فنجان قهوة & قصة قصيرة & صابرين شعبان

5.6K 258 71
                                    

فنجان قهوة

وقف مسمرا ينظر للسائل البني و هو يسيل أمامه غير منتبه لم يتفوه به الرجل السمين الجالس خلف مكتبه يرى السائل و كأنه شلال مندفع سيغرق كل شيء .. لا ليس شلال .. بل طوفان يكتسح كل شيء أمامه بيته . أولاده . زوجته . و أمه المريضة . و ابنة أخيه المتوفي .. كان ذلك الملف أمام الرجل يتشرب بالسائل البني كأنه إنسان عطش له ألف عام لم يرتوى ليسقط عليه السائل فيلتهمه بنهم . لتتحول ورقاته البيضاء إلى اللون البني الغني للقهوة . محمود مسمر يراقب السائل يتضاءل و يتضاءل على المكتب ليمتصه ويتشربه الملف بأكمله .. ها هو قد جن و كأنه يرى الملف كشخص يربت على معدته من التخمة بعد أن تناول وجبة طعام دسمة و مشبعة . يفتح فمه و يتجشأ أيضاً .ها ها ها يا للسخرية مازالت تراقبني هيا أذهب من هنا قضيت على مستقبلك و مستقبل عائلتك هكذا يهيئ له أنه يسمعه يسخر منه . عاد محمود لينظر للرجل السمين يشيح بيده و يتحدث و يتحدث و صوته لا يصل لأذنه ليخبره إن كان يصرخ عليه و يوبخه أم فقط يطلق عليه رصاصة العقاب و الانتقام التي ستنهي حياته و حياة أولاده الاثنين و باقي المعلقين في رقبته . استدار محمود فقط استدار و غادر المكتب دون كلمة . عد يا محمود عد .. صوت محذر يهمس في أذنه يرجوه أن لا يرحل ليعود فقط يجثو أمامه طالبا السماح . كبرياء رجل يقف هناك في الطريق يمنعه من العودة إليه و فعل ما يخبره به الصوت الهامس . درجة اثنان ثلاثة . سأكون خارج المكان . سأكون في مواجهة العالم الحقيقي . و رؤية وجهه البشع . وجه الحاجة وجه العجز دون حماية . أخذ يعبئ صدره بالهواء بقوة بعد خروجه و شمس في كبد السماء تبعث حرارتها لتخترق تلك البذلة البنية بصف أزرارها العتيق و جيب سرواله الواحد . و الآخر الخلفي بعد أن ثقب الأخر و أزالته زوجته حتى لا ينسى و يضع به نقوده فتسقط .. نقوده التي فقد للتو مصدر رزقها .. رفع راحته ليزيل عرقه . هل سار كثيراً ليتعرق لا يعلم .. لم يشعر و كأنه سار أعوام ؟ . مر في طريقه المتعاد وصولا لمحطة القطار الذي يستقله للمجيء و للعودة ليوفر بضع جنيهات كل يوم مع ثمن غداءه الذي يوفره لعله يسد حاجة أخرى أهم من حوائج عائلته مكتفياً بتناول الطعام مع عائلته ..
ها هما الولدين اللذين يراهم في رحلته اليومية أحدهم بائع الجرائد و الثاني ماسح أحذية .. ملابسهم متسخة و ملامحهم مرهقة ربما من الاستيقاظ مبكراً لم يشعر أنهم أكثر منه حظا و أمانا لوجود عملهم هذا رغم بساطته . ما هذا ؟؟ هل هذا جرح في يد الولد ماسح الأحذية؟ . كيف أصيب به ؟ لم يقف يوماً و يهتم بمراقبة أي مما يدور حوله مهتما بشؤونه فقط و كأنه لا يعنيه في الدنيا غير نفسه و عائلته و لكن أليس هذا صحيحا .. سخر من نفسه بحزن فهو اليوم يستحق أن لا يفكر به أحد أو يعيره اهتماما أو يحزن لمصابه كما لم يفعل هو مع أحد من قبل .. وجد محمود نفسه يقف مسمرا أمام باب المحطة و كأن طاقته قد نفذت و يريد إعادة شحن . بل هناك حاجز يمنعه الحركة و الدخول لداخل المحطة الكبيرة بجدرانها العالية من الصلب لتتحمل صوت نفير القطار المزعج الذي يصم الأذان بعض الأحيان عندما يلح القطار في إعلام منتظريه أنه قادم أو راحل . جاء رجل ليقف أمام الولد ماسح الأحذية و هو يضع قدمه أمامه ليمسح حذائه .. بالكاد يعمل الولد بسرعة من جرح يده زجره الرجل بغضب .. " فلتسرع يا ولد لدي عمل كثيراً لا تضيع وقتي "
رد الولد بقوة بعيدة تماماً عن مظهره المشعث المرهق " لا أحد هنا أسرع مني يا سيدي لا تخف لن تتأخر الرزاق باقي و الرزق في الطريق "

حكايات  زواج   ( قصص  قصيرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن