الحب الصادق.١ إن من الممكن لأحدنا أن لا يحمل في قلبه لربه معشار الحب الذي يحمله لأولاده وزوجته!.. فمن يدعي الحب لله عز وجل فلينظر إلى قلبه عند تعارض المصالح، حيث إنه باختبار بسيط يمكن لأحدنا أن يكتشف هذه الحقيقة المرة في نفسه، وهي أنه يحب الزوجة والأولاد – في مقام العمل ـ أكثر مما يحب رب العالمين، وذلك عندما تطلب الزوجة منه شيئا ليس لله فيه رضا إما مكروها أو حراما، فيخالف الزوج رضا رب العالمين جلبا لرضاها؛ فمعنى ذلك أن الزوجة أحب إليه من ربه في مقام الطاعة!.
ومن الكواشف هنا هي الصلاة في أول وقتها، فمن يرى أن الأنس بالزوجة والأولاد أقرب إلى قلبه من الصلاة ساعة دخول الوقت، فليعلم أن هناك خللا في سلم المحبوبات عنده، وإن ادعى بلسانه خلاف ذلك، وقد حذر القرآن الكريم من الالتهاء بالأموال والأولاد عن ذكره، وذلك بقوله: ﴿لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾
وللشهيد الثاني (قدس سره) بيان جميل، ومثال بديع حيث يقول: ] والزم الخشوع والخضوع، والذل والانكسار، فإنه عند الموصوف بذلك، ومثل في نفسك لو أن ملكا من ملوك الأرض، وعدك بأن يكتبك في وقت معين من خواصه، والقائمين بين يديه ببعض خدمته، ويخاطبك وتخاطبه على طريق الانبساط والأنس في مخاطباتك، وتطلب إليه ما تحتاج إليه من مهماتك، ويجعلك عنده من مقرب العبادة، ويخلع عليك خلعه سنية بين الأشهاد، ويجعل ذلك إلى مدة طويلة وغاية بعيدة، مع أنه لا يؤثر ذلك في حظك عند الله تعالى بل يزيده، أما كنت تنتظر ذلك الوقت قبل إبانه، وتهتم له قبل أوانه، وتفرح بقربه فضلا عن دخوله، ويزيد بهجتك وسرورك عند وصوله؟! [
صفات المفلحين
.٢ إن من أهم الآيات المتعلقة بالصلاة الخاشعة، هو مفتتح سورة المؤمنون : ﴿قد أفلح المؤمنون﴾ ، حيث بعد ذلك يذكر مواصفات المؤمنين، وهي: ﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون﴾ ، ﴿والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون﴾ ، وأخيرا يقول: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون﴾ إذن هنالك خشوع قلبي، وهنالك حفظ للصلاة بمعنى المحافظة عليها بمراعاة أول أوقاتها؛ لأنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، فاصل الصلاة مطلوب ولكنها في كفة، والاتيان بها في وقتها – محافظة عليها ـ مطلوب آخر في كفة أخرى.
المجموع المتكامل
.٣ إن الصلاة قضية مركبة من عناصر مترابطة؛ فالذي يصلي صلاة خاشعة في الليل، ولكن لا يراعى بصره في النهار، فهذا يعد ممن تجاوز الحد ﴿فأولئك هم العادون﴾ ، والتاجر الذي يقيم الليل إلا أنه غير أمين في تجارته، فهذا لا ينطبق عليه ﴿والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون﴾ ، والذي يقيم الليل، ويؤدي الأمانات، ويحفظ الفرج، ولكن إذا دخل المجالس تكلم في كل ما هب ودب، فهذا لا يعد أيضا فالحا؛ لأنه خرج من دائرة الذين وصفهم القرآن الكريم بقوله: ﴿والذين هم عن اللغو معرضون﴾ وبالتالي فإن المطلوب هي هذه المجموعة المتكاملة المترابطة، والذي يريد أن يكون من الفالحين، لا بد أن تكون صلاته خاشعة، وعن اللغو معرضا، وللزكاة فاعلا، ولفرجه حافظا، وللأمانة مؤديا.. فهذا كله مجموع متكامل، ويضاف إليها الحفظ على الصلوات في أول أوقاتها كعنصر من عناصر الفلاح والفوز، وهو معنى حفظ الصلوات في مفتتح سورة المؤمنون.
