الاهتمام المضاعف
.٨٠ إن المؤمن بحاجة إلى مجاهدة مستمرة مع هواجسه وأفكاره من أجل أن يقبل على صلاة خاشعة، ولكن قد تمر عليه حالة تلزم فيها مجاهدة مضاعفة من أجل السيطرة على طائر خياله، وذلك فيما لو وقع تحت تأثير جاذبية الهوى أو متاع الدنيا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً﴾؛ فإن مقتضى اللهو والتجارة هو سلب توجه العبد إلى ربه، وعليه فإن من خرج عن جاذبية الدنيا ـ وخاصة عند الصلاة ـ دخل في زمرة العباد الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى.الاستعانة بالصبر والصلاة
.٨١ إن طبيعة بني آدم قائمة على الاستعانة بكل شيء يمكن التشبث به حسا ـ ومن هنا قيل بأن الغريق يتشبث بكل حشيش ـ ،والحال أنه لو تعقل الأمر لعلم أن الذي بيده مقاليد السموات والأرض هو رب العالمين، فينغي حصر الاستعانة به وهو الذي يسبب الأسباب بعدها كما يريد، ومن هنا أمرتنا الآية الكريمة ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ والصبر الذي ـ وإن فسر بالصوم ـ إلا أنه يعم كل أسباب الصبر.. وعليه فإن المؤمن لا يرى في سير حياته طريقا مسدودا ما دام بهذا الاعتقاد الجازم، والأمر لا يكلفه سوى ما ذكره الإمام الصادق (عليه السلام) قائلا: ] ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ [
الصلاة ضمن سياق جامع
.٨٢ إن بعضهم قد يظن أن الصلاة مفصولة عن حركة الحياة الجامعة، فيتوقع من نفسه أن يقبل على الله تعالى في خصوص صلاته، تاركا المراقبة والمحاسبة قبل الصلاة وبعدها، والحال أن الله تعالى قرن بين الصلاة والتقوى، حيث قال تعالى: ﴿وأن أقيموا الصلاة واتقوه﴾ وهذا هو السبب في أن تارك للتقوى لا يمكنه إقامة الصلاة والخشوع فيها، وكأن هناك يدا تدفعه للإقبال عليها.الصلاة عدل الخيرات
.٨٣ إن الصلاة وإن كانت من مصاديق الخيرات، إلا أن الله تعالى جعلها عدلا لها حيث يقول تعالى: ﴿وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة﴾ مما يدل أولا: على أن الصلاة كانت تشريعا ثابتا في شرائع الأنبياء السلف (عليهم السلام) حتى أن الملائكة عندما نزلت مبشرة لزكريا (عليه السلام) كانت متزامنة مع صلاته في المحراب فإنها من أفضل حالاته .(عليه السلام) وثانيا: إنها في كفة مقابل جميع الخيرات على تنوعها، بل يمكن القول إن فعل الخير المقبول عند الله تعالى، إنما يصدر من المصلي الذي أقام صلاته.
حقيقة الصلاة
.٨٤ إن هذه الرواية المروية عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: ] إن المصلي يناجي ربه عز وجل ، فلينظر ما يناجيه [ تدل على جوهر الصلاة وحقيقتها، فإن العرف يحكم بعدم تحقق معنى من معاني المؤانسة فيما لو جلس الشخص متكلما لوحده، من دون وجود طرف آخر يتعلق به الخطاب.. وعليه فلو أن المصلي لم يستشعر هذه الحقيقة أي وجود من يناجيه كما تفيد هذه الرواية لما تحقق معنى للصلاة أبدا.