(3): لقاء عميق

169 19 15
                                    

كان من المتوقع ان تدوم تلك الرحلة 10 ساعات نظرًا لبعد المخيم عن وسط المدينة اذ كان يوجد على مقربة من حدود انجلترا و اسكتلندا.
عندما وصل إلى مكانه في الحافلة لم يعلم سبب شعور غريب انتباه، و لكنه تجاهل الأمر قائلا في نفسه "ها نحن ذا، من جديد". التفت الى صديقه و اخيه توم و أشار له بمعنى سأراك عند الوصول. وضع اغراضه في مكانها ثم جلس ليراها متناولةً كتابا كعادتها، هذه المرة كانت الرواية الفرنسية Madame Bovary و اذ بها تقرأ و كأنها خلقت لتعيش بين الأسطر و تجد فيها حياةً مثيرة للإهتمام أكثر من الحياة العادية.
اما هي فقد لاحظت تركيزه معها على الكتاب. كانت في داخلها رغبة ما لتبدأ الحديث معه بَيْد أن تفكيرها شرع في طرح الأسلة : "كيف سأبدأ؟ و ماذا سأقول ؟ عن ماذا سأتحدث ؟ لااا فأنا لا اجيد الحديث مع شخص لازلت لا أعرفه جيدا الى جانب انني لم اشكره لإعادته هاتفي .. مهلااا ! هذا الحل ! سأشكره عن ذلك الأمر و من ثم سأرى إن بدأ التكلم معي في مواضيع أخرى أم لا"
حاولت استجماع قواها لتتكلم و كأنها ستشرع في حرب او ستقاوم عاصفة، تلك هي شخصيتها الخجولة التي دائما ما تباغتها في مواقف لا يجب أن تخجل فيها البتة.
كان يراقبها بإستمرار الى أن طوت جزءا من صفحة و اغلقت الكتاب..
نظرت له و بدأت تتلعثم "ا.. انا .. ن.. نسيت أن اشكرك على إعادة هاتفي في ذلك اليوم.. و.. و اسفة لأنني لم أشكرك حينها"
ابتسم قليلا و كانت ابتسامته لها تشعرها و كأن العالم يتوقف في تلك اللحظة.
"-لا داعي لأن تشكريني، ذلك واجب"
نظرت باهتمام و ظنت انه لا يريد التحدث بل أنه يصدّ كل الطرق التي تسلكها للتواصل، الا انه بقي يفكر لحظة ثم قرر بدأ الحديث معها فسألها :
"- الحقيقة.. أنه في المرات التي كنت أراكِ فيها لا تفارقين الكتب أبدا ما الجنس الأدبي الذي تفضلينه ؟"
بقيت تحدق و في داخلها سعادة لم تعرف منبعها تنهدت ثم اجابته
"-شخصيا ليس لدي جنس ادبي محدد، و لكني اقرأ كل الأنواع من الموسوعات الى الروايات الطويلة فالمهم بالنسبة لي هو أن أقرأ و أن تكون عيناي قد وقعت على أكبر قدر ممكن من الأسطر في الدنيا.
-و لم هذا الشغف الكبير بالكتب ؟
- منذ صغري و أنا هكذا لا اعلم السبب، ما يعجبني في القراءة انها علاقة يستحال ان تنتهي، كما انها المرافق الوحيد للعمر و التي لا تمل منها مهما طال الزمن.
-(مبتسما)و الظاهر انكِ تطالعين بأكثر من لغة..
-(بوثوق تام) نعم فأنا أجيد اللغة الألمانية و الروسيةو الفرنسية. أريد تعلّم الإيطالية و لكني وجدت صعوبة في تصريف الأفعال فمعضم الأفعال لديهم لا تنطبق عليها القاعدة مما يجعل الأمر صعبا جدا لذلك قررت تعلمها لاحقا ..
-(صوته ملؤه الاهتمام) اذا ما ذلك الكتاب المخفي ؟؟ للنظر (مدّ يده الى الكتاب و تناوله بين يديه).. I pensieri rosa .. بمعنى التفكير الوردي [..]
-(بنبرة طفولية جد متحمسة) مهلا هل تعلمت هذه اللغة، أين !؟ كيف و متى !
-لم أتعلمها و لكني أجد نفسي أتحدثها فجأة
-من الطبيعي ذلك ما دمت إيطاليا ..
-والداي من هنا و ولدت هنا وليست لي اية علاقة بذلك البلد. هذا ما لم أجد له حلا في حياتي .."
بقيت ترمش عينيها بسرعة و كأنها تريد الفهم أكثر غير أنها فضّلت عدم الإستفسار فقاطع تفكيرها مضيفا : "أنا أيضا لا أدري عن الحكاية شيئا، ولم أفهم السبب وراء ذلك، و لكني فضّلت أن لا أعرف عن الأمر أكثر بكل بساطة؛ بالمناسبة.. أخبريني عن إسمك !"

المَكْسـُــــورْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن