المشهد الأول

694 7 0
                                    

¤¤معاناة صباحية
تأفف هاني وهو يحاول النوم دون جدوى بين ضجيج شقيقاته وصراخ والدته بهن لم يكن هناك أي وسيلة تساعده على النوم
وتلك فاتن شقيقته الصغرى تفضل ارتداء حجابها في غرفته فهي تظن أن مرآة غرفته هي أفضل مرآة عاكسة في الوجود..
لذا أضائت فاتن العزيزة ضوء الغرفة ووقفت ترتدي حجابها وهي تدندن ولا بأس بتحريك كتفها أو ذراعها في حركات راقصة ..

"فاتن رجاء أرغب في النوم هلا أطفأت الضوء"

هكذا اعتاد هاني أن يطلب منها كل صباح فتجيبه بكل لطف

"حاضر حاضر .. دقيقة واحدة"

وتستمر الدقيقة لنصف ساعة كاملة وهو يراقب بصمت فلطالما شكل الضوء عقبة تمنعه من دخول عالم النوم بسلام .. لذا يجلس المسكين حتى تنهي فاتن ارتداء حجابها ولا ضير أن يسلي أذنه بصوت شجار نادية وناردين الذي يصله بوضوح

"لن أسمح لك بارتدائها.. تلك خاصة بي أنا ولن أغسلها كل يوم لأجل خاطرك .. لو أنك غسلتها الاسبوع الماضي كما طلبت منك لأعطيتها لك"

فتجيبها الأخرى: " أمي تعالي وانظري إلى ما تفعله نادية .. اتفقت معها أن أرتدي بلوزتها الحمراء ووافقت والآن ترفض "

كان بإمكانه الآن أن يتخيل شكل والدته وهو جالس في سريره حيث تدخل والدته غرفتهما وتحاول فض النزاع ككل يوم

إذ تقول نادية:" نعم وافقت أن ترتديها لمرة وكانت الأسبوع الماضي بالفعل "

فتجيب ناردين :"تكذبين.. أنت من ارتديتها الاسبوع الماضي لا أنا "

اتسعت عيني نادية بشر كعادتها حين تغضب وصاحت بصوت صم أذني هاني:
"إنها خاصة بي وأستطيع ارتدائها وقتما أشاء.. انظري يا أمي تقول أنني كاذبة.. تشتمني  يا أمي وتتوقع مني أن أعطيها ملابسي"

ويستمر الجدال .. لكن هاني يعرف نهايته ستظل والدته تستعمل الترغيب وتطلب من نادية بلطف وتعطيها رشوة صغيرة حتى توافق وستخرج ناردين منتصرة كالعادة
في البداية كان هاني يعتقد أنه سيكتفي بسماع هذا الشجار في الصباح الباكر لكن هاجر تخلف ظنه إذ ينشأ بينها وبين والدته شجار من نوع آخر
"أمي.. لقد فار اللبن قليلا"

لا يحتاج هاني أن يذهب للمطبخ بل يكفيه أن يسمع صوت والدته ليتخيل تعابير وجهها فقد نظرت الآن لهاجر بسخط وصرخت بها:
"لا أستطيع الاعتماد على إحداكن أبدا .. طلبت منك فقط أن تراقبيه إلى أن يغلي وليس إراقته على الموقد.."

يبتسم هاني حين يتخيل أن والدته الآن تمصمص شفتيها الآن بحسرة ثم تكمل صراخها بشقيقته:
"أنت كبرى شقيقاتك .. ماذا تركت لهن؟! أنا وحدي من لم أستطع التربية ألم تري مهارة ابنة عمتك .. إنها تأتي خصيصا لزيارتنا بعد وفاة والدك لتغيظني بمهارة ابنتها وكيف أنها نجحت في تربيتها"

وبعد انتهاء هذا الشجار وطالما الصغيرات الثلاث لازلن في المنزل فهذا يعني أن الضجة لم تنته بعد..
حيث تصرخ ناردين فجأة:"أمي!"

ومن طريقة صراخها تظن والدته أن شيئا خطيرا يحدث لكن ناردين تقول ببراءة حين تصل صابرين للغرفة مفزوعة:"لم أجد الشال الأسود لكن نادية وجدته بين أغراضها"

ثم تقول باستعطاف حتى لا تقتلها والدتها:"آسفة لإفزاعك..كان صوتي عاليا بعض الشئ"

قد تمر ساعة أو أكثر وهاني يحدق بسقف غرفته منتظرا توقف الضجيج في المنزل فشقيقاته لا يستطعن ارتداء ملابسهن بهدوء دون شجار.. ثم تتناولن الإفطار وهن يتحدثن لهاجر ولا بأس بإخبارها بمواقف قديمة حدثت مع إحداهن حتى والدته تشاركهن تلك الضجة ولسوء الحظ فإن أصواتهن تصل هاني واضحة مهما كان مكانهن في الشقة!!
أخيرا تذهب نادية وناردين للجامعة ترافقهما فاتن وتبقى والدته وهاجر ...

الآن نستطيع أن نشفق على هاني بحق فبعد أن أطفأت فاتن الضوء يضع المسكين رأسه على الوسادة مبتسما ومتمنيا لنفسه أحلاما سعيدة ..لكن المفاجأة هي صوت المكنسة الكهربية التي شغلتها والدته وقررت البدء بغرفته .. وصوت هاجر الذي يعلو فوق صوت المكنسة تتأكد من مقادير المكونات حتى تعد الغداء في هذا الصباح الباكر!!

بعد نحو ساعة وقبل أن يتمكن هاني من متابعة نومه كما يتمنى يكون الوقت قد حان ليذهب لعمله فيرتدي ملابسه بتكدر ويطلب الإفطار من هاجر

والحق أن هذه ميزة قلت مثيلاتها في حياته الصعبة مع شقيقاته فهن دوما يعددن له الطعام الشهي .. لذا فبعد تناول الإفطار يزول بعض تكدره لكن ليس كله وقد صارت أمنيته الكبرى أن ينال يوما ما حظا وافرا من النوم.. لكن يبدو أن أمنيته لن تتحقق بل ستغدو صعبة المنال!
*** ****
في الجامعة
جلست فاتن بملل تتصفح حسابها على موقع الفيسبوك بانتظار شقيقتيها
كانت تنزل بإصبعها بلا اهتمام بين منشورات صديقاتها حتى وقع ناظريها على صورة لفستان بلون البنفسج فتوقف إصبعها لا إراديا وبقت لثوان فاغرة فاها انبهارا بهذا الفستان الذي لم ترى له مثيلا في اللون أو التفصيلة سابقا ودون تفكير احتفظت بالصورة في جهازها المحمول واتصلت بالسيدة التي تفصل عندها أغلب فساتينها واتفقت معها أن تزورها اليوم لتفصيل فستان جديد..كانت فاتن تعلم أنها حركة متهورة منها أن تذهب لطلب تفصيل الفستان دون استشارة والدتها لكن كله يهون فداء للفستان الجديد

وما إن أنهت اتصالها معها حتى اتصلت بنادية غير عابئة بكونها في المحاضرة وقالت:"نودي يا حبيبتي أنا سأسبقكم في العودة للمنزل لأن محاضرتي ألغيت اليوم"

وقد كانت نادية في تلك اللحظة قد وضعت حقيبتها أمامها وخبأت رأسها خلفها حتى لا يراها المحاضر وهي تتحدث في الهاتف .. لذا أجابتها بحنق:"لقد ظننت أنك تكلمينني لوضع طارئ ... لا أدري لماذا يدللون طلبة السنة الأولى ويلغون لهم المحاضرات؟! "

وبصوت متعجل أجابتها فاتن قبل أن تغلق الخط:"هذه دعوات أمي لأنني لم أفطر جيدا اليوم فألغيت المحاضرة حتى لا أتعب ... أراك في البيت بعد ساعات إلى اللقاء"

رفعت نادية رأسها وحاولت فهم الطلاسم التي يقولها المحاضر وفي داخلها تزايد حقدها على شقيقتها الصغرى المدللة وكانت واثقة أنها تخطط لأمر ما فلم تنطلي عليها حجة الإفطار هذه

لكزتها ناردين برفق متسائلة عن الاتصال فهمست لها مجيبة:"فاتن المدللة.. سأخبرك في طريق عودتنا"

*** ****
ما إن غادر هاني لعمله حتى اتصلت نرمين بصابرين..وبحاستها السادسة قبل أن ترفع صابرين سماعة الهاتف كانت تعلم أن شقيقة زوجها الراحل هي المتصلة
لذا استحضرت كل ذرة صبر تملكها وأجابت :"السلام عليكم"

لم يرق لنرمين هدوئها فقالت تغيظها:"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..كيف حالك يا صبارة..أوه أقصد يا صابرين؟…"

أغمضت صابرين عينيها محاولة تمالك نفسها ثم قالت بخبث:"يبدو صوتك مألوفا لكنني لم أعرفك..هلا أخبرتني من أنت؟"

كانت نرمين تكره أن يسألها أحد عن هويتها بهذه الطريقة وترى في هذا إهانة لها فكيف لا يعرف أحدهم صوت نرمين هانم كما تطلق على نفسها ؟!..ودون تفكير قالت بغضب:
"ما الأمر يا صابرين ألم تعرفي صوت عمة أولادك؟أنا المخطئة أنني اتصلت بك"

استشفت صابرين الغضب في صوت نرمين وكان هذا أكثر من كاف لها لتشعر بالسعادة فقالت بسرعة قبل أن تغلق نرمين الخط:"لا داعي للغضب نرمين هانم كنت أمزح معك..أخبريني  ماذا تريدين ؟"

**** ****
لم تمر أكثر من ساعة حتى كانت فاتن تعود للمنزل فوجدت والدتها تحدث نفسها بحسرة:"يا شماتة الأعادي بي !!يا خيبتك يا هاجر!"

وكانت فاتن تعلم أن والدتها طالما دخلت هذه الحالة فهي لن تنتبه لمن حولها لذا دخلت المطبخ تسأل هاجر عما حل بوالدتها
فقالت هاجر بغير اكتراث:"أنهت الاتصال مع عمتك قبل دقائق .. لا تهتمي لا شك أنها أخبرتها عن إنجاز من إنجازات ابنتها "

صبت فاتن لها كوبا من الماء وقالت:"معك حق عمتي تحب التفاخر بريماس أمام أمي خصيصا..أظن أن للموضوع علاقة بك "

لم تجبها هاجر فهي لم تهتم يوما بالمقارنة التي تضعها بها والدتها أمام ريماس ولن تهتم يوما .. طالما أنها تعيش حياتها بشكل يرضيها فلا يهمها ما يحدث مع ريماس أو غيرها

وفجأة ارتفع رنين الهاتف من جديد مع صوت جرس الباب .. وكانت صابرين أسرع من بناتها حين اتجهت للباب متغافلة عن الهاتف
بينما رفعت فاتن سماعة الهاتف وعرفت ما غير والدتها حين سمعت عمتها تقول ببهجة:"العقبى لك يا فاتن ولشقيقاتك .. دعوت والدتك لفرش شقة ريماس ولم أبلغها بالموعد.. نسيت من فرحتي .. على العموم أبلغيها أنها ستكون الخميس المقبل حتى تفرغ نفسها إن كان لديها ما يشغلها والزفاف بعدها بأسبوع"

وبعد أن انتهت المكالمة قالت فاتن لهاجر بصوت وصل والدتها:"زواج ريماس آخر الشهر"

التفتت الاثنتان لوالدتهما لتريا ما حل بها بعد هذا الخبر لكنها كانت تحتضن ظرفا وصل توا من ساعي البريد وهي تردد بفرحة:"الحمد لله.. الحمد لله"

ولم تستطع كلتاهما تحديد سبب فرحتها البالغة!!

#كومنت
#فوت
عرفوني رأيكوا😘

كتفاي عرشكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن