إراءة الطريق
١٨ إن العبد لا يطلب من الله تعالى ـ بعد الثناء عليه وبعد الإفصاح على عبوديته له واستعانته منه ـ إل طلبا واحدا ألا وهي الهداية: بمعنى إراءة الطريق، لا الإيصال إلى الغاية، فإن وظيفة الأنبياء والمرسلين متمثلة بإراءة الطريق، بينما الوصول إلى الغاية متوقف على جهد العبد نفسه، وعلى هذا المعنى جرت السنة الإلهية طوال التاريخ.. وعليه فمن يتوقع انخرام هذه السنة، وحصول الكرامة بأن يصل إلى الغاية من دون جهد، فهو متوهم غير مستوعب لفلسفة الخلق.
نعم، من الممكن تفسير الإيصال إلى المطلوب بمعنى آخر غير ما ذكر، وهو تزيين الإيمان في القلب إلى درجة يرى الإنسان نفسه فيها مندفعا نحو الغاية بذلك التزيين الباطني، وكأنه مفطور على ذلك مجبور عليه، وهذا لا يعني الجبر أبدا، بل هو صورة من صور التوفيق والتسديد الإلهي، وإن شابه الإلزام في ظاهره.
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما فيه بيان لجوهر ما يطلبه العبد من ربه، حيث قال في تفسير قوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ : ] أرشدنا إلى الصراط المستقيم، و أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ دينك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك [ وهنا لا بد من القول أيضا: إن نضف أخيرا بأن طلب الهداية هنا يعم الثبات على الصراط المستقيم، وإل فهو بالنسبة للأنبياء تحصيل لأمر حاصل، فلا بد من تفسير مثل قوله تعالى: ﴿واجتبيناهم و هديناهم إلى صاط مستقيم﴾ الثبات على الصراط لا على أصله.
الختام المخيف
.١٩ إن هذه السورة مختومة بختام مخيف ـ لو تعقله القارئ لها - ألا وهو إن الإنسان الضال لا يلزم أن يكون متعمدا في سعيه الباطل، بل قد يكون خروجه عن الجادة عن سهو وجهالة، ولكن النتيجة في الحالتين هي عدم الوصول إلى الغاية، فينطبق على الطائفتين عنوان الضلال.
ومن هنا نقول : إن من لم ينعم الله تعالى عليه فهو ضال، وإن كان جاهلا مركبا أي لا يعلم أنه لا يعلم، وفي المقابل فإن من قصر في معرفة معالم الطريق، كان من الذين غضب الله تعالى عليهم، وهي درجة أشد من الضلال المجرد.
استجلاب النعمة
.٢٠ إن المفتاح الأساسي لتحقيق الهداية والسير على الجادة المستقيمة، هو استجلاب النعمة الإلهية في معرفة الصراط المستقيم، فإن العبد مهما حاول كشف المجاهيل في هذا الطريق، فإنه سيبقى في وادي التيه والضلال؛ إذ كما يقول القرآن الكريم : ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا﴾ ، ومن المعلوم أن الذين شملتهم هذه النعمة الإلهية، هم من خواص الخلق حيث يقول تعالى: