الفصل التاسع

2.9K 68 0
                                    

كان الوقت مثاليا للوصول الى اوكلاند . دخلا من البوابة الشرقية فى وقت متأخر من بعد الظهر ، بينما كانت شمس حزيران ( يونيو) ترسل اشعتها على رؤوس التلال المقابلة .
- غاى ... توقف للحظة .
نظر اليها مستفهما ، واظلمت عيناه وهو يوقف السيارة ويستدير ليراقب السحر الذى ينير وجهها.
تمتمت، غير مدركة كم تظهر من نفسها بكلامها هذا :- لقد احببت دائما هذا المكان ، آه، انظر غاى ! الجدول يزداد اتساعا وكأنه سيصبح نهرا!
قال :- لقد كان الطقس ماطرا جدا هذه السنة . لقد مر وقت منذ عدة اسابيع كنا نشعر بالقلق من ان المياه ستجتاح الضفاف.
قالت وهى تحدق بمكان انسياب المياه حتى رأت مركب روبرتو يتهادى على صفحة الماء:-كما اننى ارى البحيرة مليئة ايضا.
البيت كان هناك كبير شامخ وضخم. واقفا هناك يتحدى الزمن كما كان منذ قرنين ، محافظا على كل شئ مع عدد وافر من المالكين ، وان لم يكونوا جميعهم مدركين اهميته.
قالت :- لقد اجريت بعض التغيرات هناك. واشارت بيدها نحو مبنى الاصطبل ، تماما الى جهة اليمين . عين الفنان فيها والتى تبحث عن ادق التفاصيل قد تنبهت الى المبنى الجديد. مبنى جديد يبدو وكأنه كوخ . بنى ليناسب بشكل رائع محيطه. قالت مفترضة:- مكان جديد لسياراتك؟ مستغربة لانه يبدو بعيدا عن بقية المبانى حيث خصصها غاى لسياراته الثمينة .
اجاب ببساطة :- شئ من هذا القبيل . وحرك السيارة ثانية متابعا طريقة :- لابد ان والدى رآنا ندخل من البوابة الكبيرة ، ان لم نصل الى هناك قريبا ، سيمشى الى هنا ليلقانا!
- ما... ماذا قلت له؟
نظر غاى اليها ، ورأى انها اصبحت شاحبة على رغم حرارة الشمس على وجهها قال وهو يعيد انتباهه الى الطريق:- اننا تصالحنا ، وهو ، كما تتوقعين ، سعيد جدا لذلك . تابع بسخرية كبيرة :- وانا افضل ، يا مارنى ان يبقى هكذا !
قالت :- بالطبع ! شعرت بالالم ان تجد غاى بحاجة لينذرها بذلك فتابعت:- انت تعلم اننى لايمكن ان افعل شيئا يسئ الى والدك!
قال يذكرها :- لقد اسئت اليه كثيرا عندما تركتنا.
قالت بأنزعاج:- كان الامر مختلفا، روبرتو يعلم اننى مازلت احبه.
- لقد اعتقدت مرة انك تحبيننى ايضا. وانظرى الى اين اوصلتنى .
قالت بسرعة :- اوصلتك الى ما تستحق ! واعتقد ان والدك يعرف ذلك!
وافق غاى بحزن :- ربما تكونين على حق . ابطأ فى سيره ليقود السيارة فوق الجسر الضيق الصغير الذى يمر من فوق الجدول. هز كتفيه وتابع :- مع ذلك ، انه يحب ان يقنع نفسه اننى ابن يفتخر به . سيكون من المؤسف ان لا نخدعه كثيرا .
قالت مارنى بهدوء :- حخسنا ، عدم انخداعه لن يأتى منى ولم يحدث هذا فى السابق .
بعد ان قطعا حلبة السباق، قاد السيارة بسرعة الى اليسار ، ليسيرا عبر طريق مكللة بأشجار سنديان الضخمة ، ودار قليلا ليصل الى المنزل الذى يواجه الجنوب ، وهكذا تبقى الشمس فى وجهه ، طوال ايام السنة .
اوقف غاى السيارة واستدار لينظر اليها ، سألها :- جاهزة ؟
أومأت برأسها قائلة :- نعم . لكنها كانت ترتجف وهى تخرج من السيارة .
اقترب غاى منها ، واضعا يده خصرها ، ثم قال لها آمرا :- خففى من توترك ، واديرى وجهك نحوى وابتسمى! هيا افعلى هذا. همس بقسوة عندما رآها سترفض :- ظهر والدى للتو من المنزل وهو يراقبنا!
ادارت مارنى وجهها له وابتسمت ابتسامة كبيرة ، اراد ان يضمها اليه اكثر، لكنها ابتعدت عنه محاولة ان تسيطر على نفسها قبل ان تدير انتباهها الى روبرتو فرابواز الذى وقف يتأملهما.
كان يبدو عليه انه اصبح اكبر بكثير مما رأته للمرة الاخيرة ، واشد ضعفا ، واقفا هناك بقامته الفارعة متكئا على عصاه، عندها وجدت انه من السهل عليها ان تبتسم مجددا ، ابتسامة حارة ، وهى اكثر ابتسامة طبيعية ابتسمتها منذ عدة ايام.
تمتمت وهى تتحرك بسرعة نحوه :- ابى .
ضمها بقوة بيده الفارغة الى صدره للحظات مليئة بالعاطفة الصادقة بعدها . قال :- هذه هى اجمل لحظات يا حياتى مارنى ، اجملها على الاطلاق.
رفع رأسه ليحدق بها بنظرات تحمل معانى للشك ، فقالت ببساطة :- شكرا لك .
قال :- وهل انتهى كل ذلك الخلاف الان ؟ ونظر الى ابنه حين انضم اليهما:- هل عدتما تحبان بعضكما ثانية ؟
الحب؟ ابتسمت مارنى متعجبة . لم تعد تعتقد انها تستطيع ان تحب احدا ثانية.
مد غاى ذراعه حول كتفيها وقال :- الموضوع الاهم يا ابى ، هو ، هل توقفنا لحظة عن ذلك ؟
قال روبرتو :- حسنا ، السنوات الاربعة الاخيرة لم تكن جيدة ، سنوات ضائعة . هز رأسه متأسفا وقال بنفاد صبر :- امر مؤسف ، سنوات عقيمة !
اصبح صوت غاى فجأة قاسيا عندما شعر بتصلب ظهر مارنى وكأنها اصيبت بطلق نارى حين قال :- ابى ، خذ نصيحة صغيرة من ابنك ، هل يمكنك ان تقاوم رغبتك بالتدخل فى مواضيع خطرة ؟ انها مواضيع دقيقة وحساسة تكاد تنفجر بوجه المرء!
شهقت مارنى من الخلاف غير المتوقع ، وحدق روبرتو بغاى بدهشة حادة . وخلال الصمت الثقيل الذى تبع ما مر بين الاب وابنه امام عينيها مما جعل وجه روبرتو يشحب قبل ان يستعيد رباطة جأشة ، ويبتسم لها ابتسامة حزينة .
قال ساخرا :- لدى رغبة خفية بالحصول على ابن .- لما تهجم عليك هكذا؟
كانت مارنى وروبرتو يجلسان فى مكتبه الخاص ، يشربان القهوة ، ويحيط بهما الكتب الثمينة التى يمضى معظم اوقاته يقرأ فيها هذه الايام.
اختفى غاى ما ان سمحت بذلك اخلاقه الجيدة ، متوجها الى عمله بكل شوق مثل الطفل الذى يرغب باللعب بألعابه المفضلة . من مسافة بعيدة عنهما تستطيع ان تسمع هدير محرك سيارته ، ويمكنها ان ترى بخيالها مجموعة من الرجال ينحنون وقد امتلأت ايديهم شحما لمراقبة الموتور وليصغوا بأذن خبيرة الى كل تطور فى المحرك.
عندما اشترت غاى هذا المكان الخاص ، منذ خمسة عشر سنة او اكثر ، قام بترتيبات خاصة لاقامة حلبته الخاصة وامكنة لاصلاح المحركات من دون ان يحاول ان يفسد الجمال الطبيعى للوادى المحيط به ، من دون ان يوفر اى كلفة للقيام بذلك تماما كما ليوفر اى امكانية ليحافظ على مجموعته النادرة والمميزة.
وخلال اقامته هنا، كان يأخذ كل سيارة فى جولة ليسمع ان كان بها اى سوء ، ويتأكد من صلاحيتها ... لكن الاهم من كل شئ ان يتيقن من ان كل ما بها جيد قبل ان ينتقل الى سيارة اخرى .
بالنسبة الى روبرتو ، نجاح ابنه فى التخلى عن شغفه بسباق السيارات ونجاحه فى عالم الاعمال يعود الى حصوله على مجموعته هذه من السيارات .
كان رجل ذو عدة اوجه ، وعدة امزجة سريع الغضب، وسريع الفرح، وعاطفى. لكن مع كل ذلك فلقد رأته يشتم ويصرخ، رأته يضحك ويمرح، لكنها لم تره ابدا الا المحب والمحترم لوالده.
سألها روبرتو :- الا تعتقدين اننى استحق كلامه؟
اجابت :- لا، ولكن ... بدا كأنه ليس هو ليتحدث معك هكذا.
منتدى ليلاس
قال روبرتو بحزن:- ها قد اصبت الهدف تماما ، عزيزتى ، ابنى ليس هو نفسه . ولم يكن على طبيعته منذ فترة طويلة فى الحقيقة ، منذ اربع سنوات .
اخفضت مارنى وجهها، رافضة ان تقتنع بكلامه.
تابع ببرودة :- اننى والد محب وفخور جدا ، مارنى ، لكن لاتظنى اننى اعمى بالنسبة الى اخطائه ، لاننى لست كذلك.
قالت ساخرة:- ليس لغاى اخطاء.
ابتسم روبرتو من سخريتها ، لكن هز رأسه وكأنه يرفض ان يغير الموضوع وتابع :- ووجدت نفسى أتساءل ، كما تعلمين ، لماذا بعد كل ذلك الالم والبؤس الذى مررتما به قررتما الان ان تتزوجا ثانية، الامر الذى لم ينجح من قبل . لانه تعثر وبشكل كامل عند اول عقبه واجهته.
لكن اى عقبة، فكرت مارنى ، لكنها نظرت الى روبرتو وقالت بخفة :- نحن لا نفعل ذلك من اجل رجل عجوز، اذا كان هذا ما تفكر به.
هز رأسه ببطء وقال :- لكن ربما تفعلين ذلك من اجل مصلحة اخيك؟
ضاقت تعابير وجهها وشعرت بالتوتر لكنها قالت:- ليس من اجله ، ايضا.
اقترح روبرتو بصوت ناعم كالحرير :- اذا ، ربما، انت ترضين بذلك من اجل اللطيفة الناعمة زوجة اخيك التى حضرت معه الى هنا البارحة ؟
سألت مارنى بأهتمام :- هل رأيت كلارا؟ كيف تبدو ؟ هل هى بخير ؟ انها حامل ولم يكن من المفترض ان تحمل الان ، لقد فقدت طفلها منذ عدة اشهر ولقد حذرها الاطباء انها بحاجة لوقت اكثر كى تستعيد صحتها. انا ...
اكد لها روبرتو بلطف :- انها بخير ، مارنى ، بصحة جيدة تماما، لقد امضت كل فترة بعد الظهر معى ، بينما كان اخوك وفريق غاى الميكانيكيين يساعدونه فى نقل اغراضه الى المنزل . كانت سعيدة ومتحمسة للطفل ، متحمسة جدا لانتقالها الى الريف ومتحمسة اكثر للرحلة التى ستذهب فيها مع زوجها لعدة اسابيع ليتمكنا من التخلص من هذه الفترة المقلقة .
اتسعت عينا مارنى ، رحلة ؟ اى رحلة ؟ لايستطيع جامى ان يذهب ... تراجعت بجلستها الى الوراء ثانية ، غاى ، هى غير متأكدة اذا كانت غاضبة او ممتنة له على تصرفه المسؤول هذا. بعدها ادركت ان هذا شئ اخر يقوم به على هواه:يظهر الاهتمام والرعاية من غير ان يطلب منه.
تجهم وجهها ، وهى تحاول ان تجد لماذا من ناحية يريد ان يمزق اخيها اشلاء ،ومن ناحية اخرى يقوم بهذا العمل النبيل لاجله.
سمعت صوتا صغيرا فى داخلها ، بسببك انت ، انه يفعل ذلك من اجلك. الا تعلمين انه يقوم بأى شئ ليخفف من قلقك ومشاكلك؟ كنت قلقة على صحة كلارا وهكذا ارسلها فى عطلة كى ترتاح وتفرح خلال هذا الشهر المهم لها.
سألت متحدية ذلك الصوت ، اذا لماذا انا هنا ، بينما هو يبتزنى لافعل آخر شئ كنت اريد القيام به؟
سألها الصوت الداخلى : هل حقا ذلك؟ تحركت على المقعد بانزعاج.
راقب روبرتو التغيرات فى تعابير وجهها وكأنه يقرأ فى كتاب مفتوح ، بعدها نهض وهو متكأ على عصاه ، قال :- تعالى ، اريد ان اريك شيئا . وانه يبدو افضل فى ضوء النهار. حرك يده مشجعا عندما لم تنهض على الفور، وقال امرا:- تعالى ، تعالى ، لن يشكرنى ابنى على سرقة مفاجئته تلك ، لكننى اعتقد ان الوقت قد حان ولا يحمل التأجيل . لذلك تعالى .
نهضت مارنى على مضض، وقالت بحيرة :- روبرتو ، هل تعتقد ان الامر يستحق تهجم غاى عليك للمرة الثانية فى يوم واحد.
- لماذا ، هل انت خائفة مما سيفعله بى؟ ارتجفت عيناه الغامضتين وتابع:- هل سيضربنى بالعصا التى استند عليها؟
ضحكت ، وهى تهز رأسها :- لا، لكن ستشعر بالاسى فى داخلك اذا تهجم عليك ثانية بكلامه القاسى!
امسك يدها ووضعها تحت ذراعه ، وادار عصاه امامه وسار معها خلال الابواب الفرنسية التى تصل الى ممر مفتوح محاط باحواض الزهور والورود.
سألت بفضول :- الى اين سنذهب ؟
تمتم بتحفظ :- سترين بنفسك بعد قليل. ثم تنهد وقال :- آه، كم هذا جميل ، السير فى الحديقة مع امرأة جميلة تمسك بذراعى . لقد نسيت كم هو جميل هذا الاحساس .
قالت مارنى مازحة :- ايها المغازل العجوز. واقتربت منه وقبلت خده.
قال ضاحكا:- والان هذا افضل ايضا .
ضحكت ، وكذلك فعل هو ، غير مدركين كم من السهل ان يصل صوت ضحكهما فى الهواء الساكن الى مسامع عدة رجال يقفون جانبا .
ارتفع رأسا ، املسا وداكنا ، واعلى من الجميع . لينظر بحدة نحو الصوت . وتجهم للحظة ، بعدها أعاد اهتمامه الى من حوله ، وقد تشتت تركيزه وهو يفكر بما يحدث امامه.
صرخت مارنى ، ما ان مرا بين بضع شجرات تحت ضوء اشعة االشمس :- آه، كم هذا رائع وساحر!
على بعد مئة قدم منهما رأت اجمل وانعم كوخ رأته فى حياتها . وكأنه سرق مباشر ة من كتاب صور للاطفال بجدرانه العاجية والتى تغطيها الورود الحمراء والصفراء.
سألت بحماس :- ما هو هذا؟ مدركة انه مما لاشك المبنى الذى رأته مع غاى عندما وصلا الى المنطقة . لكنها لم تكن تعلم ابدا لماذا غاى بنى هذا المبنى الجميل فى هذا المكان الساحر.بعدها فجأة لمعت فكرة بخاطرها واستدارت بسرعة نحو مرافقها وقالت وهى تتنهد :- روبرتو؟ هل هذا لك ؟ هل قررت ان تنتقل من المنزل الرئيسى لتعيش هنا؟
هز رأسه رافضا ان يجيب، لكنه قال وهو يبتسم :- دعينا ندخل اولا .
دفعها لتمشى امامه فوجدت مارنى نفسها تتوقع ان تجد الانسة موفات فى الداخل . لايمكن ان تكون اكثر خطأ ، وتوقفت على الفور عن الحركة ، وهى تشعر بأنها لاتكاد تتنفس .
انه ليس بكوخ على الاطلاق ، فكرت باستغراب ، بل هو استديو، غرفة واحدة يملاها النور والهواء المنعش وقد شيد ليبدو كالكوخ من الخارج ليناسب تماما محيطه المميز.
دخلا الى المكان من الجنوب ، وحقا ذلك المدخل الاسطورى هو كالخيال ، فجميع الجدران الباقية هى من الزجاج! زجاج من النافذة البعيدة التى تلف الغرفة كلها ، ولقد فرشت بستائر ، تمنع بلحظة واحدة دخول اكبر كمية من الضوء ، لكنها هناك لتستعمل وقت الضرورة.
رأت الحامل الخشبى لصورها هناك ... ليست تلك التى فى الاستديو فى لندن مع صورة اميليا وهرتها عليها ، لكن الحامل القديمة ، تلك التى كانت فى شقة غاى ، كذلك لوح المخطوطات ايضا وورقة بيضاء موضوعة عليها.
سارت بقدمين مرتجفتين نحوها ونظرت اليها . كانت ذات المخطوطة التى كانت تعمل عليها منذ سنوات عندما انهارت حياتها امام عينيها. مررت بأصابعها فوق الخطوط الواضحة للصورة التى كانت تعمل عليها ، صورتها مجرد ذكرى الان .
همست الى الرجل العجوز الذى كان يراقبها بصمت :- لماذا؟
- لقد نقل كل شئ من لندن الى هنا بعد ان انتهى من بنائه . اعتقد ان ذلك ساعده . نظر الى ما حوله بحزن قبل ان يعيد النظر الى وجهها الشاحب . كنوع من التعويض ، خلال الوقت الذى كان فيه ... توقف قليلا قبل ان يتابع :- غيابك المستمر عن اوكلاند جعل كل شئ يتغير . لذلك اعتقدت انه لامر رائع ان ترينه لاول مرة . كان هناك مرارة فى صوته ، ادارت مارنى وجهها ، وهى تعلم انه يعنيها بذلك.
اذا غاى شيد هذا المكان الرائع لها. شعرت بالدموع تتجمع فى عينيها فأخذت تنظر الى كل الاشياء المألوفة لديها كيف وضعت بترتيب فى ارجاء الغرفة . اصبحت عواطفها فى ارتباك مخيف . مصدومة ، وتفاجئة ، سعيدة ، متألمة وهى تنهار تحت كل هذا، وهى لاتعرف دوافعه .
تساءلت ، هل هذا اذا برجها العاجى؟ المكان الذى اراد غاى دائما ان يخفيها فيه؟
- زوجتى ... لى وحدى! كان يقف تماما بجانبها عندما قال هذه الكلمات يوم زواجهما . ومازالت ترن فى اذنيها.
قال روبرتو فى ذلك الصمت المقلق:- ابنى ليس مذنبا فى تلك الجريمة الشنعاء التى تعتقدينها ، مارنى .
قالت متوترة :- انت لا تعرف عما تتكلم.
هز روبرتو رأسه ، متكئا بيديه الاثنتين على عصاه الانيقة ، وتمتم بقسوة :- قد اكون عجوزا ، عزيزتى ، لكننى فى كامل قواى العقلية، ولست كذلك مستسلما لحالتى الصحية بحيث اننى عاجز عن الايجاد بنفسى للاشياء التى ارغب بالاستعلام عنها .
ميزت بمرارة، الاب، مثل الابن . بالطبع روبرتو لن يترك شيئا دون ان يستعلم عنه بسبب تصميمه ليكتشف لماذا فشل زواج ابنه بهذه الطريقة المأساوية . عندما تقاعد روبرتو عن العمل ، فعل ذلك بسبب ارهاقه عن الاستمرار فى السباق للسيطرة وليس لانه عاجز عن الربح فى السباق .
تابع بحزن :- وكان هناك العديد من الناس فى تلك السهرة المشؤومة يرغبون باخبارى عما حدث كما حصل بالفعل...
ليسوا اناسا أخيار لكن اناس يفهمون وليس اكثر من هذا .
سارت نحو النافذة لتحدق بالبعيد ، وشعرها ينسدل كألسنة النار حول وجهها الشاحب ، قالت :- اذا انت تعرف الحقيقة ، كنت قد وفرت عليك ذلك ، روبرتو .
قال موافقا:- كما قلت لك ، انهم ليسوا اخيارا ، وهم لم يراعوا شعور رجل عجوز فى رغبتهم باخبارى لارضاء حشريته، لكن ، بمعرفتك للحقيقة ، عزيزتى ، هل تصدقين ، لاننى أسأل نفسى لما سمحت لنفسك بالارتباط مجددا بالرجل الذى فعل بك ذلك؟ ولهذا احضرتك الى هنا .
اضاف قبل ان تستطيع الاجابة :- اننى المح مصيبة ستجرى لك انت وابنى للمرة الثانية ، وانا لااستطيع ... ولن ارضى ان اسمح بذلك ان يحدث.
تنهدت وقد فقدت صبرها :- روبرتو ، لا يمكنك ....
رفع يده ليسكتها قائلا :- ابنى ، مارنى ، يستعمل اخيك والحالة الصحية لزوجته ليقنعك بالزواج منه ثانية ، وليس هناك من وسيلة لانكار ذلك . لقد رأيت الحقيقة مكتوبة فى عينيك عندما كنا فى المكتب قبل قليل . وانت تؤكدين الان شكوكى ، لكن ، فى تصرفك هذا اعلم ان على العمل ، لن اسمح لك بالاستمرار فى تصديق كذبه حيكت بذكاء عليك من قبل اناس اشرار ومحتالين يعتقدون ان الفرح يكون بجعل الناس تعساء!
صرخت :- لكن هذا كله جنون ! . استجمعت قوتها لانها علمت ان روبرتو يقصد هنا الاعمال فقط . يمكنها ان ترى ذلك بوضوح فى عينيه ... ملامح رجل قوى قبل ان يتخلى عن كل شئ لابنه.
قالت باصرار:- انا وغاى سنتزوج ثانية لاننا وجدنا اننا لانزال نحب بعضنا . لقد انتهى الماضى ! لقد قررنا ان نضعه جانبا ونبدأ من جديد ! هذا كل شئ روبرتو ! تساءلت لما كل هذا الكلام لايبدو كذبا.
سألها متحديا :- بعد اربع سنوات من الخلاف والفراق؟ تحرك من مكانه وتابع :- هل يمكننى ان اجلس ؟
- آه ، بالطبع! على الفور اصبح كل اهتمامها به بعد ان ادركت كم مضى له من الوقت وهو لايزال واقفا على قدمه المريضة . سارت بالغرفة واحضرت له كرسى، وساعدته ليجلس عليها.
تنهد وقال :- اه، هذا افضل . بعدها ضرب رجله الضعيفة ضربة وقال متذمرا :- ليس لديك فكرة كم اكره ان اشعر بعدم القدرة . يجعلنى ذلك راغبا بضرب شئ ما.
قالت وهى تبتسم له :- لقد فعلت ذلك ، لقد ضربت رجلك الضعيفة .
ابتسم روبرتو من كلامها ، وعلى الفور تبدل جو التوتر بينهما لكن فقط للحظة . امسك روبرتو برسغها بينما كانت مارنى تتحرك لتبتعد عنه وشد على يدها باحكام .
قال :- لقد احضرتك الى هنا ، مارنى ، على امل ان تجدى فى هذا المكان الجميل الذى بناه ابنى لك القليل من الرقة فى قلبك مما يكفى لتصغى الى القصة التى ارغب فى اخبارك اياها . هل تفعلين ؟ وهز يدها مرددا :- هل يمكنك على الاقل الاصغاء لما سأقوله لك؟
تنهدت ، وادارت يدها حتى حررتها قائلة :- اه، روبرتو ، لما لاتترك تلك الامور وشأنها؟
قال :- لان ذلك ليس جيدا ، ليس الان ، ليس عندما انت وغاى ستسلكان طريقا ستوصلكما الى كارثة اخرى ! الحقيقة يجب ان تعلن ، مارنى ، والحقيقة ان غاى كان مريضا ، مصاب بالحمى ، فى تلك الليلة التى رايته فيها مع تلك المرأة ، ولم يكن لديه اية فكرة انها هناك !
صرخت ، فمجرد التفكير بذلك يعيد لها الالم كله ، وقالت :- روبرتو ، هل يمكنك ان تكف عن الكلام؟
تابع بدون اهتمام لها:- لقد رأوكتدخلين الحفلة ، فولر وانيتا كول . لقد ارسلاك الى تلك الغرفة . فولر يكرهك لانك ابعدته عنك عندما حاول التقرب اليك. وانيتا تكرهك لانك اخذت حبيبها منها. لقد ارادا لك الالم!
ونجحا بذلك! هذا ما فكرت به وهى تبتعد عن نظرات روبرتو القاسية . ثم همست بألم :- هذا يكفى ! انت تجعل من غاى اعمى واحمق بالكامل فى كلامك هذا . وانا حقا لااعتقد انه سيقدر لك ذلك .
صوت ساخر وبارد سمع يقول :- هذا حقيقى جدا .

نهاية الفصل التاسع 

" ضائعه في الحب " للكاتبة مشيل ريد "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن