وعد

395 12 11
                                    

   نصف جرأة قد تكفيك أن توفي بوعد الموت..و لكن تحتاج جرأة كاملة لتكمل وعد الحياة !!
                                          ###
منذ بضعة أشهر :

مرت ثلاثة أيام منذ وصول ذلك الغريب..غرفته أمام مكتبها..لا يفصل بينهما سوى فراغ الممر..
    تتساءل لماذا الأضواء مغلقة دائما و الستائر مسدلة ؟!
من ذاك الذي استعمر الظلمة برضا شديد ؟! أي جنون يجعلك تلتزم الهدوء ؟!
   لم تفكر بالأمر كثيرا..بضعة دقائق كل يوم عندما تمر أمام الغرفة و تنسى الأمر كأنه لم يكن..
     حتى أتت هذه الليلة..كانت مناوبة في المشفى..كثيرا ما تبيت في مكتبها هربا من جحيم المنزل..
    فتحت سمية الباب في فزع دون استئذان لتتحدث بنبرة يملؤها الاضطراب و الخوف..

-" دكتورة رحمة..المريض..المريض في الغرفة المقابلة حالته سيئة جدا.."

رحمة تفهم ذعرها جيدا ففي النهاية تلك مسؤولية تقع على عاتقها خاصة أن الدكتور هشام كلفها هي شخصيا برعايته و سمح لها وحدها بالدخول عليه..

-" لماذا لم تتصلِ بالدكتور هشام ؟! "
   سألت رحمة بينما شرعت في ارتداء معطفها في سرعة..حياة المريض فوق أي تعليمات..
   لم تفعل ذلك بدافع الفضول أبدا..هي كانت أمهر الناس في كبح جماح مشاعرها أيا كانت..
   حتى الخوف الذي يعتريها في هذه اللحظة..لربما تفقد وظيفتها التي تعد الملجأ الوحيد لها وسط كل هذا العبث الذي تعيشه..
    و لربما ينتهي بها الأمر إلى صعاب لن تكون قادرة أبدا على الفرار منها..
   ليمنحها الله نصيبا من اسمها..ليمنحها الله الرحمة..

-" هاتفه مغلق.."
    أجابت سمية بينما رافقتها لتفتح باب الغرفة و تدخل أولا..

الظلمة حالكة..النور القادم من الممر هو المرشد الوحيد لها..
    المعاناة..الألم..أشياء لا تحتاج أن تراهم لتشعر بهم..
الجو المقبض لهذه الغرفة كأنها سجن..أو كأنها غرفة اختار صاحبها أن تكون قبره و أجبر الجدران أن تكون شاهدة على عذابه و انهياره..
    لو لكان للجماد حركة أو فعل لتركتنا الجدران في العراء و لبكتنا بعضها حتى الإنهيار !!

فتحت كشاف هاتفها المحمول..تتقدم بخطوات متحفزة و تائهة في ذات الوقت..
   بصيص من نور يظهر من تحت الباب الفاصل بين حدود الغرفة و دورة المياه..
    صوت الإنهيار يصدر من الداخل..تستطيع تخيل حالته حتى من خلف هذا الحاجز..
      لربما يكون جاثيا على ركبيته يترجى أحشاءه أن تتقبل ذلك الطعام بدل أن تلفظه خارجا..
      طرقت على الباب بشدة في محاولة أن تستدعي إنتباهه إليها..

-" سيدي هل أنت بخير ؟! أنا رحمة..أنا أحد أعضاء الطاقم الطبي هنا..أرجوك افتح لنساعدك !! "

اللهفة..لهفة روح إلى روح..الألفة التي تصدر عندما تتشابه المعاناة..
    الخوف من تلك التفاصيل الصغير التي تهدمنا عندما تهدم الحواجز و تفتح الأبواب..
    اللحظات التي تسبق الندم..التي تسبق المصير..اللحظات التي تكتب الحياة !!
   لحظة كتلك تستحق التصوير البطئ..إمساكها بمقبض الباب في قوة..محاولتها الشتى في فتحه..
     رغبتها أن تكسره بجسدها الضئيل حتى تستدعي سمية أحدا من الأمن كما طلبت هي منها..
    ذلك الغريب ليس على هامش الحكاية..ليس صدفة عابرة..
هو القدر..هوالحكاية في ذاتها !!

وعد أسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن