الفصل العشرين

4.4K 259 0
                                    

كان عم"سيّد" هو أول وجه يستقبلني على باب المدرسة، بمزاج
متعكّر وقلق و ّ هو يهز رأسه قائلا:
- الآن ستأتي بوجهها العابس وتعكّر نهاري
ّ كان يقصد الأستاذة "سعاد"، مررت من أمامه وأنا أجر قدمي
العرجاء منذ أمس، وكل هموم الدنيا تطبق على صدري، دلفت إلى
غرفتي، وجلست على مكتبي، كنت أشعر بالمرض، أسندت رأسي على
المكتب وأغمضت عيني لأفاجأ بها تقتحم غرفتي وخلفها "رباب"
مدرسة التربية البدنية التي تتبعها كظلّها، صرخت في وجهي:
- كيف تجروئين على كسر قفل غرفة مكتبي؟ وتفتشين فيه بتلك
الطريقة؟
هذا لم يحدث من قبل في تاريخ المدرسة، فالكلّ يعرف أن
ّ غرفتي مكان مقد ّ س لا يدخله أحد إلا بتصريح من ّ ي، أنت متطفلة
وعديمة المسئولية
حاولت أن أحتفظ بثباتي وقلت بهدوء مصطنع:
- هل من الممكن أن ننتظر حتى تصل الأستاذة " نوال"؟.
اقتربت بوجهها من وجهي وطرقت بقبضتها على مكتبي بقوة
ّ فاهتز وسقطت أوراقي وكتبي من فوقه
ثم قالت وشفتاها ترتجفان من شدة الغضب، وتكاد حنجرتها
تنشطر إلى نصفين:
- أنت لك حدود هنا، حتى المديرة نفسها لن تقدر على حمايتك
ّمن ّ ي، فلتحذريني.. وإلا!
قالت "رباب" التي كانت تطالعني بنظرات استعلاء وهي تسير
خلفها وهما تخرجان من غرفتي:
ّ - مظاهر خداعة، وبراءة مصطنعة
سالت دموعي، وقضيت أطول ربع ساعة في حياتي، أنتظر وصول
مديرة المدرسة، كان وجهي لا يزال يحرقني، وحتى قدمي أوجعتني
بشدة.
ً وصلت الأستاذة "نوال" أخيرا، ورأيتها من نافذة غرفتي وهي
ّ تسير في ممر مدخل المدرسة
شعرت بفرحة الغريق برؤية طوق النجاة، وكانت رؤيتها كشربة
ً ماء بعد طول ظمأ توجهت فورا إلى غرفتها ودار بيننا حوار سريع:
- صباح الخير يا أستاذة "نوال"
- صباح النور يا "دعاء" ما بك؟ هل أنت مريضة؟
أجبتها وأنا أتحسس رأسي:
- مرهقة فقط، لقد ذهبت أمس إلى بيت "أميرة"
خلعت "نوال "نظارتها وقالت وهي تلومني:
- لماذا يا دعاء؟ ألم نتفق على أنني أنا من سيخبر والديها، وأنك
ستتركين لي المهمة كاملة ولا تتدخلين؟
أجبتها وأنا أتمتم:
- إنني...ف..فقط قلقت عليها، فعندما أنهينا المكالمة معا كان قد
بقي فقط نصف الساعة على وصول هذا الخبيث لبيتها.
قاطعتني بسؤال مباشر:
- بالطبع أخبرتك مدام "سهير" أنني أخبرتها أن "أميرة" مريضة
ً أجبت بحزن وقد غمرني شعور من يدرك تماما سوء فعلته:
- نعم. وأخبرتها بكل شيء
ّ غضبت أستاذة "نوال" مني، وقالت:
ّ - لماذا تصر ّ فت من نفسك دون الرجوع إلي؟
ألم أخبرك أن تلتزمي الصمت؟
ّ ثم هد ً أت من نبرتها قليلا قائلة بشفقة:
ً - والدها ليس رجلا ً سهلا، وأمها غير حكيمة، وأولياء الأمور في تلك
المواقف يحتاجون إلى حكمة في توصيل المشكلة، وأنت لا تمتلكين
ً الخبرة يا "دعاء"، أنت مندفعة قليلا وقراراتك سريعة، ومعاملة الناس
سترهقك يا حبيبتي، وستحتاجين لدعم يا "دعاء"، الدنيا ليست سهلة
كما تتخيلين، المهم، فلتخبريني بما حدث بالتفصيل.
تحسست وجهي بيدي وقلت بحرقة:
- أستاذ "حمدي" صفعني على وجهي.
قامت "نوال" من مكانها كمن وخزته إبر وأشواك ودنت مني
وهي تدير عينيها بسرعة ملهوفة يمنة ويسرة فوق وجهي تبحث عن
ً أثر الصفعة التي ولا بد أنها تركت أثرا بالغًا، ومسحت بحنان علىالخدش الحارق فوق خد ّ ي، ثم قالت بعتاب مغلّف بحنان آسر:
- كم أنت متهورة يا "دعاء"!، لقد قذفت بنفسك في قلب
المشكلة..
ثم أضافت وهي تلوي شفتيها بشفقة وحسرة:
ً - إذ ً ا فلتتحملي عواقب تهورك أيتها الفراشة، ستتعبين قليلا،
وأضيفي إلى هذا ما ستفعله بك "سعاد"
ً ففتح مكتبها مصيبة بالنسبة لها، أنت لا تعرفينها جيدا، سأخبرك
ّ في وقت لاحق عما قالته هنا في مكتبي بعد أول لقاء لنا بك
لتحذريها.."سعاد" تتربص بك منذ البداية يا ابنتي.
أجبتها وأنا أتألم من تكالب الهموم في عقلي:
- هي فعلا هددتني بعد أن كسرت القفل.
رفعت "نوال" حاجبيها وسألتني:
- قفل! أي قفل هذا؟
قاطعتنا الأستاذة "سعاد" وهي تقتحم الغرفة، وتقف أمامي
وعيناها من الغيظ قد برزتا من محجريهما، وكأن وجهها قد خرج
ّ حالا من فوهة بركان ثائر، وقالت وهي تشير إلي باشمئزاز:
ً - الهانم كسرت القفل الذي أغلق به غرفتي حرصا مني على ما
به من ملفات هامة، وعهدة أحافظ عليها بحكم وضعي ومكانتي
ّ بالمدرسة، واقتحمت غرفتي وفتشت في مكتبي، فهل يرضيك هذا
يا أستاذة "نوال"؟
رفعت "نوال" رأسها ونظرت إليها نظرة يبدو أن كلتيهما تعرف
معناها وقالت بحزم:أنا السبب، حيث إني قد هاتفتها بالأمس، وكلّفتها بدخول مكتبك
ّ لأنني أردت بيانات تفصيلية تخص طالبة معيّنة كان قد دار حوار
بيني وبين أهلها.. وأردت رقم الهاتف.. والأمر خاص وسري، ولأنني
ّ أثق في "دعاء" طلبت منها بالذات.
زفرت "سعاد" بحنق وقالت معترضة:
- وماذا يعني هذا الكلام؟ كان من الممكن أن تخبراني بالهاتف
أيضً ا، وإلا فلماذا السرية؟
َمن هذه الطالبة؟
عادت أستاذة "نوال" تنظر إليها وقالت:
ّ - "دعاء" لم تمس مكتبك، وهي فقط فتحت الخزانة التي تحتوي
ّ على الملفات بإذن مباشر مني، وأنا أتحمل مسئولية كسر القفل،
ورجاء إغلاق هذا الموضوع نهائيا لأنه يخصني.
نظرت "سعاد" إلي بطرف عينها وقالت:
ّ
- هذه آخر مرة تدخلين فيها غرفة مكتبي، سواء بهذه الطريقة أو
بغيرها، وأنا متأكدة أن الأستاذة "نوال" تحاول حمايتك، وستجدينني
بالمرصاد لك إن تجاوزت حدودك مرة أخرى.
خرجت "سعاد" بخطوات غاضبة وكأنها تغرسها في الأرض بغلّ
ّ وتقتلعها بغضب، وعدت إلى غرفتي والهم يلاحقني، كنت أشعر
بوهن شديد، لاحظت غياب "أميرة"، وتوقعت أن تأتي أمها لزيارة
مديرة المدرسة.
‰ مر اليوم مملا، وعدت لبيت أخي، لأفاجأ به ينتظر عودتي، كان
وجهه شاحبا ويداه ترتجفان وبجواره كانت تقف زوجته وفي يدها
الدواء وكوب الماء... يبدو أنه منفعل جدا، صرخ في وجهي فور
دخولي قائلا:
ِ - ما الذي فعلته بنا يا "دعاء"؟
رددت باستنكار:
- وماذا فعلت؟
عاد لصراخه ويداه ترتجفان وقال:
- جاء رجل يسمى "حمدي السلاموني" لزيارة الشركة اليوم، يبدو
ّ أنه له نفوذ قوي يمكّنه من تهديد رؤسائي وإرغامهم على تنفيذ ما
يطلبه.
ّوتم نقلي إلى شركة أخرى في محافظة البحيرة، سأضطر للسفر
وترك زوجتي وبناتي بسببك
فقد وقف في وسط الشركة، وقال بصوت جهوري مشروخ:
- الدور القادم على أختك، فلن تفلتا من يدي.
اتّجهت بعدها لمدير الشركة وأخبرني أنك تتسببين في المشاكل
لابنته بالمدرسة.
ازدردت ريقي بصعوبة وقلت:
- إنه والد الطالبة التي أخبرتكم عنها أمس والتي كانت في مشكلة،
والحقيقة أنني لن أستطيع إخبارك بتفاصيلها حفاظا على سرها.
رد باستهزاء:
- حفاظا على ماذا!
ً إذا فلتخرجي من رأسك أمر عملك نهائيا، لا خروج من البيت

غزل البنات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن