كنا في شهر مارس عندما هاتفني صديقي عبدالله سعيداً مهللاً "عبود حبيبي باركلي ..لقد توظفت ، باركلي فأنا أسعد إنسان على هذا الكوكب.
فتملكني شعور بالفرح والسرور لأجله وكأنني أنا من فاز بتلك الوظيفة..
فباركت له على الفور ، و سألته أين ؟؟فرد قائلاً: في مدرسة النشمية الإبتدائية..
إنها مدرستي التي درست بها عندما كنت طفلً ..
أتصدق هذا ؟!!
إنها المدرسة التي عشت بها أجمل أيام طفولتي ..
و اليوم سأعود إليها لأكون طفلاً من جديد..كان عبدالله غريبا في تفاؤله حالما في أفكاره ومعتقداته غارقاعالم الفضيلة و أسطورة من أساطير التفاؤل و التحفيز..
دعاني يومها للاحتفال بذلك الإنجاز ، فلبيته ..
و خرجنا مساء إلى أحد مطاعم العاصمة عمان التي اختارها هو.. و جلسنا بقرب نافورة صغيرة في ذلك المطعم و بدأنا نتبادل أطراف الحديث الذي لم يخرج عن دائرة طفولة عبدالله و ذكرياته داخل أسوار تلك المدرسة ..لم أره بتلك السعادة منذ مدة طويلة..
ففرحت لفرحه و حاولت أكثر من مرة أن أنهي الحديث ؛ لتأخرالوقت ..الا انه كان مسترسلاً في حديثه و ذكرياته
ولم يشعر بأن الوقت يسرقنا ..انتهت السهرة و أخيراً .. عدنا لمنازلنا لنخلد للنوم.
**********
وفي اليوم التالي ذهب عبدالله إلى عمله سعيداً مسروراً
تحيط به كلطيور التفاؤل ..التقى بزملاء عمله و تعرف على المكان الذي كان يعرفه جيداً
ولكن السنين التي مرت تركت بصمتها حتى على جدران تلك المدرسة،التي كانت فتية فأصبحت هرمة..
لم يعد أصحابه يلعبون كرة القدم بعلب البيبسي الفارغة في
ساحاتها،ولم يعد بائع الكافتيريا هو نفسه العم غانم الرجل العجوز الذي كان يعطيهم إفطارهم حتى عندما ينسون نقودهم في المنزل ، بل تم استبداله بعامل آخر..
ولم تعد أشجار تلك المدرسة صغيرة كما كانت في عهده،
بل كبرت و أصبحت عملاقة بعض الشيء ..
ولكن رغم قدم المكان و اهترائه إلا أن ظهور عوامل الشيخوخةعليه لم تزده إلا وقاراً و هيبة..فالأشجار كما البشركلما كبرت ازدادت حكمة و تحملاً
لمصاعب الحياة ..
لها تجاعيد تشبهنا و تتساقط أوراقها كلما كبرت كما يتساقط شعرناتماما..
حتى أنها تصبح أكثر رأفة و رقة مع الأطفال الذين يقصدونهافلا تتعصب من ازعاجاتهم ولا تؤذيهم بعيدانها التي رفعتها مع تقدمها في العمر عالياًبعيداً كل البعد عن متناول الأطفال..كان عبدالله الرجل الثاني ضمن فريق التدريس ..
أما باقي الفريق فقد كان من الإناث مما زاد من خجل عبدالله و هو الرجل الذي لم يعتاد على مرافقة الجنس اللطيف في مراحل حياته السابقة..
فقد تعلم بعد أن تخرج من مدرسته الإبتدائية في مدارس دينية غير مختلطةو في الجامعة لم يختلط بأي أنثى حيث أكمل دراسته الجامعية في المملكة العربية السعودية، بمنحة حصل عليها من الملحقية الثقافية السعودية في العاصمة عمان..لذلك كان الاختلط بالجنس اللطيف هو شيء جديد شديد الصعوبة و الغرابة بالنسبة له،ولكنه لم يأبه لذلك ..
بل كان يجيب على تساؤلات كل من تحادثه منهن و عيناه في الأرض..ضحكت عليه بعضهن في البداية ..
فلم يعتدن إلا على الرجال الذين لا يبعدون نظرهم عن الأنثى إلابعد أن يمعنوا النظر إلى كل جزء في جسمها..
ولكن هذا الرجل لم يفعل ذلك..ولكن حيرة زميلاته في العمل من شدة خجله و أخلاقة
بدأت بالتلاشي حين علمن قليل عن بيئته و أسرته المحافظة و الجامعةالتي درس فيها،فاحترمن فيه ذلك الأدب و الحياء الرجولي الذي قل ما تجده في هذا الزمن..بدأ عبدالله العمل مع الأطفال بشخصيته المرحة حيث كان شديد الضحك و المزاح مما حبب الأطفال فيه بشكل مدهش..
لم يختلف اثنان على روعة أسلوبه و سرعة تأثيره في الأطفال...
فقلما تجد طفلاً يبكي رافضاً العودة للمنزل لأنه يريد البقاء معأستاذه الذي لم تمر على فترة تعيينه في المدرسة سوى أسبوعين فقط..بدأت شعبية عبدالله بالنمو و بدأ اسمه بالانتشار بين أولياء الأمور ، ولاحظت الإدارة تفوقه و إبداعه ،و كانت الحياة من أجمل ما يكون ..
صديقه في العمل أصبح أخاً له..
و زميلاته يحترمونه أيما احترام ، و الأطفال يعشقونه حد الجنون..إلا معلمة واحدة كانت تتجنبه ..
كانت تتحاشى السلام عليه ..
و لكن هذا لم يمنعه من إلقاء السلام عليها كلما مر بها دون أن ينتظر أو يكترث لها إن ردت هي بالمثل أم لم تفعل ذلك..و بعد أن مضى شهرين على عمل عبدالله في تلك المدرسة
أصبحت كل زميلاته في العمل ينتظرون مروره حتى يحادثونه و يمازحونه بعد ما اكتشفوا ما يمتلكه من خفة ظل و روح مرحةتُسعد كل من يحادثها أو يتعامل معها..إلا روان!!
تلك التي كانت أحيانا تردو أحياناً كثيرة لا ترد السلام.
لفتت انتباهه بتمردها و تكبرها و أنفتها.
تميزت عن غيرها بالصد و التغلي و االبتعاد ،
بل أشعلت فتيل قلبه بنار الإهمال..لماذا تعامله بهذا الشكل وهو يرى الجميع يحبه و يتوق إلى محادثته إلا هي ؟!!
لماذا تراه و تعامله كأنها لا تراه ؟!!
لماذا لم تعجب بخفة ظله و الضحكات و ترد على كل حديث لهبالسكات !!********
تجرأ عبدالله ذات مرة و نظر إلى وجه تلك المتمردة من باب
الفضول ..
جمالها هو ذلك الجمال العربي الذي تنتجه أرض الحجاز بسماره و عيونه و عوده المياس الذي لا يشبهه جمال أي فتاة أخرى على هذا الكوكب..شخصياً أنا لا أعلم هل عبدلله فعلاً أعجب بجمالها؟!
أم هي لعنة حب كل ما لا نستطيع امتلكه ؟!!ولكن عبدالله شعر حينها أن الفتاة تمتلك ذلك الجمال الذي لطالما حلم أن تمتلكه محبوبته..
يتبع..