اتجهت مارنى مباشرة الى غرفة الجلوس رغبة منها فى استعمال الهاتف. توقفت قليلا عندما وجدت غاى مستلقيا على احدى المقاعد الوثيرة يقرأ جريدته الصباحية .
لم ينظر اليها ، فرفعت ذقنها بكبرياء وسارت نحو الهاتف والتقطته.
سأل غاى بكسل:- ما الذى تفعلينه؟
قالت له وهى تقرب السماعة من اذنها :- اتصل بجامى، اريد ان اعرف كيف حال كلارا ، واذا كان ...
قال ببرودة،وهو يتابع قراءة الجريدة :- انهما ليسا هناك.
احست بشئ رهيب يسيطر عليها :- ليسا هناك ؟ لماذا؟ هل هى كلارا؟ هل هى؟
تنهد وقال :- بالطبع لا! لذلك لاتدعى مخيلتك الخصبة تجرك الى اوهام غير موجودة . كلارا بخير.
سألت :- اذا لماذا انت متأكد انهما ليسا فى الكاراج؟ انه نهار السبت ،ويعمل جامى نهار السبت .انه...
قال ببساطة :- لم يعودا من اهتمامك بعد الان . دعيهما يعيشان حياتهما بمفردهما.
قالت غاضبة :- ليسا من اهتمامى؟ بالطبع على الاهتمام بهما ! انهما عائلتى!
- انا هو عائلتك الوحيدة التى بحاجة لاهتمامك من الان وصاعدا.
هزت رأسها وقالت :- لا مجال لذلك ، لقد تخليت عن كل شئ بأرادتى ، غاى . لكننى لن اتخلى عن عائلتى ايضا.
قال:- بارادتك؟ ورفع رأسه عن الجريدة ليهزء منها بنظراته.
قالت بسرعة :- بارادتى ام لا ، ما الفرق فى ذلك ؟ لقد فعلت وكفى . لكن جامى وكلارا هما كل ما تبقى لى، ولن اسمح لك ان تحرمنى منهما ايضا.
قال:- لديك زوجك.
لكننى لااريدك ! ارادت ان تخبره بذلك ، لكنها لم تتفوه بهذه الكلمات ، عضت على شفتيها وهى تعيد اهتمامها الى الهاتف لتتصل بالرقم . لم تسمع اى جواب ، دعته يرن ويرن، لكن فى النهاية ، وضعت السماعة ببطء مكانها واستدارت لتنظر الى غاى .
سألت باهتمام :-ما الذى فعلته بهما ، غاى؟
نظر اليها بمرح وقال:- فعلت ؟ هذا رائع . هل تشكين اننى ارتكبت جريمة بحقهما، مارنى ؟ تابع ساخرا:- كأخذهما الى مكان ما والتخلص منهما؟
قالت بسرعة :- لاتكن غبيا! ما الذى فعلته بهما؟
تنهد، ونظر الى جريدته وقد فقد صبره وكأنه لايرغب فى الاجابة . وبعدها قال ببساطة :- انهما ليسا فى الكاراج لانهما فى اوكلاند . عاد اخوك يعمل لدى مرة ثانية. وقد انتقل هو وكلارا الى غرب لودج هوس البارحة .
قالت وصوتها يعكس صدمة كبيرة :- عاد جامى يعمل لديك فى اوكلاند؟
لقد اقسم اخاها ان لايعمل لدى احد ثانية مهما كلفه ذلك . تابعت :- لكن لماذا؟ كيف؟
قال بسخرية :- لماذا؟ لانه لايعرف كيف يدير اعماله الخاصة . وكيف ؟ بأن يعمل تماما ماقيل له وان ينقل نفسه وزوجته الجميلة ، وعدة شغله ... مع سيارتى الماغنيت ام جى ... الى اوكلاند فى اليوم التالى الذى تحدث فيه معك لتتحملى نتيجة اخطائه.
كانت تشعر بالذهول ، كيف تمكن بسرعة هائلة ان يقلب حياتهم جميعا رأسا على عقب ، جلست بتعب على اقرب كرسى وهى تقول :- انت تقصد ... انك اخذتهم جميعا شحنتهم ، تماما هكذا؟
قال موافقا:- تماما هكذا ، لنقل اننى احمى اموالى . بموافقة اخيك وزوجته وثقتهما بارادتى الطيبة ان اؤمن لهما مسكنا يأويهما وطعاما يأكلانه ، لذلك يجب ان لااجد مشكلة بالاحتفاظ بزوجتى الشرسة على ذات الاسلوب.
كان فكرها يعمل بسرعة حتى انها لم تهتم لسخريته المتحفظة . هناك المزيد مما يقوله غاى ... او حتى مما قاله اخاها وكأنها تتبع حدسها.
سألت بالتحديد :- والكاراج ، ما الذى سيحل به؟
قال :- هذا يعود لى الان ، وسيصبح معروضا للبيع صباحا نهار الاثنين .
سألت بحزن :- بكم ؟ بكم من المال تحديدا يدين اخى لك؟
تجاهل السؤال ، وبدا وكأنه مهتما بمطالعة المقال الذى يقرأه. بدأت عيناها الزرقاوان تشتعلان . نهضت ووقفت الى جانبه لتنظر الى الجريدة الذى يبدى اهتماما كبيرا بها وسألت :- كم من المال ؟
اخذ غاى وقته ليرفع رأسه وينظر اليها ، وعندما فعل كان هناك اكثر من تحذير فى عينيه. قال ببطء:- لادخل لك فى الامر ، اذا كنت احمقا بما فيه الكفاية لاسمح له ان يعبث بأموالى ، اذا هذا شأنى الخاص، وليس من اهتمامك.
- لكن...
قال فجأة وقد رمى الجريدة جانبا ونهض واقفا :- توقفى عن هذا الحديث ، مارنى ، توقفى قبل ان اغضب حقا، وهذا سهل جدا لافعل ، مما اشعر به الان، لذلك انذرك !
رفضت قائلة :- لا. امسكت بذراعه قبل ان يبتعد :- غاى ارجوك اخبرنى فقط بكم نحن مدينون لك.
قال بسخرية :- بما يكفى لتبقى معى، يا مارنى ، فلا تهتمى.
سقطت مارنى شاحبه الوجه على المقعد الذى يجلس عليه غاى وهمست :- لم يكن لدى ايه فكرة ، لم يتفوه جامى بكلمة واحدة انه كان يستعير المال منك لمصالحه الشخصية.
منتدى ليلاس
ضاق فمه من رؤية خيبة املها الواضحة ، تنهد وقال :- اسمعى، اذا كنت تشعرين بأنك افضل ان علمت ، جامى هو من اقترح العودة الى اوكلاند للعمل لدى . وهو ايضا من قدم الكاراج كتعويضا عن المال الذى يدين لى به. انه يتعلم ، مارنى ، يتعلم كيفية تحمل مسؤولية حياته اخيرا. ودعيه يفعل ذلك. لقد استغلنا انا وانت وما نشعر به تجاه بعضنا لفترة طويلة .
همست بقلق :- وكلارا؟ هل ستتعرض للعقاب هى ايضا؟
قال بجدية :- لا احد سيتعرض للعقاب ! فقط عليهما تحمل نتائج اعمالهما. واذا فكرت بالامر جيدا ، مارنى ، ستعيش كلارا على بعد مبنى واحد منك من الان وصاعدا. وبالطبع هذا سيجعل الامور اسهل عليك لتشجيعها، ان لم يكن اكثر؟ والان ، لنذهب الى شقتك . اريد ان اصل الى اوكلاند قبل غروب الشمس.
******
اوصلها الى شقتها بصمت حزين . كانت افكار مارنى تدور حول الصدمة لدى اكتشافها ان اخيها قد تجرأ وطلب المال من غاى لنفسه!
تساءلت بغضب، وغاى ، ما الذى قاده الى اعطاء المال الى رجل يحب ان يضع اللوم عليه لانهيار زواجه؟
صوت صغير داخل فكرها قال لها انها تعلم الجواب. هو فعل ذلك بسببك.
لم يكن قد دخل شقتها من قبل . ذهبت الى غرفة نومها لتغير ثيابها وترتدى تنورة خضراء بلون التفاح وقميص بيضاء مع جاكيت قصيرة تناسبهما قبل ان تركز اهتمامها على توضيب امتعتها .
كانت تسمع خطى غاى وهو يتنقل فى غرفتها للجلوس والتى حولتها الى استديوو ايضا ، كان يتجول بين اشيائها الخاصة وكأن له الحق بذلك . شعر بالضيق من اجباره على جمع ورمى ثيابها بالحقائب المفتوحة بدون اى اهتمام او اعتبار كيف ستبدو عندما تعيد ترتيبها ثانية .
كان يقف متأملا لاخر صورة ترسمها عندما عادت وكان ينحنى برأسه الى الجهة المقابلة باهتمام وهو يدرسها.
قال من غير ان يدير رأسه لينظر اليها :- انها جيدة ، لمن هذه؟
اجابت :- انها لأميليا سانفستر. ولم تتمكن الا ان تضيف مع ابتسامة :- واسم الهر دكينز.
قال ساخرا:- اسم كبير لهر صغير وجميل هكذا.
سارت مارنى لتقف بقربه :- هل استطيع تسليمها ؟ ام ان المسكينة أميليا سيخيب املها مثل كل زبائنى المنتظرين ؟
استدار غاى لينظر اليها ، لم تعلمها تعابير وجهه عن اى شئ وهو ينظر الى وجهها البارد . كانت قد تركت شعرها يتدلى على كتفيها ويحيط بوجهها، متوهجا تحت نور الشمس الداخلة من النافذة .
سألها :- هل هى منتهية ؟
سألت بانتقاد :- الا يمكنك ان تعلم ؟ رافضة ان تعترف ان الصورة على وشك الانتهاء وانه من المحتمل فقط لعين خبيرة ان تعرف انها لم تنته. ولم يعترف غاى ابدا انه خبير بذلك .
تجاهل سخريتها وقال :- هل تريدين انهاءها؟
قالت بسرعة :- بالطبع ! مندهشة انه فكر بأن يسأل سؤالا سخيفا هكذا.
هز كتفيه وقال :- اذا سأطلب ان تشحن وتسلم الى اوكلاند ، لكن الباقى ... رفع يده اليمنى لترى انه يحمل دفتر مواعيدها الاسود الكبير ، وتابع :- لن تحظى بفرصة للقيام بها.
قالت :- لكن ... هذا دفتر مواعيدى ، ما الذى ستفعله به؟
قال :- سآخذه من اجل مراجعات مستقبلية.
- مراجعات مستقبلية بخصوص ماذا ؟
اجاب بهدوء مثير :- من اجل كل هؤلاء الناس المساكين الذين سيخيب املهم . سأطلب من سكرتيرتى ان ترسل لهم رساله لطيفة ، تعلمهم بعدم تمكنك من تحقيق مطالبهم .
قالت وهى تقترب منه لتأخذ الدفتر :- استطيع القيام بذلك بنفسى . تحرك بنعومة من امامها ، ثم قال وهو يعيد انتباهه الى صورة اميليا وهرتها :- انا لااثق بك ، مارنى ، لتقومى بما عليك القيام به لذلك سأترك هذا العمل بين يدى سكرتيرتى القديرة .
قالت ، وهى تبتعد عنه:- كم احتقرك.
هز كتفيه وكأن الامر لا يعنيه ، وقال :- وضبى كل شئ تريدينه.
- نعم. وفجأة شعرت وكأنها ستنتحب ، وقفت جامدة فى وسط الاستديو واخذت تحدق حولها وكأنها طفله ستفقد كل شئ يؤمن لها الراحة والامان فى حياتها.
لقد كانت سعيدة هنا ... اذا كانت السعادة تعنى موجات لطيفة من السلام والرضى تمكنت من احاطة نفسها بها .
ادركت ، انها كانت تعيش هنا بمفردها لاربع سنوات خلت فى جزيرة هادئة ، بعد ان امضت سنة فى مجاهل غاى العديمة الشفقة.
قال:- يمكننا ارسال البقية مع اللوحة . ارشدينى الى المكان الذى وضعت فيه حقائبك ولنذهب.
بقيت الدموع تتلالأ فى عينيها وهى تراقب غاى يحمل حقائبها ويسير بهما نحو الباب . وهناك، استدار ليجدها تقف ووجهها شاحبا من البؤس .
همست بدون ارادة منها:- غاى...؟ لكن لماذا كانت تصرخ!
اصبح وجهه اكثر غموضا، واصبحت تعاليم وجهه قاسية وهو يبتعد اكثر ويقول :- سأنزل هذه الى السيارة . وغادر تاركا اياها تقف هناك ، وهى تشعر بأنها ضائعة ويائسة كما لم تشعر مرة فى حياتها كلها.
لم يرجع اليها ، وعلمت مارنى لماذا. كان ينتظرها لتذهب اليه . لانه ان عاد ليأخذها ، فهذا يعنى انها ستبقى تقاومه بكل ما تبقى لها من قوة . اما اذا ذهبت من الشقة اليه بنفسها ، فانه سيربح معركة صغيرة . صغيرة لان كليهما يعلمان انها حقا لاتملك اى خيار.
كان يجلس فى السيارة وقد انزل نافذتها ، تاركا ذراعه يرتاح عليه. اصابعه الطويلة ملقاه على الخط الرفيع من فمه . كان يبدو وسيما جدا وغامضا . وشعرت بأن قلبها يعتصر من الندم لما تركت وراءها .
لم يحرك رأسه لينظر اليها وهى تقفل الباب الرئيسى للمنزل الذى تقع شقتها فيه . كما انه لم يتحرك وهى تضع حزام الامان ، تبعد شعرها الى الوراء بعيدا عن وجهها الشاحب . عندما اصبحت هادئة تماما، جلس بشكل افضل على المقعد، وادار المفتاح ليحرك السيارة ، وضغط على زر ليقفل النافذة ، بعدها انطلق بالسيارة .
بقيت مارنى تحدق امامها وهى لاترى شيئا . سارا فى الطرق المليئة بالسيارات ، وما ان ابتعدت عن الشقة التى كانت تدعوها منزلها لمدة اربع سنوات ، تقبلت اخيرا ان حياتها لم تعد ملكها مرة ثانية .
لقد اصبح غاى يملكها الان .
ربما بقسوة اكثر مما فعل فى المرة الماضية .
قالت عندما شعرت انها تستطيع السيطرة على صوتها:- والان ماذا؟
قال :- الان ، سنبدأ. هذا كل شئ . كلمات بسيطة لكن عميقة جدا .نهاية الفصل الثامن
أنت تقرأ
" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"
Romanceعندما قبلت مارنى عرض الزواج من غاي فرابوزا ، لم يتبادلا ايه كلمة عن الحب . والغريب ، مع ان زواجهما فشل ، رفض غاى ان تبتعد مارنى تماما. والان ، بعد مرور اربع سنوات ، علمت لماذا . عندما فجأة وبحالة يائسة طلبت مساعدة غاى ، حدد ما يريده بالمقابل ، تجديد...