عمارة المساجد بالجماعة
.١ إن من بركات صلاة الجماعة هو توقير المساجد؛ لأن الجماعة تقام عادة في المسجد، والله تعالى يحب أن يرى بيته عامرا.. ولهذا لو رأى الحاكم وهنا في الحج ـ لقلة الحجاج مثلاـ قام بما يوجب إرجاع هيبة الشعيرة، وذلك بإرسال من يؤم البيت لئلا يكون البيت خاليا من الطائفين، أضف إلى أن الله تعالى يعامل الجمع بصلاة أقواهم، خلافا للإمام الذي يراعي أضعفهم – حيث أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك حينما وجه عليا (عليه السلام) إلي اليمن ـ فيثيب بلطفه وكرمه جميع الوفد الواقف بين يديه، بمقياس أقرب صلواتهم إلى القبول.
تمرين القيادة
.٢ إن في تشريع الجماعة إشعارا على لزوم انتخاب من يؤم الجمع في كل شؤون الحياة، حتى أنه يرجح أن يكون أحدهم أميرا على رفقة السفر، لئلا يقع النزاع فيما بينهم، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) : ] إذا خرج ثلاثة في سفر ، فليؤمروا أحدهم [ ، ولكن الكلام في مواصفات من سيتقدم القوم في الجماعة، ويكون الناطق عنهم بين يدي الله تعالى، و من أهم هذه المواصفات هي العدالة، سواء بمعنى التحرز الخارجي عما ينافي العدالة، أو وجدان الملكة الباطنية الموجبة للتحرز الخارجي، وفي هذا الشرط في الجماعة إشارة إلى موقع العادل في حركة الحياة. فإذا كانت الصلاة المحدودة بحدودها بحاجة إلى إمام عادل فيما لو أقيمت جماعة، فكيف بتصريف شؤون الأمة، وهذه من أساسيات فكرة لزوم وجود الإمام المعصوم (عليه السلام) على رأس هرم قيادة الأمة.
مقياس التفاضل
.٣ على المؤمنين أن يراعوا الإنصاف والتقوى في تقييمهم لأنفسهم، فلا يقدموا لصلاة الجماعة إلا من ثبتت عدالته، بل لو قدموا أحدا وفي القوم من هو أعلم من الإمام، شملهم التهديد النبوي القائل: ] من صلى بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال يوم القيامة [
وعليه فإن كل المقاييس الدنيوية في التقدم من المال والجاه، تتلاشى عندما يراد تعيين إمام للجماعة ولو لصلاة واحدة، بل إن هذا المقياس يتعدى إلى المأمومين أنفسهم؛ إذ قد ورد استحباب أن يكون في الصف الأول من هو من أهل الفضل، وذلك في العلم والكمال والعقل والورع والتقوى.
إتقان العربية
.٤ إن اشتراط صحة القراءة في إمام الجماعة، يفهم منه – ضمنا – لزوم أن يكون الإمام مهتما بأمر القرآن الكريم، فمن كان ملحنا في تلاوته، فإنه لم يتقن ظاهر القرآن تلاوة، فضلا عن باطنه تدبرا.. أضف إلى أن اشتراط صحة التلاوة للمنفرد، فيه إشعار أيضا بضرورة الأنس بالتلاوة الصحيحة، ولو كان المصلي غير عربي.
