كانت القاعة مكتظة بالاشخاص ،سياسيون و برلمانيون يأخذون مقاعدهم بوقار بعد تحية مستفزة و مليئة بالنفاق لبعضهم البعض اما الفئة الثانية فهي الصحافة التي تجهز ادواتها باحترافية و سرعة بالمقدمة فمنهم من هو يراجع الاسئلة و الاخر يبدء بالمقدمة و منهم المتوتر هناك عن كيف سيكون اداءه .اما افنان فهي في عالم اخر كل شيء جاهز امامها مسجل الصوت ،قلمها،دفترها،حتى راية علمها الصغيرة الموضوعة في حقيبتها لاخذ بركتها.
انها اهم مقابلة بالنسبة لها و اخيرا قبل السياسي الفرنسي الافصاح عن بعض الامور المتعلقة بالثورة الجزائرية و الاعتراف بها اخيرا ستكتب مقال لصالحا بلدها الحبيب هذا هو معنا الحلم الذي يتحول الى حقيقة بالنسبة لها .
هاقد حان الوقت و ها هو ذلك السياسي المزعوم يجلس على كرسي الاعتراف ها هي بدات تسمع هتافات الشهداء. بقيت مركزة على كلامه حرفا حرفا الى ان توقف الزمن بها و تجمد كل ما حولها على وطأ تلك الكلمات "اجل اعترف ان تلك الهياكل في المتحف الفرنسي تعود لجزائيين ،ولكن فرنسا ليست المسبب الرئيسي لها و انما حقيقة ما جرى لهم بسبب اعمالهم فهم كانو برابرة(همجيين)و ليس مناضلين كما تم الادعاء و نحن اوقافناهم عند حدهم و بقيت هياكلهم ذكرا للعالم لما كانت فرنسا تفعلهم من اجل السلم و السلام "
دخلت افنان في غيبوبة الى ان ايقظها صراخ الصحفيين و ذلك السياسي المدعي يغادر كرسيه غير مهتم لأحد .حملت اغراضها و خرجت بسرعة من ذلك المبنى الضخم الفاخر و هي لا تكاد تلتقط انفاسها حملت هاتفها سجلت رقما ما وكل ما قالت "تعال بسرعة خذني من هنا".
بعد مدة و افنان ما زالت تحت الصدمت اذ فاجأها صوت بوق من امامها .كانت سيارة صديقها سيد هنا انحنت و ركبت السيارة دون كلام
• سد:اذا اين الوجهة؟؟
• افنان:الى المقبرة ..
هنا عمّ الصمت و انطلق سد بسرعة متوسطة فهو يعرف راي صديقته في السرعة الجنونية و رد فعلها خاصة انها لم تكن بخير و هذا ما بدا يقلقه ففي الصباح كانت تنبآته من حماسها تشير الى نهاية تعاكس حالتها. اما افنان فلم تعره اي اهتمام او تفكير فقد بقت سارحة في جمال فرنسا الخلاب الذي لا يستطيع احد نكرانه او مقاوته لكنها رغم ذلك فقد احبت الجزائر اكثر رغم عدم زيارتها لها فقد كانت قصص والديها تكفي لذلك فمابالك لو رأتها اما الان فذلك السياسي الغِر قد تجرء و كذّب تلك قصص التي ترعرعت عليها و خُلقت في راسها المئات من التساؤلات هل كان والديها يروُون لها قصص خيالية ليما قبل النوم مثل باقي الاطفال ؟؟؟؟هل كانا يكذبان كذبة حطمت طفولتها في ثانية؟؟ هل عاشت و كرست حياتها من اجل كذبة ام ذلك المغرور يحاول اخفاء قذارة الفرنسيين بأي طريق؟؟و اسئلة اخرى ازعجت بها راسها؟؟.
• اذا كيف كانت المقابلة الخيالية ؟؟؟؟
• حقا انه ليس وقت السخرية صدقني لست في حالة تسمح لي بذلك
• على رسلك يا فتاة فقد اردت ان افتح باب للحوار منذ صعودك للسيارة لم تتفوهي بكلمة. اذا لما اتصلتي بي اذ لم تفرغي لي همك؟؟
• اخرس و من سيوصلني للمقبرة
• صدقتك ....فاليكن في علمك عندما تكونين جاهزة انا هنا
لم ترد عليه و عادة الى صفوتها و تساؤلاتها المناقدة لما عرفته طول حياتها. اخيرا وصلا الى المقبرة لم يصدق سد الامر فقد بدا له الطريق طويل و كئيب على غير العادة و كيف لا فهو لم يعهد افنان على تلك الحالة منذ ان إلتقيا لطالم كانت سنده و رفيقه في أحنك الاوقات كانت امرأة بألف رجل و هنا سمع صوتها
• توقف هنا و انتظرني لن يطول عملي
• أواثقة فالأبقى معك اعدك لن افعل شيء
• اريد ان ابقى بمفردي لو سمحت
كانت هذه خيبة كبيرة لسد يوم كان يجب ان يكون جنبها و يرد لها القليل مما فعلته من اجله هاهي ترفضه و تبعده ربما الامر بالنسبة لكم يبدو عاديا فهذا رأيها و علينا احترامه و لكن لسد كان مدمرا لذاته فهو سيبقى عديم الفائدة حتى للناس الذين آمنوا به .
في هذه الاثناء بقيت افنان تمشي بين الضرائح لتقف فجأة امام شاهدين مكتوب امامهما 《كارل باستوري 1965_2000》 و《مريم وهراني باستوري 1968 -2000》 لم تتمالك افنان دموعها و سقطة باكية فوق ضريح والديها كيف لا و ذلك السفق الصحفي املها الوحيد ليسحب كل شخص أساء الى بلدها و أمها كلامه كانت متشوقة لتضرب به غرور جدتها الفرنسية و تمحي به كل ذرة كبرياء لديها كان املها لتوصل الرسالة التي حاول والديها اصالها و لتُسمع صوتها ياا ناااس نحن الأفارقة لسنا همجيين نلبس اوراق الشجر و نصطاد لناكل اللحم النيئ و نغدر ببعضنا ننحن ايضا بشر آمنا بالسلم و عشنا به امسكنا يد اخوتنا لنمنعهم من السقوط ياااا ناسس نحن ايضا منا و فينا علماء ابهرو بشريتكم نحن سبب نصف علومك و لكن العيب الوحيد الذي لم يعجب قادتكم هو انا اردنا العيش بسلام و أردنا ان تبقى طبيعتنا على حالها أردنا ان نبقي على غاباتنا و صحارينا على حالها فهي رمز وجودنا فاتهمتمونا بالبدائية و الجهل و التخلف و كأن الحيوان افضل منا .و الان يا أمي حان دورك لتأخذ حقك من العتاب هل أمي كاذبة مثل أم ذلك الطفل ذو الثماني سنوات هل جعلتني اعيش في الأوهام، أوهام كم نحن شعب عظيم مبارك لا يعرف للنّفاق و الخبث طريق هل كذبت علي بعدما كنت أهاجم فكرة قصِّ قصص الحب و الأميرات للأطفال فهذه نافذة سيئة ليبدؤا بها حياتهم حين يكبرون قولي هل حقا اجبرتني على ان أطل من نافذة مشابهة أم هم مازالو يكذبون يا أمي و انت أبي أليست أخلاق الطبيب ان يخبر حقيقة المرض للمريض مهما كان الامر سيء اذا اتمنى انك لم تكن تنسى ذلك حين كنت تضعني على ساقك و تقرأ لي كتب تاريخ شعبنا اتمنى حقا ألا تخذلاني كما فعل الجميع .كان هذا الكلام الذي أوصلته دموعها الى قبر والديها الدموع التي لم يسبق ان درفت دمعة واحد منها في بيت جدتها .
بقي سد ساهن في الجهة التي اختفت فيها صديقته حتى بدء يرى خيالها بين الاضرحة قادم اليه و لكن عودتها كانت مختلفة عن ذهابها ها هي ترفع راسه بشموخ و تمشي بهدوء و غرور و كانها لم تعد منكسرة او تلك القطة المضطربة التي كانت جنبه منذ قليل اجل لطالم كان يتسال ما سر المقبرة لي يتعيدها اقوى كل مرة . صعدت الى السيارة و قالت بغرورها المعتاد
• اذا هل سنبقى هنا طول اليوم شغل السيارة
• حقا الا يمكن ان تنسي هذا الغرور و الكبرياء لدقيقة لا اعرف حقا كيف أتحملك
• ماذا هل قطي الظريف غاضب هل يريد ان يسمع كلام من جدتي حين أتأخر بسببه
• لا لااا إلا جدتك لست مستعد لمجابهتها
انطلق و الصديقان يضحكان و كأن شيء لم يكن فلطالمة كانت افنان بارعة في امتصاص مشاعرها كانت صاحبة وجه واحد لا يتغير ملامحه منذ موت والديها رغم المشاعر التي داخلها التي مثل البركان و سد كان يعرف حق المعرفة بذلك و لكن ليس مستعد للمخاطرة بفقدانها لذلك السبب.
ركن سد سيارته بعيد عن المنزل المخملي التي تملكه السيدة مدلين فعلاقته بها ليست جيدة لتلك الدرجة ثم سأل افنان ان كانت ستكون بخير و أكد عليها ان تتصل به إن حصل أي شيء .كان ردها عليه بطريقة غير مبالية ففي النهاية انها جدتها المرأة التي ربتها بعد موت والديها ثم ترجلت من السيارة بهدوء و توجهت نحو المنزل المخملي او بأحرى التعبير القصر العتيق فقد كانت عائلة السيدة مدلين إحدى نبلاء فرنسا منذ القدم و بعد انفصالها من والد كارل تزوجت تانية بأحد أهم ىجال الاعمال الذي كانت تربطه صداقة مع عائلتها و بعدموته ورثة عنه ذلك القسر بجانب الثروة التي قسمة على اولادهما كيفن و مرسيليا .
دخلت افنان عبر بواية القصر ثم سارعت الى النافذة الضخم التي تطل على القاعة لتسترق النظر ما ان كانت جدتها موجودة هناك فلمحتها جالسة بوقار على الاريكة ذات الطراز القديم الفخم و تمسك بفنجان الشاي باحترافية برجوازية و تحتسي منه ،قررت افنان الدخول بسرعة حتى لا تواجه جدتها فكِلاهما تعرفان الى اين سيصل بهما الامر إن تواجها ،دخلت و توجهت مباشرة لتصعد الدرج بسرعة كما خططت و لكن لم يحالفها الحظ هذه المرة و استوقفها صوت جدتها المليء بالغرور و الكبرياء و هوا يناديها ،استسلمت له و توجهت نحو القاعة الضخمة و وقفت امامها بتحد
• اذا اخبريني كيف جرت المقابلة اليوم؟؟
• اظن انك حظرتها على شاشة التلفاز فلما تساليني.؟
• اجل فذلك الامر لم يفاجئني حقا خاصة اني عشت ما احدهم في نفس المنزل تخيلي يا عزيزتي كم كان امر مستفز
• هذا يكفي انت تعرفين ان كل ذلك كذب و لن اسمح لك باهانة امي اكثر
• و اين الكذب في كلامي؟؟ كلهم متشابهين حتى والدتك بربرية مثلهم فتلك الخبيثة اوقعت بإبني لتتزوجه رأته مثل بطاقة مجانية لدخول عالم رغم كل محاولاتها لم تلق به ثم ذهبت الى الهاوية و اخذت ابني معها
رفضت افنان الاستماع اكثر و غادرت الى غرفتها و اقفلت الباب بقوة ثم توجهت نحو الفراشها و اخفت نفسها تحت اللحاف و سارت الى عالم الاحلام الى قصص والديها التي لم تكن تنتهي.