الفصل الأول

10.5K 156 5
                                    

في ظلام هذا الشارع المغمور،
كانت تركض بسعادةٍ، تطرق أبواب المنازل  كما اعتادت ان تفعل مع صديقها العزيز..
تركض متجاهلة تذمره الحانق اللذيذ،
نعم لذيذ، فهي دومًا ما كانت تُحِب استفزازه، تُحِب صوته العابس الحانق، لا تعرف لمَ، ولكنها تستمتع بـ ذلك كثيرًا.. للغاية..

-انتِ بتعملي ايه يا مجنونة
جاء من خلفها صوت "مالك" صديقها الحانق، وهو يرى صديقته تركض لتطرق على أبواب المنازل الموجودة في هذا الشارع، الذي ولأول مرة يرياه..!
-يوه يا "مالك" يا هادم اللذات، سيبني بقى اغلس على الناس شوية، زي ما كنا بنعمل واحنا صغيرين..
قالتها وهي تقترب منه في الظلام، وكلما اقتربت يرى وجهها الجميل بعينيها البُنيتين القاتمة اشبه بالأسوَّد، على ضوء القمر..
-احنا كبرنا دلوقتِ على فكرة، وبعدين انتِ بنت يعني عيب يا "كارين" هانم، و"زوزو" لو عرفت اني بجاريكِ في اللي بتعمليه ده، مش عارف ممكن تعمل ايه
-أنتَ رخم على فكرة، وماما مش هتقول حاجة طالما أنتَ معايا
قالتها بصوتٍ رقيق عابس، صوتها الذي لطالما احبَّ سماعه،
"كارين" جارتهُ، حُب طفولته، صديقته التي تراه -للأسف- كـ أخٍ لها، ولا يستطيع الاعتراف لها بحبهُ لئلا تتركه وتضيع صداقة سنوات كثيرة..
حدق في تفاصيلها التي يحفظها عن ظهر قلبٍ، قصيرة القامة، ممتلئة القد ولكن بإعتدال، شعرها البُني المُتداخِل معهُ خُصَل باللون الأشقر، وجهها كالبدر وصافٍ كصفاء الماء النقية، بشرتها حليبية..
مجنونة وهو يعلم ذلك ولكنه يُحبها..
-ايه، أنتَ رُحت فين!
افاق من تحديقهُ بها على صوتها العابس المُتسائِل..
-مافيش، يلا نروَّح
-لا يا "مالك" عايزه اتمشى شوية، عايزة اعمل حاجة مجنونة كده، بلييز بقى..
كانت تترجاه بصوتٍ طفولي للغاية وهي تزم شفتيها،
وهل يستطيع هو رفض طلب لها!! بالطبع لا..
حسنًا هي اعتادت التدلل عليه، وهو احبَّ ذلك، فلتفعل ما تشاء طالما هو معها ولن يتركها… 
اومأ لها ايجابًا وابتسامة صغيرة تشق ثغره، قفزت كالأطفال وصفقت بيديها، ثم أمسكت يده وراحت تركض وهو خلفها؛ يركض سريعًا ليلحق بخطواتها المجنونة..
فردت ذراعها الأخرى الشاغرة، بعدها دوى البرق والرعد في السماء، ثم تساقطت قطرات الندى والتي كانت تزداد شيئًا فـ شيئًا..
تركض -كالأطفال الفرحين بهدايا العيد أو بشراءهم ملابس جديدة- تركض -بسعادة طفلة رأت والدها وهو آتٍ من العمل وقد ابتاع لها ما تحبهُ- في هذا الشارع الخالي من المارة تستمتع بتساقط زخات المطر، وهو مُستمتِع بحركاتها الطفولية العفوية…
ازداد انهمار المطر من حولهما، فـ شدها إليه بحزمٍ حتى تتوقف، فـ عفويًا ارتطمت بصدرهِ العريض، ارتبكت بشدة من هذا التلامس ودقات قلبها التي دوَّت فجأة، حتى انها ظنت انه يسمعها معها..
فـ ابتعدت عنه بإرتباك قائلة:
-خلاص يلا نروَّح النهاردة
ولأول مرة يحدث ذلك التلامس بينهما، فـ طيلة صداقتهما يمسك يدها فقط والباديء ليس هو بالطبع، فهي من تبادر بالتمسك بيده، وكأنها تعثر على الأمان بين يديه، حدق في هيئتها المُرتبكة،
فقال بمرحٍ ليزيل عنها الحرج ويجعلها تنسى:
-يااه اخيرًا، غلبت وانا اقول نروَّح، اخيرًا "كارين" هانم تكرمت وهتسمع كلامي
ابتسمت ابتسامة جميلة أظهرت تناسق أسنانها البيضاء،
وهي لا تعلم ما تفعله به ابتسامتها المُهلكة تلك، ولا وجود تلك الشامة المُغرية القريبة من شفتيها..
ترك يدها على مضض وأعطى لها المساحة لتتقدمه، فليُهدئ
نبضات قلبه أولًا وبعدها يسير بجانبها كأي انسان طبيعي…

 "حتى تحترق النجوم"  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن