ملكوت العبادات
.١ إن للعبادات ملكوتا وباطنا، فليس الحج مثلا هذه الحركات الظاهرية التي يؤديها الحجاج فحسب، وليس باطن الصلاة هذه الحركات البدنية فحسب، فإن روايات النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) تؤشر إشارة من بعيد ـ بل من قريب ـإلى هذه الحقيقة.. ولعل هذا الحديث اللافت في مضمونه، مما يلقي الضوء على هذه الحقيقة؛ إذ روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ] لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره ان يرفع رأسه من سجوده [وقد روي عن الإمام الصادق :(عليه السلام) ] إذا قام المصلى إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الارض وحفت به الملائكة وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل [ ، أي أنه لو التفت صاحبها إلى ملكوت الصلاة، والمعاني التي تحملها لما تركها، ولكن أين الذين التفتوا إلى هذه الحقيقة الكبرى في العلاقة مع رب العالمين؟!.
الشوق والترقب
.٢ إن من يريد الصلاة الخاشعة، عليه أن يعيش حالة من الترقب للدخول في بحر الصلاة، فالذي يريد أن يصل إلى ملكوت الصلاة، لا بد وأن يعيش هذا الهاجس قبل دخول الوقت، مترقبا للصلاة بكل شوق، فالصالحون والأولياء يعدون أنفسهم للقاء المولى قبل ساعة أو ما يقرب منه، بينما عامة الناس يفاجئهم الوقت مفاجأة، ولعل بعضهم يتمنى في قرارة نفسه، أن لا يدخل عليه الوقت لكيلا يفسد عليه لهوه، وما هو مشغول فيه من دنياه!.وللشهيد الثاني (قدس سره) بيان سديد في هذا المجال حيث يقول: ] وليظهر على قلبك السرور، وعلى وجهك البهجة عند دخوله، لكونه سببا لقربك ووسيلة إلى فوزك، فاستعد له بالطهارة والنظافة، ولبس الثياب الصالحة للمناجاة، كما تتأهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا، وتلقاه بالسكينة والوقار والخوف والرجاء، فإن الرحمة عميمة، والفضل قديم، والأخذ والاستدراج متحقق، والطرد عند التقصير متوجه [
بركات التلقين
.٣ إن الأمور الكبرى في الحياة والمعاني السامية فيها، تبدأ بالتلقين، وتتحول إلى واقع بعد الممارسة الدؤوبة، وعلى الإنسان أن لا يمل من هذا التلقين المستمر؛ إذ السير إلى الله تعالى حركة معاكسة لطبيعة الإنسان، والتي تدفعه إلى: الميل إلى شهوات الدنيا، والتثاقل إلى الأرض، وتقديم العاجل على الآجل، وتقديم اللذة على المجاهدة، وتقديم المصلحة الآنية على المصلحة المستقبلية.أضف إلى ذلك كله، فإن العبادة هي تعامل وتفاعل مع عالم الغيب، الصلاة والغيب إذا بقي غيبا محضا، فإنه لم يعد داعيا لحركة الإنسان إلى ربه، فالذي يؤمن بالغيب ـ أي بالمبدأ والمعاد إيمانا ذهنيا ـ ولكن لا يعيش تلك الحقيقة الشهودية في قلبه، فإن من الطبيعي أن لا يسير إلى الله عز وجل سيرا حثيثا، وبمثال جامع نقول: إن الذي يريد أن يسبح خلاف التيار، فإنه يحتاج في أول الأمر إلى تكلف ومعاناة ومجاهدة، إلى أن يتعود ركوب الموجة و بالتالي تجاوز العقبات.