البارت الثالث

1K 137 47
                                    

جونغان لم يتطلع مرّةً الى الموت. إنه يعرف أنَّ الموت يتسلل بلا هدف في الشوارع الرطبة، في الممرات القاتمة للمستشفيات و في أعماق الغابات المظلمة يبحثُ عن ضحيتهِ التالية. لكنّهُ لم يتخيل أنهُ سيأتي يوماً يحدقُ فيه بالموت بنفسه وأنَّ الموت لديهِ وجهٌ لا يمكن نسيانه بسهولة. يجدُ جونغان نفسه يحفرُ كل التفاصيل في ذهنه بينما يُصَّور بعينيه حاجبيّ سيهون الغليضين والظلام في قزحية عينيه وتلكَ الإبتسامة الخفيّة على شفتيّه. إنه يبحثُ عن عيب ليكون بمثابة علامة تذكير دائمة عن شكلِ قاتله، ولكن لا يوجد مثل هذا النقص.

في حركة مُفاجئة و سريعة يلمح جونغان إصبعَ سيهون. إنّهُ يسحبُ الزناد و جونغان يومض. يتلاشى صوتُ نقراتِ إسطوانة المسدس الفارغة في المقصورة الصغيرة من اليخت معَ الهدوء المدمر للبحر. سيهون نظرَ إلى المسدس ثم إلى أسيره مرة أخرى، هو يبدو مستمتعاً تقريباً. لم يدرك جونغان أنه كانَ يحبس أنفاسه حتى بدأ يُكافح للحصول على الأوكسجين بشهقاتٍ ثقيلة. إنه يكافحُ من أجل البقاء مستيقظاً، إنه بحاجة إلى البقاء مستيقظاً. لكنَّ الأمر بعيدٌ عن الانتهاء.

بعد ثانيةٍ فقط ، يطلقُ سيهون النار من جديد. غرفة أخرى فارغة في إسطوانة المسدس جعلت من عظام جونغان تجمد و بدأ يرتجفُ على حين غرّة. يتجسدُ طيفٌ من الأمل الضعيف في رأسِ جونغان بينما يترجى بداخله أن تكون نوايا الرجل فقط محاولة تخوفيه. لكنَّ نظرةَ العنفِ في عينيّ الرجل أبعدُ مما يتصور، فهو يحملُ فراغاً في تلكَ الأعين، خالٍ من أي شعورٍ أو عاطفة. هذا الرجل لديه القدرة والإرادة لقتلِ شخصٍ ما، جونغان أخيراً أدرك. وهذه الليلة هذا الشخص سيكون هوَ.

يتحركُ سيهون إلى الخلف بوصةً واحدة ويلاحظُ أنَّ السيجارة الموجودة بين أصابعه قد إنطفأت. يأخذُ عصا أخرى من جيبه ويشعلها. "عادة سيئة." هو همسَ ببرود ومن ثمَ عاد ليحمل المسدس بيده كما لو كانَ مجرد لعبة و يوجههُ إلى الجانب الأيسر من صدرِ جونغان ويطلق النار مرتين.

تَنفُس جونغان أصبحَ غير منتظم. هو شعرَ بشيءٍ أشبهَ بزلزالٍ يعصِفُ في بطنه مما يجعله يرغب في إفراغِ محتوياتِ معدته. الذعرُ الذي شعرَ به منذ دقيقة يتجمعُ في دوامةٍ من الغضب. هوَ قامَ بسحبِ يده من الرباط الملفوف حولهما بينما تبدأ شرائطُ الحبلِ السميكة في جرحِ معصميه، لكنه تخدر من الألم. يبتلعُ الضوء المعلّق في السقف الغرفة بينما يومضُ سيهون بعينيه ويستهدفُ جونغان مرّةً أخرى ، وهذهِ المرّة الهدف كانَ مباشرةً في جبهته.

لم يعد هنالكَ أي فائدة، جونغان توقفَ عن تحرير نفسه من القيود. لم يتبقَ سوى غرفتان من إسطوانة المسدس و إحداهما ستكونُ قبره. هوَ لم يستطع رؤية أي عاطفة في عيون قاتله لكنَّ جونغان لن يقوم بالتوسل على حياته. سيهون يقوم بسحبِ الزناد للمرة الخامسة و جونغان بصورةٍ غريزية تراجعَ إلى الخلف. صوت إرتطام الكرسي الفولاذي بالأرض المدمر للأذن صدحَ مع حشرجة إطلاق المسدس لدرجةِ أنَّ جونغان كان يجهل ما إن قد تمَ إطلاق الرصاصة أم لا.

رصـاصـة فـي القـلـبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن