، حتى لاصدقائك، اننى كنت خارج عالمك وغير مناسبة لك، لذلك ما الذى جعلك تفكر بالزواج من فتاة مثلى ؟
ابتسم قبل ان يقول :- لاننى لم استطع الا ان افعل ، على ما اعتقد . كان اما ان اتزوجك او اضعك فى مكان لايستطيع احد الوصول اليك . كنت اريد براءتك وطيبتك، مارنى . كل مافيك من الاشياء النادرة ، لذلك توددت اليك بكل اساليبى وتمكنت من اقناعك، وبعدها انتظرت ان اتخلص من ذلك الاحساس من الاعجاب الذى حيكته حولك، ومن الفرح الذى كنت اشعر به من خلال اعجابك بى وكأننى شخص من الاساطير...
قالت :- انا لم اقم بذلك مطلقا !
رفع حاجبيه متحديا وقال :- لم تفعلى؟ اذا لماذا تزوجت بى ، مارنى ؟
نظرت الى البعيد رافضة ان تجيبه . ما الغاية من الكلام الان ؟ كان بأمكانها ان تقول له انها تحبه منذ خمس سنوات عندما كان لايزال هناك فرصة لانجاح زواجهما. لكن اصبح الوقت متأخرا الان ... متأخر جدا.
ضحك بنعومة وقال :- لاجواب ؟ حسنا ، لابد من اعطائى جوابا عن سؤالى السابق . لماذا ذهبت ورائى الى لندن فى تلك الليلة المشؤومة ؟
انتظر لبعض الوقت فى ذلك الصمت الثقيل ، بعدها ضحك بنعومة ثانية قبل ان يتابع بسخرية :- لاجواب على ذلك ايضا ، يبدو اننا ، يا مارنى ، لايزال هناك الكثير من الاسرار تحول بيننا ، مع ذلك... نهض قبل ان يكمل :- لدينا الوقت لكل هذه الامور . الكثير من الوقت الان لنتعرف على بعضنا بصدق ... ربما بطريقة افضل من تلك المرة عندما تزوجنا فى المرة الاولى .صرخت ، وهى تحدق به مرتعبة :- لايمكن ان تفكر بالزواج بى جديا بعد ما حصل اليوم!
قال بسخرية اكبر:- لكن مارنى ، يبدو انك نسيت ! كنت اعلم كل هذا قبل اليوم.
- والان انا علمت ، غاى ، لقد أسأت اليك! وهذا سيغير الامور.
- ما الذى تغير اكثر من معرفتك اننى مذنب وغير مسؤول لافعل كل ذلك بنفسى. هل يناسبك تصرفى ذلك ان علمت اننى كنت بدون وعى منى؟
همست:- لا... لكن ... كانت ترغب بالقول :ليس هذا ما حصل ، لكنه قاطعها قبل ان تكمل قائلا :- اذا انا مذنب كما تعلمين، وهذا كل ما يجب ان يقال فى هذا الموضوع . ابتعد عنها وقال ببساطة :- هيا ، سيحضر العشاء بعد قليل ولم اريك بعد غرفتك.
قالت باحباط :- لكن غاى ... لايمكننا الاستمرار...
استدار فجأة وقال :- هذا يكفى !سنتزوج بعد يومين بالتحديد...
قالت كالمصدومة:- يومان ...! لكن ...
قال بغضب محذرا :- بدون لكن ، لدينا اتفاق مارنى ، ولقد فعلت ما على وانت ستقومين بما عليك . ستفعلين ذلك، وبأبتسامة كبيرة على وجهك ستقنع والدى ان لاشئ فى العالم سيبعدنا عن بعض ثانية ! اقترب منها اكثر ليمسك ذقنها، وشد قليلا ليعلمها انه يستطيع ان يسبب لها الاذى ان اراد وقال :- فهمت ذلك؟
هزت رأسها بحيرة وقلق.
قال :- جيد ، لنذهب. ادار ظهره لها، وسار بكبرياء نحو الباب وخرج . تبعته قلقة، متسائلة الى اين يا ترى ستتبعه.
***********
تم زواجهما فى اليوم المحدد بكل هدوء ودون مدعوين . تمتم غاى وهو يضحك بينما يعودان الى المنزل :- زواج ابدى هذه المرة يا مارنى. هل تعتقدين انه يمكنك تحمل ذلك؟
كان يسخر منها لانه كان يدرك تماما انها سيطرت على نفسها كثيرا كى تقضى على رغبتها بالهروب. الهروب قبل ان تلفظ كلمتها ويصبح زواجها رسميا. 
لم يكن لديها فكرة عما قاله غاى لوالده عندما كانا معا فى مكتب روبرتو ، لكنه مما لاشك فيه قضى على مخاوف والده ، لان روبرتو بدا اكثر الناس سعادة ! وقد برهن غاى له ذلك ، انه لم يفوت ولافرصة ليجبر مارنى على اثبات حبهما الذى لايموت لبعضهما امام الرجل العجوز.
قبلها روبرتو على خديها وهو يتأهل بها للعودة الى العائلة قائلا:- ابدا ، لم نعتبرك يوما الا فرد من الاسرة . والان ما انتما بحاجة اليه هو نصف دزينة من الاقدام الصغيرة تركض وتلعب فى هذا المنزل . ضحك قبل ان يتابع :- هذه هى افضل طريقة لعدم اعطائكما اية فرصة للانفصال ثانية .
شعرت وكأنها اصبحت شاحبة تماما . والشئ الوحيد الذى منعها من فقدان توازنها هو ذراع غاى حيث شدها بقوة على خصرها.
قال بخفة :- عندما نصبح جاهزين ، ابى ، وليس قبل ذلك . لذلك خفف من شدة اهتمامك الان .
قالت لغاى بتوتر ما ان تركا والده فى المكتب:- اننى ذاهبة الى الاستديو.
قال ساخرا :- تهربين ثانية ؟
قالت بغضب:- الى اين؟ انت تعرف مثلى تماما انه لم يبق لى مكان اهرب اليه. لقد اقفلت على كل سبل الهرب ، حتى اخى لم يعد لى بعد الان.
قال بهدوء :- لديك زوجك ، فكرى بالامر . مارنى.متى لم اكن الشخص الوحيد الذى تهربين اليه منذ ان تقابلنا؟
- فى اليوم الذى فقدت فيه... واغلقت فمها فى تلك اللحظة ، كذلك اغمضت عينيها بألم وقالت بتوتر :- هل تمانع اذا ذهبت الى الاستديو لساعة او اكثر ؟
فتمتم بسخرية واضحة :- لماذا ؟ هل هناك فرق ان قلت لك اننى امانع؟
تنهدت وهى غير قادرة على تحمل الاحباط الذى تعانيه قالت :- بالطبع هناك فرق، لكن ...
قال مقترحا:- ارى ان اعصابك مشدودة للغاية . ونظر اليها بسخرية حتى فكرت لو تستطيع ان تضربه.
قالت :- ارجوك ، غاى! كانت ستصرخ به لو لم يكن يرتدى اجمل بدلة سوداء ، مصنوعة من الحرير الصافى ، والتى تناسبه بشكل رائع، ولو لم يكن ينظر اليها بسخرية من عينيه البنيتين مما جعلها تشعر باضطراب وقلق ، وتابعت :- دعنى اذهب ! فقط لكى اتعود على ...
قال لها ضاحكا :- انك تزوجت ثانية . وكأنه شعر حقا بما يزعجها، اخذ ينظر اليها ببطء شديد وتأمل ثوبها الابيض وتسريحة شعرها الذى كان قد ابعد عن وجهها بمشطين بلون العاج وتركته يتساقط على ظهرها كشلال من الذهب . نظر الى وجهها القلق الذى يبدو بكل جماله ، بعدها نظر مباشرة الى عينيها.
قال بهدوء:- اننى اسف، مارنى ، لكن اليوم هو مميز وانا اصر على ان نمضيه معا .
هكذا مر اليوم بينهما وهو يتودد اليها ويغمرها بحبه وعطفه، وقبل ان ينام اقترب منها ليبعد شعرها عن وجهها وليضعه على وسادتها.
بعدها وضع خده برقة على جبهتها، مقبلا شعرها قبل ان يقول بهدوء:- اخبرينى عن الطفل الذى خسرناه ، مارنى. ونجح بسؤاله هذا فى القضاء على هدوئها مشتتا عالمها الى ملايين الشظايا.

نهاية الفصل العاشر

" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن