8- قد فقدت جزءا مني يوم أمس

71 4 1
                                    

صعب أن تعيش منافقا إلى أن تصير ممثلا صعب كشفه، فيصبح عقلك متعودا على ما أصبحت عليه، لتنسى من أنت وكيف تغيرت إلى هذا الحد، وكأن روحا سكنت جسدك وتتحكم بأفعالك، تجعلك تصدق أنها طبيعتك، وردات فعلك لكنك نسيت أنك تقتبس شخصية آخرى ربما قد تكون من وحي خيالك.
تحاول أن تظهر للناس قوتك، ثم تختبئ في غرفتك وتبك، تحس وكأنك وسط متاهة لا مخرج منها، أو تعرف طريق الخروج لكنك لا تسلكه فقد اعتدت على ما تكون.
أنت تعرف المخرج لكنك سلكت الطريق الخطأ عمدا.

مرت الأحداث بسرعة، وكأنني مركز المشهد، لم أحرك ساكنا، ولم يساعدني أحد بالوقوف، لذا بقيت مثل صنم لا اهمية له، وضعوه في مكان فقد فيه قيمته، فالكل يظن أنني الشريرة في القصة.
اتصل أحدهم بالإسعاف، ليأخذوها ثم يذهب الكل وأبقى وحيدة، كانت أول مرة أحس فيها بالفراغ بعد أن كنت محط الأنظار ومحبوبة الكل.
حرارة النهر الذي يجري على خذوذي، جعلني أحس بمرارة الألم.
حاولت النهوض، لكنني عجزت، فبدأت بالتفكير في النوم هناك. برهة أحدهم مد إلي يده ليساعدني، ولم أرفض ذلك فقد كان الوحيد وسط العشرات الذي مد يد العون لي رغم ما حدث.
ومع قلة الأضواء، كانت ملامحه غير واضحة، لكنني أحس أنه يحمل قلبا صافيا. قلبي ينبض لأول مرة، بعد أن كنت أظن أنه لن يأتي يوم يجعلني أكن إحساسا لشخص ما.
- اتبعيني! (يقولها بصوت رجولي خشن وهادئ)
لم أجب، واستجبت لأمره كأنني وثقت به منذ اللحظة الأولى التي قابلته فيها، بعدها ركبنا السيارة وأمرني بالجلوس على الكرسي الخلفي.
- أين يقع منزلك؟
- جانب السوق الأسبوعي وسط الحي.
ثم ينطلق، استغرقنا مدة قصيرة لنصل، أردتها أن تكون أطول وتمنيت لو كنت أسكن في آخر الدنيا. ركزت على قطرات المطر التي تحدث صوتا هادئا يجعلني أسترخي. ومن وقت لآخر كنت أحس وأن أحدا يراقبني فأرفع نظري لتلتقي عيوني وعيونه في المرآة الأمامية، ليكسر اللحظة ويدير رأسه وكأنه غير مهتم وأنا أفعل نفس الشيء، حقا لا أفهم هذا الكائن ولم تصرفاته تشغل بالي.
استيقظت من الهراء الذي أفكر فيه، بعد توقف السيارة، خرجت وأغلقت الباب، لأتذكر شيئا مهما.
- آه! نسيت بالمناسبة انا أوسفي لم تخبرني اسمك. ( قلتها محرجة محاولة الاقتراب من النافذة لأميز ملامحه لكن سرعان ما أمد يدي لإلقاء التحية، يضغط زر رفع الزجاج فاسحبها بسرعة وانطلق)
لم أر في حياتي مثل حقارة هذا الشخص، لا بد وأنه نفس فتى المرحاض، تصرفاتهما متطابقة، ولديه نفس لون شعره.
لم أشكره حتى، انطلق هكذا كأنني أوجبت عليه إيصالي بعد أن كان يقوم بشيء مهم. كان تصرفا لطيفا جعل منه لا شيء الآن.
- ماذا لو علقت يدي وانطلق بسرعة؟ وإلى ماذا يوحي صمته المتواصل؟ ولماذا يتصرف بغرابة؟ لم يسألني حتى كيف حالي؟ أو هل أنا بخير بعد ما كل ما حدث.

دخلت المنزل بصمت، كان خاليا، ساكنا ومظلما جعلني أخاف من الوحدة التي سأحس بها لو رحلت أمي، قبل أردت من أعماق قلبي أن تخرج من حياتي، ومازال هناك صوت داخلي يريده، لكنني لا أريد أن أصبح فتاة دون أصل، ما يسمونها باليتيمة، نبدها أبوها، وماتت أمها بسببها.
كنت أحس بعياء وحزن جعلاني أرمي بنفسي على الأريكة، أعانق وسادتي وأغرس وجهي فيها. أبكي، أبكي، أبكي، لم أستطع التوقف، رغم أنني حاولت أن أكون قوية، لكن هذه المرة الألم يبدو قاسيا، مئات الأفكار والأسئلة في رأسي لم أجد لها الإجابة، وآلاف التخوفات من ما سيحدث في المستقبل القريب والبعيد، كنت قد أيقنت أنني أعيش حياة بسيطة، سعيدة والكل يتمنى أن يصبح مثلي، والآن كل شيء إنقلب رأسا على عقب. وبعد تفكير طويل، أخذني النوم إلى عالمه الجميل بعيدا عن الحقيقة والواقع المر.
إستيقظت على عطر القهوة، مما جعلني أتساءل عن مصدرها، هل أمي عادت؟ وكم الساعة؟
كانت التاسعة صباحا، غيرت ملابسي غسلت وجهي وحاولت تعديله، فبعد قنبلة البارحة ومع كل مستحضرات التجميل أحمل وجه شبح فقد الشهية والنوم لمدة أيام.
- آه! خالتي جوليا. (أقولها متفاجئة)
- وهل تظنين أن سارقا سيقتحم المنزل، ثم يجلس ليشاهد التلفاز ويحتسي كأس قهوة.
- أصبت الحق! (أقولها بابتسامة خفيفة نمت على شفاهي بعد سماع دعابتها)
جوليا، جارتنا وتعاملني كابنتها الثانية، وبيننا علاقة قوية، وأحسبها كصديقتي أخبرها بكل ما يحدث لي حتى أسراري فقد كانت سيدة أمينة.
- بالمناسبة ذهبت لزيارة أمك، وأخبروني أنها في غيبوبة ولا يعلمون متى ستسفيق، لذا إذا كنت موافقة يمكن أن نزورها كل يوم، أعني إن احتجتي توصيلة فأنا في خذمتك.
- أشكرك جزيل الشكر، لن أنسى كل ما قمته من أجلي، لا يمكنني التفريط فيك (فأقفز وأعانقها مع ابتسامة عريضة)
- هل أصطحبك بعد الزوال؟
- لست مستعدة بعد. (وتختفي الابتسامة ليظهر بعدها وجه حزين)
- أنا أتفهمك، أيمكنك إخباري ما حدث.
- بالطبع
...
أخبرتها، وكان القلق ظاهرا على ملامحها، وأخبرتني أنني فتاة قوية، شجاعة وناضجة لذا لن يؤثر علي ما حدث، لكنني كنت أعلم أنها تقول ذلك فقط لتؤيدني وتجعلني واثقة بنفسي.
عرضت علي النوم في منزلها ولم أرفض، أخذت أغراضي لأقيم في منزلها فزوجها خارج المدينة.
فقدت عد أيام غيابها، ولم أعزم على الذهاب لرؤيتها وكأنني خائفة من تلك اللحظة التي وجب علي فيها مواجهتها، كل يوم وجب علي الذهاب فيه أؤجله إلى يوم غذ، ثم تزورها جوليا فقط وتتركني في المنزل، آكل، أشاهد التلفاز ثم أنام وكأنها عطلة صيف في جزر المالديف، يا للحماقة، أمي في غيبوبة وأنا أفكر في العطلة التي أوشكت على الإنتهاء.
وفي يوم اتصلوا بنا من المستشفى ويخبروننا أنها استيقظت، فأسرعنا بالذهاب ووصلنا بعد خمس دقائق، لم يكن يبعد كثيرا عن المنزل.
دخلت الممرضة، وطلبت مني الإنتظار حتى تخرج، لتعطيني الموافقة على الدخول.
كان خليط إحاسيس، متاهة أفكار، وشريط ذكرياتي يمر أمام عيناي، لا أصدق أن حياتي كذبة.
- يمكنك الدخول (تقولها الممرضة لتوقظني من أفكاري المشتتة)
- حسنا.
- لا تخافي، كل شيء سيكون على ما يرام. أعدك (تمسكني جوليا من يدي وتطمئنني)
.


.
.
.
.
.
.
.
ترى ماذا سيحدث؟ هل ستتحسن الأمور؟ أم أنها ستسوء؟
آراءكم تهمني ❤

ولدت انتقاما - أوسفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن