التطهر بالصلاة
.١١ روي عن النبي [ لو كان على باب أحدكم نهر فاغتسل منه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى على جسده من الدرن شئ؟ إنما مثل الصلاة مثل النهر الذي ينقي كلما صلى صلاة كان كفارة لذنوبه إلا ذنب أخرجه من الايمان مقيم عليه ] ، وعليه فإن النبي (صلى الله عليه وآله) عبر عن المغتسل قائلا: يغتسل وذلك عندما أراد أن يذكر مثالا للمتطهر بنهر الصلاة، فقصد بذلك أن المغتسل الصادق يدخل النهر حقيقة متطهرا، أما الذي يستلقي على شاطئ النهر متشمسا، أو ينظر إلى النهر متفرجا، أو يجعل رجليه إلى الساق في النهر متدليا، فإن هذا الإنسان لا يرجع بالطهارة أبدا، بل يبقى ذلك الدرن على بدنه، وذلك كالطفل الكسول الذي عندما تأمره أمه بالاستحمام، فإنه يدخل الحمام ويخرج مدعيا الاستحمام، إلا أنه من السهل على الأم أن تكشف خداع ولدها، فتأتي وتشم رائحة العرق النتن على جسده وثيابه، فتعلم أنه لم يستحم ولو أقسم على ذلك بالأيمان المغلظة، فإن رائحة النتن دليل قاطع على عدم استحمامه، فهو بذاك متشبه بالمستحمين وليس من المتطهرين واقعا.
وعليه فإن حال الإنسان الذي يدخل المساجد والمشاهد، ويذهب إلى الحج والعمرة من دون أن يحول تلك المواقف إلى مواطن للتطهر، كحال هذا الصبي المدعي للتطهر، فهو يتشبه بالطائفين و المصلين والزائرين، من دون أن يرى علامة القبول، والمتمثل بتحقق نور ذلك المقام وتلك العبادة في وجوده.
خاصية الصلاة
.١٢ لو أردنا أن نجسد جوهر الصلاة في آية واحدة لكان قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ ، فإذا كانت الصلاة غير ناهية عن الفحشاء والمنكر فهي ليست بصلاة، أو هي صلاة فاقدة للخواص والآثار، والأمور تقصد لخواصها كالأدوية الناجعة، وإلا فإن شبيه الدواء لا يعالج أحدا، ومن اللافت في هذا المجال أن قوم شعيب – على كفرهم – أدركوا هذه الحقيقة، وهي أن صلاة شعيب (عليه السلام) داعية بلسان حالها إلى ترك عبادة غير الله تعالى حيث يقول تعالى: ﴿قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا﴾
وعليه فإن من أراد أن يعلم قبول صلاته عند مولاه، فلينظر إلى تأثير صلاته في حركة حياته اليومية، وخاصة عند إرادة المعصية، فإذا نهته صلاته عن المعصية، كان مقيما لحقيقة الصلاة ومحققا لها في حركة الصلاة حياته.. ولنعم ما قال – تلخيصا لهذه الحقيقة ـ صاحب الأرجوزة الفقهية : تنهى عن المنكر والفحشاء أقصر فهذا منتهى الثناء
الاستعانة بالصلاة
.١٣ إن مما يجسد لنا عظمة الصلاة هو قوله تعالى: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ وهذه الآية بينة الدلالة، و لكن فيها جهات للتأمل، فمنها:
إن الذي يجعل الصلاة قريبة إلى النفس خفيفة عليها إنما هي حالة الخشوع والإقبال، وإلا فثقل الصلاة على غير الخاشع لا ينكره أحد، وهو من الأمور الوجدانية الواضحة.
ومنها أن الخاشع هو المتلبس بهذه الصفة كحالة راسخة فيكون ديدنه الخشوع، وإلا فإن الخشوع في موقف عابر ولظرف طارئ كالكون في المشاهد مثلا، لا يعد إنجازا يعتد به.
ومنها أنه يمكن القول عن هذه الآية، أنها مبينة لآية من الآيات الأنفسية، فالبعض لو خيرته بين صلاة ركعتين، وبين أي عمل بدني شاق، فإنه يقدمه على تلك الركعتين.
والغريب أن بعضنا في المشاهد المشرفة قد يزور المعصوم ساعة من الزمان، ويقرأ الزيارة الجامعة الكبيرة مثلا، فيخشع ويبكي بل ينتحب، ولكن إذا أراد أن يصلي ركعتي الزيارة، فإنه يراها ثقيلة على نفسه، و نرى في هذا السياق نفسه، أن بعضهم في ليلة القدر قد يحيي الليل إلى مطلع الفجر بتوجه إجمالي، ولكن إذا دخل وقت الفجر وأراد أن يصلي الفريضة عادت المشكلة نفسها، إذ عندما يهم بصلاة ركعتين خاشعتين، يرى نفسه لا تطاوعه في ذلك أيضا.