أندروفوبيا & قصص قصيرة & صابرين شعبان

4.2K 192 36
                                    

أندرو فوبيا
همسات رغم خفوتها تضرب سمعها كالرعد و هى تمر بجانبهن . و لكنها لم تبال و هى تعود لمكتبها و تكمل عملها بهدوء متجاهلة هاتين الحمقاوتين الثرثارتين البغيضتين اللعينتين .. ال بحثت في قاموسها عن كلمات أخرى تعرفها و لكنها لم تجد .. تبا يا ميسم هل مازال لديك كلمات سباب أخرى لم تذكريها . هل هذا كل ما تعرفينه أيتها الحمقاء . تنهدت بضيق و عادت بذاكرتها لذلك اليوم الذي بسببه يتهامسون عليها كلما راوها في مكان في الشركة . لقد أصبحت حديث الجميع و الفضل لغبائها لقد حاولت كثيرا تدارك الأمر و لكنها سقطت في النهاية فقط لهفوة صغيرة فعلتها . كانت أتية صباحاً كعادتها لتجد المصعد خالي فتقدمت لتستقله و ظنت أنها ستكون وحيدة . و قبل أن يغلق الباب سمعت صوت خشن يقول ...
" لا تغلقي الباب يا آنسة "
تسمرت مكانها و لم تستطع التحرك لا لغلق الباب و لا الخروج من المصعد كان يقبل عليها كأنه تنين فاردا جناحيه  و كلما أقترب كلما رأته  كأنه عيونه تزداد احمرارا و اللهب سيخرج من فمه ينفثه في وجهها يحرقها . شعرت بجسدها يرتعش و جبينها يتعرق و صوتها المختنق يخرج رافضا كمن ينازع " لا تقترب .. أبتعد .. لا تؤذيني " مع كلماتها الرافضة وجدت جسدها يعود للحركة و ذراعيها يرتفعان في وجه القادم صارخة عليه توقفه عن الاقتراب.. " أبتعد عني لينجدني أحد أرجوكم يريد أن يؤذيني "
تسمر الرجل مكانه ينظر إليها بصدمة و هى تلتصق بحائط المصعد المعدني تكاد تخترقه . و العاملين في المكان بدأوا يتوافدون و يشاهدون تلك الدراما يظنون أنها افتعلتها عمدا لتلفت انتباه الرجل الذي لم يكن غير صاحب الشركة الجديد . فهى و إن كانت معروفة بالحذر و اجتناب الرجال و الجلوس في أي تجمع في الشركة حتى لو كان تناول الطعام وقت الراحة فلم يعرفوا أسباب حذرها هذا أو تجنبها للاختلاط مع زملائها في العمل و الذي حدث ذلك اليوم أن الجميع أصبح يعلم عنها و مما تعاني و لقد أصبح هذا مثار سخرية من البعض و شفقة من البعض الآخر  ..  قال الرجل بغضب لم يسيطر عليه 
" أهدئي آنستي لن يؤذيك أحد هنا "
ردت ميسم بجنون و قد استبد بها الفزع و أن نهايتها قد اقتربت إذا اقترب منها هذا الرجل " بل ستفعل أنت.. أبتعد . أرجوك لا تؤذني"
شعر الرجل بالغضب و تقدم منها ليخرجها من المصعد " حسنا أخرجي أمام الجميع لتصدقي أني لن أوذيك " كان يسب داخله هل هكذا يستقبلونه أول أيامه بعد عودته . لم يكن قد تعرف على الجميع بعد و يبدو هذه الهيستيرية لم تعرفه بعد من تظنه قاطع طريق . " لا لا لا . أبتعد لا تلمسني " قالتها بصراخ و هى ترتجف كمن سقط في بحيرة متجمدة ليتراجع الرجل مرة أخرى . قال يجيبها برفق رغم غضبه منها فيبدو أن صوته الغاضب يثير فزعها أكثر " آنسة؟؟ .. ما اسمك . اهدئي لا أحد هنا سيؤذيكِ . و هل سأفعل و كل هؤلاء متواجدين حولنا "
تقدمت فتاة من العاملين تقول بتوتر " سيدي أتركها و أنا سأخرجها من المصعد "
قال الرجل بنفي رافضاً فإن تركها ربما ظنوا حقاً أنه كان يتحرش بها " لا بل سأفعل أنا حتى تطمئن "
لم تستطع الفتاة أن تمنعه التقدم من ميسم و تشرح له أمرها فقد دلف للمصعد و قال بحزم " تفضلي يا آنسة أخرجي و عودي لمنزلك يبدوا أن اليوم أعصابك مضطربة و ...... " لم يكمل الرجل حديثه عندما وجدها تنحني و تتقيئ على حذاءه و قد شحب وجهها قبل أن تسقط مكومة "
عندما سردت لها تيسير ما حدث بعدها أخبرتها قائلة أنه ذلك اليوم التفت إليهم بصدمة سائلا بدهشة " هل هذه الكاميرا الخفية و أنتم تستقبلوني بطريقة متطرفة قليلاً "
عندما لم يجيبه أحد قال يضيف بدهشة " هل الفتاة فقدت الوعي خوفاً مني حقاً "
قالت الفتاة بقلق " سيد ناثر أتركني أساعدها فقط و سأخبرك ما الذي حدث "
عاد ناثر لينتبه أنه بالفعل تارك الفتاة على الأرض . فقال بضيق " حسنا أطلبي الطبيب و سأخذها لمكتبي "
قالت تيسير بجدية " لا سيدي أرجوك سأخذها لمكتبنا و سأتصرف معها أرجوك أنت لا تشغل عقلك بها "
و هذا ما فعلته تيسير عندما أخبرتها و هى تجعلها تفيق بعد أن حملها هو لمكتبهم طالبا منها الذهاب و اخباره عن الذي افتعلته دون داعي . و ها هى مازالت سخرية الجميع حتى بعد مرور شهر على الحادث و بعد رفضها الذهاب للعمل بعدها أقنعتها تيسير التي تنظر إليها الأن غامزة من خلف مكتبها و هى تشير للفتيات المتهامسون  عليها . لوت ميسم شفتيها بحنق . مازالت تسخر منها هى أيضاً .  يظنون الأمر مضحك و مزاح .. تنهدت ميسم بحزن مفكرة هل ستظل دائما هكذا . هل هى مجنونة كما يخبرها البعض كأبنة عمها ميساء عند رفضها الحديث مع أخيها مهاب أو عمها راضي .. هل كانت ستفعل المثل لو كان والدها مازال حيا . هل كانت سترتعب منه أيضاً . لم تفعل من الأساس لم ليست طبيعية كباقي الفتيات . ذاكرتها لا تحضر موقف معين يجعلها تخشى الرجال . ليس لها ذكريات مع والدها لتعرف كيف كانت تتعامل معه . بعد الثانوية أكملت دراستها الجامعية في المنزل و لم تكن تذهب إلا للضرورة . حتى العمل فعلت فقط كونها تعمل في مكتب به أربعة أخريات غيرها و ليس لهم علاقة بالعمل المختلط في الشركة هى تعمل مجرد مصممة إعلانات و تترك عرض عملها على مديرة مكتبهم السيدة زينب التي تخبرهم من أعتمد عمله و من رفض . نهضت تيسير من خلف مكتبها و استندت على مكتبها براحتيها قائلة " تأتين معي اليوم عيد ميلاد ميرنا ابنة عمي "
أجابتها ميسم رافضة " لا . أخشى أن أفسد عليها الحفل هنئيها بالنيابة عني "
قالت تيسير سألة بحزن " ميسم . لم لا تذهبين لرؤية طبيب ليساعدك "
ردت ميسم بضيق و صوت خافت " أنا لست مجنونة "
ابتسمت تيسير بهدوء " أنا أعرف ذلك أنا لا أصادق المجانين "
ضحكت ميسم بخفة " حسنا أذهبي لعملك حتى لا تأتي زوزو تعلقك على باب المكتب "
ضحكت تيسير بمرح " أو ربما ترسلني لمدير الشركة ليؤدبني سأقبل بذلك "
توترت ملامح وجهها و أجابت بنزق " هيا أغربي من أمامي و لا تأتي على سيرته فكل شيء يعود لذاكرتي كلما تذكرته .. هل كنت حمقاء كثيرا ذلك اليوم  "
ليأتي ذلك الصوت الخشن من خلف تيسير  يمنع جواب صديقتها و هو  يقول  " مساء الخير آنساتي "
وقفت تيسير بجانب ميسم عندما سمعت شهقتها الخائفة و نظرت لذلك الواقف على الباب و بجانبه امرأة متوسطة العمر تبدوا في الأربعين و مديرتهم زينب بجانبه و هو يقول .. " كيف حال الجميع"
كانت عيناه مثبتة على ميسم التي مدت يدها تمسك بيد تيسير الواقفة بجانبها كأنها تلتمس منها الحماية . تقدم خطوة تجاهها ليخرج منها صوت مختنق خافت سمعه الجميع و لكن لا أحد منهم عقب على الأمر  .. قال ناثر بهدوء و عاد الخطوة التي تقدمها نحوها ليقف بجانب المرأة مرة أخرى " السيدة إحسان ستبدأ العمل معكم منذ اليوم . هى فقط منتدبة من شركة صديق لي لتقوم بمساعدتكم هنا " لم يجد منذ ذلك اليوم إلا عقله ينشغل بتلك الفتاة التي ارتعبت منه ليجد نفسه يعرف عنها كل شيء  من صديقتها و يقرر جعل أمرها يخصه ..
تقدمت إحسان تقول باسمة " أنا سأظل هنا في هذا المكان و لو تسمح لي آنسة ؟؟.."
قالت تيسير نيابة عنها " ميسم "
قال ناثر بهدوء " لا تجيبي عنها هل هى صغيرة أو ليس لها فم "
قالت إحسان بهدوء " حسنا ميسم .. أنه أسم جميل . سأضع مكتبي بجانبك هنا . فهذا جانبي في شركتي الأصلية و لا أحب أن أغير المكان كثيرا "
أومأت ميسم برأسها و عيناها على ناثر  كأنها تنتظر هجومه عليها أي وقت . قال بهدوء " حسنا سأترككم تتعرفون على بعضكما و سأجعلهم يحضرون لك مكتبك سيدة إحسان . أتمنى أن يعجبك العمل هنا أيضاً "
صافحته إحسان قائلة " أكيد سيد ناثر العمل هنا لا يختلف كثيرا عن شركتنا سيعجبني بالتأكيد  تفضل أنت و إذا كان هناك شيء سأخبرك "
ذهب ناثر عائدا لمكتبه فقالت إحسان باسمة و هى تجلس على مقعد  بجانب ميسم " هل ستتضايقين من وجودي بجانبك إذا كان يمكنني البقاء في الجانب الآخر ."
أجابت ميسم بصوت خافت و قد هدئت قليلاً برحيل ناثر "  لا سيدتي لا يضايقني ذلك "
سألتها إحسان بهدوء "ظننت أنك تضايقتِ عندما قال المدير ذلك فوجهك كان شاحبا و ملامحك متوترة "
تدخلت تيسير " لا شيء من هذا سيدة إحسان يهيئ لكِ"
أومأت برأسها موافقة و قالت باهتمام " لم لا نتعرف على طبيعة العمل هنا منك ميسم ربما كان غير طريقة شركتنا "
قالت تيسير و هى تعود لمكتبها " حسنا أترككم معا و أعود لعملي"
***************★
طرقت إحسان الباب بهدوء بعد انتهاء العمل فسمح لها ناثر بالدخول قائلاً  " تفضل "
دلفت للمكتب و قالت باسمة " كنت أعلم أنك ستنتظرني "
أشار إليها ناثر بهدوء لتجلس " تفضلي سيدتي . بالطبع لن استطيع الذهاب دون أن أعلم ما حدث ذلك اليوم تمثيل و كذبة من صديقتها و منها أم الفتاة حقاً مريضة "
ردت إحسان بهدوء " حسنا  سأجيبك بالطبع  ببساطة سيد ناثر الفتاة تعاني من فوبيا الرجال . أنها مريضة و مرضها هو الخوف من الرجال "
عقد ناثر حاجبيه بحيرة و بعض الدهشة فهو لم يسمع أبدا بمرض كهذا . سألها بجدية " و ما هو ظنك في سبب هذا سيدة إحسان هل تظنين أنها تعرضت لشيء بشع من أحدنا "
قالت إحسان بهدوء " لا أعلم ربما حدث ذلك سأعلم عندما اتقرب منها أكثر و أتحدث معها إلا إذا فضلت أن تنهي الموضوع هنا طالما تأكدت أنها مريضة و لا تكذب "
قال ناثر بحزم " لا بالطبع لتكملي مهمتك سيدتي لتحظى الفتاة ببعض المساعدة التي يبدو أنها لا تحصل عليها من أحد من عائلتها"
ردت إحسان براحة " حسنا سيد ناثر كما تريد "
قال بحزم مؤكداً " سيكون بيني وبينك بالطبع "
ردت إحسان بصدق " أكيد و لا حتى ميسم ستعرف . سأذهب الأن إلى اللقاء "
غادرت إحسان و ظل ناثر يفكر في ما تعانيه تلك الفتاة . ليشعر بالشفقة عليها و هى مضطرة للاختباء و الابتعاد عن نصف سكان الكرة الأرضية ..
*************★
و هذا ما كان عليه الوضع في الشركة  و ما تبعته إحسان للتقرب من الفتاة و مساعدتها دون أن تعرف كانت  تأتي ميسم لتجدها جالسة قبل أن يأتي أحد و تظل تحادثها حتى يأتي الجميع و يبدأون العمل و رغم أنها لا تفعل الكثير أو لا تفعل شيء من الأساس مما جعلها تتعجب من ذلك إلا أن وجودها بعث الراحة في نفسها و تستريح للحديث معها . كانت تحادثها عن كل شيء عن حياتها والدتها التي لم تتزوج بعد والدها مفضلة البقاء معها هى مكتفية بها . دراستها عملها هنا . كانت نظرات تيسير متعجبة من هذا التقارب السريع و لكنها تعترف أن إحسان امرأة طيبة القلب و تريح   في الحديث .. كان وقت راحتهم من العمل فقالت إحسان باسمة
" هيا ميسم لن أتركك اليوم  تجلسين وحدك و نحن نذهب للكافيتريا نتناول الطعام و أنتِ وحدك هنا  "
ردت ميسم بتوتر " لا أرجوكِ  أنا أفضل البقاء هنا . لا أحب التجمعات و الثرثرة "
استسلمت إحسان قائلة " حسنا أنا سأظل معك هنا "
رفضت ميسم بقوة " لا داعي لذلك يمكنك الذهاب أنا لا أهتم حقاً بالذهاب لهناك "
لم تشأ أن تفرض نفسها عليها فخرجت لتذهب . مرت الأيام و ميسم و إحسان تتقاربان أكثر . أتت لتسألها بعد تناول الطعام قائلة " ميسم لقد سمعت حديث من الفتيات عنك هل ما يقولونه صحيح "
لم تسأل ميسم عن الحديث الذي سمعت عنه فهي كانت تنتظر أن تثرثر أي من التافهات عنها ليخبروها بذلك الجنون الذي حدث ذلك اليوم . قالت ميسم بمرارة ساخرة " أتعجب من مضى كل هذا الوقت دون أن يخبرونك أو تستمعي لم فعلته "
ابتسمت إحسان بلامبالاة " عزيزتي لا تهتمي بهم . ثم الإنسان معرض لبعض الضغط من وقت لآخر ربما كنت متعبة ذلك اليوم "
قالت ميسم بمرارة " نعم مضغوطة طيلة حياتي "
رمقتها إحسان بهدوء و سألتها باهتمام " لم لا تخبريني عن الأمر ربما ساعدتك "
قالت ميسم بحزن "  لا أحد يستطيع مساعدتي "
قالت إحسان بهدوء " جربي فقط "
قالت ميسم بشرود " كلما اعتصرت عقلي باحثة عن بداية الأمر لا أجده كل ما أتذكره هو خوفي الدائم منهم ."
سألت إحسان " والدك هل كان قاسيا عليكِ "
هزت رأسها نافية بقوة " لا أتذكر فأنا لا أتذكره هو فهل أتذكر علاقته بي "
ابتسمت إحسان بهدوء " حسنا لا تهتمي  بذلك  . نسيت أني لدي موعد الأن سأذهب و أخذ فرصة من العمل أراكِ غداً "
أومأت ميسم برأسها بحيرة و هى تراقب انصراف إحسان "
تقدمت تيسير لتقف أمامها متكتفة " لقد اكتفيتِ بها عن الجميع"
ابتسمت ميسم و نهضت لتضمها قائلة بمزاح " و هل لي صديقة تتحمل جنوني غيرك "
ابتسمت تيسير بمرح " تضحكين على قلبي الطيب و يصدق "
ضحكت ميسم بخفة " يسلم لي قلبك الطيب "

حكايات  زواج   ( قصص  قصيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن