إلزاميَّةُ التَّأقلُمِ

3 1 0
                                    

ها هو اليومُ الأول لي كطالبةٍ جامعيةٍ، لم يكن هناك أيُّ محاضراتٍ بسبب تمديد فترة السَّحب والإضافة، أخذتُ بالتجول بين مباني الجامعة، كانت مكتظَّة وصغيرةَ المساحةِ.

يا لعددَ الطلابِ الهائل! ويا للوحدة التي اجتاحَتْ ثنايا قلبي!

في تلك اللحظاتِ فرضَت الدموعُ نفسَها، ولم تكترث لقداسة المكان الذي أنا به، حاولتُ أنْ أسدلَ ذراعيَّ على وجهي كي تداري فيضانَ الحزن في عينَيَّ. ما هي إلا ثوانٍ وإذا بيدٍ تربّت على كتفي، حاولتُ أنْ أزيل عراقيلَ أعاقت نظري، كانت ابتسامتُها تشقُّ عبابَ القلب المكتئب تدعوه لأنْ يخضع للأمل القادم..

قالت لي: مرحبًا ....هوّني عليكِ، لربما كنتِ مرتبكة لأنَّ هذا اليومُ الأول لك هنا ..أنا سلمى، أدرسُ هندسة العمارة، وأنا في السنة الثانية.. ماذا عنكِ؟

بقينا نتحدث ونتحدث حتى أُنهك الحديثُ منّا، وطوى الوقتُ اليومَ يومئ بأنه "كفاكُما حديثًا!"

عدتُ للشقة، كانت أحلام تجلس وبيدها ورقةٌ بما تحتاجه الشقة، في حين انطوَت رؤى في غرفتها تحتضن أذنها الهاتفَ، وقد انتهى اليوم ولم تخرج حتى لنتعرّفَ عليها، وصلت الساعة لمنتصف الليل ولا زالت تتحدث بالهاتف؛ فخلدتُ للنوم.

في اليوم التالي التقيت بسلمى، التي قامت بدور المرشد وكأني سائحٌ قد وجدتُ من يساعدني في فهم تضاريسِ المعلم الذي أمامي، وبيَّنَتْ لي أسماء القاعاتِ وأماكنها، كما ساعدتْني على الحصول على بعض الموادّ الدراسية المستخدَمة من قِبل طلاب الفصول الماضية الذين قد تبرَّعوا بها لمن هم بحاجتها. وبعد انتهائي من محاضراتي وتوديع سلمى عدتُ للشقة، كانت خالية، أعددتُ وجبةَ غداء تكفينا نحن الثلاثة، ولما حضرتا فرحَتا فقد علَّمتني خالتي فنونَ الطهي، كم نحتاجُ لفرحة صغيرة تهوّن علينا غربةَ الروح والجسد! واستأذنتهما في العمل على ماكينة الخياطة، وافقتْ أحلام، لكنَّ رؤى اشترطتْ أنْ أتكفل بنصف فاتورة الكهرباء فاضطررتُ إلى الموافقة.

مرَّ شهرٌ منذ بدء العام الدراسيِّ، تعمقتْ علاقتي بسلمى، تعرفتُ على أسرتها، واكتسبتُ بعضَ الزبائن من الجيران والطالبات الجامعيات اللواتي أتينَ من مناطق مختلفة طلبًا للحصول على تلك الورقة مستطيلة الشكل التي تحوي حروفًا وبعض الأرقام، التي يمكن أنْ تصرّح لك بالحصول على وظيفة. أمّا رؤى فلا زالت في قصة عشقٍ مع هاتفها تتحدَّثُ فيه مع الشبّان! فقد علمتُ أنها تسحب أموالًا منهم مقابل اتصالِها معهم، من خلال سماعي لها حينما كانت تنسى بابَ غرفتها مفتوحًا. أمّا أحلام فقد ساءت أحوالُ والدِها حين فقدَ عملَه؛ ممّا أثَّر سلبًا على أحوالها المادية، وللأسف لم أكن أجني كثيرًا لأساعدها، فقد كانَ ما أجنيه بالكاد يكفي احتياجاتي!

بينما غابت شمسُ خالتي عني فلم أستطع أنْ أعلَم أخبارها.

من بين أضلعيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن