الفصل السادس

16.5K 467 24
                                    


شهر ونصف... خمسةً وأربعون يومًا... ألف وثمانين ساعة.. أربع وستون ألف وثمانِمائة دقيقة وبكل دقيقة يتوالد بداخله إشتياق إليها... إشتياق لرؤية عيناها السوداء اللامعة وخصلاتها المتراقصة وابتسامتها الآسرة...

يجلس منذ نصف الساعة في حديقة منزل والديه قلبه يتضارب بقوة وعقله لا ينفك عن التفكير، زفر أنفاسه بألم وهو يعود ككل يومٍ بعد بحث يدوم لساعات يشعر بالندم يتآكله على جرحه لها فتت قلبها الرقيق بين قبضتاه فتفتت قلبه كشظايا يفتقدها....

جلست صافية بجواره تربت بيداها الحانية فوق كفه الموضوعة على ركبته تكاد أنفاسه تخنقه.. نظرة حزينة شملته بها، عيناه منطفئة منذ اختفاء تارا وابتسامته غادرت شفتاه حتى عندما يبتسم لأبنته الصغيرة يتصنع الابتسامة فاسمها يذكره بها؛ تارا نجمة... كلتاهما وجهان لعملة واحدة... عملة قلبه...

هتفت صافية بحنان أمومي :
- هتفضل كدا لحد أمتى يا يحيى

ردد بنبرة واهنة متعبه كجسده :
- لحد ما ألقيها يا ماما

هتفت بعتاب تشمله بنظرة تحمل الغضب تجاه عناده وإنكاره بالمقام الأول :
- ولما أنت بتحبها كدا عملت فيكوا كده ليه من الأول

تشدق بنبرة حاول إكسابها اللامبالاة ينكر ما يحاول قلبه أظهاره أمام عيناه :
- مبحبهاش أنا بس قلقان علشان مراتي وبنت عمي وبعدين خايف عليها مبتعرفش تتصرف لوحدها طول عمرها لخمة

رفعت حاجبيها تردد بسخط :
- أنت بتكدب عليا والا بتكدب على نفسك يا يحيى تارا اللي بتقول عليها لخمة ومبتعرفش تتصرف فضلت خمس سنين في بلد لوحدها محدش فينا كان جنبها

ثم نظرت له تهدر بقوة :
- أنا نفسي أعرف مستني ايه!! مستني خمس سنين كمان تبعدهم عنك

عيناه تتطلع لها بإنكسار وحزن ألم ينهش بقلبه يدميه، زفرة حارة خرجت من أعماقها تتابع بحنان ولين :
- أنا أمك يا يحيى الوحيدة اللي حست بيك تسع شهور في بطني قبل ما أي حد يحس بوجودك... سنة من عمرك كنت بتعيط محدش بيفهمك غيري أمتى سقعان! أمتى جعان! أمتى موجوع! تفتكر وأنت راجل كدا عمري ما كنت هفهم إنك بتحبها...

صمتت تنظر لعيناه تواجهه كمرآته تكشف خبايا قلبه أمام عقله الكفيف المغمض...
تابعت ودمعة حزينة تسقط على وجنتها مثيلتها تتساقط على وجنته هو :
- من وأنت في الجامعة لما كنت بستغرب إن حياتك كلها بتدور حوالين تارا... تصاحب واحدة يومين وتيجي تحكيلي إنك مش حاسسها، أصل متصرفتش في الموقف ده زي تارا... دي دمها تقيل ما بتهزرش زي تارا... دي لما قالت يويو محستهاش زي ما بحسها من تارا

ضحكت بسخرية وألم :
- تفتكر كل ده ومعرفش إنك بتحب تارا

صاح يحيى بقهر يرمى بالكوب الموضوع فوق الطاولة الزجاجية أرضًا :
- ومقولتليش ليه كل السنين دي!! مواجهتنيش باللي جوايا ليه.. جاية تقولي بعد ما ضاعت مني

عشق في سماء الماضي "نوفيلا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن