المشهد الثاني

378 10 2
                                    

¤¤بطاقة دعوة
في مكتب المحاسبة الخاص بهاني ..
بدأ هاني العمل بنشاط كعادته وبين الحين والآخر يتثاءب ثم يعود للمتابعة
لكنه توقف غير قادر على المتابعة بصداع رأسه هذا استحالت شاشة الحاسوب أمامه إلى اثنتين ففرك عينيه بألم ونهض ليعد لنفسه فنجان قهوة
"القهوة الجاهزة"

صاح بها جعفر صديق هاني المقرب وهو يدلف من باب المكتب مع كوبين من القهوة ثم تابع :
"كيف حالك سيد هاني وقد انخفضت أسهم البورصة..."

قاطعه هاني وأخذ القهوة من يده بسرعة وقال وهو يرتشفها بتلذذ :
"اصمت لا تخبرني عن البورصة ولا تتحدث.. يكفيني هذا الصداع .. نسيت شكرك على القهوة لكن لا يهم"

أنهى هاني كوبه ثم عاد لمتابعة العمل على حاسوبه دون اهتمام بجعفر الذي سحب له مقعدا وجلس عليه بشكل عكسي مقابلا لهاني ثم قال:
" هل هن شقيقاتك مجددا ؟ قلت لك اتبع طريقتي كن أنت المسيطر كما أفعل  بكلمة واحدة مني يعم السكون المنزل وتصمت هناء تماما"

أجابه هاني بعد أن التفت إليه وترك العمل :
"كم مرة أخبرتك أنني لا أحب التعامل مع شقيقاتي بتلك الطريقة .. لم يعد لهن غيري بعد وفاة والدي وأنا لا أريد لإحداهن أن تخاف مني بل أريدهن أن يلجأن إلي ويحتمين بي..لكنني لم أفهم كيف لم تخبرني أنه صار لديك شقيقة صغرى يوم العزاء أو حتى في اتصالاتي بك طوال السنوات الماضية؟ "

نظر له جعفر بسخرية وقال:
"إذا ستظل هكذا طوع أمرهن وترضى بكل إزعاجهن ..وردا على سؤالك لقد كانت هناء تعيش في منزل خالتي حتى أنني كنت أنسى وجودها في بعض الأحيان ولم يكن الوقت مناسبا لتبادل الأخبار أنسيت أنني أعطيتك رقم عمي في آخر لحظة بعدما خشيت من انقطاع الاتصال بيني وبين صديقي المقرب حين يسافر؟..وكان عمي كثيرا ما يرفض تمرير الهاتف لي وكان يأمرني بقطع تلك الصداقة البائسة"

ضحك هاني متذكرا تلك الفترة التي كان حديثه مع صديقه يشبه السرقة يتم ليلا ودون أن يشعر أحد ثم قال:
"لكن فيما بعد حين دخلنا الجامعة أصبحت أحادثك على هاتفك المحمول وصار الوضع أفضل"

شاركه جعفر الضحك بحنين للأيام الخالية ثم قال بشجن :
"أنا وحيد.. لقد أتممت اليوم الثلاثين دون أن أجد نصفي الآخر"

أمسك هاني بكوب القهوة الساخن الخاص بجعفر والذي لم يشربه بعد وقذفه في وجهه فانسكبت محتوياته على ملابس جعفر الذاهل ... ثم قال:
"غادر هذا المكتب يا جعفر لا أريد منك أي خدمات أخرى ..قررت قطع صداقتنا كان الخطأ خطأي حين لم أقطع اتصالاتي بك منذ زمن.. أخبرتك أن الصداع يفتك برأسي وأحاول استغلال تأثير القهوة لإنهاء هذا العمل وأنت تزيد صداعي بحديثك عن السيطرة وعزوبيتك"

كان جعفر لا يزال ذاهلا غير قادرا على الإتيان برد فعل إذ اعتاد هذه التصرفات من هاني وكثيرا ما بادله إياها لكنه الآن متجه إلى عمله
"هاني يا أحمق ماذا فعلت ؟ هل سأدخل البنك بهذه الهيئة ؟"

نهض هاني عن الحاسوب مدركا أنه لن يستطيع العمل في وجود جعفر ثم قال:
"ارتد سترتك وستختفي تلك البقعة تماما"

كانت القهوة قد انسكبت على قميص جعفر من جهة البطن وكونت بقعة كبيرة حتى الفخذ.. صرخ به جعفر وهو يمسكه من تلابيبه ويجره للحائط : "كيف ستختفي يا معتوه ؟!اليوم بالذات ارتديت بنطالا فاتح اللون"

لم يهتم هاني لوضعه وقال مازحا:
"آه كان علي أن أفهم كنت تخبرني عن وحدتك كي أوافقك على خطتك اليوم في الإيقاع بإحداهن"

كاد جعفر يلكمه إلا أن هاني أمسك بقبضته وقال معتذرا:
"لا أرجوك لن أحتمل قبضتك تلك.. لا زلت شابا في السابعة والعشرين من عمري وأريد أن أحتفظ بحياتي لبعض الوقت"
أظهرت ملامح جعفر عدم التسامح حتى حينما دعاه هاني لتناول الغداء لديهم.. لذا قال في محاول أخيرة لينال عفوه:
"حسنا سأحضر لك بديلا "

تركه جعفر على مضض ولا يزال يناظره بتحذير.. فقال وهو يناوله قميص وبنطال خاصين به:
"انظر طلبت من هاجر أن تكوي لي هذا الطقم خصيصا لكنه لا يغلو عليك"

أخذ جعفر الملابس منه بعنف وذهب لتبديل ملابسه في الحمام وخرج رائق المزاج كأن شيئا لم يحدث قائلا:
"هذا أفضل مما كنت أرتديه ويليق بالسترة أكثر "

أجابه هاني بحسرة وهو يراقب تفاخره بالطقم:
"كنت قد قررت المبيت في المكتب اليوم وكان هذا الطقم سيكون مريحا للنوم..أوفف اخلعه .. قررت أنك لا تستحقه"

دفعه جعفر عنه بسهولة وقال مغادرا:
"لن تنام الليلة لأن اليوم زفاف حيدر ..سننتظرك هذه هي الدعوة.. وسأنتظر منك احتراما أكثر في المرة القادمة وإلا سأغلق لك هذا المكتب كما سهلت لك شرائه"

بعد رحيل جعفر قرر هاني ساخطا أن يكمل عمله حتى يستطيع العودة إلى المنزل وتبديل ملابسه قبل موعد الحفل مساء لقد صار يشعر أن الجميع يريدون سلبه حقه في النوم كأي إنسان وهذا جعفر يضايقه كذلك ألا يكفي أنه يحتمله باسمه الغريب هذا؟!! لكن الخطأ يقع عليه لماذا يصادقه ويقربه منه وهو يكبره بثلاثة أعوام كاملة؟
** *****
** *****

عاد هاني لمنزله قرابة المغرب وبيده أكياس البقالة وبعض حاجيات المنزل فوجد نساء منزله قد تحلقن حول مائدة الطعام وهن يتناولن الغداء ..كان واضحا من أصواتهن العالية أنهن يناقشن موضوعا جعلهن يختلفن ..

ضحك بسخرية مفكرا أنه ايا كان الموضوع حتى وإن اتفق عليه كل سكان العالم فهن سيجدنه موضع خلاف وسيرفعن أصواتهن ويتجادلن.. وهو من يبحث عن دواء لصداعه المزمن ..هيهات أن يزول يوما!

نهضت هاجر لتأخذ منه الأكياس وكان الامتعاض واضحا على ملامحها لذا خمن هاني أن والدته تحاول إقناعها بشئ ترفضه هي أو تقارنها بإحدى زميلاتها المتزوجات إذ بلغت شقيقته الكبرى التاسعة والعشرين دون زواج وهذا في رأي والدته أمر بالغ الخطورة ومدعاة للخوف من العنوسة الدائمة

لكنه لم يوجه لها حديثا وانتظر حتى يفهم الموضوع بنفسه فجلس يتناول الغداء معهن بعد أن بدل ملابسه

"ألم تقل أنك ستتأخر اليوم في عملك يا هاني وربما تبيت فيه؟"

سألت هاجر حين عادت للمائدة فلم تنتظر والدتها إجابته بل اندفعت قائلة: "وما شأنك أنت؟ ولم سيتناول غدائه خارج منزله حتى إن كان سيتابع عمله لوقت متاخر فلن يجد ألذ من طعام المنزل ليتناوله على الغداء ؟! .. افترضي أن هاني هو زوجك وقد عاد للعمل مبكرا على خلاف ما أخبرك هل ستسألينه عن سبب قدومه الباكر من العمل كأنه ارتكب ذنبا؟!"

فكر هاني في داخله أنه لن يستطيع الراحة بعد الغداء كما خطط فطالما فتحت والدته موضوع الزواج فإنها لن تغلقه.. لكنه حاول تخفيف غضب والدته  فقال:
"كانت تطمئن علي فقط يا أمي لا تغضبي هكذا يا حبيبتي"

دفعت والدته كفه الذي وضعه على كتفها وقالت:
"لا يكون السؤال بهذه الطريقة ..أنت كنت ستقول من تلقاء نفسك ..هذا السؤال يغضب الرجال من زوجاتهم"

ربما ..شعر هاني ببعض المنطق في حديث والدته
لكنه قال لصرفها عن الموضوع :
"أتعلمين أن حيدر يتزوج ؟ زفافه اليوم وقد أوصل إلي شقيقه الدعوة اليوم "

ابتسمت صابرين وقالت بسعادة:
"هذان اليتيمان كان حظهما سيئا وهاهي الحياة قررت أن تبتسم لأحدهما أخيرا.. وما أخبار جعفر أيضا ألم يقرر اللحاق بأخيه؟"

كانت والدته تعرف جعفر صديقه المقرب وعائلته وكانت العلاقة بين العائلتين جيدة إلا أن العلاقة انقطعت بعض الشئ بعد وفاة والدي جعفر فصار يخجل هو وأخيه من زيارته بالمنزل لوجود شقيقاته ..كما كان والده قد تولى عملا في مدينة أخرى لذا اقتصر تواصله مع صديقه على اتصالات متفرقة..حتى التقيا ببعضهما منذ سنتين وعادا كما لو أنهما لم يفترقا قط

فأجاب سؤالها بحيرة:
"لا أدري إن كان قد قرر الزواج أم لا لكنه اليوم كان يبدو متأنقا بشكل زائد وأظنه قد يفاجئنا كشقيقه عن قريب"

رفعت والدته يديها ودعت :
"كتب الله له الخير ولك أنت وشقيقتك هذه المتعبة"

قالتها وهي تشير لهاجر ثم تابعت:
"أتعلم أن إيراد أرض والدك قد وصل اليوم..إنه أكثر من كل شهر يا هاني"
ابتسم هاني لسعادة والدته وأجابها بسعادة تماثلها :"الحمد لله"

لكن ابتسامته تجمدت حين عادت والدته  للموضوع الأساسي قائلة:
"أنا سعيدة يا بني.. هذا يعني أن الله أرسل لنا رزق هاجر كي نبدأ تجهيزها لتذهب بيت الزوجية بسلام"
ضحكت الفتيات بصوت خافت بينما زاد امتعاض هاجر وعلق هاني :
"بيت الزوجية؟!هل تقدم أحدهم لخطبة هاجر ؟"

أجابته والدته ولا تزال السعادة ظاهرة على ملامحها بوضوح:
"الإيراد الأعلى هذا الشهر يشير إلى ذلك يا بني سيتقدم أحدهم لخطبتها قريبا..وهذا أفضل شئ قد يحدث حتى لا أجن وأنا أراقب غيرها يتزوجن ويشمتن بها"

غادرت والدته لغرفتها قائلة أنها ستشكر الله من جديد على هذه الفرحة بينما عاد هاني يسأل هاجر إن كان هناك مالا يعلمه !!

وكانت ناردين أكثر من سعيدة وهي تنقل إليه الأخبار فقالت بخبث:"اتصلت عمتي اليوم ودعتنا لشقة الزوجية الخاصة بريماس حتى نساعدها في فرشها"

عقد هاني حاجبيه باستغراب وسأل:"أي شقة زوجية؟! متى خطبت ريماس من الأساس حتى تتزوج؟"

أجابته نادية ضاحكة:"عمتي أخفت أمر الخطبة وقالت بصريح العبارة لأمي أنها خشت ألا يتم الأمر بسبب الحسد..وأمي كادت تصاب بنوبة قلبية حين علمت أن ريماس التي تصغر هاجر بخمس سنوات كاملة ستتزوج قبلها..ولم تعد لطبيعتها إلا حين وصل إيراد الأرض"

قالت فاتن وهي تلعب بخصل شعرها:
"لابد أنها ربطت بين الإيراد وزواج هاجر حتى تصبر نفسها.."
ثم أضافت بصوت متعجل مستغلة الموقف: "هاني لقد وجدت صورة للفستان الذي أريد تجهيزه لزفاف هاجر.. طلبت الخياطة التي ستفصله جزءا من المبلغ مقدما ..علينا أن نبدأ التجهيزات فورا فالأمر صار بيدي أمي وأكاد أجزم أنها ستبحث لهاجر عن زوج بأقصى سرعة درءا للفضيحة..زواج ريماس نهاية هذا الشهر لا يوجد وقت!"

نظرت نادية لها بإدراك وقد فهمت الآن سبب تعجلها في العودة للمنزل صباحا ..
فقد كانت فاتن هي أكثرهن  دلالا واهتماما بجمالها وزينتها ولم يكن هاني يبخل عليها بشئ و قبل أن يجيبها بالموافقة وجد هاجر تنفس عن غضبها فيها قائلة:
"أي زفاف هذا يا حمقاء؟! من قال أنني سأتزوج ؟سأجن يا هاني هل تسمع ما يقولون؟!( زفاف من غير عريس )خبر الموسم حقا .. إنهن يردن طردي من المنزل..وهذه تقول عن عدم زواجي فضيحة!!"

حاوطها هاني بذراعه قائلا:
"لن يحدث شئ كهذا يا حبيبتي.. وهل يستغني أحد عنك وعن طعامك اللذيذ؟"

عاد لتناول طعامه بشهية وتغافل عن المعركة الدائرة بين شقيقاته الأربع ففاتن تصر على الزفاف القريب مغيظة هاجر وناردين كالعادة تطلب من نادية أن ترتدي فستانها الأخضر في الزفاف وهي رافضة

وحين كان يغسل يديه بعد الطعام سمع نادية تسأل فاتن بجدية:"برأيك هل سيكون زفاف هاجر الخميس المقبل أم الذي يليه؟"

فأجابتها فاتن بقلق:"لا ليكن بعد أسبوعين حتى يجهز فستاني"

#كومنت
#فوت
انتظروني كل ثلاثاء وجمعة مع مشهد جديد😉



كتفاي عرشكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن